الإمام العسكري(ع)والتدابير الأمنية لحفظ المهدي (ع )
الإمام العسكري(ع)والتدابير الأمنية لحفظ المهدي (ع )
0 Vote
111 View
التدابير الأمنية لحفظ الامام المهدي (عج) بسم الله الرحمن الرحيم قبل بيان طبيعة التدابير التي اتُخذت لحفظ الوجود المقدس للإمام المهدي (عجل الله فرجه)، رأينا أن نقسمها إلى مرحلتين، المرحلة الأولى: وهي المرحلة التي تتعلق بمجموعة التدابير العامة والخاصة التي اتخذها الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام) لحفظ ولده الحجة (عجل الله تعالى فرجه)، في زمن إمامته، والمرحلة الثانية: وهي التي تتعلق بمجموعة التدابير التي اتخذها الإمام المهدي بنفسه لهذا الغرض، وإليك بيانهما: المرحلة الأولى: في زمن الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام إن التدابير الأمنية التي مارسها الإمام الحسن العسكري ع لحفظ ولده الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) من ناحية ولحفظ مقام الإمامة المتمثل به من ناحية أخرى يمكن إيجازها بنحوين من التدابير هما: النحو الأول: الممارسات العامة والكلية: وهذه الممارسات لم تكن مُنصّبة بشكل مباشر لحفظ الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه)، بل أن هذه الممارسات تدخل في إطار سياسة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) العامة التي بدأها أبوه الإمام الهادي ع ، وبدأت ملامحها تتضح أكثر، وتتجذّر في حياة المجتمع في زمان الإمام الحادي عشر ع ، وقد أخذت طابع التمويه على وجوده لئلا يشعروا به فيكيدوا له ع . النحو الثاني: التدابير والممارسات الخاصة: فقد مارس الإمام الحسن العسكري ع في ظرف محدّد؛ لأجل غرض خاص، هو حفظ ولده الإمام الحجة فقط، من خلال التمويه على وجوده المقدس في جميع مراحل حياته التي عاصرها. وهكذا فقد اتّضحت منهجية البحث, ومن هنا فسوف نتناول كل واحدة من هذه التدابير بالبسط والتوضيح والدليل, فنقول: التدابير العامة التي مارسها الإمام العسكري إن التدابير الأمنية التي قام بها الإمام العسكري ع تحقيقاً لهذا الغرض يمكن حصرها بالأمور الثلاثة الآتية: أ ـ الاحتجاب. ب ـ إرجاع الشيعة إلى الوكلاء. ج ـ تأييد الكتب الفقهية والأصول المصنفة. أ ـ الاحتجاب: استخدم الإمام الحسن العسكري أٌسلوب الاحتجاب عن الناس بصورة ملحوظة أكثر مما يلحظ في حياة الإمام الهادي ع ؛وذلك للأسباب التالية: 1ـ قيام السلطات العباسية بالتضييق عليه وفرض الإقامة الجبرية. 2ـ تمهيد وإعداد ذهنية الناس عامة والشيعة خاصة؛ لقبول مرحلة الغيبة من ناحية، والتقليل من تردد الناس على بيته ع الذين لم يكن يأمن أن يكون بعضهم من جواسيس السلطة العباسية من ناحية أخرى، فضلاً عن الخطر المحدق بنفس الشخص إذا لم يكن من أزلام السلطة، فاحتجاب الإمام عن الناس كان فيه حفظ لأرواح شيعته أيضاً, ولم يكن الإمام عيلتقي بالناس إلا في الأيام التي كان يخرج فيها بأمر المعتمد إلى لقائه, أو ما يراه من المصلحة في بعض الأحيان أن يأذن لهم، أو يزورهم بنفسه، بل ولم يكن يظهر حتى لشيعته، وإذا كلّمَ بعضهم كلّمه من وراء الستر؛ على حدّ قول المسعودي:« وروي أن أبا الحسن صاحب العسكر احتجب عن كثير من الشيعة إلا عن عدد يسير من خواصّه، فلما أفضى الأمر إلى أبي محمد ع كان يكلم شيعته الخواصّ وغيرهم من وراء الستر، إلا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان؛ وإن ذلك إنما كان منه ومن أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة وتجري العادة بالاحتجاب والاستتار»(1). ب ـ إرجاع الشيعة إلى الفقهاء لقد عين الإمام العسكري ع نواباً من قبله داعماً إياهم بالتأييد والتوثيق؛ كي يكونوا رابطاً بينه وبين شيعته لحل مشاكلهم الدينية والدنيوية من جهة، ولتألف الشيعة الرجوع إلى النواب مباشرة من جهة أٌخرى، وحتى لا يكون بيت الإمام محّلاً لاختلاف(2) الشيعة، فتعرف تفاصيل بيت الإمام وما يجري فيه من جهة ثالثة، وهذا ما يظهر من كتابه ع إلى أحمد بن إسحاق الأشعري، مؤيداً نائبه الثقة المأمون عثمان بن سعيد العمري، قائلا: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات, فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدّى إليكم فعني يؤدّيه(3). و يظهر أيضاً من كتابه ع إلى إسحاق بن إسماعيل الذي جاء فيه: « فلا تخرجن من البلد حتى تلقى العمري رضي الله عنه برضائي فتسلم عليه وتعرفه ويعرفك، فإنه الطاهر الأمين العفيف القريب منٌا وإلينا، فكل ما يحمل إلينا من شيء من النواحي، فإليه يصير آخر أمر ليوصل ذلك إلينا؛ والحمد لله كثيراً »(4). ج ـ تأييد الكتب الفقهية والأصول المصنفة أيّد الإمام العسكري عليه السلام بعض الكتب الفقهية والأصول التي جمعت في عصره أو قبل ذلك، للعمل والاستهداء بها، كما أنه أيَّد أصحاب تلك الكتب، وشكر لهم سعيهم، وأثنى عليهم، ودعا الناس للعمل بما فيها، من قبيل تأييده للفضل بن شاذان(5) ولكتابه، وكتاب يونس بن عبد الرحمن(6) وغيره، ولا شك في أن الاستهداء والعمل بهذه الكتب هو الهدف الأول والمباشر الذي يبتغيه الإمام من وراء تأييد هذه الكتب والأصول المصنفة، ولكن شيئاً فشيئاً بدأت هذه الكتب تساهم في تربية الفقهاء والرواة مما قلّل رجوع الشيعة إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام مباشرة، ومن ثم إلى الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) وشارك هذا العمل بشكل فعال في خلق التواصل بين الناس وهؤلاء الفقهاء والرواة، خصوصا بعد تأييدهم من قبل نفس الإمام مما حال دون إيجاد المبررات لدى السلطة العباسية لممارسة مزيد من الضغط والتجسس على الإمامين العسكري والحجة( عليهما السلام)، وان كان المقدار الذي مارسته هذه السلطة لم يكن بالشيء القليل. وهكذا فقد تم بيان جملة من الأساليب العامة التي مارسها الإمام الحسن العسكري عليه السلام لحفظ ولده الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه). الإجراءات والتدابير الخاصة: مارس الإمام الحسن العسكري ع في فترات معينة تدابير أمنية خاصة بالإضافة إلى جملة التدابير العامة التي مضت؛ لحفظ الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه). والحقيقة أن المستقرئ لتأريخ الإمام الحسن العسكري ع في تلك الفترة يجد أن الإمام يتعامل بأسلوبين مختلفين يصعب التوفيق بينهما إلا على مثله (عليه السلام)، حيث إنه من جانب كان يموه ويخفي على السلطة العباسية التي تحاول رصد كل حركاته وسكناته ع حذراً من الوالد وخوفا من الوليد؛ الذي سيدمر عروش الطغاة على الأرض حيث أخفى الإمام الحسن العسكري ع كل دلائل ولادة الحجة ع ، ولم يورد له ذكراً في أي وثيقة قانونية رسمية؛ فإنّ ما نجده اليوم من إنكار طائفة من المسلمين ولادة الإمام الحجة ع يرجع إلى سياسة الإمام الحسن العسكري ع في تلك الفترة وسعيه الدؤوبين للتمويه على أي وجود للإمام الحجة عليه السلام في سجلات الدولة العباسية ، هذا كله من ناحية، ومن ناحية أخرى التأكيد على ولادته وتثبيتها بالنصوص الصريحة بين الشيعة والخواص. ويمكن تلخيص الإجراءات الخاصة التي قام بها ع لحفظ ولده الحجة في النقاط التالية: 1 ـ التكتم على الحمل. 2 ـ التكتم على الولادة. 3 ـ إرسال والدته المكرمة إلى مكة. 4 ـ كتابة الوصية باسم والدته. ونحن نبدأ ببيان الشواهد والأحداث المؤيدة لكل واحدٍة من هذه الممارسات تاريخياً فنقول: 1 ـ التكتم على الحمل: إن الإمام الحسن العسكري ع قد أخفى حمل زوجته سوسن بولده الحجة (عجل الله تعالى فرجه) عن أقرب الناس إليه, والشاهد عليه أن عمته حكيمة بنت الإمام الجواد ع كانت من المقربات عنده ع ومع ذلك لم يطلعها على الحمل إلى ما قبيل ولادته ع . فقد روى الشيخ الطوسي (قال: وأخبرني ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار محمد بن الحسن القمي عن أبي عبد الله المطهري عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا قالت: بعث إلي أبو محمد ع سنة خمسة وخمسين ومائتين في النصف من شعبان وقال يا عمة اجعلي الليلة إفطارك عندي فإن الله عز وجل ّ سيسرّك بوليّه وحجته على خلقه خليفتي من بعدي قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي عليّ وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد ع وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله, فقلت جعلت فداك يا سيدي الخلف ممن هو؟ قال من سوسن، فأدرت طرفي فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن. قالت حكيمة: فلما أن صلَّيت المغرب والعشاء الآخرة، أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتُّها(7) في بيت واحد، فغفوت غفوة ثم استيقظت فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد ع من أمر ولي الله, فقمت قبل الوقت الذي أقوم للصلاة فصليت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر, فوثبت سوسن، فزعة وخرجت وأسبغت الوضوء ثم عادت وصلت صلاة الليل وبلغت إلى الوتر فوقع في قلبي أن الفجر قد قرب فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد ع فناداني من حجرته لا تُشُكّي وكأنك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالى...)(8). 2 ـ التكتم على الولادة: لا تخبري بما رأيت أحداً روى الشيخ الطوسي عن أحمد بن علي الرازي عن محمد بن علي، عن حنظلة بن زكريا، قال: حدثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب، وكان عامياً بمحل من النصب لأهل البيت(عليهم السلام)، يظهر ذلك ولا يكتمه وكان صديقاً لي يظهر مودة بما فيه من طبع أهل العراق، فيقول: ـكلما لقيني ـ لك عندي خبر تفرح به ولا أخبرك به فأتغافل عنه إلى أن جمعني وإياه موضع خلوة، فاستقصيت عنه وسألته أن يخبرني به، فقال: كانت دورنا بسرّ من رأى مقابل دار ابن الرضا ـ يعني أبا محمد الحسن بن علي عليهم السلام ـ فغبت عنها دهراً طويلا إلى قزوين وغيرها، ثم قضى لي الرجوع إليها، فلّما وافيتها، وقد كنت فقدت جميع من خلّفته من أهلي وقرا باتي إلا عجوزاً كانت ربّتني، ولها بنت معها وكانت من طبع الأول، مستورة صائنة لا تحسن الكذب، وكذلك مواليات لنا بقين في الدار، فأقمت عندهن أياما، ثم عزمت الخروج، فقالت العجوز: كيف تستعجل الانصراف، وقد غبت زماناً؟ فـأقم عندنا لنفرح بمكانك, فقلت لها على جهة الهزأ: أريد أن أصير إلى كربلاء، وكان الناس للخروج في النصف من شعبان أو ليوم عرفة، فقالت: يا بني أعيذك بالله أن تستهين ما ذكرت، أو تقوله على وجه الهزأ، فاني أحدثك بما رأيته..... ـ يعني بعد خروجك من عندنا بسنتين، والرواية طويلة ومضمون ما تبقى منها هو: إن هذه المرأة الصالحة شاهدت مكاشفةًً حيث جاء لها رجل يدعوها إلى مساعدة عمة الإمام الحسن العسكري حكيمة في توليد سوسن زوجة الإمام العسكري وقد شاهدت الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وقد أخبرها الإمام الحسن العسكري ما نصه): (..... لا تخبري بما رأيتِ أحداً)(9). فليكن عندك مستوراً وعند جميع الناس مكتوماً لقد كتم الإمام العسكري ع ولادة ولده الحجة ع خوفاً عليه من الأعداء حتى أنه أمر بعض خاصة شيعته كأحمد بن إسحاق وغيره؛ حينما بشّرهم بذلك: أن يكتموا أمره ويستروا ولادته عند الآخرين، بقوله: « ولد لنا مولود، فليكن عندك مستوراً وعند جميع الناس مكتوماً »(10). 3ـ إرسال والدته المكرمة إلى مكة: أرسل الإمام الحسن العسكري في سنة (259) من الهجرة والدته المكرمة إلى مكة للحج وذلك قبل رحلته بعام واحد وأمرها أن تستصحب الحجة القائم ع معها؛ و يحتمل أنه ع أراد بهذا الإجراء أن تبقى الوالدة بعيدة عند الأحداث الصعبة ؛ خوفاً من التعرض إليها وإهانتها من قِبل السلطة الجائرة ؛ هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، إبقاء الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) بعيداً عن أنظار السلطة العباسية التي لم تكن إلى ذلك الوقت تعلم بولادة الحجة ع بعدُ. قال المسعودي: ثم أمر أبو محمد ع والدته بالحج في سنة تسع وخمسين ومائتين وعرّفها ما يناله سنة الستين، وأحضر الصاحب فأوصى إليه وسلّم الاسم الأعظم والمواريث والسلاح إليه، وخرجت أمّ أبي محمد ع مع الصاحب عليه السلام جميعاً إلى مكة»(11) 4 ـ كتابة الوصية باسم والدته: وكتب الإمام الحسن العسكري ع وصيته قبل رحلته، وأوصى بها إلى أمه, ولم يورد فيها أيّ ذكر لولده الحجة ع ، لعلل كثيرة لعل أهمها هو: التستر على الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) لحفظه من كيد الأعداء. روى الصدوق بسنده عن أحمد بن إبراهيم، قال: «دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا، أخت أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام في سنة اثنتين وستين ومائتين، فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسّمت لي من تأتم بهم ثم قالت: والحجة بن الحسن بن علي فسمّته. فقلت لها: جعلني الله فداك ؛ معاينة أو خبراً؟ فقالت: خبرا عن أبي محمد ع كتب به إلى أمه. فقلت لها: فأين الولد؟ فقالت: مستور. فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟ فقالت لي: إلى الجدة أم أبي محمد عليه السلام. فقلت لها: اقتدي عن وصيته إلى امرأة؟! فقالت: اقتداء بالحسين بن علي، فإن الحسين بن علي عليهما السلام أوصى إلى أخته زينب بنت علي في الظاهر، فكان ما يخرج عن علي بن الحسين ع من علم ينسب إلى زينب، ستراّ على علي بن الحسين ع »(12). ولا شك أن أحمد بن إبراهيم لو عاش في الأوضاع الصعبة التي كان يعيش فيها الإمام العسكري ع لما استغرب من هذا الفعل فانه لو تأمل قليلاّ فيما فعله الإمام قبل رحلته؛ من إرسال أمه إلى مكة المكرمة، وكتابة الوصية باسم والدته، لعرف أن كل ذلك كان حرصاً على حياة ولده الحجة القائم (عجل الله تعالى فرجه) وتمويهاً على طغاة ذلك الزمان: حيث انه لو كان له ولد لكتب الوصية باسمه، أو لذكر اسمه في الوصية على الأقل. ويؤيد ذلك ما قاله الشيخ الطوسي رحمه الله في الغيبة في هذا المجال: «فان قيل: كيف يجوز أن يكون للحسن بن علي ع ولد مع إسناده وصيته ـ في مرضه الذي توفي فيه ـ إلى والدته المسماة بحديث، المكناة، بأمٌ الحسن، بوقوفه وصدقاته، وأسند النظر إليها في ذلك، ولو كان له ولد لذكره في الوصية. قيل: إنما فعل ذلك قصداً إلى تمام ما كان غرضه في إخفاء ولادته، وستر حاله من سلطان الوقت، ولو ذكر ولده أو أسند وصيته إليه لناقض غرضه، خاصة وهو احتاج إلى الإشهاد عليها وجوه الدولة، وأسباب السلطان، وشهود القضاة، ليتحرس بذلك وقوفه، ويتحفظ صدقاته ويتمّ به الستر على ولده، بإهمال ذكره وحراسة مهجته بترك التنبيه على وجوده ومن ظن أن ذلك دليلاً على بطلان دعوى الإمامية في وجود ولداً للحسن عليهما السلام كان بعيداً عن معرفة العادات وقد فعل نظير ذلك الصادق جعفر بن محمد ع »(13). المرحلة الثانية: في زمن إمامة الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) ويمكن تقسيم التدابير الأمنية في فترة إمامة الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) إلى قسمين هما: 1 ـ تدبير عام مارسه الإمام لأسباب متعددة وكان أحد هذه الأسباب هو حفظ نفسه المقدسة (عجل الله تعالى فرجه) وهذا ينحصر في غيبته (عجل الله تعالى فرجه) بأمر من الله عز وجل. 2 ـ تدابير خاصة مارسها الإمام (عجل الله تعالى فرجه) لخصوص حفظ نفسه (عجل الله تعالى فرجه) من قبيل التكتم على اسمه ومكانه. 1 ـ الغيبة كان للإمام المهدي ع غيبتان: احداهما قصيرة ـ الغيبة الصغرى ـ والأٌخرى طويلة ـ الغيبة الكبرى ـ والأولى تبدأ من ولادته سنة (255 هـ) وحتى نهاية فترة النيابة الخاصة سنة 329 هـ ، والغيبة الكبرى ـ الثانيةـ بدأت بانتهاء الغيبة الصغرىـ الأولىـ وتستمر حتى ظهوره ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف (14). الأسباب السياسية والاجتماعية للغيبة لا شك في أن قيادة القادة الإلهيين ترمي إلى إيصال الناس إلى غاية الكمال، وهذا أمر يتم لو كانوا على استعداد للإفادة من هذه الهداية الربانية، فإذا لم يتوفر هذا النوع من الاستعداد بين الناس، فسوف لن تكون هناك جدوى من حضور القادة الإلهيين بينهم، وقد بينت الضغوط والمضايقات الكبيرة التي تلقاها الأئمة وبشكل خاص منذ إمامة الإمام الجواد ع وما بعده ـ الأمر الذي حدد نشاطات الإمامين العاشر والحادي عشر ـ إن الأرضية غير ملائمة للتمتع بقيادة وإرشادات الأئمة (عليهم السّلام) وأنها لم تصل إلى الحد المطلوب, ولذا اقتضت الحكمة الإلهية أن يختار الإمام الثاني عشر الغيبة إلى أن يحين ذلك الوقت الذي يكون المجتمع فيه على استعداد تام لذلك. ومن المؤكد انه لم تتضح لنا جميع أسباب الغيبة بيد أن أهداف الغيبة في روايتنا تتمحور حول ثلاثة أسباب هي: أ ـ اختبار الناس. ب ـ التحرر من البيعة لطواغيت العصر. ج ـ حفظ الإمام. ونحن نطوي صفحاً عن الهدف الأول والثاني اذ لا ربط لهما بمحل البحث، اما بالنسبة إلى الهدف الثالث فنقول: حفظ الإمام حفظ الله الإمام الثاني عشر من القتل من خلال الغيبة، لأنه ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ لو كان قد ظهر من البداية بين الناس لكانوا يقتلونه وما كان لينجح في تحقيق أهدافه الإصلاحية العليا ومهمته الإهدائية. قال زرارة سمعت أبا عبد الله الصادق ع يقول: «للإمام المنتظر غيبة قبل ان يقوم». قلت: ولم؟ قال ع : «يخاف على نفسه»(15). 2 ـ إخفاء اسم ومكان الإمام ع مع انه كان يمكن رؤية الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) في الغيبة الصغرى من قبل خواص الشيعة كالسفراء الأربعة والنواب بل حتى من غيرهم كما في بعض الروايات حيث ورد فيها أن رجلا من أهل فارس رآه(16)، بل أن الشيخ الصدوق عقد باباً اسماه (ذكر من شاهد القائم ع ورآه وكلمه)(17) وأورد فيه الروايات الدالة على ذلك، وكانت تحدث هذه المشاهدات واللقاءات على مراحل مختلفة من عمر الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) منذ ولادته ع وهكذا إلى وقوع الغيبة الكبرى، فبعض الروايات تدل على أن رؤيته حصلت عندما كان عمر الإمام (عجل الله تعالى فرجه)(18) وأٌخرى كان عمر الإمام ع أربع سنوات (19)، غير أنه وبسبب الظروف السياسية العصيبة كان كل واحد من النواب الأربعة ملزماً بأن لا يذكر اسم ومكان الإمام في الأوساط العامة، لأنه لولا ذلك لكان الإمام عرضة لخطر الجهاز الحاكم، فقد روى الشيخ الطوسي أن عبد الله بن جعفر الحميري وأحمد بن إسحاق الأشعري ـ وهما من كبار أصحاب الأئمة ووجهاء الشيعة وشيوخها ـ التقيا بعثمان بن سعيد ـ السفير الأول ـ وسألاه: أنت رأيت الخلف من أبي محمد العسكري؟ فقال: أي والله. فسألاه عن الاسم؟ فقال: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل ولا أحرم ولكن عنه عليه السلام، فأن الأمر عند السلطان ( الحاكم العباسي) أنّ أبا محمد العسكري مضى ولم يخلف ولداً وقسّم ميراثه، وأخذ من لاحق له فصبر على ذلك، وهو ذا عماله يجولون فليس أحد يجسر أن يتقرب إليهم ويسألهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فالله الله اتقوا الله وامسكوا عن ذلك(20). إن أسلوب الاختفاء والتستر هذا كان يتم وفقاً لأوامر وتوجيهات الإمام( عليه السلام) كما صدر ذات يوم توقيع من الإمام ابتداءً, ومن دون أن يسأل بشيء يخاطب فيه محمد بن عثمان السفير الثاني «الذين يسألون عن الاسم إمّا السكوت والجنة وإما الكلام والنار، فإنهم إن وقفوا على الأسم أذاعوه, وإن وقفوا على المكان دلو عليه»(21). والحمد لله رب العالمين (1) إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام): علي بن الحسين المسعودي ص286. (2) التردد على بيته (3) غيبة الطوسي: ص354 – 355. (4) المصدر نفسه: ص354 – 355. (5) أنظر رجال بن داود: ابن داود الحلي: ص151. (6) المصدر نفسه: ص207. (7) بايتها: بتُ معها. (8) كتاب الغيبة: الشيخ الطوسي: ص234 ح204. (9) كتاب الغيبة: الشيخ الطوسي: ص 242، قد يلاحظ على هذه الرواية، أن راويها هو أحمد بن بلال بن داود وهو مجهول في كتبنا الرجالية، كما أن الرواية سمّت أم الأمام الحجة (سوسن ) مع أن المشهور أنها (نرجس)،وجوابهما، أمّا الأول: لم نستدل بهذه الرواية على شئ جديد مخالف للروايات السابقة؛ حتى نحتاج إلى رواية صحيحة بل أن مضمونها موافق للروايات السابقة واللاحقة هذا أولاً، وثانياً الرواية تصرح بأنه عامي، ومع ذالك فإنه يخالف عقيدته ويروي هذه الحادثة التي تثبت أن الإمام الحجة قد ولد على خلاف ما تعتقده العامة،وأما الثاني: ليس بعزيز أن يكون للشخص الواحد اسمان أحدهما مشهور والثاني غير مشهور مع الاتفاق على أن المسمى بهما هي شخصية واحدة وهي أم الإمام الحجة كما دلت عليه الروايات، وهذه بتصورنا قرائن كافية للوثوق بالصدور، بناء على المسلك المختار. (10) كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق: ص434 (طبعة جامعة المدرسين، صححه وعلق عليه علي اكبر غفاري)، وفي طبعة أخرى (بيروت) ج2 ص398 ح16. (11) معجم أحاديث الإمام المهدي: الشيخ علي الكوراني: ج4 ص253. (12) كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق: ص507. (13) كتاب الغيبة: الشيخ الطوسي: ص107. (14) الإرشاد: الشيخ المفيد: ج2 ص340. (15) الكافي: الشيخ الكليني: ج1 ص338 ,كنز الفوائد: محمد بن علي الكرامكي: ص175، كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق: ص346، باختلاف يسير. (16) أصول الكافي: ص580 ح2, أنظر كتاب الغيبة: الشيخ الطوسي: ص233 ح202،[ كمال الدين وتمام النعمة: ص436 ح4. (17) انظر كمال الدين وتمام النعمة: ص433. (18) انظر كتاب الغيب (19) المصدر نفسه : ص246 ح216. (20) المصدر نفسه: ص243 ح209. (21) كتاب الغيبة: الشيخ الطوسي: ص364 ح 331 ------------ زاد المعاد-المصدر مؤسسة الكوثر -موقع سفينة النجاة http://zaad.org/
العناوين ذات الصلة
تاريخ الفقه الإسلامي وادواره
إيقاف الناظرين على سب الأمويين لأمير المؤمنين وآله الطاهرين
نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي، التكوّن والصيرورة
معجم مؤرخي الشيعة/ الجزء الأول و الثانی
تحفة الکرام في تاريخ مکة و بيت الله الحرام
تاريخ وصاب المسمّى بـ الإعتبار في التواريخ و الآثار
تاريخ وتطور الفقه والاصول في حوزة النجف الأشرف العلمية