الإمام الحسن العسكري عليه السلام

نسبه الشریف : هو الإمام الحادی عشر والمعصوم الثالث عشر والد الخلف المنتظر (عجل الله فرجه الشریف) ، المصباح الوضی ، والنور الجلی ، الإمام الزکی المؤتمن ، أبو محمد الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسى بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب سلام الله تعالى علیهم أجمعین . فنسبه لأبیه هو نسب الأئمة الأطهار ، على ما عرفت فی سیرة المعصومین المتقدمین ، صعوداً من والده أبی الحسن الثالث ، الإمام العاشر على الهادی (علیه السلام) حتى ینتهی إلى امیر المؤمنین على وزوجته الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله تعالى علیهم . أما امه فهی أم ولد تسمى شکل النوبیة ، ویقال سوسن المغربیة ، ویقال منغوسة ، وحدیثة ، ووحدیث ، وحربیة ، وریحانة ، وغزال المغربیة ، وسلیل وهذا هو الأصح . وکان زوجها الإمام الهادی (علیه السلام) یقول فی حقها أنها مسلولة من الآفات والعاهات والأرجاس والنجاس ، وقد کانت جلیلة جداً ، وکانت من العارفات الصالحات . مولده الشریف علیه السلام : ولد الإمام العسکری (علیه السلام) فی سامراء على قول ، والصحیح أن ولادته کانت بالمدینة المنورة ، لیوم الجمعة العاشر من شهر ربیع الثانی من سنة اثنتین وثلاثین ومائتین للهجرة الشریفة ، وهذا - اعنی العاشر من شهر ربیع الثانی - مختار الشیخ الکفعمی والسید بن طاووس والشیخین (المفید والطوسی ) والشیخ الملکی التبریزی ، والشیخ عباس القمی . نعم هناک روایة تقول بأنه ولادته (علیه السلام) یوم الثامن من شهر ربیع الثانی ، لکنها غیر ناهضة فی قبال هذه الروایة لکون هذه الروایة هی المشهورة عند غیر الإمامیة ، وإن کان هناک من یقول بها من الإمامیة کالشیخ الطبرسی ، والشیخ المجلسی ، وکذلک فإن لیلة الثامن من شهر ربیع الثانی تصادف ذکرى استشهاد الصدیقة الزهراء (سلام الله علیها) على روایه أنها قبضت بعد استشهاد والدها بعد أربعین یوماً ، فلا یلیق القیام بذکرى المولد فی قبال الأستشهاد ، وروایة الأربعین یوماً معتبرة . کنیته وألقابه علیه السلام : یکنى (علیه السلام) بأبی محمد ، وقیل " أبو الحسن " أیضاً . أما القابه : العسکری ، والزکی ، والتقی ، والهادی ، والمرضی ، والخالص ، والصامت ، والسراج ، والرفیق ، والمهتدی ، والنقی ، والمشفع ، والموقی ، والمولى ، والسخی ، والمستودع . وکان هو وأبوه وجده (علیهم السلام) یُعرف کلُّ واحد منهم فی زمانه بلقب " ابن الرضا " سنوات عمره ومجمل حیاته علیه السلام : کان عمر الإمام الهادی (علیه السلام) عند ولادة ابنه الإمام العسکری (علیه السلام) تسع عشر سنة وتسعة شهور وثمانیة أیام ، ولما أشخص الإمام الهادی (علیه السلام) إلى العراق سنة ست وثلاثین ومائتین أشخص الإمام العسکری (علیه السلام) معه ، وکان له یومئذٍ من العمر أربع سنین وأشهر. وقد عاش الإمام العسکری (علیه السلام) بعدئذٍ مع أبیه الإمام الهادی (علیه السلام) حتى شهادته فی سامراء ، وکان للإمام العسکری (علیه السلام) یومئذٍ إثنتان وعشرون سنة وشهران وثلاثة وعشرون یوماً . وعاش بعد والده (علیه السلام) مدة إمامته خمس سنوات وثمانیة أشهر وخمسة أیام ، قضاها فی سامراء أیضاً ، فکانت مدة حیاته (علیه السلام) الشریفة على نحو التدقیق - سبعاً وعشرین سنة وعشرة أشهر ، وثمانیة وعشرین یوماً . ملوک عصره علیه السلام : عاصر الإمام العسکری (علیه السلام) خلال عمره القصیر ، المعتز بن المتوکل ، بقیة أیامه - بعد شهادة الإمام الهادی (علیه السلام) - وبعده المهتدی بن الواثق ،الذی حکم أحد عشر شهراً ، ثم المعتمد احمد بن المتوکل الذی حکم ثلاثاً وعشرین سنة ، وکانت شهادة الإمام العسکری (علیه السلام) فی أوائل حکم المعتمد . إمامته علیه السلام : کثرت النصوص من الإمام الهادی (علیه السلام) على إمامة ولده العسکری (علیه السلام) بمحضر من جماعتة فی المدینة وسامراء ، وکان (علیه السلام) کثیراً ما یقول على ما روی : إن صاحب هذا الأمر بعدی هو ابنی " أبو محمد "( علیه السلام) دون بقیة أولادی ، وإن عنده ما تحتاجون إلیه ، یقدم ما یشاء الله ، ویؤخر ما یشاء الله قال تعالى (( ما ننسخ من آیة أو ننسها نأتِ بخیر منها أو مثلها )) و الإمام بعده ابنه القائم (عجل الله له الفرج) الذی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعدما مُلئت ظلماً وجورا . وروى عبدالله بن محمد الأصفهانی عنه (علیه السلام) " صاحبکم بعدی الذی یصلی علیَّ ، قال : ولم نعرف أبا محمد قبل ذلک ، قال : فخرج أبو محمد فصلى علیه " وروى عن الإمام الهادی (علیه السلام) أبو بکر الفهفکی قال : کتب إلی أبو الحسن علیه السلام : أبو محمد ابنی أنصح آل محمد غریزة وأوثقهم حجة ، وهو الأکبر من ولدی ، وهو الخلف وإلیه ینتهی عُرى الإمامة وأحکامها ، فما کنت سائلی فسله عنه ، فعنده ما یحتاج إلیه . وعن علی بن مهزیار قال : قلت لأبی الحسن علیه السلام : إن کان کونٌ - واعودُ بالله - فإلى من ؟ قال : عهدی إلى الأکبر من ولدی . وعن أحمد بن محمد بن رجاء صاحب الترک قال : قال أبو الحسن علیه السلام : الحسن ابنی القائم من بعدی . إلى غیر ذلک من المرویات والنصوص على إمامته (علیه السلام) . نُوابُه علیه اسلام : عمرو بن سعید العمری رضى الله تعالى عنه . نقش خاتمه : الله ولیَّ . وعن الکفعمی ( رض ) :أنا لله شهید . وعن ابن الصباغ المالکی : سبحانه مَنْ له مقالید السماوات والأرض . زوجاته وأولاده : تروی کتب السیرة الشیعیة أن علی الهادی بعث أحد خواص أصحابه وکان نخاساً لشراء أمة رومیة معینة وصف له أوصافها، واسمها نرجس بنت یشوعا بن قیصر ملک الروم، وتعود فی نسبها إلى شمعون الصفا أحد حواری عیسى، فاشتراها النخاس وسلمها إلى الامام الهادی علیه السلام، الذی سلمها بدوره إلى أخته حکیمة لتعلمها أحکام الإسلام، وهکذا بقیت نرجس عند حکیمة حتى تزوجها الامام الحسن العسکری علیه، فأنجبت له محمد المهدی بن الحسن علیهم السلام، وهو الابن الوحید الذی خلفه الامام الحسن العسکری علیهلاسلام، وانه اخفى الله بمعجزة منه بطن السیدة نرجس حتى لایعلم العباسیون بحملها و ولدت الإمام المهدی الذی غاب الغیبة الصغرى عندما کان فی السابعة من عمره و من ثم الغیبة الکبرى و لازال غائبا حتى یومنا هذا. وقد جاء فی المصادر فی کرامات هذه السیدة الجلیلة إن رسول الله (ص) خطبها له فی المنام ، وبشرها بأنها تلد له ولداً یملک الدنیا شرقاً وغرباً ، ویملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعدما ملئت ضلماً وجورا ، وإن المسیح (علیه السلام) زوجه أیاها فی المنام . وکان الإمام الهادی (علیه السلام) والد الإمام العسکری (علیه السلام) قد اشترى السیدة نرجس فی الیقظة ، وملکه إیاها . وهی مدفونة بظهر قبر زوجها الإمام العسکری (علیه السلام) فی سامراء . ولم یخلف الإمام العسکری (علیه السلام) من الأولاد سوى الإمام القائم الحی محمد بن الحسن المهدی (عج) الموجود منذئذٍ إلى یومنا هذا ، وهو الحجة الغائب المنتظر المستتر عن الابصار ، علیه وعلى آبائه المعصومین الطاهرین صلوات الله الملک الجبار . أوصافه وأخلاقه وتعالیمه علیه السلام : کان لون وجه الإمام العسکری (علیه السلام) بین السمرة والبیاض ، وکان فی اخلاقه - کأبائه الأطهار - المثل الأعلى والقدوة التی تحتدى ، ومع ان مدة إمامته (علیه السلام) کانت - کما علمت - قصیرة فقد ظهرت منه (علیه السلام) من العلوم ونشر الأحکام الإلهیة وبث المعالم النبویة ما بهر العقول وحیر الألباب . وکان (علیه السلام) کثیراً ما یأمر بمراعاة قربتة من رسول الله (ص) وأمیر المؤمنین علی (علیه السلام) وإعانة ذریتهما بکل ما أمکن . وکذلک کان (علیه السلام) حسب أخبار عدیدة وروایات کثیرة یأمر ویتشدد بوجوب قیام العلماء بوظائفهم ، وتعلیم من لیس له حظ من العلم من الشیعة ، فإن یتم العلم أشد من یتم الیتیم الذی مات عنه أبوه ، فیجب على العلماء ، وبخاصة فی زمان غیبة إمامهم إرشادهم وهدایتهم وتعلیمهم أحکام الله تعالى ورسوله (ص) کراماته ومعجزاته وعلومه (علیه السلام) : أما معجزاته (علیه السلام) وغرائب شأنه ، ومعالی أموره ، وأنباؤه بالمغیبات ، واخباره بجواب سؤال من أراد سؤاله (علیه السلام) قبل اظهاره ما فی ضمیره ، وما برز على لسانه الشریف من العلوم الغریبة والمحاجات الکثیرة فی المواقع العدیدة مع طوائف کثیرة ، حتى اذعن الأخصام بل حتى الأعداء بفضله ، وأرغمت معاطس المخالفین بعلو شأنه ، وذلت رقاب الجاحدین والحاسدین والمعاندین لسمو مقامه وعظیم براهینه وبلیغ بیاناته ، تطرقنا بشئ من التفصیل علی هذا الوقع (راسخون )لکرامات الامام علیه السلام فارجو مراجعة ذلک . ولعمری لو لم یکن على إمامته وخلافته (علیه السلام) عن جده رسول الله (ص) دلیل ولا برهان ، ولا عصمته وطهارته یشامخ مقام الولایة والوراثه عن آبائه المعصومین (علیه السلام) نص ولا بیان ، لکفى فی اثبات کل ذلک ما ظهر منه (علیه السلام) من العلوم والحکم ، مضافاً إلى المعاجز غیر المحصورة والفضائل المشهورة المذکورة فی الکتب المشروحة ولعلک تری قطرة من بحار علومه بمراجعة علومه فی الکتب المعروفة . ومن معجزاته الخارقة للعادة ، مارواه الشیخ الکلینی (قدس) عن جماعة من أصحابنا ، عن بعض فصادی العسکر من النصارى : ان أبا محمد (علیه السلام) بعث إلیه یوماً فی وقت صلاة الظهر ، فقال : أفصد هذا العرق ، قال : فناولنی عرقاً لم أفهمه من العروق التی تفصد ، فقلت فی نفسی ما رأیت أمراً أعجب من هذا ، یأمرنی ان أفصده فی وقت الظهر ولیس بوقت الفصد ، والثانیة عرق لا افهمه . قال : ثم قال انظر وکن بالدار ، فلما امسى دعانی وقال لی : سرِّح الدم فسرحته ، ثم قال لی : أمسک ، فأمسکت ، ثم قال لی : کن فی الدار ، فلما کان نصف اللیل أرسل إلیَّ ، فقال لی : سرَّح الدم ، فتعجبت أکثر من عجبی الأول ، فکرهت أن أسأله ، قال : فسرَّحتُ الدمَ ، فخرج دمٌ أبیض کأنه الملح ، قال : ثم قال لی اجلس فجلست وقال لی : کن فی الدار . فلما أصبحت ، أمر قهرمانه أن یعطینی ثلاثة دنانیر فاخذتها . فخرجت حتى أتیت بختیشیوع النصرانی فقصصتُ علیه القصة قال: فقال لی : ما أفهم ما تقول ، ولا أعرفه فی شیئ من الطب ، ولا قرأته فی کتاب ، ولا أعلن فی دهرنا أعلم بکتب النصرانیة من فلان الفارسی ، فاخرج إلیه ، قال : فاکتریت زورقاً إلى البصرة وأتیت الأهواز ، ثم صرت إلى فارس إلى صاحبی ، فأخبرته الخبر ، قال : فقال لی : أنظرنی أیاماً فانظرته ، ثم أتیت متقایضاً ، قال : فقال لی : إن هذا الذی تحکیه من أمر هذا الرجل فعله عیسى بن مریم (علیه السلام) فی دهره مرة واحدة ، ولقد حسده الناس على هذا الفضل الباذخ والمقام الشامخ ، ولقد أخبر بذلک إلى أخیه جعفر الکذاب لمقابلة جعفر الصادق (علیه السلام) . واضافة إلى معرفته لما فی الضمائر ، تنقل المصادر روایات عجیبة عن إخباره بالمغیبات ، مثل اخباره شیعته قبل خلع المستعین بثلاثة أیام بواقعة خلعه بقوله : بعد ثلاث یأتیکم الفرج . وبالجملة فمناقب هذا الحجة المعصوم وفضائل هذا الإمام المظلوم (علیه السلام) لا تنقص فضلاً عن اسلافه الطیبین الطاهرین وأجداده المعصومین صلوات الله علیهم أجمعین ، ولا غرابة فی ذلک فإن جمیعهم من نور واحد ، وکلهم ثمرات الشجرة الطیبة النبویة ، وفروع الأغصان الزاکیة العلویة ، ونتائج الأغراس الظاهرة الفاطمیة ، على أولهم واخرهم صلوات رب البریة . مواقف الإمام العسکری (علیه السلام) اتجاه أحداث عصره : جاء الإمام العسکری (علیه السلام) إلى مقام الإمامة بعد أبیه بأمر الله تعالى ، وحسب ما أوصى به أجداده الکرام . وطوال مدة خلافته التی لا تتجاوز الست سنین ، کان ملازماً التقیة ، وکان منعزلاً عن الناس حتى الشیعة ولم یسمح إلا للخواص من أصحابه بالأتصال ، ومع کل هذا ، فقد قضى زمناً طویلاً فی السجون . والسبب فی کل هذا الأضطهاد هو : أولاً : کان قد وصل عدد الشیعة إلى حد یلفت الأنظار ، وإن الشیعة تعترف بالإمامة ، وکان هذا الأمر واضحاً جلیاً للعیان ، وإن أئمة الشیعة کانوا معروفین ، فکانت الحکومات أنذاک تتعرض للأئمة (علیه السلام) وتراقبهم وکانت تسعى للإطاحة بهم وإبادتهم بکل الوسائل الخفیة ، کما هو الحال فی یومنا هذا . ثانیاً : اطلعت الدولة العباسیة على أن الخواص من الشیعة تعتقد أن للإمام الحادی عشر ولداً ، طبقاً للروایات الواردة عن الأئمة عن النبی (ص) ویعتبرونه الإمام الثانی عشر لهم . لذلک یمکن تقسم مواقف الإمام العسکری (علیه السلام) تجاه الأحداث إلى أربعة مواقف : الموقف الأول : موقفه من الحکم والحکام : فقد کانت سیاسة العباسیین تجاه الأئمة (علیه السلام) من أیام الإمام الرضا (علیه السلام) وتلخصت بالحرص على دمج إمام أهل البیت وصهره فی الجهاز الحاکم ، وضمان مراقبتهم الدائمة له ـ ومن ثم عزله عن قواعده وموالیه . ولذا کان الإمام العسکری کوالده (علیه السلام) مجبراً على الإقامة فی سامراء ، مکرهاً على الحضور لبلاط الخلیفة کل یوم اثنین وخمیس .ولکن الإمام (علیه السلام) کآبائه فی موقفه من الحکام ، وقف موقفاً حذراً ومحترساً فی علاقته بالحکم ، دون أن یثیر أی أهتمام أو أن یلقی بنفسه فی أضواء الحکم وجهازه ، بل کانت علاقته بالحکم روتینیة رتیبة ، تمسکاً بخط أبائه (علیه السلام) تجاه السلطة العباسیة ، وقد أکسب هذا الموقف الإمام (علیه السلام) الأحترام والمنزلة الرفیعة أمام الحکام . الموقف الثانی : موقفه (علیه السلام) من الحرکة العلمیة والتثقیف العقائدی : وتمثلت مواقفه العلمیة بردوده المفحمة للشبهات الإلحادیة ـ وإظهاره للحق باسلوب الحوار والجدل الموضوعی والمناقشات العلمیة ، وکان یردف هذا النشاط بنشاط آخر باصداره البیانات العلمیة وتألیفه الکتب ونحو ذلک . وهو بهذا الجهد یُموِّن الأمة العقائدیة شخصیتها الرسالیة والفکریة من ناحیة ومقاومة التیارات الفکریة التی تشکل خطراً على الرسالة ، وضربها فی بدایات تکوینها من ناحیة أخرى وللإمام (علیه السلام) من علمه المحیط المستوعب ، ما یجعله قادراً على الأحساس بهذه البدایات وتقدیراً أهمیتها ومضاعفاتها والتخطیط للقضاء علیها . ومن هنا جاء موقف الإمام العسکری (علیه السلام) واهتمامه وهو فی المدینة المنورة بمشروع کتاب یضعه الکندی أبو یوسف یعقوب بن اسحاق " فیلسوف العراق فی زمانه " ، حول متناقضات القرآن إذ اتصل عن طریق بعض المنتسبین إلى مدرسته واحبط المحاولة وأقنع مدرسة الکندی بأنها خطأ ، وجعله یتوب ویحرق أوراقه إلى غیر ذلک . الموقف الثالث : موقفه (علیه السلام) فی مجال الإشراف على قواعده الشعبیة وحمایة وجودها وتنمیة وعیها ، ومدها بکل أسالیب الصمود والإرتفاع إلى مستوى الطلیعة المؤمنة . وکان یساعدهم اقتصادیاً وإجتماعیاً ، ویحذرهم ، وکان (علیه السلام) یأمر أصحابه بالصمت والکف عن النشاط ریثما تعود الأمور إلى مجاریها وتستتب الحوادث . وکانت تُجبى إلیه (علیه السلام) أموال کثیره من الحقوق ، من مختلف المناطق الإسلامیة التی تتواجد فیها قواعده الشعبیة ، وذلک عن طریق وکلائه المنتشرین فیها ، وکان (علیه السلام) یحاول جاهداً وبأسالیب مختلفة أن یخفی هذا الجانب إخفاءً تاماً على السلطة ، ویحیطه بالسریة التامة . الموقف الرابع : موقفه (علیه السلام) من التمهید للغیبة : إن الإمام العسکری (علیه السلام) حین یعلم بکل وضوح تعلق الإرادة الإلهیة بغیبة ولده من أجل إقامة دولة الله فی أرضه وتطبیقها على الإنسانیة أجمع ، والأخد بید المستضعفین فی الأرض لیبدل خوفهم أمناً 000 یعبدون الله لا یشرکون به شیئاً . یعرف أن علیه مسؤولیة التمهید لغیبة ولده ، وذلک لأن البشر إعتادوا الإدراک والمعرفة الحسیة ، ومن الصعب على الإنسان المعتاد على المعرفة الحسیة فقط أن یتجاوز إلى تفکیر واسع . والنصوص المتواترة الصحیحة عن النبی (ص) لها أثرها الکبیر والفاعل فی ترسیخ فکرة إنتظار المهدی (عج) فی نفوس المسلمین بشکل عام ، وهذه الروایات عون للإمام العسکری (علیه السلام) لکی یقنع الناس بالإیمان بالغیبة من ناحیة ، ویبرهن للناس تجسید الغیبة فی ولده المهدی من ناحیة أخرى . والأمر الأصعب الذی تحمل مسؤولیتة الإمام العسکری (علیه السلام) بصفته والداً للمهدی (علیه السلام) هو اقناع الناس بفکرة حلول زمان الغیبه وتنفیدها فی شخص ولده الإمام المهدی وهو أصعب بالنسبة للفرد العادی ، إذ انه سوف یفاجأ ویصدم إیمانه بفکرة الغیبة ، فإن هناک فرقاً کبیراً فی منطق إیمان الفرد العادی بشکل مؤجل لا یکاد یحس الفرد بأثره فی الحیاة ، وبین الإیمان بالغیب مع الاعتقاد بتنفیده فی زمان مغایر . هذه الحقیقة ، کانت تلح على الإمام أن یبذل جهداً مضاعفاً لتخفیف وقع الصدمة وتذلیلها ، وتهیئة أذهان الناس لاستقبالها دون رفض أو انکار ، وتعوید أصحابه وقواعده على الالتزام بها ، وخاصة أنه (علیه السلام) یرید تربیة جیل واعٍ یکون النواة الأساسیة لتربیة الأجیال الأتیة ، والتی ستبنی بجهدها تاریخ الغیبتین ، الصغرى والکبرى . اضف إلى ذلک أن الظروف والمعاناة التی عاشها الإمام العسکری (علیه السلام) ، من قبل الدولة ، وضرورة العمل والتبشیر بفکر المهدی الموعود ، والتی کانت تعتبر فی منطق الحکام ، أمراً مهدداً بکیانهم ، وخروجاً على سلطانهم . لذا فقد اتجه نشاط الإمام العسکری (علیه السلام) فی تحقیق هذا الهذف إلى ثلاث أعمال رئیسیة ممهده لهذا الهذف : العمل الأول : حجب الإمام المهدی (علیه السلام) عن اعین الناس مع إظهاره لبعض خاصیته. العمل الثانی : تکثیف حملة توعیة لفکرة الغیبة ، وافهام الناس بضرورة تحملهم لمسؤلیاتهم الإسلامیة وتعویدهم على متطلباتها ، وقد اتخد الإمام (علیه السلام) بتصدیر بیاناته وتعلیماته عن المهدی ، کحلقة متسلسلة للنصوص التی بشر بها الرسول (ص) والإئمة (علیه السلام) من بعده ، وقد اتخذ الإمام العسکری (علیه السلام) فی بیاناته اشکالاً ثلاثة : الشکل الأول : بیان عام ، کالتعرض لصفات المهدی (علیه السلام) بعد ظهوره وقیامه فی دولته العالمیة . الشکل الثانی : توجیه النقد السیاسی للأوضاع القائمة ، وذلک بقرنها بفکرة المهدی (عج) وضرورة تغییرها . الشکل الثالث : توجیه عام لقواعده وأصحابه یوضح فیها (علیه السلام) لهم أبعاد فکرة الغیبة ، وضرورة التکیف لها من الناحیة النفسیة و الأجتماعیة تمهیداً لما یعانونه من غیبة الإمام (علیه السلام) وانقطاعه عنهم . العمل الثالث : اتخد الإمام العسکری (علیه السلام) موقفاً یمهد فیه للغیبة ، عندما احتجب بنفسه عن الناس ، إلا عن خاصة أصحابه ، وذلک باسلوب المکاتبات والتوقیعات ، ممهداً بذلک إلى نفس الأسلوب الذی سوف یسیر علیه ابنه المهدی (علیه السلام) فی غیبته الصغرى ، وهو فی احتجابه وإیصاله للتعلیمات . وقد یبدو الأمر غریباً مفاجئاً للناس لو حدث هذا بدون مسبقات وممهدات کهذه . ولهذا کان هذا الأسلوب لتهیئة أذهان الأمة وتوعیتها ، لکی تتقبل هذا الأسلوب وتستسیغه دون استغراب ومضاعفات غیر محمودة . وکان نظام الوکلاء الذی اتبعه الإمام العسکری (علیه السلام) مع قواعده الشعبیة کان اسلوباً أخراً من أسالیب التمهید لفکرة الغیبة . وکذلک أیضاً فإن نظام الأحتجاب والوکلاء هو الأسلوب نفسه الذی یکون ساری المفعول فی غیبة الإمام الصغرى ، بعد ان اعتاد الناس علیه فی مسلک الإمامین العسکریین علیهما السلام ، وخاصة الإمام الحسن العسکری (علیه السلام) . قصص من حیاته(علیه السلام) : عظمة أبدان ألأنبیاء(علیهم السلام) روی عن علیّ بن الحسن بن سابور، قال : قحط الناس ب (سرّمن رأى) فی زمن الحسن العسکری (علیه السلام ) فامر الخلیفهٌ الحاجب، وأهل المملکة أن یخرجوا إلى الاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أیام متوالیة الى المصلّى ویدعون فما سقوا. فخرج الجاثلیق فی الیومِ الرابع الى الصحراء، ومعه النصارى والرهبان وکان فیهم راهب کلمّا مدّ یده هطلت السّماء بالمطر فشک أکثر الناس وتعجـّبوا وصَـبُـوا إلى دین النصرانیة، فانفذالخلیفة الى الحسن العسکری ( علیه السلام ) ـ وکان محبوساًـ فاستخرجه من حبسه وقال: إلحق أمّة جدّک فقد هلکت، فقال: انی خارج فی الغد ومزیل الشک إنشاء الله تعالی . فخرج الجاثلیق فی الیوم الثالث والرهبان معه وخرج الامام الحسن(علیه السلام) فی نفرٍ من أصحابه فلما بصر بالراهب وقد مد یده أمر بعض ممالیکه ان یقبض على یده الیمنى ویأخذ ما بین إصبعیه، ففعل، وأخذ من بین سّبابتیه عظماً، فاخذه الحسن (علیه السلام) بیده ثم قال له: إستسقِ الان، فاستقى وکان السّماء متغـیّماً فتقشـّعت وطلعت الشمس بیضاء . فقال الخلیفه: ماهذا العظم یا أبا محمد؟ قال: (علیه السلام): هذا رجل مرّ بقبر نبیّ من الانبیاء فوقع إلى یده هذا العظم، وما کشف من عظم نبیّ الا وهطلت السماء بالمطر . استشهاده علیه السلام : المعتمد العباسی دس له السم، حیث جاء فی روایة الصدوق فی الإکمال بسنده إلى أبی الأدیان أنه قال: «أخدم الحسن بن علی العسکری وأحمل کتبه إلى الأمصار فدخلت إلیه فی علّته التی توفى فیها فکتب کتباً وقال: تمضی بها إلى المدائن، فخرجت بالکتب وأخذت جواباتها ورجعت إلى - سُرَّ من رأى - یوم الخامس عشر فإذا أنا بالداعیة فی داره، وجعفر بن علی بباب الدار والشیعة حوله یعزونه ویهنئونه. ثم خرج عقید الخادم فقال: یا سیدی قد کفن أخوک فقم للصلاة علیه فدخل جعفر والحاضرون فتقدم جعفر بن علی (وهو أخ العسکری) لیصلی علیه فلما همَّ بالتکبیر خرج صبی بوجهه سُمرة وشعره قطط وبأسنانه تفلیح فجذب رداء جعفر بن علی وقال: (تأخر یا عم أنا أحق منک بالصلاة على أبی، فتأخر جعفر وقد أربد وجهه فتقدم الصبی فصلى علیه ودُفِنَ إلى جانب قبر أبیه حیث مشهدهما کعبة للوافدین وملاذاً لمحبی أهل البیت الذی أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً یتبرکون به ویتوسلون إلى الله سبحانه بحرمة من دفن فی ثراه أن یدخلهم فی رحمته ویجعلهم على الحق والهدى.» لقد تعرض الإمام العسکری (علیه السلام) لما تعرض له أباؤه الأطهار (علیه السلام) من بطش الحکام وإئتمارهم لقتلهم ، بل ربما یزید الإمام العسکری (علیه السلام) عن ابائه وأجداده (علیهم السلام) تعرضاً للأذى ، لأن الحکام فی عصره کانوا یتخوفون مما بلغهم من کون الحجة المهدی (علیه السلام) منه (علیه السلام) لذا حبسوه عدة مرات ، وحاولوا قتله فکان ینجو من محاولاتهم . حتى جاء عهد المعتمد (لعنه الله) فتمکن من سم الإمام الحسن (علیه السلام) فی السنة الخامسة من حکمه ، وقد سُقیَ (علیه السلام) ذلک السم فی أول شهر ربیع الأول من سنة ستین ومائتین ، وظل (علیه السلام) سبعة أیام یعالج حرارة السم ، حتى صار یوم الجمعة الثامن من شهر ربیع الأول من سنة ستین ومائتین ، حیث انتقل إلى جوار ربه ، فی سامراء ، ولم یصل عمره الشریف إلى ثمانیة وعشرین سنة . ولما استشهد الإمام العسکری (علیه السلام) ضجت لفقده " سر من رأى " ضجة عظیمة وحمل أهلها النعش المقدس ، بتجلیل واهتمام بالغین . المصدر : تحقیق راسخون أصول الحدیث وأحکامه ص 19 للعلامة المُحقق آیة الله الشیخ السبحانی حیاة الإمام الحسن العسکری لباقر شریف القرشی طبع بیروت ، عام 1996 م. کتاب الامام الحسن العسکری سیرة وتاریخ علی موسی الکعبی. بحار الانوار 50/270 للعلامة المجلسی .
http://ar.rasekhoon.net