Drawer trigger

لمحة من حياة الامام الخميني"رض"

  ولد الإمام الخمینی (قده) عام 1320 للهجرة (21/9/1902 م) بمدینة خُمین - 349 کلم جنوب غربی طهران - فی بیت عُرف بالعلم والفضل والتقوی.. ولم تمضِ علی ولادته ستة أشهر حتى استُشهد والده آیة الله السید مصطفی الموسوی على أیدی قطّاع الطرق المدعومین من قِبل الحکومة آنذاک، وکان استشهاده (رحمه الله) فی الحادی عشر من ذی القعدة عام 1320 للهجرة. وهکذا تجرّع الإمام الخمینی (قده) منذ صباه مرارة الیتم، وتعرّف على مفهوم الشهادة. أمضى الإمام فترة طفولته وصباه تحت رعایة والدته المؤمنة السیدة هاجر التی تنتسب لأسرة اشتُهرت بالعلم والتقوى، وکفالة عمّته الفاضلة صاحبة هانم التی عُرفت بشجاعتها وقول الحق. وفی سن الخامسة عشرة حُرِم الإمام من نعمة وجود هاتین العزیزتین. مرحلة الدراسة والتدریس درس سماحة الإمام فی مدینة خُمین حتى سن التاسعة عشر مقدّمات العلوم، بما فیها اللغة العربیة والمنطق والأصول والفقه، لدى أساتذة معروفین. وفی عام 1339 للهجرة (1921 م) إلتحق بالحوزة العلمیة فی مدینة آراک، وبعد أن مکث فیها عاماً، هاجر الی مدینة قم لمواصلة الدراسة فی حوزتها. وهناک، وفضلاً عن مواصلة دراسته على ید فقهاء ومجتهدی عصره، إهتم بدراسة علم الریاضیات والهیئة والفلسفة. وفی الوقت الذی اهتم فیه بکسب العلوم، حرص علی المشارکة فی دروس الأخلاق والعرفان النظری والعملی فی أعلى مستویاته لدى المرحوم آیة الله المیرزا محمد علی شاه آبادی، علی مدی ست سنوات. وفی عام 1347 هـ (1929 م) بدأ الإمام الخمینی (قده) بمزاولة التدریس، أی منذ أن بلغ سن السابعة والعشرین من عمره،إذ درّس سماحته بحوث الفلسفة الإسلامیة، والعرفان النظری والعملی، وأصول الفقه، والأخلاق الإسلامیة. مرحلة النضال والثورة إبتدأ الإمام الخمینی (قده) جهاده فی عنفوان شبابه، وواصله طوال فترة الدراسة بأسالیب مختلفة، بما فیهما مقارعته للمفاسد الإجتماعیة والإنحرافات الفکریة والأخلاقیة. ففی عام 1943 م، ومن خلال تألیفه ونشره لکتاب (کشف الأسرار) قام سماحته بفضح جرائم فترة العشرین عاماً من حکم رضا شاه - والد الشاه المخلوع - وتولى الرد علی شبهات المنحرفین دفاعاً عن الإسلام وعلماء الدین. کما أثار فی کتابه هذا فکرة الحکومة الإسلامیة وضرورة النهوض لإقامتها. وانطلق الإمام الخمینی (قده) فی نضاله العلنی ضد الشاه عام 1962 م، وذلک حینما وقف بقوة ضد لائحة مجالس الأقالیم والولایات، والتی کان محورها محاربة الإسلام، إذ أن المصادقة على هذه اللائحة من قِبل الحکومة آنذاک کانت تعنی حذف الإسلام کشرط فی المرشحین والناخبین، وکذلک القبول باستبدال الیمین الدستوریة بالکتاب السماوی بدلاً من القرآن المجید. بید أنّ سماحته هبّ لمعارضة هذه اللائحة، ودعا مراجع الحوزات العلمیة وأبناء الشعب للإنتفاض والثورة. وعلى أثر برقیات التهدید التی بعث بها الإمام الى رئیس الوزراء وقتئذ، وخطابات سماحته التی فضحت الحکومة، وبیاناته القاصمة، وتأیید المراجع لمواقفه، إنطلقت المسیرات الشعبیة الحاشدة فی کلٍّ من مدینة قم وطهران المدن الأخرى، مما اضطُر نظام الشاه الى إلغاء اللائحة والتراجع عن مواقفه. مواصلة النضال دفعت الشاه لارتکاب إحدى حماقاته التی تمثّلت فی مهاجمة المدرسة الفیضیة بمدینة قم فی الحادی والعشرین من آذار عام 1963 م، وما هی إلاّ فترة وجیزة حتى انتشر خطاب سماحة الإمام وتصریحاته حول هذه الفاجعة فی مختلف أنحاء إیران. وفی عصر یوم العاشر من محرّم الحرام عام 1383 للهجرة (3/6/1993 م) فضح الإمام الخمینی (قده) عبر خطاب حماسی غاضب، العلاقات السرّیة القائمة بین الشاه وإسرائیل ومصالحهما المشترکة. وفی الساعة الثالثة من بعد منتصف لیل الیوم التالی، حاصرت القوات الحکومیة الخاصة بیت الإمام (قده)، وتم اعتقاله وإرساله مکبّلاً الى طهران. إنتشر خبر الإعتقال بسرعة خاطفة فی مختلف أنحاء إیران. وبمجرّد أن سمعت الجماهیر نبأ اعتقال الإمام (قده) نزلت الى الشوارع منذ الساعات الأولى لفجر الخامس من حزیران 1963، وراحت تعبّر عن استنکارها لعمل الحکومة فی تظاهرات حاشدة، أعظمها تظاهرة قم المقدسة، التی شهدت أکبر هذه الإستنکارات، والتی هاجمتها قوات النظام بالأسلحة الثقیلة، وکان نتیجتها سقوط العدید من المتظاهرین مضرّجین بدمائهم. ومع إعلان نظام الشاه الأحکام العرفیة فی طهران، إشتد قمع تظاهرات أبناء الشعب فی تلک الأیام، حیث قتلت وجرحت قوات الحکومة العسکریة الآلاف من أبناء الشعب الأبریاء. وکانت مذبحة الخامس من حزیران 1963 م بدرجة من القسوة والوحشیة. أخذت تتناقل أخبارها وسائل الإعلام العالمیة والمحلیة. وأخیراً، ونتیجة لضغط الرأی العام واعتراضات العلماء وأبناء الشعب داخل البلاد وخارجها، إضطر الى إطلاق سراح الإمام بعد عشرة أشهر تقریباً من المحاصرة والإعتقال.. واصل الإمام جهاده عبر خطاباته الفاضحة للنظام، وتصریحاته المثیرة للوعی. وفی هذه الأثناء تأتی مصادقة الحکومة علی لائحة الحصانة القضائیة التی تنص علی منح المستشارین العسکریین والسیاسیین الأمیرکیین الحصانة القضائیة، لتثیر غضب قائد الثورة وسخطه. فما أن یطّلع الإمام الخمینی على هذه الخیانة حتى یبدأ تحرکاته الواسعة، ویقوم بإرسال مبعوثیه الى مختلف أنحاء إیران، ویعلن لأبناء الشعب عن عزمه بإلقاء خطاب فی العشرین من جمادی الآخرة عام 1383 هـ. ألقی سماحة الإمام خطابه الشهیر فی الیوم المعلن دون أن یعبأ بتهدید النظام ووعیده. فانتقد لائحة الحصانة القضائیة، وحمل بشدة على الرئیس الأمیرکی وقتئذ. أما نظام الشاه فقد رأى أنّ الحل الأمثل یکمن فی نفی الإمام الى خارج إیران. ومرة أخری حاصرت المئات من القوات الخاصة والمظلیین منزل الإمام، وذلک فی سَحَر یوم الثالث من تشرین الثانی عام 1964 م. وبعد اعتقال سماحته، اقتید مباشرة الى مطار مهر آباد بطهران، ومن هناک، وطبقاً للإتفاق المسبّق، تم نفیه أولاً الى مدینة أنقرة (ترکیا)، ومن ثم الى مدینة بورسا الترکیة. وقامت قوات الأمن الإیرانی والترکی المکلّفة بمراقبة سماحة الإمام، بمنعه من ممارسة أی نشاط سیاسی أو اجتماعی. مرحلة الإبعاد والنفی إستغرقت إقامة الإمام بترکیا أحد عشر شهراً. وخلال هذه الفترة، عمل نظام الشاه بقسوة لم یسبق لها مثیل على تصفیة بقایا المقاومة فی إیران. مثّلت الإقامة الجبریة فی ترکیا فرصة اغتنمها الإمام فی تدوین کتابه المهم (تحریر الوسیله)، حیث تطرّق لأول مرة آنذاک فی کتابه هذا - الذی یمثّل الرسالة العملیة لسماحته - الى الأحکام المتعلقة بالجهاد، والدفاع، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، والمسائل المعاصرة. وفی یوم 5/10/1965 م یُنقَل سماحة الإمام برفقة ابنه السید مصطفى، من ترکیا الی منفاه الثانی بالعراق، لیقیم فی مدینة النجف الأشرف. ومن منفاه فی النجف کان سماحة الإمام، فضلاً عن انشغاله بتدریس الفقه لمرحلة البحث الخارج وعرضه للأسس النظریة لمبدأ الحکومة الإسلامیة التی حملت عنوان ولایة الفقیه، کان یتابع بدقة الأحداث السیاسیة التی تشهدها إیران والعالم الإسلامی رغم کل الصعوبات الموجودة، وکان حریصاً على إیجاد قنوات الإتصال مع الثوریین فی إیران، ومع عوائل شهداء انتفاضة الخامس من حزیران، والسجناء السیاسیین بشتى السبل. تشکیل الحکومة الإسلامیة ومکتسباتها لم یکن تحقق وعود الإمام الخمینی (قده) وانتصار الثورة الإسلامیة فی إیران، مجرّد حادثة داخلیة قادت الی تغییر النظام السیاسی، بل کانت الثورة الإسلامیة زلزالاً مدمراً للعالم الغربی، کما وصفها کثیر من المسؤولین الأمیرکیین والإسرائیلیین والأوروبیین فی مذکراتهم التی نُشرت فیما بعد. وهکذا، ومنذ صبیحة الحادی عشر من شباط (فبرایر) 1979 م، بدأ عداؤهم للنظام الإسلامی الفتیّ بشکل سافر وواسع وشامل. کانت أمیرکا تقود جبهة الأعداء التی ساهم فیها بشکل فاعل کلٌ من الحکومة الإنکلیزیة والعدید من الدول الأوروبیة الأخرى، جنباً الی جنب مع کافة الأنظمة العمیلة للغرب. کما انضم الإتحاد السوفیاتی السابق والبلدان الدائرة فی فلکه - بسبب امتعاضهم من سیادة الدین فی إیران - الى الأمیرکیین، وناصروهم فی الکثیر من مواقفهم العدائیة ضد إیران. وکان الإمام الخمینی (قده) یطمح، من خلال إعلان التعبئة العامة للشعب الإیرانی لإعمار البلاد، الى تجسید مثال المجتمع الدینی السلیم والمتطور. وبوحی من ذلک، أعلن عن تشکیل مؤسسة جهاد البناء التی هیّأت الأرضیة لحضور الکوادر المتخصصة والطاقات الثوریة فی المناطق المحرومة والقرى والأریاف، لتبدأ خلال فترة وجیزة عملیات شق الطرق، وإنشاء المراکز الصحیة والعلاجیة، وتأسیس شبکات المیاه والکهرباء على نطاق واسع. ولم یمضِ سوى شهرین علی انتصار الثورة حتى أعلن الشعب الإیرانی، فی واحدة من أکثر الإنتخابات حریةً فی تاریخ إیران، عن تأییده بنسبة 98.2 بالمئة لإقامة نظام الجمهوریة الإسلامیة فی إیران. وتلت ذلک الإنتخابات السیاسیة لتدوین الدستور والمصادقة علیه، وإقامة انتخابات الدورة الأولی لمجلس الشوری الإسلامی. وفی هذا الظرف بالذات إشتد تصعید أمواج الفتن ووتیرة الضغوط الخارجیة. وکانت أمیرکا تسعى عن طریق طابورها الخامس، الی إنهاء النظام الإسلامی بمشکلاته الداخلیة، والتمهید لإسقاط النظام عبر إثارتها للفتن والإختلافات. رحیل الإمام عند الساعة 22:20 من یوم السبت فی الثالث من حزیران عام 1989م انتلقت روح الإمام الخمینی لتتصل بالملکوت الأعلى عن عمر یناهز 87 عاماً. ووری الإمام الثرى بالقرب من (بهشت زهراء)(جنة الزهراء) إلى جانب ضریح شهداء الثورة الإسلامیة، المکان الذی أصبح یسمى فیما بعد حرم الإمام الخمینی (قدس سره). ترک الإمام تراث قیماً من المؤلفات منها وصیته السیاسیة ومجموعة مؤلفة من 22 جزءاً باسم "صحیفة الإمام الخمینی" کذلک جمعت أشعار الإمام فی "دیوان الإمام" کما جمعت دروس الإمام فی الحوزة العلمیة فی کتاب تحت عنوان "تقریرات الإمام الخمینی". وغیر ذلک من الکتب القیمة فی المجالات الفلسفیة والسیاسیة والأخلاقیة والأصولیة والعرفانیة والاجتماعیة. http://ar.imam-khomeini.ir/