احترام شخصية الشيخ والشاب

  الشيخ محمد تقي فلسفي « أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولداً وأوسطهم أخاً وكبيرهم أباً » [ الإمام الصادق عليه السلام ] احترام الشخصية : إن أحد أهم عوامل الانسجام وحسن التفاهم بين الشيوخ والشباب في محيط الاسرة والمجتمع ، هو احترام شخصية جميع أفراد هاتنين الفئتين ، والإهتمام بهم ، وأن لا يرى نفسه في أي سن كان ، مهاناً وأن لا يشعر بأي مسّ مهين لعزّة نفسه وشخصيته ، وأن لا يحس بعدم الإطمئنان وفقدان الأمن . ويفرح الإنسان لدى احترام الآخرين له ، ويعتبر ذلك من أكبر حالات السعادة بالنسبة له ، بينما يشعر بعدم الارتياح والغضب لدى توجيه الإهانة والاحتقار إليه ، ويعتبر ذلك تصرّفاً سيئاً يوجَّه إليه . والإنسان ، طبيعياً يحب من يعمل الخير له ، ويعادي من يعمل له السوء . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « جبلت القلوب على حب من أحسن إليها ( 2 ) وبغض من أساء عليها » (1) . الحب الفطري جميع أفراد البشر على اختلاف مشاربهم يحبون أن يكونوا موضع تكريم واحترام ، ونحن إذا اعتبرنا الآخرين مثلنا ، ووضعنا أنفسنا موضع قياسٍ في المعاشرة والاختلاط بهم ، واحترام شخصياتهم ، طبقاً لهذه الرغبة الفطرية فإننا نستطيع بسهولة أن نجذب محبتهم واحترامهم ونعيش معهم بحسن تفاهم . معيار التعايش : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله علمني عملاً أدخل به الجنة ، فقال : « ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم ، وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم » (2) . فكما نبدي نحن عدم الارتياح لإهانة الآخرين لنا ، ونقوم برد فعلٍ مهين ، كذلك فإن إهانتنا للآخرين تؤدي إلى عدم الارتياح ، وتؤلم ، فإذا واجهنا إهانتهم برد فعل مماثل عندها يجب أن نلوم أنفسنا . قال الصادق عليه السلام : « من يفعل السوء بالناس فلا ينكر السوء إذا فعل به » (3) . رمز النجاح : إن احترام شخصية الناس يؤدي إلى جذب المحبة ، وهو رمز النجاج والتوفيق . وإهانة وتحقير الناس وسيلة لإيجاد الحقد والعداء وسبب للحرمان والفشل ولكي يقف الشباب والشيوخ على أهمية تكريم بعضهم لبعض ، ويتعرفوا على دور ذلك في التفاهم الاُسري والاجتماعي بصورة أفضل ____________ (1) تحف العقول ص 32 وفيه من أساء إليها . (2) وسائل الشيعة كتاب الجهاد ص 39 . (3) بحار الأنوار ج 17 ص 184 . ( 3 ) سنتحدث في هذا الفصل عن هذا الواجب المهم دينياً وعلمياً ، وسندرس في البداية محيط العائلة ، ثم محيط المجتمع . إن الاُسرة تتألف من فتى وفتاة ، وأب واُم في مرحلة الكهولة ، وجد وجدة كبيري السن ، مع عدد من الأطفال وخادم أو خادمة ، هم بمثابة دولة صغيرة . فالوالدان مسؤولان بالتعاون مع بعضهما البعض ، بالاُمور الإقتصادية وإدارة النظام الداخلي والمحافظة على مصالح الاُسرة ، فهما بشكل طبيعي ، يحكمان العائلة . إن هذا ( البلد الصغير ) يكون منعماً بالأمن والهدوء والتعاون والتفاهم عندما يكون الوالدان ، أي السلطة الحاكمة ، يراعيان حقوق وحدود أعضاء العائلة ويحترمان شخصياتهم . ويتصرفان معهم على أساس الحق والفضيلة والعدل والإنصاف ، ومن جانب آخر يقوم أعضاء العائلة بأداء حقوق الوالدين ويحترمون شخصيتهما ، ويقدرون خدماتهما . ولكي لا يصاب الشباب والكهول والشيوخ بحالة تطرف في الإندفاع أو عدم الإندفاع في احترام بعضهم بعضاً ، ولا يتجاوزا حدود المصلحة ، فمن الضروري : أولاً : أن تعرف كل مجموعة حدها بشكل جيد ، وتتبين مطالبها الصحيحة والخاطئة وأن تتوقع احترام الآخرين بالمقدار المناسب . ثانياً : أن تطلع على حدود الآخرين ، وتفصل بين توقعاتهم الصحيحة والخاطئة ، وتنظر بواقعية إلى حدود الاحترام الذي تستحقه ويستحقه الآخرون . من الواضح أنه في هذه الصورة يستطيع أعضاء الاُسرة ، في كافة المراحل ، أن ينفذوا الحق والعدالة ، وأن يعملوا وفق تكليفهم الديني والعلمي ، وأن يؤدوا واجباتهم بشكل مرض في جو الاُسرة . ( 4 ) معرفة الحالة النفسية للشباب : إن أول نقطة يجب الاهتمام بها في هذا البحث ، هي معرفة نفسية الشباب ، والاطلاع على مقتضيات مرحلة الشباب . وعلى الواليدن أن يعرفا أن ابنهما الشاب قد تجاوز مرحلة الطفولة ووصل الى مرحلة الشباب . رغبة الحرية : يحب الشاب بطبيعته الاستقلال والظهور ويريد أن يحرر نفسه وبسرعة ، من محدوديات مرحة الطفولة ، ويلتحق بمجموعة الكبار ، ويكون مستقلاً مثلهم . وهو لا يعلن عن مطالبه ، ولكن إذا لم يصل إلى هدفه ، ويحصل على حقه الطبيعي ، فإنه يتمرد ويطغى ، ويقوم بالأعمال غير الطبيعية ، ويتصرف بسوء ويصبح عنيفاً ، ولسان حاله يقول : احترموا شخصيتي ، اعتبروني مستقلاً وحراً ، وتصرفوا معي كرجل كبير . على الوالدين أن يقبلوا هذا الواقع أي أن ابنهما الشاب لم يعد طفلاً ، ولا يجب أن يتصرفا معه كما كانا يتصرفان معه في مرحلة الطفولة ، ويلقيان عليه الأوامر بعنف وشدة ، وهذا هو ما أوصى به نبي الإسلام الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قبل أربعة عشر قرناً ، وكذلك فإن علماء اليوم يعتبرون ذلك واحداً من البرامج التربوية الأساسية في كتبهم في حين أن أحاديث العلماء لا تعدو نظرية علمية وليس لها ضمان تنفيذي ، بينما تعاليم الأئمة هي واجب ديني ، يعتبرها أتباع الإسلام أمراً إلهياً وأنهم مكلفون بها وواجب عليهم معرفتها . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الولد سيد سبع سنين ، وعبد سبع سنين ، ووزير سبع سنين » (1) . مراحل العمر : إن الإنسان طوال عمره ، يطوي ثلاث مراحل متمايزة : ____________ (1) مكارم الأخلاق ص 115 . ( 5 ) 1 ـ مرحلة النمو ـ الطفولة والشباب . 2 ـ مرحلة التوقف ـ الكهولة . 3 ـ مرحلة النقصان ـ الشيخوخة . وبنظر الكثير من العلماء ، أن سن الحادية والعشرين هي نهاية مرحلة الشباب ، ففي هذه السن ينتهي نمو البدن ، والعظام تكون قد استقامت تقريباً ووصلت إلى نموها النهائي ، وبعد ذلك إذا حصل نمو فإنه يكون طفيفاً . والإنسان منذ الولادة وحتى سن الحادية والعشرين ، يكون عرضة لتحولات وتغييرات مستمرة ، ويتغير وضع جسمه ونفسه ، والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد قسّم الامتداد الزمني لمراحل النمو الذي يصيب وضع الجسم والنفس لدى الأبناء وكيفية تصرفاتهم تجاه الوالدين ، إلى ثلاثة أقسام كل قسم سبع سنين . السنوات السبع الاولى والثانية : الطفل في السنوات السبع الاولى من عمره ، يحكم والديه ، لأن فكره لم ينضج بعد ، وجسمه ضعيف ، ولذا ينظر الوالدان إليه بعين الرأفة والرحمة ولذا فهما مجبران على إطاعته ، يلبيان طلباته ويطيعانه ، ولهذا السبب قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم « الولد سيد سبع سنين » . وفي السنوات السبع الثانية تحدث تغييرات وتحولات ملحوظة في جسم ونفس الطفل ، يقوى جسمه ، ويزداد إدراكه ، لدرجة أنه يميز بين الطيب والخبيث ولهذا السبب يؤاخذ من قبل والديه ومديره ومعلمه . ولكن بما أن عقله لم يكمل بعد ولا يستطيع أن يميز بين الصلاح والفساد بصورة صحيحة فإن والديه يأمرانه بحزم ويذكرانه بواجباته وهو من جانبه مجبر على إطاعة والديه وينفذ أوامرهما . ولذا قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم « وعبد سبع سنين » للوالدين . ( 6 ) السنوات السبع الثالثة : إن السنوات السبع الثالثة من العمر تبدأ من سن الخامسة عشرة حيث مرحلة البلوغ والشباب ، وفي هذه المرحلة تتغير أفكار وجسم الابن بصورة كاملة ، وتظهر تحولات ملحوظة في الجسم والنفس ، وتزول مميزات الطفولة ، وتظهر معالم الرجولة بوضوح ، وقد وصف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هذه المرحلة بكلمة ( وزير ) ، حيث إن الابن لن يكون كما في المرحلة الاُولى سيداً على الوالدين ، ولا في المرحلة الثانية عبداً لهما ، وإنما يقوم بدور الوزير في دولة الاسرة . و ( الوزير ) لغوياً لها معانٍ كثيرة ، فهو الشيء الذي يحمل على عاتقيه مسؤولية كبيرة ، والطفل ، قبل بلوغه ، لا يتحمل مسؤولية في العائلة . ولكن عندما يصل سن البلوغ عليه أن يتحملها ، ويحمل بعضاً من أعباء العائلة . ( والوزارة ) بمعنى المساعدة والتعاون فكرياً في التدبير وفي رعاية المصالح . فعلى الشاب أن يكون معاوناً للوالدين في محيط الاُسرة . يتشاور معهما ويبادلهما الرأي ، فيساعد والديه في تدبير اُمور الحياة . تعامل الأبوين مع الأبناء : والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم باستخدامه كلمة ( وزير ) شخّص من جهة حالة بروز الشخصية والاستقلال لديه وعزمه كوزير مسؤول في محيط الدولة الصغيرة ( الاُسرة ) ، ومن جهة اخرى أفهم الوالدين أن لا يتصرفا مع شاب اليوم تصرفهم مع طفل الأمس ، ولا يتحدثا إليه بإصدار الأوامر بعنف ولا يحتقرا شخصيته ، فطفل الأمس كان عبداً مطيعاً أما شاب اليوم فهو وزير ومشاور لهما . لو نظر الوالدان المدركان والشباب الأذكياء بدقة إلى حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم وتعمقوا فيه لأدركوا قيمة هذا الحديث الشريف وعرفوا كيف يمكن الاستفادة من الكثير من المواضيع التي جاء بها علماء اليوم بعد دراسة وتحقيق ودونوها في كتبهم النفسية ، وهي موجودة في هذا الحديث القصير . ( 7 ) ضرورة استقلال الشباب : « يقول الدكتور ( هارِس ) : إن الشباب كائنات مستقلة ويجب عليكم أن تعتبروهم أصحاب شخصية ، وفي مرحلة البلوغ أكثر من أي زمن آخر يريد الشاب أن يُصبح مهماً ويهتم به ، ويحتاج بشدة أن يعتبر صديقاً وشريكاً ، فكم يُسمع من الشباب ( ليت الكبار يتحدثون إلينا مرة بجد ) والحقيقة أن هؤلاء الشباب يحتاج إليهم في العالم كأي رجل وامرأة » (1) . « إن حاجة الشباب إلى الاستقلال تماماً كحاجة الطفل إلى الحماية والتعليم . إن تمرد الشباب للوصول الى الاستقلال أمر طبيعي ، ويصبح هذا التمرد مشكلة عندما يسعون للوصول إلى الاستقلال بالوقوف بوجه الوالدين » (2) . حق ابداء الرأي : « لا شيء أكثر تأثيراً في تربيتهم من حق إبداء الرأي ، فلابد من منحهم حق إبداء الرأي في البيت والمدرسة تماماً كما للشعب الأمريكي هذا الحق . ( لا أمتلك وقتاً للتوضيح وافعل ما قلته لك ) إن هذا القول يجب أن يقال وقت الحريق : لكن أن نقول : ( كن في الساعة الفلانية في البيت ولا تجادل ) ، ثم نُشغل أنفسنا بقراءة الصحيفة . فبهذا نكون قد سلكنا مسلكاً خاطئاً » (3) . إن إعطاء الاستقلال للشباب وتكريم شخصيته لا يعنيان أن يكون حراً في جميع أعماله لكي يدخل في أي محيط فاسد كما يشاء ، أو يجالس صديقاً منحرفاً ، وأن يؤدي ما يشاء من الأعمال ، وفي النتيجة يُصبح شخصاً متمرداً عاصياً . إنه لخطأ ارتكبه العالم الغربي عندما منح الشباب حرية أكثر مما ____________ (1 ـ 2) المشاكل الروحية للشباب ص 73 و 47 . (3) المشاكل الروحية للشباب ص 62 . ( 8 ) تقتضيه المصلحة ، ولهذا يواجه الآن مشاكل ومصائب . مخاطر الحرية المطلقة : إن الشباب الذين لهم طبع ناري وإدراك ضعيف هم دائماً عرضة للتعاسة والسقوط ، إن هؤلاء ، طبقاً لما تقتضيه السن ، ينجذبون نحو اللهو واللذات ، ولو أنه كانت لهم الحرية المطلقة لاُصيبوا بأنواع الخطايا والشرور والفحشاء ، وعدم العفة ، والإدمان المضر ولسقطوا بسرعة في الفساد والمهاوي الاخرى . إن الشباب ، لا تجربة لهم ، وهم لا يرون في الغالب نهاية الأعمال ، ويعجزون عن تمييز الطيب من الخبيث ، والخير من الشر ، والصلاح من الفساد ، كما أنهم لا يفهمون أنفسهم . إنهم لا يستطيعون أن يسيروا في طريق الحياة وحدهم ، أو يجتازوا النقاط الخطرة التي تعترض طريقهم بسلامة . ولو منحوا الحرية المطلقة فإنهم سينحرفون عن الصراط المستقيم ، ويسيرون في ضياع ويسقطون في منحدرات الحياة . عدم الاطمئنان النفسي : « طبعاً ليس المقصود من الاستقلال والحرية وحق إبداء الرأي ووجهات النظر ، أن يترك الشباب لحالهم في البيت أو المدرسة ، لكي يفعلوا ما يريدون ، إن هذا الأمر يوجد لديهم حالة من القلق وعدم الأطمئنان النفسي . لا شك أنهم لا يستطيعون متابعة مسيرة الحياة وحدهم فلابد من مد يد العون لهم » (1) . الحرية المحدودة : من كلمة ( الوزير ) الواردة في حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نرى بوضوح محدودية حرية الشباب ، لأن ( الوزارة ) بمعنى المساعدة والتعاون ، فالإبن الشاب ، رغم أنه وصل إلى مقام الوزارة في دولة العائلة ، تحترم شخصيته إلا ____________ (1) المشاكل الروحية للشباب ص 62 . ( 9 ) أنه يجب أن لا ينسى أنه ( وزير ) أي مساعد ومعاون للوالدين ، وهو لا يملك الاستقلال والحرية الكاملة . فالشاب له حق إبداء الرأي في المسائل العائلية ، وأن يساعد الوالدين ، ولكن التصميم النهائي في شؤون العائلة ، يتعلق بالوالدين . وعليه فإنه في مدرسة الإسلام التربوية يكون الاستقلال محدوداً ولا يمكن أن يكون مطلقاً بدون قيد أو شرط . إن هناك ارتباطاً ووحدةً بين أفراد العائلة ، وهم شركاء في الخير والشر والسراء والضراء ، ولا يحق للشباب أن يسيئووا استغلال الحرية والاستقلال ، ويتعرضوا لأسوأ النتائج من جراء سوء تصرفهم ، وبذا يصبحون مصدراً للفضيحة والإساءة للوالدين وبقية أفراد العائلة . عطش الاستقلال : الشاب ، بشكل طبيعي له عطش للاستقلال والشخصية ، وهذه الرغبة خلقت معه بحكمة الله تبارك وتعالى ، فقد قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إن الابن ( وزير سبع سنين ) وهذا يعني أن الوالدين يجب أن يتصرفا معه باعتباره ( وزيراً ) وهكذا يلبيان طلباته الطبيعية ، ويحترمان شخصيته واستقلاله ، لكي يخلقوا منه شخصاً مفيداً ولائقاً للمجتمع . وعندما يهتم الوالدان بطلبات ابنهم الطبيعية ، ويعملان وفق أوامر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فإنه سينشأ معتمداً على نفسه ويكون ذا شخصية ، وفي المستقبل يكون إنساناً مستقلاً ذا إرادة ، وعنصراً مفيداً وثميناً ، يستفيد منه المجتمع . تشدد الأبوين : وإذا لم يهتم الوالدان برغبات أبنائهم الشبان ، ولم يلتفتا إلى قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ووقفا بصلابة وخشونة وعنف بوجه رغبات أبنائهما في الاستقلال واحتقرا هذه الرغبات وأهاناهم وقمعا شخصياتهم ، أو قاما بالتدخل في أعمال أبنائهما متجاوزين الحدود على أعتبار أنه واجبهما في المسؤولية عليهم ، أو سلبا منهم فرصة التفكير بالإشراف عليهم دون حساب ، ( 10 ) أو حمايتهم دون مبرر فإنهما يقطعان عليهم فرصة الاعتماد على النفس ، وبهذا سوف يعتمدون على الآخرين ، ونتيجة هذا التصرف غير الصحيح يمكن أن تظهر على شكلين غير مرغوبين في أبنائهما الشبان . أولاً : من الممكن أن يفقد الشاب مقاومته إثر الضغوط الشديدة والإشراف المتعب من قبل الوالدين فيستسلمون للشروط الموجودة ، وينصرفون عن طلب الاستقلال . طبعاً مثل هذا الشاب سيكون شاباً منسجماً مع الوضع الذي هو فيه ، ولا يخلق المتاعب لوالديه ، ولكن هذا النوع من التربية يقتل الكفاءات الكامنة لدى الشاب ، ويجعله ضعيفاً ، متخلفاً لحرمانه من الاستقلالية والاعتماد على النفس وفي المستقبل سيكون من جملة الأفراد التعساء والبؤساء . تدخل الوالدين : « عندما ينشأ الشباب معتمدين على الأخرين ولا يتمنون الاستقلال فإن المدرسة والبيت سيكونان هادئين بوجودهم ، ولكن سيكون لهم مستقبل غير ثابت ، لم تكن والدة فيليب لتدرك هذه القضية ، كما أنها لا تستطيع في المرحلة الثانية أن تفهم سبب فشل فيليب ، حيث إنها كانت دائماً تتدخل في كل مسألة له ولم تكن تسمح له حتى بأداء أعماله الشخصية . فهي لم تكن لتعرف أن سبب فقدانه الشخصية وفشله ناتج عن هذه التدخلات غير الصحيحة ، كان فيليب يحب الوحدة ويكره المدرسة ، ولم تكن لديه القدرة على اتخاذ أي تصميم حول أي موضوع ، وكان فيليب يعيش تحت إشراف اُمه ، فهي تعين له أين يذهب ، وماذا يلبس ، وماذا يقول وفي النتيجة لم يكن هناك عناء لكي يجد فيليب اسلوباً لنفسه ، فقد كانت اُمه هي التي تخطط له كل شيء ، تشتري له الملابس وتنظم له برامج عُطله . بل كانت هي التي تعين له الفرع الذي يجب أن يدرس فيه ، وكانت نتيجة هذه ( 11 ) القدرة وتدخل الاُم ، أن نشأ شاب مثل فيليب ابناً لا يقدر على تحمل أية مسؤولية ، ليس قادراً على الاعتماد على نفسه ، كما لم يكن هناك من قام بتربيته على أساس أن يتقبل المسؤولية والاستقلال ، كان يلعب كرة القدم ولكنه كان فاشلاً . أصغر الأطفال كانوا يستطيعون ضربه ، كان يجيد السباحة جيداً لكنه لم يكن مستعداً لترأس فريق السباحة ، وكان يقول لا اُريد أن أجذب انتباه أحد ، ولم يكن يندفع لمعرفة وتدقيق وتفحص وميل نحو أي أمر ، كما لم يكن يبحث عن أية مسألة ولا يبدي أية علاقة تجاهها لكي لا يتحمل بالتالي أية مسؤولية ، فقد كان يخشى من قبول أية مسؤولية » (1) . التشدد والتنازع : ثانياً : إن الشاب الذي يعتمد على نفسه وتكون له إرادة قوية يقف بثبات أمام ضغوط الوالدين غير الصحيحة ولن يغض النظر للتخلي عن شخصيته واستقلاله الذي هما من حقوقه الطبيعة والشرعية وفي هذه الحالة التي يشتد فيها الاختلاف ، يبدأ التمرد والطغيان وينقلب جو الأسرة إلى ساحة للصراع والمشاجرة والصياح والخشونة ، والدموع والبكاء والقلق والاختلاف والتضاد كل هذه الحالات ستصبح برنامجاً عادياً لمثل هذا البيت وكلما زاد الوالدان من ضغطهما ازدادت المشاكل . « إن المرحلة الأخيرة للانقلاب الروحي للشباب ، هي عدم الرضى والبؤس والحزن ، وتأتي هذه المرحلة عندما يبدأ الكبار بزيادة تحكمهم ، بهدف حفظ احترامهم ومكانتهم ، بينما الاحترام هو وليد حسن العلاقة والمحبة وكلما ازدات الشدة وقام الكبار بمراقبة الشباب والضغط عليهم كانت النتيجة انفصال الشبان وهروبهم » (2) . ____________ (1) المشاكل الروحية للشباب ص 62 . (2) المصدر السابق ص 62 . ( 12 ) إن الوالدين المسلمين اللذين يريدان تربية ابنٍ شاب ذي شخصية إنسانية لائقة ، عليهما أن يعملا بقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وينفذا أوامره المثمرة كما يجب عليهما أن يعتبرا الشاب وزيراً للاُسرة ، ويحترما شخصيته ويستشيراه في الشؤون الداخلية ، ويدرسا آراءه ، وبهذه الطريقة يلبيان طلبه في الاستقلال . الاحترام وراحة البال : إن الشاب الذين يكون عضواً مؤثراً في جو الاُسرة ويعتبر والداه شخصيته كشخصية الكبار ويحترمانه ، سوف يليق به الاستقلال والحرية وسيكون هذا الشاب صاحب نفس هادئة وضمير مطمئن ولا يحس بحقارةٍ أونقص . إن هذا الشاب ، لكي يحافظ على مقامه السامي ومنزلته لدى الآخرين ويثبت لياقته لإحراز الاستقلال والحرية ، يسعى للإبتعاد عن الخطايا والأعمال السيئة وأن لا يصيب شخصيته نقص يستوجب احتقار وإهانة الآخرين . قال علي عليه السلام : « من كرمت عليه نفسه لم يهنها بالمعصية » (1) . إن الشاب الذي تقمع شخصيته ، ويهان ولا يحترم في العائلة ويحتقره والداه بكلمات نابية وتصرف خشن ويحتقر انه لأنه شخص غير جدير بالاستقلال والحرية ، هذا الشاب يكون دائماً في حالة عصبية غاضبة ، وهو نتيجة الحاقرة التي يشعر بها يكون ضعيفاً معرضاً للأصابة ، ومن الممكن أن يخضع بسرعة للذل ويقع بسهولة في أحضان الخطايا . جهل الوالدين : على أية حال ، مع وصول مرحلة الشباب ، تبدأ أيام بناء شخصية الشاب ، والوالدان اللذان يدركان واجبهما تماماً ويعملان طبق أوامر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، يحترمان أولادهما ويعتبرانهم وزراء ومشاورين لهما وبذلك يجعلان منهم أصدقاء حميمين ورفقاء وزملاء لهما . ____________ (1) غرر الحكم ص 677 . http://darolzahra.com