Drawer trigger

النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) في روايات أهل بيته ( عليهم السلام )

ـ القسم الأوّل  ـ مؤسّسة الكوثر نحاول في هذا المقال التعرُّض أولاً إلى الكلمات والروايات التي وردت في حقّ النبيّ الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) عن طريق أهل بيته ( عليهم السلام ) ، الذين عاصروه وعاشوا تحت كنفه المبارك ، وشاركوه في الطهارة ، وجاهدوا بين يديه لرفع راية الإسلام خفّاقة في ربوع الأرض ، وخرجوا معه لمباهلة أهل الكتاب لإثبات حقّانية الدين الإسلامي ، ولمسوا عظيم خُلقه وسيرته عن قرب وكثب ، وهم : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وفاطمة الزهراء ( سلام الله عليه ) ، وسبطا هذه الأُمَّة الحسن والحسين ( عليهما السلام ) . ونحاول الاقتصار على بعض ما ورد عنهم ( صلوات الله عليهم ) رعاية للاختصار . النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) على لسان أخيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لقد سبق ذكر بعض الكلمات الخالدة والرائدة عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حقّ خاتم الأنبياء والمرسلين ( صلَّى الله عليه وآله ) ، عند التعرُّض لسجاياه ( صلَّى الله عليه وآله ) وسيرته وأخلاقه في القرآن الكريم , وإليك بعض الصفات الأخرى للرسول الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) على لسان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ضمن العناوين التالية : أولاً : جوده ( صلَّى الله عليه وآله ) . قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( كان رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) أجود الناس كفّاً ، وأكرمهم عشْرةً . مَن خالطه فعرفه ، أحبَّه ) . وفي حديث آخر قال ( عليه السلام ) : ( كان أجود الناس كفّاً ، وأجرأ الناس صدراً ، وأصدق الناس لهجةً ، وأوفاهم ذمّةً ، وألينهم عريكةً ، وأكرمهم عشْرةً . ومَن رآه بديهة هابه ، ومَن خالطه فعرفه أحبّه . لم أرََ مثله قبله ولا بعده ) . ثانياً : شجاعته ( صلَّى الله عليه وآله ) . قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : ( لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي ( صلَّى الله عليه وآله ) وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشدّ الناس بأساً ) . وفي حديث آخر : ( كنَّا إذا احمرّ البأس ولقي القومُ القومَ ، اتَّقينا برسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ، فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه ) . ثالثاً : طهارته ( صلَّى الله عليه وآله ) وعلوُّ مقامه . قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( سُئل النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) : أين كنت وآدم في الجنة ؟ قال : كنت في صُلبه ، وهبط بي إلى الأرض في صُلبه ، وركبت السفينة في صُلب أبي نوح ، وقُذف بي في النار في صُلب أبي إبراهيم . لم يلتقِ لي أبوان على سِفاح قط . لم يزل الله عزَّ وجلَّ ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة ، هادياً مهدياً ، حتى أخذ الله بالنبوة عهدي ، وبالإسلام ميثاقي ، وبيّن كل شيء من صفتي ، وأثبت في التوراة والإنجيل ذكْري ، ورقا بي إلى سمائه ، وشقّ لي اسماً من أسمائه ، أُمَّتي الحمّادون ، فذو العرش محمود وأنا أحمد ) . رابعاً : أفضلية رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) على سائر الكائنات . جاء عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حديثاً جامعاً لفضائل رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ننقله بتمامه ؛ لِمَا احتوى عليه من معارف وكرامات اختصت بالنبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) ، حيث ورد عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) أنَّه قال : ( بينما أصحاب رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) جلوس في مسجده بعد وفاته ، يتذاكرون فضل رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ؛ إذ دخل علينا حِبْرٌ من أحبار يهود أهل الشام ، قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم والأنبياء ، وعرف دلائلهم ، فسلّم علينا وجلس ، ثمَّ لبث هنيئة ، ثمَّ قال : يا أُمَّة محمد ، ما تركتم لنبي درجة ولا لمرسل فضيلة إلاّ وقد تحمَّلتموها لنبيِّكم ، فهل عندكم جواب إن أنا سألتكم؟ فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : سل يا أخا اليهود ما أحببت ، فإنِّي أُجيبك عن كل ما تسأل بعون الله تعالى ومنِّه ، فوالله ما أعطى الله عزَّ وجلَّ نبيّاً ولا مرسلاً درجة ولا فضيلة إلاّ وقد جمعها لمحمد ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وزاده على الأنبياء والمرسلين أضعافاً مضاعفة . ولقد كان رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) إذا ذكر لنفسه فضيلة ، قال : ولا فخر . وأنا أذكر لك اليوم من فضله من غير إزراء على أحد من الأنبياء ، ما يقرّ الله به أعين المؤمنين ، شكراً لله على ما أعطى محمداً ( صلَّى الله عليه وآله ) وزاده عليهم الآن : فاعلم يا أخا اليهود ، أنّه كان من فضله عند ربّه تبارك وتعالى وشرفه ، ما أوجب المغفرة والعفو لمَن خفض الصوت عنده ، فقال جلَّ ثناؤه في كتابه : ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)  ) ( الحجرات : 3 ) ، ثمَّ قرن طاعته بطاعته ، فقال : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) ( النساء : 80 ) ، ثمَّ قرّبه من قلوب المؤمنين وحبَّبه إليهم ، وكان يقول ( صلَّى الله عليه وآله ) : حبّي خالط دماء أمتي ، فهم يؤثروني على الآباء وعلى الأُمَّهات وعلى أنفسهم . ولقد كان أرحم الناس وأرأفهم ، فقال تبارك وتعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) ( التوبة : 128 ) ، وقال عزَّ وجلَّ : ( النّبِيّ أَوْلَى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُمْ ) ( الأحزاب : 6 ) ) . خامساً : أفضلية الرسول الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) على سائر أولي العزم . ( ثمَّ قال ( عليه السلام ) : ولقد ذكره الله تبارك وتعالى مع الرُّسُل ، فبدأ به وهو آخرهم لكرامته ( صلَّى الله عليه وآله ) ، فقال جلَّ ثناؤه : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النّبِيّين مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُوحٍ ) ( الأحزاب : 7 ) ، وقال : ( إِنّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى‏ نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ ) ( النساء : 163 ) والنبيون قبله فبدأ به وهو آخرهم ، ولقد فضَّله على جميع الأنبياء وفضَّل أمته على جميع الأُمم ، فقال عزَّ وجلَّ : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) ( آل عمران : 110 ) ) . ثمَّ إنَّ هذه الرواية تدل على المطلوب من خلال التقدُّم الذِّكْري للنبي محمد ( صلَّى الله عليه وآله ) على سائر الأنبياء ( عليهم السلام ) الوارد في الآيات الكريمة ؛ إذ إنّ التقدُّم الذِّكْري فيه مزيد عناية واهتمام خصوصاً في القرآن الكريم . وسيأتي لاحقاً زيادة توضيح عن ذلك عند بيان إقرار الأنبياء ( عليهم السلام ) بالرسول الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) وأخذ الميثاق منهم على ذلك . سادساً : الله عزَّ وجلَّ وملائكته وجميع الخَلْق يصلُّون على النبيّ . ثمَّ تابع اليهودي مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قائلاً : ( إنَّ آدم أسجد الله ( عزَّ وجلَّ ) له ملائكته ، فهل فضلٌ لمحمد ( صلَّى الله عليه وآله ) مثل ذلك ؟ ) . فقال ( عليه السلام ) : ( قد كان ذلك ! ولئن أسجد الله لآدم ملائكته ؛ فإنّ ذلك لِمَا أودع الله عزَّ وجلَّ صلبَه من الأنوار والشرف ، إذ كان هو الوعاء ، ولم يكن سجودهم عبادة له ، وإنَّما كان سجودهم طاعة لأمر الله عزَّ وجلَّ وتكرمة وتحية ، مثل السلام من الإنسان على الإنسان ، واعترافاً لآدم ( عليه السلام ) بالفضيلة . وقد أعطى الله محمداً ( صلَّى الله عليه وآله ) أفضل من ذلك ، وهو أنَّ الله صلَّى عليه ، وأمر ملائكته أن يصلّوا عليه ، وتَعبّدَ جميع خلقه بالصلاة عليه إلى يوم القيامة ، فقال جلَّ ثناؤه : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ( الأحزاب : 56 ) ، فلا يصلّي عليه أحد في حياته ولا بعد وفاته ، إلاّ صلَّى الله عليه بذلك عشراً ، وأعطاه من الحسنات عشراً بكل صلاة عليه . ولا يصلّي عليه أحد بعد وفاته إلاّ وهو يعلم بذلك ، ويردّ على المصلّي والمسلّم مثل ذلك . ثمَّ إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل استجابة دعاء أُمَّته فيما يسألون ربّهم جلَّ ثناؤه ، موقوفةً حتى يصلّوا في دعائهم عليه ( صلَّى الله عليه وآله ) ، فهذا أكبر وأعظم ممَّا أعطى الله آدم ( عليه السلام ) . ولقد أنطق الله عزَّ وجلَّ صمّ الصخور والشجر بالسلام والتحية له ، وكنّا نمرّ معه ( صلَّى الله عليه وآله ) فلا يمرّ بشعب ولا شجر إلاّ قالت : السلام عليك يا رسول الله ، تحية له وإقراراً بنبوَّته ( صلَّى الله عليه وآله ) ) . سابعاً : الإقرار بالرسول الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) ميثاقُ الأنبياء . ( وزاده الله عزَّ وجلَّ تكرمة ، بأخذ ميثاقه قبل النبيِّين ، وأخذ ميثاق النبيِّين بالتسليم والرضا والتصديق له ، فقال جلّ ثناؤه : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ ) ( الأحزاب : 7 ) ، وقال عزَّ وجلَّ : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) ( آل عمران : 81 )  ، وقال الله عزَّ وجلَّ : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ( الأحزاب : 6 ) ) . فالميثاق المذكور في هذه الآية المباركة التي استدل بها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) معناه : أنَّ هناك تعاقداً بين الله تعالى وبين سائر الأنبياء ( عليهم السلام ) ، والطرفان اللّذان وَقَعَ العقد والميثاق عليهم ، النبوة والحكمة والمقامات الغيبية في مقابل ثمن ، هو قوله تعالى : ( جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) ( آل عمران : 81 )  . فالمقامات الإلهية والمِنَح الربانية إنَّما تُعطى للأنبياء بشرط الإيمان بخاتمهم ونصرته . ولا شك أنَّ الذي يكون ناصراً هو التابع للمنصور ، والمنصور قائد له ؛ فالأنبياء كلّهم مأمومون والرسول الأكرم إمامهم ، وقائدهم الذي يتقدَّمون بين يديه لنصرته ومؤازرته ؛ ولذا ورد في الآية المذكورة ( مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ ) ( آل عمران : 81 ) ، إذ معناه أنَّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) تابع للوحي الإلهي المُن ـزَل , وليس تابعاً للأنبياء الذين نزل الوحي عليهم . ومن هنا نجد أنَّ الله تعالى أمر رسوله الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) بالإقتداء بالهدى الذي عليه الأنبياء ، لا بذات الأنبياء ، كما في قوله تعالى : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) ( الأنعام : 90 )  . فالنبي ( صلَّى الله عليه وآله ) على هدى الله ، وهو أول المسلمين ، قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) ( الأنعام : 162  ـ 163 ) ؛ ولذا ورد في الحديث عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ( إنَّ بعض قريش قال لرسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) : بأيِّ شيء سبقتَ الأنبياء وأنت بُعثت آخرهم وخاتمهم ؟ قال : إنِّي كنت أول مَن آمن بربي ، وأول مَن أجاب حين أخذ الله ميثاق النبيين ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) ( الأعراف : 172 ) فكنت أنا أول نبي قال : بلى ؛ فسبقتهم بالإقرار بالله ) . ثامناً : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ( الشرح : 4 ) . وقال بعد ذلك ( صلَّى الله عليه وآله ) : ( وقال تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ( الشرح : 4 ) فلا يرفع رافع صوته بكلمة الإخلاص ، بشهادة أنَّ لا إله إلاّ الله ، حتى يرفع صوته معها بأن محمداً رسول الله ، في الأذان والإقامة والصلاة والأعياد والجُمع ومواقيت الحج ، وفي كل خطبة حتى في خطب النكاح وفي الأدعية ) . والرواية طويلة جداً أخذنا منها ما له صلة ببحثنا . تاسعاً : علم النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) . عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : إنَّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) أُوتي علم النبيِّين وعلم الوصيِّين وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ) . وقال أيضاً أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في نهج البلاغة في حق النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) ، مخاطباً الله تعالى : ( فهو أمينك المأمون ، وخازن علمك المخزون ، وشهيدك يوم الدين ، وبعيثك بالحق ، ورسولك إلى الخَلق ) . وقال ( عليه السلام ) أيضاً :( فهو إمام مَن اتقى ، وبصيرة مَن اهتدى . سراج لَمَعَ ضوءه ، وشهاب سطع نوره ، وزند برق لمعه . سيرته القصد وسنته الرشد ، وكلامه الفضل وحكمه العدل ) . عاشراً : سياسته في إبلاغ الدين وبناء الأُمَّة . قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في إحدى خطبه : ( الحمد لله على كل أمر وحال ، في الغدو والآصال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، ابتعثه رحمة للعباد وحياةً للبلاد ، حين امتلأت الأرض فتنة ، واضطرب حبلها وعُبد الشيطان في أكنافها ، واشتمل عدو الله إبليس على عقائد أهلها . فكان محمد بن عبد الله بن عبد المطَّلب ، الذي أطفأ الله به نيرانها ، وأخمد به شرارها ، ونزع به أوتادها ، وأقام به ميلها ، إمام الهدى والنبي المصطفى ( صلَّى الله عليه وآله ) . فلقد صدع بما أُمر به ، وبلغ رسالات ربه ، فأصلح الله به ذات البين ، وآمن به السبل ، وحقن به الدماء ، وألَّف به بين ذوي الضغائن الواغرة في الصدور ، حتى أتاه اليقين ، ثمَّ قبضه الله إليه حميداً ) . إحدى عشر : زهده ( صلَّى الله عليه وآله ) وتواضعه . قال علي ( عليه السلام ) : ( بأبي مَن لم يشبع ثلاثاً متوالية من خبز برّ حتى فارق الدنيا ، ولم ينخل دقيقه ) . وقال أيضاً ( عليه السلام ) : ( ولقد كان رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) يأكل على الأرض ، ويجلس جلسة العبد ، ويخصف بيده نعله ، ويرقع بيده ثوبه ، ويركب الحمار العاري ، ويردف خلفه ... فأعرض عن الدنيا بقلبه ، وأمات ذكرها من نفسه ، وأحبّ أن تغيب زينتها عن عينه ؛ لكيلا يتخذ منها رياشاً ، ويعتقدها قراراً ، ولا يرجو فيها مقاماً ، فأخرجها من النفس وأشخصها عن القلب ، وغيّبها عن البصر ... ولقد كان في رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ما يدلّك على مساوي الدنيا وعيوبها ؛ إذ جاع فيها مع خاصته ، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته ... خرج من الدنيا خميصاً ، وورد الآخرة سليماً ) . النبي الأكرم على لسان ابنته فاطمة الزهراء ( صلَّى الله عليهما وآلهما ) : لقد كشفت فاطمة الزهراء ( سلام الله عليه ) في بعض خطبها وكلماتها الخالدة ، كثيراً من المقامات العالية والدرجات الرفيعة ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات التي كان يتحلّى بها النبي الأعظم ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وإليك لمحات من جوامع كلامها ( سلام الله عليه ) في هذا المجال : 1 ـ ( اصطفاه الله قبل أن ابتعثه ) . قالت فاطمة الزهراء ( سلام الله عليه ) في خطبتها  ـ عندما منعها أبو بكر حقَّها بفدك  ـ في محضر أبي بكر والمهاجرين والأنصار ، رجالاً ونساءً : ( وأشهد أنَّ أبي محمداً عبده ورسوله ، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله ، وسمّاه قبل أن اجتبله ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ؛ إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ، علماً من الله تعالى بمآئل الأمور ، وإحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع المقدور ) . 2 ـ ( ابتعثه الله إتماماً لأمره ) . ( ابتعثه الله إتماماً لأمره ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، وإنفاذاً لمقادير حتمه ) . 3 ـ ( وقام في الناس بالهداية ) . ( فرأى الأُمم فِرقاً في أديانها ، عكّفاً على نيرانها ، عابدة لأوثانها ، منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي محمد ( صلَّى الله عليه وآله ) ظلمها ، وكشف عن القلوب بُهمها ، وجلى عن الأبصار غممها . وقام في الناس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبصّرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم ) . 4 ـ ( ثمَّ قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ) . ( ثمَّ قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ، ورغبة وإيثار . محمد ( صلَّى الله عليه وآله ) عن تعب هذه الدار في راحة ، قد حُفّ بالملائكة الأبرار ، ورضوان الرب الغفَّار ، ومجاورة الملك الجبَّار ، صلَّى الله على أبي ، نبيه وأمينه على الوحي ، وصفيِّه وخيرته من الخلق ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ) . النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) على لسان سبطيه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) : يطالعنا التاريخ وكتب الحديث عن اهتمام بالغ من قبل أهل البيت ( عليهم السلام ) بسيرة النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وإفشاء مكارم الأخلاق التي كان يتحلّى بها رسول الله ، في حياته الفردية والأُسرية والاجتماعية والسياسية والقضائية والعبادية وغيرها من المبادئ الأساسية في الدين الإسلامي . ومن هنا نجد أنَّ الإمام الحسن ( عليه السلام )  ـ الذي عاش في أحضان الأخلاق النبوية  ـ ينقل للبشرية والأُمَّة الإسلامية ، الكثير من مظاهر الخُلق العظيم الذي اتصف به نبينا الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) ، ولكن على لسان خاله هند بن أبي هالة الذي كان وصّاف ، وكان الإمام الحسن ( صلَّى الله عليه وآله ) يشتاق إلى أن يسمع تلك الفضائل التي كان يعيشها مع جده الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) على لسان مَن يُحسن الوصف ؛ ولذا قال ( عليه السلام ) : ( سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي ( وكان وصّافاً ) عن حلية رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئاً أتعلَّق به ) ... إلى أن قال : 1 ـ تواضعه في مشيه ( إذا زال قلعاً ، يخطو تكفؤاً ، ويمشي هوناً . ذريع المشية ، إذا مشى كأنَّه ينحط من صبب ، وإذا التفت التفت جميعاً . خفيض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جُل نظره الملاحظة ، يبدأ مَن لقيه بالسلام ) . 2 ـ كيفية منْطِقه . ( قلتُ : صف لي منْطِقه ، قال : كان رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، ليست له راحة ، لا يتكلَّم في غير حاجة . طويل السكوت ، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ، يتكلَّم بجوامع الكلِم ، فصلٌ ، لا فضول ولا تقصير ) . 3 ـ حسن عشرته . قال في ذلك : ( دمثاً ، ليس بالجافي ولا بالمهين . يُعظّم النعمة وإن دقّت ، لا يذم منها شيئاً ولا يمدحه ، ولا يذم ذوق . لا تغضبه الدنيا وما كان لها ، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ... إذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه . جُلّ ضحكه التبسّم ، ويفتر عن مثل حب الغمام ) . وهكذا بنفس المنطق الحسني السابق ، سأل الإمام الحسين ( عليه السلام ) أباه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن الشمائل المحمدية الغرَّاء ، قال ( عليه السلام ) : ( سألت أبي ( عليه السلام ) : 4 ـ كيفية مدخله ( صلَّى الله عليه وآله ) . عن مدخل رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ؟ فقال : كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك ، فإذا آوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء ، جزءاً لله ، وجزءاً لأهله ، وجزءاً لنفسه . ثم جزّأ جُزءه بين الناس ، فردّ ذلك على العامة والخاصة ، لا يدّخر عنهم شيئاً . وكان من سيرته في جزء الأُمَّة إيثار أهل الفضل بأدبه ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الأُمَّة ، من مسألته عنهم وأخبارهم بالذي ينبغي ، ويقول : ليبلّغ الشاهد منكم الغائب ، وأبلغوني حاجة مَن لا يستطيع إبلاغي حاجته ) . 5  ـ تفقُّده لأصحابه . ( قال : وسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟ فقال : كان رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) يُخزن لسانه إلاّ بما يعينهم ، ويؤلِّفهم ولا ينفّرهم . ويكرم كريم كل قوم ويولّيه عليهم ، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحدهم منهم بشرَه ولا خُلقه ، يتفقّد أصحابه ويسأل الناس عمّا في الناس ، ويحسّن الحسن ويقوّيه ، ويقبّح القبيح ويوهنه ) . 6  ـ كيفية مجلسه . ( قال : فسألته عن مجلسه كيف كان ؟ فقال : كان رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) لا يجلس ولا يقوم إلاّ على ذكْر ، وإذا انتهى إلى قومٍ جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك . يُعطي كل جلسائه نصيبه . لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه . من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، ومَن سأله حاجة لم يردّه إلاّ بها أو بميسور من القول . وقد وسع الناس منه بسطه وخُلقه ، فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سواء . مجلسه مجلس حِكَمٍ وحياء وصبر وأمانة ، لا تُرفع فيه الأصوات ) . 7 ـ سيرته مع جلسائه . ( قال : فسألته عن سيرته في جلسائه ؟ فقال : كان رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) دائم البِشر ، سهل الخُلق ، ليّن الجانب ، ليس بفظّ ولا غليظ ولا صخّاب ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مزّاح . قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار ، وما لا يعنيه . وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحداً ولا يعيّره ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلَّم إلاّ فيما يرجو ثوابه . وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأن على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده . يضحك ممَّا يضحكون منه ، ويتعجّب ممَّا يتعجَّبون منه . ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ، حتى إن كان أصحابه يستحلونه في المنطق ، ويقول : إذا رأيتم طالب حاجة فأرفدوه ، ولا يقبل الثناء إلاّ من مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز ، فيقطعه بانتهاء أو قيام ) . 8  ـ كيفية سكوته . قال : ( فسألته كيف كان سكوته ؟ قال : كان سكوته على أربع : الحلم والحذر والتقدير والتفكّر . فأمَّا تقديره ، ففي تسويته النظر والاستماع بين الناس . وأمَّا تذكّره ـ أو قال : تفكّره ـ ففيما يبقى ويفنى . وجُمع له ( صلَّى الله عليه وآله ) الحلم والصبر ، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزُّه . وجُمع له الحذر في أربع : أخذه الحسن ليُقتدى به ، وتركه القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده الرأي في إصلاح أُمَّته ، والقيام فيما جمع لهم من خير الدنيا والآخرة ) . 9 ـ قنوته إلى الله . قال الحسين ( عليه السلام ) : ( إنَّ رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) كان يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين ) . النبي ( صلَّى الله عليه وآله ) في روايات بقيَّة المعصومين من أهل بيته ( عليهم السلام ) : 1 ـ طيب الأصل وطهارة المولد . لقد أثبت القرآن الكريم التأثير المباشر لقانون التناسل الوراثي في مسألة بعثة الأنبياء والرُسُل ؛ لأنَّ الاصطفاء والاستخلاص الإلهي مبني على عوامل عديدة ، من جملتها ذلك القانون القائم على شموخ الأصلاب وطهارة الأرحام ، ولهذا البحث مجاله الواسع يذكر في محلِّه . وقد صرَّحت بذلك الكثير من الآيات القرآنية ، منها قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ *  ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ( آل عمران : 33 ـ 34 )  وغيرها من الآيات . وهذا التأثير الوراثي ما أكَّدت عليه روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ومن تلك الروايات الخطبة التي ألقاها الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) على جمع من المسلمين في حق النبي الأكرم ، والتي يذكر فيها سلسلة المناقب المحمدية والمزايا النبوية والعناية الإلهية التي حظي بها نبي الإسلام ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وقد جاء فيه : ( فلم يمنع ربنا لحلمه وأناته وعطفه ما كان من عظيم جرمهم ، وقبيح أفعالهم ، أن انتخب لهم أحب أنبيائه إليه ، وأكرمهم عليه : محمد بن عبد الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ، في حومة العز مولده ، وفي دومة الكرم محتدُّه . غير مشوب حسبه ، ولا ممزوج نسبه ، ولا مجهول عند أهل العلم صفته . بشّرت به الأنبياء في كتبه ، ونطقت به العلماء بنعته ، وتأمَّلته الحكماء بوصفه . مهذَّب لا يُدانى ، هاشمي لا يوازى ، أبطحي لا يسامى . شيمته الحياء ، وطبيعته السخاء ، مجبول على أوقار النبوة وأخلاقها ، مطبوع على أوصاف الرسالة وأحلامها ، إلى أن انتهت به أسباب مقادير الله إلى أوقاتها ، وجرى بأمر الله القضاء فيه إلى نهاياتها . أدَّاه محتوم قضاء الله إلى غاياتها ، تُبشر كل أُمَّة من بعدها ، ويدفعه كل أب إلى أب من ظهر إلى ظهر . لم يخلطه في عنصره سِفاح ، ولم ينجّسه في ولادته نكاح ، من لدن آدم ( عليه السلام ) إلى أبيه عبد الله . في خير فرقة ، وأكرم سبط ، وأمنع رهط ، وأكلأ حمل ، وأودع حجر . اصطفاه الله وارتضاه واجتباه ، وآتاه من العلم مفاتيحه ، ومن الحكم ينابيعه ) . ثمَّ إنَّ هذه الطهارة الوراثية الاصطفائية أكَّدتها الآيات القرآنية في حق المصطفى محمد ( صلَّى الله عليه وآله ) ، كما في قوله تعالى : ( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) ( الشعراء : 218 ـ 219 ) حيث قال الإمام أبو جعفر محمد بن علي ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآيات المباركة : ( يراك حين تقوم بأمره ، وتقلّبك في أصلاب الأنبياء نبي بعد نبي ) . 2 ـ البعثة المباركة . قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) في هذا المجال : ( ابتعثه رحمةً للعباد ، وربيعاً للبلاد ، وأنزل الله إليه الكتاب ، فيه البيان والتبيان : ( قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) ( الزمر : 28 ) ، قد بيَّنه للناس ونهجه بعلم قد فصّله ، ودين قد أوضحه ، وفرائض قد أوجبها ، وحدود حدّها للناس وبيّنها ، وأمور قد كشفها لخلقه وأعلنها ، فيها دلالة إلى النجاة ، ومعالم تدعو إلى هداه . فبلّغ رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ما أُرسل به ، وصدع بما أُمِر ، وأدّى ما حُمّل من أثقال النبوة ، وصبر لربِّه وجاهد في سبيله ، ونصح لأُمَّته ، ودعاهم إلى النجاة وحثّهم على الذكر ، ودلّهم على سبيل الهدى بمناهجَ ودواعٍ أسَّس للعباد أساسها ، ومنائر رفع لهم أعلامها ؛ كيلا يضلوا من بعده ، وكان بهم رؤوفاً رحيماً ) . 3  ـ أول المسلمين . من المبادئ التي أكَّدتها الآيات القرآنية أنَّ الدين واحد لا تعدُّد فيه كما قال عزَّ وجلَّ : ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ) ( آل عمران : 19 ) . فالإسلام هو الدين السماوي الوحيد الذي بعث الله عزَّ وجلَّ به جميع الأنبياء ، والاختلاف إنَّما هو في السُّبل والشرائع ، كما قال تعالى : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجً ) ( المائدة : 48 ) . وفي الوقت ذاته صرَّحت الآيات الكريمة في كثير من المواطن بأنَّ الرسول الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) أول المسلمين ، كما في قوله عز وجل : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) ( الأنعام : 162ـ163) ، وقوله تعالى : ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) ( الزمر : 11 ـ 12 ) . وقد يتداعى إلى الذهن أنَّ الرسول الأكرم من حيث الوجود والبعثة والنبوة ، متأخر عن باقي الأنبياء والرسل ، فكيف يكون أول المسلمين ؟! وهذا ما يجيب عنه أهل البيت ( عليهم السلام ) ـ وهم أدرى بما في البيت ـ حيث نهلوا معارفهم عن جدهم رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) . قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : ( إنَّ بعض قريش قال لرسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) : بأي شيء سبقت الأنبياء ، وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم ؟! قال : إنِّي كنت أول مَن آمن بربي ، وأول مَن أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ( الأعراف : 172 ) ، فكنت أنا أول نبي قال : بلى ، فسبقتهم بالإقرار بالله عزَّ وجلَّ ) .

* * *