الامام الحسن العسكري (عليه السلام)

وُلِدَ الامام الحسن بن عليّ (ع) في المدينة المنوّرة في ربيع الثاني سنة اثنتين وثلاثين ومائتين للهجرة،وسمِّي بالعسكري نسبة إلى محلّة العسكر في سامراء الّتي سكن فيها مع أبيه الهادي (ع). وُلِدَ الامام ونشأ وتربّى في ظلّ أبيه الّذى عُرِف بالعلم والزُّهد والجهاد والعمل ، فاكتسب منه مكارم الأخلاق وغزير العلم ، وروح الأيمان وشمائل أهل البيت (ع) . فقد صحب أباه وعاش معه ثلاثاً وعشرين سنة وأشهراً ، استوعب خلالها علوم آل محمّد (ص) وتلقّى ميراث الامامة،فكان كآبائه في العلم والعمل والجهاد والدعوة إلى الاصلاح في اُمّة جدّه محمّد (ص). وقد تواردت النصوص على إمامة الحسن العسكري (ع) ، وظهر أمر إمامته في عصر أبيه الامام الهادي (ع) . نذكر منها ما رواه الشيخ المفيد ، قال : ( عن أبي بكر الفهفكي ، قال : كتب إليَّ أبو الحسـن (ع): أبو محمّد ابني أصحّ آل محمّد غريزة، وأوثقهم حجّة ، وهو الاكبر من ولدي ، وهو الخلف ، وإليه ينتهي عُرَى الامامة وأحكامنا ، فما كنت سائلي عنه ، فاسأله عنه ، فعنده ما تحتاج إليه ) (248) . تولّى الامام الحسن العسكري مهام الامامة بعد وفاة أبيه ، استمرّت نحو ست سنوات ، مارس فيها مسؤوليّات الامامة العلميّة والسياسيّة ، كما كان آباؤه الكرام يمارسونها بجدارة وكفاءة تامّة. شخصيّة الامام العسكري (عليه السلام) كان الامام العسـكري (ع) كآبائه الكرام ، عَلَماً لا يخفى ، وإماماً لا يجهله أحد ، فكان اُستاذ العلماء ، وقدوة العابدين ، وزعيم الدِّين والسياسة ، يُشار إليه بالبَنان ، وتهفو إليه النفوس بالحبّ والولاء. وعلى رغم الإرهاب العبّاسي ، والمعاداة السياسيّة لأهل البيت (ع) ، وملاحقة السلطة له ولأصحابه ، وزجّهم في المحابس والسجون ، رغم كلّ هذا فانّ خلفاء عصره لم يستطيعوا إخفاء شخصيته ، أو تحجيم دوره السياسي والعلمي ، ومكانته الاجتماعيّة ، ففرض نفسه على حكّام عصره وخصومه . فهذا أحمد بن عبدالله بن خاقان ، وهو من خصوم الامام العسكري (ع) ينقل لنا صورة كاملة عن مقامه ومكانته السياسيّة والاجتماعيّة . روى ابن شهرآشوب ، قال : (قال الحسين بن محمّد الاشعري ، ومحمّد بن عليّ : جرى ذكر العلويّة عند أحمد بن عبدالله بن خاقان بقم (249)، وكان ناصبيّاً ـ شديد العداوة لآل عليّ ـ فقال : ما رأيتُ منهم مثل الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا ، جاء ودخل حجابه على أبي(250)، فقال : أبو محمّد بن الرضا بالباب ، فزجرهم ] عن [الأذن واستقبله ، ثمّ أجلسه على مصلّاه ، وجعل يكلّمه ، ويفديه بنفسه ، فلمّا قام شيّعه ، فسألت أبي عنه ، فقال : يا بُنيّ ! ذاك إمام الرافضة (251)، ولو زالت عن بني العبّاس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره ، لفضله وعفافه وصومه وصلاته وصيانته وزهده وجميع أخلاقه . ولقد كنت أسأل عنه دائماً ، فكانوا يُعَظِّمونه ويذكرون له كرامات . وقال : ما رأيت أنقع ظرفاً (252)، ولا أغضّ طرفاً ، ولا أعفّ لساناً وكفّاً من الحسن العسكري) (253) . ولمكانة الامام العظيمة، وموقفه السياسي من السلطة العبّاسية الجائرة، ووقوفه على قمة المعارضة السياسيّة في تلك الفترة ، فرضت عليه أجهزة السلطة الإقامة شبه الجبريّة ، وأجبرته على الحضور يومي الاثنين والخميس من كلّ أسبوع في دار الخلافة . أشار أحد أصحاب الامام إلى ذلك بقوله : ( إجتمعنا بالعسكر ، وترصّدنا لأبي محمّد يوم ركوبه، فخرج توقيعه: ألا لا يُسَلِّمَنَّ عليَّ أحد ، ولا يشير إليَّ بيده ، ولا يُومِئ ، فإنّكم لا تأمنون على أنفسكم ) (254) . ونستطيع أن نلمس عظيم مكانة الامام عند الناس من هذا النص التاريخي الّذي يصف حالتهم عند وفاته (ع) : ( فلمّا ذاع خبر وفاته صارت «سامراء» ضجّة واحدة ، وعطّلت الاسواق ، وركب بنو هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى جنازته ، فكانت «سامراء» يومئذ شبيهة بالقيامة ...) (255) . عبادة الامام (عليه السلام) حفل التاريخ بالأخبار والروايات المتحدِّثة عن عبادة الامام العسكري (ع) وزهده وتقواه ، نذكر منها: 1 ـ قال محمّد الشاكري : (كان (ع) يجلس في المحراب ويسجد ، فأنامُ وأنتبهُ وهو ساجد) (256) . 2 ـ ونقل الكليني رواية تتحدّث عن عبادة الامام (ع) وزهده وإمضاء وقت السجن في الذِّكر والعبادة والتوجّه إلى الله سبحانه ، ممّا جعله يؤثِّر فيمن وُكِّلَ بسجنه وتعذيبه ، قال : (دخل العبّاسيون على صالح بن وصيف ، ودخل عليه صالح بن عليّ وغيرهم من المنحرفين عن هذه الناحية ، عندما حبس أبو محمّد ] الامام العسكري [ ، فقال له : ضيِّق عليه ولا توسِّع .. فقال لهم صالح : ما أصنع به ، وقد وكّلت به رجلين شرّ من قدرت عليه ، فقد صارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم . ثمّ أمر بإحضار الموكّلين به ، فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟ فقالا له : ما نقول في رجل يصوم نهاره، ويقوم ليله كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا . فلمّا سمع ذلك العبّاسيون انصرفوا خاسئين) (257) . إنّ تردِّي الأوضاع الأخلاقيّة والسياسيّة والإدارية والفوضَى الفكرية وحياة البذخ واللّهو لقصر الخلافة العبّاسية في مقابل الفقر والجوع والمرض والإرهاب للاُمّة ، إنّ ذلك كلّه دعا الامام العسكري (ع) أن يعارض هذه الأوضاع وأن يتصدّى مع آل عليّ (ع) للثورة بغية إنقاذ الاُمّة من هذا العبث وتلك الفوضى . لذا عملت السلطات العبّاسية الّتي عاصرها الامام وهي سلطة المعتز والمهتدي والمعتمد إلى مواجهة الامام والتضييق عليه بالإرهاب والسجن والملاحقة والحصار . الاوضاع السياسيّة المعاصرة للامام (عليه السلام) ذكرنا فيما سبق عن الحكّام العبّاسيين وما آلوا إليه من ظلم وفساد وتشتّت وضعف ، وقد عاصر الامام خلافة المتوكّل وابنه المنتصر والمستعين ، وتحمّل مسؤوليّة الامامة بعد والده عام 254 هـ في عصر المعتز العبّاسي الّذي عزله حواشيه من الأتراك عام 255 هـ وحبسوه حتّى مات بعد أيّام . وولي الخلافة بعده المهتدي العبّاسي الّذي واجه نفس المصير فهجموا عليه وجرح ودعوه إلى أن يخلع نفسه فأبى ، ومات بعد يومين في عام 256 هـ . أمّا أوضاع الناس فقد نقل المؤرِّخون أنّ الوباء انتشر وتفشّى في العراق عام 258 هـ وقتل عشرات الآلاف ، كما اشتدّ الفقر والغلاء في البلاد حتّى ( انجلى فيما ذكر عن مكّة من شدّة الغلاء مَنْ كان بها مجاوراً إلى المدينة وغيرها من البلدان ... وارتفع السعر ببغداد ... ) (258) . ونقل اليعقوبي صورة اُخرى فقال : ( وغلت الأسعار في بغداد وبسرّ من رأى ] سامراء [ ، حتّى كان القفيز بمائة درهم ، ودامت الحرب وانقطعت الميرة وقلّت الأموال ) (259) . في الوقت الّذي يعاني المجتمع الفقر والجوع والأمراض ويعاني من اضطراب السلطة وسوء الأدارة، كانت قصور الخلفاء والحواشي وجواريهم و... تعجّ بالعبث واللّعب بالمجوهرات والبذخ واللّهو الماجن، وتعدّ ممتلكات بعض نسائهم بالملايين ، ومصاريفهم السنوية بالملايين ، فممّا جاء من ذلك : (كانت اُمّ محمّد بن الواثق ـ الخليفة ـ توفيت قبل أن يبايع ، وكانت تحت المستعين ، فلمّا قُتِلَ المستعين صيّرها المعتز في قصر الخـلافة الّذي فيه الحرم ، فلمّا وَلِيَ الخلافة قال يوماً لجماعة من الموالي : أمّا أنا فليس لي اُمّ أحتـاج لها إلى غلة عشرة آلاف ألف ] عشرة ملايين [ في كل سنة ، لجواريها وخدمها المتصلين بها ) . ونقلت كتب التاريخ أنّ قبيحة ، وهي من جواري المتوكّل واُم ولده المعتز ، نقلت أموالها من بغداد إلى سامراء ، واستمر بيع خزائنها عدّة شهور ، وكان لها في إحدى الغرف مليون دينار ومجوهرات بقيمة مليوني دينار (260) . الامام (عليه السلام) في مواجهة الطّغاة لاحقت السلطات العبّاسية الامام الحسن العسكري (ع) ، وأحاطته بالرقابة ، وأحصت عليه تحرّكه ، لتشلّ نشاطه وتحول بينه وبين ممارسة دوره القيادي في أوساط الاُمّة وهدايتها ورعايتها .. لذلك فقد لجأ الامام إلى العمل بكتمان بعيداً عن أعين العبّاسيين ، وبناء جهاز من الأتباع والوكلاء، وأحكم تنظيمه ، وتفصح الوثائق التأريخيّة المتوفّرة بين أيدينا عن ذلك الأسلوب الدقيق بوضوح كامل ، نذكر منها : 1 ـ روى أبو هاشم الجعفري عن داود بن الأسود ، وقّاد حمام أبي محمّد (ع) قال : (دعاني سيِّدي أبو محمّد ] الامام العسكري [ ، فدفع إليّ خشبة ، كأنّها رجل باب مدوّرة طويلة، ملء الكفّ ، فقال : صِرْ بهذه الخشبة إلى العمري . فمضيتُ ، فلمّا صرتُ إلى بعض الطريق عرض لي سقّاء معه بغل ، فزاحمني البغل على الطريق، فناداني السقّاء : صِحْ على البغل ، فرفست الخشبة الّتي كانت معي ، فضربت البغل ، فانشقّت فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كتب ، فبادرتُ سريعاً إلى الخشبة فرددت الخشبة إلى كمي ، فجعل السقّاء يناديني ويشتمني ، ويشتم صاحبي . فلمّا دنوتُ من الدّار راجعاً استقبلني عيسى الخادم عند الباب ، فقال : يقول لك مولاي : لِمَ ضربتَ البغل ، وكسرتَ رِجل الباب . فقلت له : يا سيِّدي ! لَمْ أعلم ما في رِجل الباب . فقال : ولِمَ احتجت أن تعمل عملاً تحتاج أن تعتذر منه ، إيّاك بعدها أن تعود إلى مثلها ، وإذا سمعت لنا شاتماً فامضِ لسبيلك الّتي اُمِرْتَ بها ، وإيّاك أن تجاوب مَنْ يشتمنا ، أو تعرِّفه مَنْ أنت، فانّنا ببلد سوء ، ومصر سوء، وامضِ في طريقك، فإنّ أخبارك وأحوالك ترد إلينا، فاعلم ذلك)(261. 2 ـ عن محمّد بن عبدالعزيز البلخي ، قال : (أصبحتُ يوماً فجلست في شارع الغنم ، فإذا بأبي محمّد (ع) قد أقبل من منزله ، يريد دار العامّة، فقلتُ في نفسي : ترى إن صِحْتُ أيُّها الناس هذا حجّة الله عليكم فاعرفوه : يقتلوني ؟ فلمّا دنا منِّي ، أومأ بإصبعه السبابة على فيه : أن اسكت . ورأيته تلك اللّيلة يقول : إنّما هو الكتمان أو القتل ، فاتّقِ الله على نفسك) (262) . صور من الكفاح لقد خاض الامام الحسن العسكري (ع) كآبائه الكرام (ع) ملحمة الكفاح السياسي لمواجهة الظلم والارهاب ، ولحفظ المبادئ والقيم والرسالة الاسلاميّة المقدّسة ، كمهمّة أساسيّة من مهام القيادة والامامة والّتي شاء الله سبحانه أن يتحمّلوها . وقد كلّفتهم هذه المهمّة الصعبة ثمناً باهظاً ومعاناة طويلة ، فتحمّلوا السجون والملاحقة والقتل والتّهم والتضييق عليهم ، كما نقرأ فيما يلي من الروايات : 1 ـ كان أبو هاشم الجعفري حُبِسَ مع أبي محمّد (ع) ، وقد كان المعتز حبسهما مع عدّة من الطالبيين . 2 ـ حدّثني أبو هاشم داود بن القاسم ، قال : ( كنتُ في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الأحمر ، أنا والحسن بن محمّد العقيقي، ومحمّد بن إبراهيم العمري، وفلان وفلان، إذ ورد علينا أبو محمّد العسكري (ع) وأخوه جعفر ، فحففنا إلى خدمته ، وكان المتولّي لحبسه صالح بن وصيف ، وكان معنا في الحبس رجل جمحي ، يقول إنّه علوي . قال: فالتفت أبو محمّد (ع) قال: لولا أنّ فيكم مَنْ ليس منكم لأعلمتكم متى يفرّج عنكم . وأومأ إلى الجمحي أن يخرج فخرج ، فقال أبو محمّد (ع) : هذا الرجل ليس منكم فاحذروه ، فانّ في ثيابه قصّة قد كتبها إلى السلطان يخبره بما تقولون فيه . فقام بعضهم ففتّش ثيابه ، فوجد فيها القصّة يذكرنا فيها بكلّ عظيمة )(263) . 3 ـ وذكر الطبرسي في كتابه إعلام الورى عن سلسلة من الرواة : ( عن أحمد بن محمّد ، قال : كتبتُ إلى أبي محمّد (ع) حين أخذ المهتدي في قتل الموالي ، وقلتُ : يا سيِّدي ! الحمد لله الّذي شغله عنك ، فقد بلغني أنّه يتهدّدك ، ويقول والله لاجلينّهم عن جديد الأرض ، فوقّع أبو محمّد بخطّه : ذاك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة أيّام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به ، فكان كما قال ) (264) . وكما فكّر المهتدي في قتل الامام والتخلّص منه ، فقد فكّر المعتز من قبله ودبّر مؤامرة لذلك ، فقد نقل ابن شهرآشوب : ( تقدّم المعتز إلى سعيد الحاجب ، أن أخرج أبا محمّد إلى الكوفة ثمّ اضرب عنقه في الطريق ، فجاء توقيعه (ع) إلينا: الّذي سمعتموهُ تكْفَوْنَه ، فخُلِعَ المعتز بعد ثلاث وقُتِل ) (265) . 4 ـ روى الشيخ المفيد : (سُلِّمَ أبو محمّد (ع) إلى نحرير ، وكان يضيق عليه ، ويؤذيه ، فقالت له امرأته : إتّقِ الله فانّك لا تدري مَنْ في منزلك ، وذكرت له صلاحه وعبادته ، وقالت : إنّي أخاف عليكَ منه) (266) . 5 ـ وروى المفيد أيضاً عن محمّد بن إسماعيل العلوي : (حُبِسَ أبو محمّد (ع) عند عليّ ابن أوتاش ، وكان شديد العداوة لآل محمّد (ص) ، غليظاً على آل أبي طالب ، وقيل له : افعل به وافعل ، قال : فما قام إلا يوماً حتّى وضع خدّيه له ، وكان لا يرفع بصره إجلالاً له وإعظاماً ، وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم فيه قولاً) (267) . مدرسة الامام (عليه السلام) العلميّة إنّ مهمّة الامام الأساسية هي حفظ الرسالة الإسلاميّة ، والذود عن حياضها ، والدعوة إليها ، ونشر مبادئها وقيمها . وقد زخرت مدرسة أهل البيت في عصر الامام العسكري (ص) بالعلم والدعوة إلى الاسلام والدفاع عنه ، وكان قوام هذا العمل هو الأُسلوب المدرسي . كان للامام (ع) تلامذة وأصحاب رواة ، وبعضهم واصل مهمّته من عهد أبيه وجدّه ، وبعضهم التحق به في فترة إمامته ، وكان هؤلاء التلامذة والرّواة يتلقّون من الامام (ع) ، ويروون عنه العلوم والمعارف . أورد الشيخ الطوسي أسماء رواة الامام العسكري (ع) ، وهم تسعة وتسعون راو ، على درجات متفاوتة في العلم والمعرفة . إنّ العلماء الّذين رووا عن الامام العسـكري (ع) وتَتلمـذوا عليه ، وأخذوا عنه ، وتربّوا في مدرسته ومدرسة آبائه ، ساهموا في إنماء العطاء العلمي في مجال الفقه والتفسير والرواية والرواية والعقيدة والأدب والجغرافية وغيرها من العلوم والمعارف . ويدلّ ذلك على سعة هذه المدرسة، والتخرّج عليها في كلّ علم وفن ، كما يَدلّ على مكانة الامام (ع) العلميّة وسموّ مقامه . وفاة الامام (عليه السلام) عاصر الامام العسكري(ع)المعتز والمهتدي والمعتمد من خلفاء بني العبّاس،وقد لاقَى العنت والتضييق والإرهاب والملاحقة من الخلفاء الثلاثة،كما تعرّض للاعتقال عدّة مرّات من قبلهم. كان آخر الّذين عاصرهم الامام هو المعتمد ، الّذي كان خليعاً ميّالاً إلى اللّهو واللّذّات منصرفاً إلى العزف والغناء واقتراف المحرّمات ، ممّا أوجب كراهية الناس له (268) . لاقَى الامام (ع) على يَدَي المعتمد صنوفاً مرهقة من الخطوب والتنكيل ، كما أحاطه بقوىً مكثّفة من الأمن تحصي عليه أنفاسه وتطارد كلّ مَنْ يريد الاتصال به (269) . وكان ممّا يدفع العبّاسيين إلى ذلك حسدهم على مكانة الامام في الاُمّة وخوفهم من ولده الامام المنتظر ، والّذي كان معلوماً لديهم أنّه من ولد (270) الامام العسكري (ع) ، وقد أشار الامام العسكري (ع) إلى ذلك في رسالة له جاء فيها : ( زعموا أنّهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل ، وقد كذّب الله قولهم والحمد لله) (271) . إزداد غيظ المعتمد من إجماع الاُمّة على تعظيم الامام وتبجيله وتقديمه بالفضل على جميع العلويين والعبّاسـيين ، في الوقت الّذي كان المعــتمد مكروهاً لدَى الاُمّة ، فأجمع رأيه على الفتك بالامام واغتياله . ودسّ المعتمد له سمّاً قاتلاً،تسمّم على أثره بدن الامام ، ولازم الفراش عدّة أيّام يعاني آلاماً مريرة وقاسية وهو صابر مُحتسِب(272)،توفِّي وعمره ثمانية وعشرون عاماً سنة260 هـ. http://www.followislam.net/