الشهيد الصدر(ره) والثورة الاسلامية في ايران
الشهيد الصدر(ره) والثورة الاسلامية في ايران
0 Vote
50 View
یمثّل موقف الشهید الصدر من الثورة الاسلامیة قمّة من قمم الشموخ الرسالی لهذا الرجل. فقد وقف الی جانب الثورة یسددها بفکره ویدعمها بنداءاته ورسائله، بل ویضحي من أجلها بدمه. والمقال یتضمن عرضا لهذه المواقف الرسالیة. التل، حسن؛ کاتب صحفي اردني الشهید الصدر(ره) والثورة الاسلامیة في ایران ابنا: قد أثبتت الاحداث علی امتداد التاریخ بروز شخصیات قادرة علی وعی حقائق الاسلام والالتزام بها ودفع تکالیفها وإن کان المقام هنا لایساعدنا علی استعراض الشخصیات التی وعت حقائق الاسلام والتزمت بقیمه ودفعت ثمن ذلک دماً طهوراً شکّل إضاءة مستمرة لهذه الحقیقة وقد کان الشهید الصدر من أبرز الفرسان الذین خاضوا معرکة الاسلام فکراً وسلوکاً وقدّم فداء ذلک استعلاء علی الدنیا بکل ما فیها من بهارج وآثر ببساطة متواضعة لله. لقد بدأ معرکته من الداخل فکشف العیوب والعثرات التی علقت بالکیان الاسلامی ممثلة بوعاظ السلاطین الذین آثروا إرضاء الحکام علی مصلحة الدعوة وقد تمدد هذا الفساد حتی شمل المؤسسة الدینیة الرسمیة بأشکالها المختلفة. لذلک بدأ الشهید معرکته مع الفساد الداخلی حیث کشف العیوب التی رانت علی الکثیر من العلماء فأعاد للقیم الاسلامیة منهجها الصحیح من حیث الالتزام بأهداف الرسالة والوقوف الی جانب النصوص کما فهمها الرسول(صلی الله علیه وآله) وعاشتها نخبة الصحابة. فأول ما أکد علیه الشهید المرتکزات الاساسیة فی المنهج الاسلامی وقد برزت هذه الحقیقة فی شخصیة الامام الصدر التی اجتمعت فیها أبعاد الدعوة الحرکیة والقیادیة والفکریة فکانت حیاته نموذجا متمیز الخصائص والسمات فلم یکتف بأسلوب الدفاع لحفظ الاسلام فتجاوز السید الصدر أسلوب الدفاع الی المواجهة محدثا بذلک نقلة نوعیة أخرجت النشاط الاسلامی من خندق الدفاع الی ساحة المواجهة فأعطی للاسلام صورة التحدی وخط الانطلاق نحو الاتجاهات المضادة بحیث اصبح واضحا انعکاس الاسلوب علی یدي الشهید الصدر، فالاسلام أصبح هو الذی یتحدی، وخصومه هم الذین یبحثون عن خنادق الدفاع والاحتماء من صولاته الفکریة المکتسحة، فعادت الثقة بالنفس الی أبناء الاسلام، وطرح الفکر الاسلامی بصورته المتحدیة والمؤثرة فی الاوساط الثقافیة والاجتماعیة کما یقول حسین برکة الشامی فی کتاب «محمدباقر الصدر دراسات فی حیاته وفکره». صحیح أن الرجل تعرض الی مضایقات کثیرة کان استشهاده علی الصورة المعروفة قمة هذه المضایقات، ولکن الصحیح کذلک أنه هز واقع العمل الاسلامی هزة عنیفة أخرجته من أطر الدفاع الی دوائر التحدی حتی أصبح الاسلام الیوم أمل المستضعفین والمقهورین والمظلومین، کل ذلک بفضل الدماء الطاهرة والجهود العظیمة التی قام بها رواد العمل الاسلامی فی العصر الحدیث: الامام الخمینی وحسن البنا ومحمدباقر الصدر وسید قطب وقافلة الشهداء الطویلة الطویلة التی ما تزال تسقی هذا الدین بدمها الطهور. تضرب وجوه الظلمة بکلماتها ویضربها الطغاة بسیوفهم حتی یلتقی الطرفان بین یدی الله (ولا تحسبنّ الله غافلاً عما یعمل الظالمون إنما یؤخرهم لیوم تشخص فیه الابصار مهطعین مقنعی رؤوسهم لایرتدّ إلیهم طرفهم وأفئدتهم هواء). الشهید والثورة یمکن القول إن موقف السید الشهید محمدباقر الصدر رضوان الله علیه الداعم للثورة الاسلامیة فی إیران قبل وبعد انتصارها، والداعم للامام الراحل السید روح الله الخمینی رضوان الله علیه سواء إبان وجوده فی النجف الاشرف فی العراق أو بعد مغادرته النجف وحتی انتصار الثورة الاسلامیة... إن هذا الموقف الذی وقفه الشهید الصدر هو أحد أکبر الاسباب التی أدت الی استشهاده فی ظروف غایة فی الخطورة کان الامام الصدر یقدّرها ویعرف مؤدیات تفاصیلها تماماً، غیر أن توطین نفسه للشهادة باخلاص کبیر وتسلیم الی الله تعالی وانقیاد کلی الی أوامره جل وعلا، وما وعد الشهداء من کرامة فی الدنیا وفی الاخرة، هیأ عنده استعداداً منقطع النظیر لتحدی السلطة بکل قوتها وعنفها ولمقاومة ترهیبها وترغیبها متخطیاً الصعاب التی لایتخطاها عادة الا من ذاب فی الله ونذر نفسه فی سبیله وعاش لاجل الاسلام ومبادئه وإقامة حکمه علی الارض. وهو ما کان الشهید الصدر یمثّله بحق، فنال الشهادة وأصبح دمه منذ استشهاده إدانة یومیة للطغاة ومشعلاً یضیء درب الجهاد فی سبیل الله لاعلاء کلمة لا اله الا الله فی الارض. وقد تمثل موقف الشهید الصدر الداعم للثورة الاسلامیة فی عدة اتجاهات تصب کلها فی مجری واحد هو العمل علی إقامة الحکم الاسلامی حتی لو کان فی إیران ولیس فی العراق، فلقد کانت أمنیة الصدر أن تقوم دولة إسلامیة عادلة بقیادة مرجعیة صالحة رشیدة موضوعیة، وهو ما حدث فی إیران فکان الشهید الصدر أبرز من وقف موقف الذائب فی الثورة الاسلامیة فی إیران والذائب فی مرجعیة الامام الخمینی الراحل کما سیتبین أثناء البحث. ویبرز موقف الشهید الصدر من الثورة الاسلامیة فی إیران فی اتجاهات ثلاثة: الاول: دعمه لمرجعیة الامام الخمینی الثانی: دعمه لکفاح الشعب الایرانی المسلم الثالث: دور فکره فی الثورة الاسلامیة فی إیران وسنعرض لکل واحد من هذه الاتجاهات مع التفاصیل الضروریة المتعلقة بکل منها. اولا: دعم الشهید الصدر لمرجعیة الامام الخمینی کانت تربط الامام الخمینی والشهید الصدر رضوان الله علیهما علاقة قویة هی علاقة العالم بالعالم والثوري بالثوري والمجاهد بالمجاهد، فلم یکن خافیا موقف الامام الخمینی من الشاه ودوره الکبیر فی الجهاد ضد نظامه الفاسد، کما لم تکن مرجعیته الکبیرة بین المرجعیات الاخری غائبة أو تستظل بظلالها، کذلک لم یکن الشهید الصدر بعیداً عن نظر الامام الخمینی وإعجابه به بوصفه مفکرا إسلامیا لامعا وعبقریا من عباقرة العصر في کل ما کتب وأنتج من العلوم والمعارف، بل إن بینه وبین الشهید مرتضی المطهری شبهاً کبیراً، وکان المطهری وهو أحد تلامیذ الامام الخمینی، وکان کابنه عبقریاً آخر من عباقرة هذا العصر علما ومعرفة وثوریة وانقیادا مطلقا الی الله تعالی حتی نال درجة الشهادة بعد انتصار الثورة بشهرین تقریبا، فکما کان الامام الخمینی یحب تلمیذه البار المطهری کان یحب الشهید الصدر ویقدّره لما عرف فیه من نبوغ وتعال عن الذاتیة ودعم کبیر للتوجهات الثوریة لاقامة حکم الاسلام، وهو ما کان الامام الخمینی یسیر فی الاتجاه نفسه بغیة تحقیقه. ولقد کان للشهید الصدر مواقف مشرّفة فی دعم مرجعیة الامام الخمینی قبل انتصار الثورة الاسلامیة وبعده الی حین استشهاده رضوان الله علیه، وهو مصر علی دعمه للامام ولثورته الاسلامیة ولدولته الاسلامیة المبارکة التی کان یعدها الشهید الصدر هدفا وغایة، وبعد أن تحققت فلم یعد یهمه شیء ووطّن نفسه علی الشهادة وهو مطمئن الی أن الاسلام عاد الی الحیاة السیاسیة قویا، ولیس مهمّا أین یکون فی إیران أو فی العراق أو فی أی مکان إسلامی، وفی ذلک ما فیه من انتصار علی الذاتیة وذوبان فی الهدف الکبیر الذی طالما عبّر عنه السید الشهید فی بیاناته وخطاباته وتصریحاته أنه مستعد لان یکون جندیاً ینفّذ أوامر الامام الخمینی، وهو خلق العلماء الذی یندر أن یبرز علی هذا المستوی الانسانی الکبیر. ولعل فی ما یرویه سماحة السید کاظم الحائری وهو من تلامیذ الشهید المقربین فی القصة التالیة خیر دلیل علی دعم السید الشهید لمرجعیة الامام الخمینی فی وقت مبکر جداً. فلقد أراد السید الشهید أن یضع خطة للفداء والتضحیة والاستشهاد یقوم بها هو علی رأس طلابه آملا بان تحدث هذه الواقعة هزة فی المجتمع بعد ان تتناثر دماؤهم فی الصحن الحیدری فی النجف. یقول السید الشهید لتلمیذه السید کاظم الحائری: «والخطة التي أری ضرورة تطبیقها الیوم هي أن أجمع ثلة من طلابي ومن صفوة أصحابي الذین یؤمنون بما أقول ویستعدون للفداء ونذهب جمیعاً الی الصحن الشریف متحالفین فیما بیننا علی أن لانخرج من الصحن أحیاء، وأنا أقوم خطیبا بینهم ضد الحکم القائم وتدعمنی الثلة الطیبة الملتفة من حولی ونثور بوجه الظلم والطغیان، فسیجابهنا جمع من الزمرة الطاغیة ونحن نعارضهم، ولعله قال ونحمل السلاح الی أن یضطروا الی قتلنا جمیعاً في الصحن الشریف، وسأستثنی ثلة من أصحابي عن الاشتراک فی هذه المعرکة کي یبقوا أحیاء من بعدي ویستثمروا الجو الذي سیحصل نتیجة لهذه التضحیة والفداء. قال(رحمه الله): إن هذا العمل مشروط في رأیي بشرطین: الشرط الاول: أن یوجد فی الحوزة العلمیة مستوی من التقبل لعمل من هذا القبیل أما لو أطبقت الحوزة العلمیة علی بطلان هذا العمل وکونه عملاً جنونیاً أو مخالفاً لتقیة واجبة فسوف یفقد هذا العمل أثره فی نفوس الامة ولا یوفي ثماره المطلوبة. الشرط الثانی: أن یوافق أحد المراجع الکبار مسبقا علی هذا العمل کي یکتسب العمل فی ذهن الامة الشرعیة الکاملة. ویروي السید الحائری أن الشرط الاول لم یتهیأ حسب ما رواه الشیخ محمد مهدی الآصفی للسید الشهید وکان الآصفی مرسلا من قبله الی الحوزة. یقول الحائری: «وأما الشرط الثانی فرأی أستاذنا الشهید رحمه الله أن المرجع الوحید الذی یترقب بشأنه أن یوافق علی فکرة من هذا القبیل هو الامام الخمینی الذی کان یعیش وقتئذ فی النجف الاشرف، فلا یصح أن یکون هذا العمل من دون استشارته فذهب هو رضوان الله علیه الی بیت السید الامام الخمینی فبدا علی وجه الامام الخمینی التألم وأجاب عن السؤال بکلمة لا أدری وکانت هذه الکلمة تعني أن السید الامام الخمیني کان یحتمل أن تکون الخسارة التی ستوجه الی الأمة من جراء فقد هذا الوجود العظیم أکبر مما قد یترتب علی هذا العمل من الفائدة. وبهذا وذاک تبین أن الشرطین مفقودان فعدل أستاذنا الشهید رحمه الله عن فکرته وکان تاریخ هذه القصة بحدود عام 1390 هـ أو 1391 هـ ولعل التاریخ الصحیح هو سنة 1394هـ(2). إن توجه السید الشهید الی بیت الامام الخمیني للحصول علی موافقة علی فکرة الفداء لم یکن فقط من باب الخط الثوری للامام الخمینی وإنما کان أیضاً لما یری فیه من مرجعیة لو حصل ووافق علی الفکرة لکان لها رد فعل کبیر الاثر فی الناس، ومن هنا ندرک مدی ما للامام الخمینی من مکانة عند السید الشهید وهی مکانة خارج إطار الامور الشخصیة والعواطف والمجاملات بل متأتیة من مسیرة الرجل ودوره المرجعی والثوری سواء داخل ایران أو خارجها، ورجل مثل السید الشهید لم یکن لیقصد الامام الخمیني للحصول علی موافقته علی الفکرة لولا أن الامام الخمینی أهل لذلک الموقف من جوانب کثیرة وأسباب موضوعیة. ولقد کان الشهید فی خطه الجهادی مستعداً للتنازل عن وجوده الاعتباري وللذوبان فی أیة مرجعیة صالحة تخدم الاسلام، وکان فی کل مرة یشیر الی الامام الخمینی کمثال بارز للمرجعیة التی ینبغی الذوبان فیها فلقد خاطب مرة خاصة طلابه فی اجتماع خاص بهم قائلا: «یجب علیکم أن لاتتعاملوا مع هذه المرجعیة وقصد مرجعیته بروح عاطفیة وشخصیة وأن لاتجعلوا ارتباطکم بي حاجزا عن الموضوعیة بل یجب أن یکون المقیاس هو مصلحة الاسلام فأي مرجعیة أخری استطاعت أن تخدم الاسلام وتحقق له أهدافه یجب أن تقفوا معها وتدافعوا عنها وتذوبوا فیها فلو ان مرجعیة السید الخمینی مثلا حققت ذلک فلا یجوز أن یحول ارتباطکم بي عن الذوبان في مرجعیته»(3). وحسب الشیخ محمدرضا النعمانی فان کلام السید الشهید أعلاه کان قبل انتصار الثورة الاسلامیة في إیران بعشر سنوات تقریبا(4). إن تأکید السید الشهید علی مرجعیة الامام الخمینی وضرورة الذوبان فیها فی وقت مبکر لیعبر عن أهمیة هذه المرجعیة في خدمة الاسلام ویعبر عن صواب نظر السید الشهید وتقدیره لهذه المرجعیة الکبیرة. ویذکر الشیخ النعمانی من صور الدعم التي قدمها السید الشهید للامام الخمینی أن السید الشهید ذهب الی بیت الامام لزیارته وتودیعه بعد أن علم أن الامام الخمینی قرر مغادرة العراق ورغم أن هذا التودیع لم یتم حیث کان الامام قد غادر النجف فی ساعة مبکرة من صباح ذلک الیوم فان السید الشهید رحمه الله قد دخل المنزل وجلس مع بعض من کان فیه من المرتبطین بالسید الامام رحمه الله مظهرا لهم التأیید والمساندة رغم تطویق قوات الامن للمنزل ومراقبة من یتردد علیه. وهذا الموقف اعتبرته السلطة من المواقف التی أدانت بها السید الشهید رضوان الله علیه فی الاعتقال الذی تعرض له فی انتفاضة رجب وکان قد عطل أبحاثه فی ذلک الیوم وقال: «إن رحیل السید الخمینی من النجف خسارة کبیرة»5 إن من قدر له أن یعیش تلک الفترة فی العراق أو یتابع الامور حتی لو کان خارج العراق یدرک مدی الشجاعة التی یمتلکها السید الشهید وهو یزور مرجعا مثل الامام الخمینی کان یمثل للسلطة فی العراق کما یمثل للسلطة فی إیران خطراً لا ینبغی التهاون معه، ولذلک فان السید الشهید قد واجه عنتا کبیرا من رجال الامن فی العراق بسبب زیارته لمنزل الامام الخمینی التی تعني بوضوح تأییداً له ودعماً له وتحدیاً للسلطة وخروجا علی المألوف، ولقد ظلت هذه الزیارة بالاضافة الی مواقف دعم السید الشهید للامام الخمینی بصورة عامة سیفا یشهره رجال الامن والسلطة فی العراق بوجه السید الشهید حتی استشهاده. ویورد الشیخ النعمانی ما کتبه السید الشهید بخطه الشریف فی الرسالة التی وجهها الی طلابه فی إیران فی أوائل انتصار الثورة الاسلامیة وفیها عبر کبیرة وتجارب عظیمة لکل من أراد التصدی للعمل الحرکي بل ولکل مسلم مهما کان موقعه ومکانته. وهنا مقاطع من تلک الرسائل البلیغة التی یعجز القلم عن التعلیق علیها وهی بذاتها قطع استوفت شروط الوصول الی متلقیها علی اختلاف أشخاصهم: «إن الواجب علی کل أحد منکم وعلی کل فرد قدر له حظه السعید أن یعیش فی کنف هذه التجربة الاسلامیة الرائدة أن یبذل کل طاقاته وکل ما لدیه من إمکانات وخدمات ویضع ذلک کله فی خدمة التجربة فلا توقف فی البذل، والبناء یشاد لاجل الاسلام ولا حد للبذل والقضیة ترتفع رایتها بقوة الاسلام. ویجب أن یکون واضحا أن مرجعیة السید الخمینی التی جسّدت آمال الاسلام فی إیران الیوم لابد من الالتفاف حولها والاخلاص لها وحمایة مصالحها والذوبان فی وجودها العظیم بقدر ذوبانها فی هدفها العظیم». ویقول رضوان الله علیه:«لو أن السید الخمینی أمرنی أن أسکن فی قریة من قری إیران أخدم فیها الاسلام لما ترددت فی ذلک، إن السید الخمینی حقق ما کنت اسعی الی تحقیقه6...» لقد کان لهذا الدعم المطلق للامام الخمینی من قبل الشهید الصدر دور کبیر فی دفع الوعی الثوری لدی الملایین من المتطلعین الی الثورة الاسلامیة سواء داخل العراق أو خارجه وفی إیران تحدیدا نظرا لقوة حضور السید الشهید بوصفه مرجعا کبیرا ومفکرا عملاقا وثوریا یتحدی الارهاب السلطوي، الی أن دفع ثمن موقفه العظیم هذا باستشهاده رضوان الله علیه وهو مقبل علی الشهادة غیر مدبر، خاصة بعد انتصار الثورة الاسلامیة بقیادة الامام الخمینی وهو ما کان الشهید الصدر یتطلع الیه... ثانیا: دعم الشهید الصدر لکفاح الشعب الایرانی المسلم أبرزنا بعضا من الصور الرائعة التی تتجلی فیها مواقف السید الشهید الداعمة لمرجعیة الامام الخمینی فی معظم أطوار مسیرته الجهادیة، وننتقل هنا الی مواقف السید الشهید الداعمة لکفاح الشعب الایرانی المسلم سواء کان ذلک الدعم قبل انتصار الثورة الاسلامیة أو بعده، ویمکن القول إن السید الشهید هو المرجع الوحید الذی وقف مؤیدا وداعما لتلک الثورة بشکل واضح ومباشر متحدیا السلطة فی العراق، علی خطورة ذلک التحدی وهو ما أدی فعلا الی استشهاده رضوان الله علیه. إن جهود السید الشهید فی مجملها کانت ترمي الی أن ینتصر الاسلام ویقیم حکومته، فالاسلام «دین الاستقلال والحریة، والصراع ضد الظلم والاستکبار، والسعی نحو العدل والجهاد والامر بالمعروف والنهی عن المنکر، ولا ریب فی أن تنفیذ هذه البرامج یحتاج الی حکومة إسلامیة قویة...»(7). ومن الطبیعی أن بوادر الثورة الاسلامیة فی إیران کانت تلوح وکانت الظروف کلها تشیر الی قرب انطلاقها، والسید الشهید الذی کان بؤرة العمل الجهادی التغییری فی العراق لم تکن تختلف عنده المسألة فی أی من بلاد الاسلام تقوم الثورة، وکان یتوقع قیامها فی العراق أو فی إیران، وکان موقفه معلنا صریحا فی حال قیامها فی کلا البلدین أو فی واحد منهما، وحین قامت الثورة الاسلامیة في إیران وأعلن صراحة دعمه لها بکل وسیلة قیل له بأن لایندفع وأن یتریث خوفا علی حیاته وعلی مرجعیته ولکنه کان یقول: «إن هؤلاء الذین یطلبون مني أن أتریث وأن أتخذ موقفا من الثورة الاسلامیة لایثیر السلطة الحاکمة فی العراق حفاظا علی حیاتي ومرجعیتي لایعرفون من الامور الا ظواهرها. إن الواجب علی هذه المرجعیة وعلی النجف کلها أن تتخذ الموقف المناسب والمطلوب تجاه الثورة الاسلامیة في إیران. ما هو هدف المرجعیات علی طول التاریخ؟ ألیس هو إقامة حکم الله عزوجل علی الارض؟ وها هی مرجعیة الامام الخمینی قد حققت ذلک فهل من المنطقی أن أقف موقف المتفرج ولا أتخذ الموقف الصحیح والمناسب حتی لو کلفنی ذلک حیاتی وکل ما أملک؟»(8). هکذا کان تصمیم السید الشهید علی دعم ثورة الشعب الایرانی المسلم ودعم قیادته ومرجعیته الرشیدة الموضوعیة، فلقد کان رضوان الله علیه مؤمنا بأن النصر لابد وأن یکون حلیف المجاهدین المتفانین فی الذود عن وجودهم وکرامتهم وإنسانیتهم المضحین من أجل إعلاء کلمة الاسلام. ویتحدث الشهید الصدر عن الشعب الایرانی فی الرسالة التی بعث بها الی الامام الخمینی وهو فی باریس قبل انتصار الثورة الاسلامیة بالقول: «فإننا فی النجف الاشرف إذ نعیش مع الشعب الایرانی بکل قلوبنا ونشارکه آلامه وآماله نؤمن أن تاریخ هذا الشعب العظیم أثبت أنه کان ولا یزال شعبا أبیا شجاعا وقادرا علی التضحیة والصمود من أجل القضیة التی یؤمن بها ویجد فیها هدفه وکرامته... ولم یعبر شعب عن حریته النضالیة تعبیرا أوضح وأجلی مما عبر به الشعب الایرانی المسلم عن هویته الاسلامیة فی کل ما خاضه من معارک شریفة کانت التعبئة لکل واحد منا تتسم باسم الاسلام، ولئن کان الشعب الایرانی قد عبر عن هویته النضالیة الاصیلة باستمرار فان نهضته النضالیة المعاصرة لهي التعبیر الاروع عن تلک الهویة النضالیة المؤمنة التی عبر بها الشعب الایرانی عن نفسه ولایزال، وهی من أعظم ذخائر الاسلام وطاقاته التی یملکها فی التاریخ الاسلامی الحدیث...»(9). ویذکر الشیخ النعمانی بعضا من مواقف السید الشهید بعد انتصار الثورة الاسلامیة ومنها: 1 ـ قام رضوان الله علیه بعد أن بلغه نبأ انتصارها باعلان التعطیل لدروسه ابتهاجا وفرحا بذلک الحدث التاریخی العظیم وتحدث فی البحث الذی أعلن فیه التعطیل عن ضرورة دعمها وإسنادها ووجوب الوقوف معها فی السراء والضراء. 2 ـ وأراد رضوان الله علیه أن یحرک الساحة باتجاه إیجاد تأیید شعبی عام وشامل، فدعا بعض أنصاره الی تنظیم تظاهرة شعبیة لتأیید الثورة الاسلامیة فی إیران، واظهار الابتهاج بانتصارها، فهرع الشباب المؤمن فخرجوا بتظاهرة من جامع الخضراء بعد صلاتی المغرب والعشاء، رفع المتظاهرون فیها صور الشهید والسید الامام رضی الله عنهما وهی المرة الاولی التی یحدث فیها مثل ذلک فی العراق. 3 ـ وکتب رضوان الله علیه رسالة الی طلابه الذین هاجروا الی الجمهوریة الاسلامیة فی إیران دعاهم فیها الی بذل کل الطاقات والامکانات لخدمة الثورة وأکد لهم فیها ضرورة الالتفاف حول مرجعیة السید الخمینی(رحمه الله) والعمل علی إسنادها ودعمها» «نص الرسالة ص258» وقد أوردنا مقاطع منها. 4 ـ ومن أهم صور الدعم والاسناد للثورة الاسلامیة فی إیران کتابة حلقات «الاسلام یقود الحیاة» وکان سبب تألیفه أنه رحمه الله رأی أن بعض القوی التی برزت علی الساحة الاسلامیة فی إیران بعد انتصار الثورة کانت تشکل خطرا کبیرا علی الثورة وقال فی تلک الفترة «لاجل تجاوز هذا الخطر یجب أن تطرح رسالة الامام «توضیح المسائل» کشعار یرفعه کل إیرانی ویطالب بتطبیقها»(10). ثالثا: دور فکر الشهید الصدر فی الثورة الاسلامیة فی ایران لاتسع هذه الوجیزة استعراض جمیع صور دعم السید الشهید للثورة الاسلامیة فی إیران ولکن لایمکن إغفال دور وفکر «مؤلفات السید الشهید فی الثورة الاسلامیة فرغم «الدور البارز للشهید الصدر» علی المستویین المباشر والعملی فی الثورة الاسلامیة الایرانیة والتنظیر لها بحیث لقبوه بـ«رفیق الامام الخمینی» و«عراب الثورة الاسلامیة فی إیران» و«خمینی العراق» و...، والثورة الاسلامیة فی إیران مدینة للتعاون والانسجام الفکری بین هذین القائدین لکن هذه الامور لم تکن فقط نتیجة لعمل الشهید الصدر وأتباعه تجاه الثورة الاسلامیة فی إیران بل هی نتیجة لمؤلفاته وأفکاره وبیاناته»(11). ویستعرض محمد حسین جمشیدی بایجاز بعضا من مؤلفات الشهید الصدر وأثرها فی تنمیة الوعي الثوري والفکري بین أبناء الشعب الایرانی المسلم ولاسیما فی صفوف طلبة العلم والجامعیین، وینقل جمشیدی عن شائول نجاش قوله: «من جملة الکتب التی کان لها نفوذها الخاص کتاب «اقتصادنا»تألیف السید محمدباقر الصدر... وکان تأثیر الصدر فی إیران کبیرا جدا وکان کتابه مرجعا للعلماء الایرانیین الذین کانوا یبحثون عن مسوغ لتقیید الملکیة الخاصة وتدخل الدولة فی الاقتصاد»(12) هذا بالنسبة لکتاب «اقتصادنا». وعن «الاسلام یقود الحیاة» وغیره یقول جمشیدی: فکتاب «الاسلام یقود الحیاة» وکذلک «التفسیر الموضوعی» والرسائل والبرقیات ما هی الا مساع لوضع أساس فلسفي فقهي للثورة الاسلامیة في إیران ویشتمل کتاب الاسلام یقود الحیاة علی ستة أجزاء: أ ـ «لمحة فقهیة تمهیدیة عن مشروع دستور الجمهوریة الاسلامیة فی إیران» وهذا الکتاب فی حقیقته مسودة لدستور الجمهوریة الاسلامیة فی إیران کتبه لکی تستفید منه القیادة فی وضعها للدستور الاسلامی، وقد أرسله الی الامام الخمینی بواسطة تلمیذه البارز السید محمود الهاشمی، وبعد ذلک کتب بحثا مشابها کان جواب سؤال طرحه علیه جماعة من علماء لبنان حول الحرکة الاسلامیة... ب ـ «صورة عن اقتصاد المجتمع الاسلامی» ویتضمن الخطوط العامة للاقتصاد الاسلامی وفیما یتعلق بالشعب الایرانی والثورة الاسلامیة یقول فیه: «وبعد فانی أشعر باعتزاز کبیر یغمر نفسی وأنا أتحدث الی هذا الشعب العظیم الی هذا الشعب الایرانی المسلم الذی کتب بجهاده ودمه وبطولته الفریدة تاریخ الاسلام من جدید وقدم الی العالم تجسیدا حیا ناطقا لایام الاسلام الاولی بکل ما زخرت به من ملاحم الشجاعة والایمان». ج ـ خطوط تفصیلیة عن اقتصاد المجتمع الاسلامی د ـ خلافة الانسان وشهادة الانبیاء هـ ـ منابع القدرة فی الدولة الاسلامیة و ـ الاسس العامة للبنک فی المجتمع الاسلامی(13). الصدر والمطهری والثورة الاسلامیة ولاشک في أن المفکر الاسلامي الکبیر السید الشهید الصدر یلتقي في مجمل طروحاته الفکریة التغییریة مع مفکر إسلامی کبیر أیضا هو الشهید مرتضی المطهري، الذي کان له هو الآخر وبدرجة کبیرة ومباشرة دور عظیم فکریا وجهادیا فی إنجاح الثورة الاسلامیة في إیران نظرا لما قدمه من فکر رسالي تغییري أحدث هزات هائلة فی عملیة الوعي الثوري للشعب الایراني المسلم. وقد یکون من الظلم للشهیدین السعیدین هنا أن نجري بینهما مقارنة في المجال الضیق من هذا البحث، الا أننا نلتمس سبیلا الی شیء من تلک المقارنة موجها في مدی تأثیر فکر کل من الشهیدین فی الثورة الاسلامیة من خلال استلهام الشعب الایراني الواعي لفکري الشهیدین لاسیما وأنهما عاصرا معا کل في موقعه الجغرافي والعلمي أحداث ما قبل انتصار الثورة الاسلامیة وقلیلا من أحداث ما بعد الانتصار. ولعل من الضروري الاشارة أولا الی أن السید الشهید الصدر کان هو الوحید فی النجف الذي تحدی السلطة وأقام مجلس فاتحة علی روح الشهید المطهری وحینها جاءته مجموعة من قبل النظام العراقی وقالوا له إن المطهری رجل إیراني ونحن عرب فأجابهم الصدر: «لا اهتم بما تؤمنون به ولا أقبل القومیة والحدود بین الشعوب هذا موقفي ولن أتنازل عنه»(14). لقد وقف کلا المفکرین موقفا مشرفا فی دعم الثورة الاسلامیة ودعم قائدها الامام الخمینی، فالشهید الصدر «تحرک بارادة کبیرة ومثابرة عجیبة لتدوین مجموعة من الدراسات العمیقة التي جاءت دواء للمعضلات المغلقة ولکي یوفر للمجتمع الاسلامي الرؤیة التي یقوم علی أساسها... والشهید المطهري «حمل هو الاخر ما یملکه واضعا ایاه علی کفیه وقد قدّمه الی الشعب الایرانی. لقد کان یؤمن أن الجمهوریة الاسلامیة هی الاطروحة التی تحقق له أهدافه لذلک بذل جهودا کبیرة فی طریق صوغ المبانی الاسلامیة لهذه الحرکة العظیمة وعرضها، لقد وظف رصیده العلمی العظیم فی سبیل بیان أهداف الثورة الاسلامیة وبرامجها، وقد واجه من خلال هذا الموقف المحسوب الافکار المنحرفة والباطلة واستبسل فی تثبیت حاکمیة القیم الاسلامیة الاصیلة. لقد کان هذان العظیمان یعتقدان أن الحرکة الفکریة ستبقی عقیمة من دون سند یمثله لها الجهاد الاکبر والحرکة المعنویة العمیقة والتحول الروحی العظیم»(15). ومن سعادة المفکرین المجاهدین أنهما نالا الشهادة خاتمة لنهجهما الرسالي المخلص وثمنا لمواقفهما العظیمة في الثورة الاسلامیة في إیران. الشهید الصدر دفع الثمن بسبب موقف السلطة في العراق منه ومن الثورة الاسلامیة معا، والشهید المطهري دفع الثمن بسبب کشفه الانحرافات والاباطیل وتأکیده علی الروح الاسلامیة الاصیلة وثمنا لمسیرته الجهادیة والفکریة التي ما توقف عطاؤها حتی انتصار الثورة، ولذلک لم یمهله الظالمون الجناة فأرادوه قتیلا مضمخا بعطر الشهادة بعد شهرین من انتصار الثورة. --------------------------------------------------------- 1- النور / 55. 2- الشیخ محمدرضا النعمانی «الشهید الصدر سنوات المحنة وأیام الحصار» الطبعة الثانیة 1997ـ1417 ص134 وما بعدها نقلا عن السید کاظم الحائری «مباحث الاصول ج1 ص49». 3- المرجع نفسه ص163. 4- المرجع نفسه ص163. 5- المرجع نفسه ص163 ـ 250. 6- المرجع نفسه ص163 ـ 164. 8- سنوات المحنة وأیام الحصار مرجع سابق ص248. 9- نفسه ص251 وما بعدها. 10- نفسه ص256 وما بعدها وفی کتاب الشیخ النعمانی صور رائعة لدعم السید الشهید للثورة الاسلامیة ولقائدها ینبغی الرجوع الیها علی إیجازها. 11- محمدحسین جمشیدی «دور فکر الشهید الصدر فی الثورة الاسلامیة فی إیران» مجلة قضایا اسلامیة العدد الثالث 1417هـ 1996م ص270 ترجمة علاء الرضائی وضم هذا العدد من المجلة ملفا خاصا بفکر السید الشهید الصدر یجدر العودة الیه. 12- نفسه ص271 ـ 272 مع تفصیلات أخری مهمة. 13- نفسه ص271ـ272 مع تفصیلات اخری مهمة. 14- نفسه ص273، نقلا عن مقال «ایةالله الشهید الصدر انطلاقة نداء فی الامة الاسلامیة فی العراق» صحیفة کیهان 8/نیسان/1982 العدد 11547 ص10. 15- خالد توفیق «اسئلة الذکری والواقع الفکری الراهن» قضایا اسلامیة مرجع سابق ص407. http://abna.ir