عالمية الاعتقاد بالمهدي

  لقد أصبح عالمنا المعاصر يشهد إحباطات متتالية وموضات مختلفة في الفكر والسياسة والعلاقات الاجتماعية بل والدولية . فلغة القوة والعنف أصبحت اللغة السائدة اليوم ، والقهر والظلم والاضطهاد سمات ظاهرة ، والارهاب والتشويش الفكري والحضاري يترك بصماته على كلّ المجالات حتى ليصحَّ القول : إنَّ الدنيا بدأت تمتلىء ظلماً وجوراً وطغياناً وكفراً . إنَّ المعايير الاَخلاقية والاِنسانية لا يكاد يحتكم اليها . وإنَّ قيم العدالة والاِنصاف لا يعتمد عليها إلاّ نادراً ، وإنَّ منطق العلم وقواعد المنطق الصحيح لم تعد لها المرجعية والحسم إلاّ في مناسبات محدودة وموارد معدودة . إنَّ هذه الظواهر أصبحت مشخّصة في أكثر المجتمعات البشرية بما لايحتاج معه إلى البرهنة عليها . وفي مثل هذه الاَجواء المشحونة بالخوف من المستقبل والملبّدة بسُحبٍ كثيفة تكاد تحجب الحقائق الناصعة ، وفي ظل هواجس ومخاوف يعيشها الاِنسان المسلم وبخاصةٍ بعد أن مارسَ ضده الاعلام الغربي ـ بكل أساليبه الخبيثة ـ عمليات غسل الدماغ والتلويث الفكري تحت شعارات خلاّبة وعناوين كبيرة حتى كادوا أن يسترهبوا قطاعات واسعة من المثقفين من أبناء الاَُمّة الاِسلامية ، وأوشكوا أن يخرجوهم من ملتهم . إستناداً إلى ذلك كلّه ، واستجابةً للتحدي الحضاري الكبير الذي تواجهه الاَمّة المسلمة ، وبغيةَ نشر حقائق الاِسلام ومعارفه وأحكامه ومبادئه ورؤاه ونظرياته في مختلف مجالات الحياة الاِنسانية المتنوعة ، ومن أجل التنوير والتبصير ، وأخذاً بيد الشباب المثقف لحمايتهم من غوائل المتربصين بالاِسلام ، وفتنتهم وكيدهم ومكرهم ، من أجل ذلك كلّه جاء مشروع (مركز الرسالة) ليؤدي دوراً في هذا المجال ، ونشاطاً علمياً وثقافياً يتكامل مع الانشطة والفعاليات الثقافية التي تنهض بها مؤسسات ومراكزإسلامية تنتشر في شرق الارض وغربها. اعتقد المسلمون منذ فجر الرسالة الاِسلامية وإلى اليوم بصحة مابشّر به النبيّ الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم من ظهور رجل من أهل بيته عليهم السلام في آخر الزمان ـ يسمى المهدي ـ يملأ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وعلى ذلك كان ترقّب المؤمنين وانتظارهم مهدي أهل البيت قرناً فقرناً، ولم يشذّ عنهم إلاّ شرذمة قليلة من دعاة التجديد والتحضّر، نتيجة لتأثرهم بالدراسات والبحوث الاستشراقية غير الموضوعية من أمثال ماكتبه فان فلوتن ، ودونالدسن، وجولدزيهر ، وغيرهم من المستشرقين الذين حاولوا ـ بتطرفهم المعهود في التحليل والاستنتاج بخصوص مايتصل بعقائد المسلمين ـ إنكار ظهور المهدي عليه السلام في آخر الزمان. وقد يكون بعض من اغترّ بمناهجهم حَسَن النيّة في الدعوة إلى التجديد في فهم القضايا الاِسلامية ومحاولة إبراز توافقها وانسجامها مع المفاهيم الحضارية التي فرضتها المدنية المعاصرة ، فرأى أنّ في إنكار فكرة ظهور المهدي عليه السلام ردّاً حاسماً على الدعوات الصليبية ـ المقنّعة بقناع الاستشراق ـ التي استهدفت الاِسلام فصورته ـ ببحوثها وكتاباتها ـ آلة جامدة لاتنبض بالحياة. وهكذا انعكست آثار بعض الدراسات الاستشراقية على ثقافة البعض منّا ، مما أسهم في إيجاد خرق من الداخل، ترى من خلاله تأويل بعض الثوابت الدينية ، والتشكيك بقسم منها كقضية ظهور الاِمام المهدي عليه السلام في آخر الزمان ، وربما قد تسمع الترديد المملّ لاَقوال المستشرقين إزاء مسألة الظهور ، وما كان هذا ليتم لولا التفاعل اللامدروس مع تلك الثقافات المحمومة ، والتأثّر بها لدرجة الاعتقاد بأنّها حقائق مسلّمة على الرغم مما فيها من خبث ودهاء وتطرّف في التحليل والاستنتاج ، وكيد بالاِسلام والمسلمين ، وكيف لا ، وهذا جولدزيهر ، ودي بوير ، ومكدونالد، وبندلي جوزي يصرّحون بتناقض القرآن الكريم (1)؟! فلا غرابة أن نجد ـ في حركات التبشير الصليبي ـ من يطعن بعقيدة المسلمين بظهور المهدي(2)، هذا مع أنّ فكرة الظهور لم تكن حكراً على المسلمين وحدهم . عالمية الاعتقاد بالمهدي إنّ فكرة ظهور المنقذ العظيم الذي سينشر العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان، ويقضي على الظلم والاضطهاد في أرجاء العالم ، ويحقق العدل والمساواة في دولته الكريمة ، فكرة آمن بها أهل الاَديان الثلاثة، واعتنقتها معظم الشعوب . فقد آمن اليهود بها ، كما آمن النصارى بعودة عيسى عليه السلام ، وصدّق بها الزرادشتيون بانتظارهم عودة بهرام شاه ، واعتنقها مسيحيوا الاَحباش بترقّبهم عودة ملكهم تيودور كمهديٍّ في آخر الزمان، وكذلك الهنود اعتقدوا بعودة فيشنو ، ومثلهم المجوس إزاء مايعتقدونه من حياة أُوشيدر. وهكذا نجد البوذيين ينتظرون ظهور بوذا، كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق، والمغول قائدهم جنگيزخان. وقد وجد هذا المعتقد عند قدامى المصريين، كما وجد في القديم من كتب الصينيين(3). وإلى جانب هذا نجد التصريح من عباقرة الغرب وفلاسفته بأنَّ العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الاُمور ويوحّد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد : منهم : الفيلسوف الانجليزي الشهير برتراند راسل ، قال : (إنّ العالم في انتظار مصلح يوحّد العالم تحت عَلَمٍ واحد وشعار واحد).ومنهم : العلاّمة آينشتاين صاحب (النظرية النسبية) ، قال : (إنّ اليوم الذي يسود العالم كلّه الصلح والصفاء ، ويكون الناس متحابِّين متآخين ليس ببعيد) (4). والاَكثر من هذا كلّه هو ماجاء به الفيلسوف الانكليزي الشهير برناردشو حيث بشّر بمجيء المصلح في كتابه (الاِنسان والسوبرمان) . وفي ذلك يقول الاستاذ الكبير عباس محمود العقاد في كتابه (برناردشو) معلّقاً : « يلوح لنا أنّ سوبرمان شو ليس بالمستحيل، وأنّ دعوته إليه لاتخلو من حقيقة ثابتة» (5). أما عن المسلمين فهم على اختلاف مذاهبهم وفرقهم يعتقدون بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان وعلى طبق مابشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولايختص هذا الاعتقاد بمذهب دون آخر ، ولا فرقة دون أُخرى. وما أكثر المصرّحين من علماء أهل السنة ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلى اليوم بأنّ فكرة الظهور محلّ اتّفاقهم، بل ومن عقيدتهم أجمع، الأكثر من هذا إفتاء الفقهاء منهم : بوجوب قتل من أنكر ظهور المهدي، وبعضهم قال : بوجوب تأديبه بالضرب الموجع والاِهانة حتى يعود إلى الحقّ والصواب على رغم أنفه ـعلى حدّ تعبيرهم ـ كما سنشير إليه في الفتوى الصادرة على طبق معتقد المذاهب الاَربعة. ولهذا قال ابن خلدون معبّراً عن عقيدة المسلمين بظهور المهدي : « اعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الاَعصار : أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت ، يؤيد الدين ، ويُظهر العدل، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الاِسلامية ، ويسمى المهدي ». (6) وقد وافقه على ذلك الاُستاذ أحمد أمين الاَزهري المصري ـ على الرغم مما عرف عنهما من تطرّف إزاء هذه العقيدة ـ فقال معبّراً عن رأي أهل السُنّة بها : « فأما أهل السُنّة فقد آمنوا بها أيضاً» ، ثم ذكر نصّ ماذكره ابن خلدون.ثم قال : « وقد أحصى ابن حجر الاَحاديث المروية في المهدي فوجدها نحو الخمسين» (7). ثم ذكر ماقرأه من كتب أهل السنة حول المهدي فقال : « قرأت رسالة للاُستاذ أحمد بن محمد بن الصديق في الردّ على ابن خلدون سماها : (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) ، وقد فنّد كلام ابن خلدون في طعنه على الاَحاديث الواردة في المهدي وأثبت صحّة الاَحاديث ، وقال: إنّها بلغت التواتر». وقال في موضع آخر : « قرأتُ رسالة أُخرى في هذا الموضوع عنوانها: «الاِذاعة لما كان ومايكون بين يدي الساعة» لاَبي الطيب بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسني». وقال أيضاً: « قد كتب الاِمام الشوكاني كتاباً في صحة ذلك سماه: التوضيح في تواتر ماجاء في المنتظر والدجال والمسيح » (8). إذن لافرق بين الشيعة وأهل السنّة من حيث الاِيمان بظهور المنقذ مادام أهل السنّة قد وجدوا في ذلك خمسين حديثاً من طرقهم، وعدّوا ظهور المهدي من أشراط الساعة، وأثبتوا بطلان كلام ابن خلدون في تضعيفه لبعض الاَحاديث الواردة في ذلك، وأنّهم ألَّفوا في الرد أو القول بالتواتر كتباً ورسائل، بل لافرق بين جميع المسلمين وبين غيرهم من أهل الاَديان والشعوب الاُخرى من حيث الاِيمان بأصل الفكرة وإن اختلفوا في مصداقها ، مع اتّفاق المسلمين على أنّ اسمه (محمد) كإسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولقبه عندهم هو (المهدي). ومن هنا يعلم أنّ اتّفاق أهل الاَديان السابقة ومعظم الشعوب والقوميات وعباقرة الغرب وفلاسفته ـ مع تعدد الاَديان ، وتباين المعتقدات، واختلاف الاَفكار والآراء والعادات ـ على أصل الفكرة ، لايمكن أبداً أن يكون بلا مستند لاستحالة تحقّق مثل هذا الاتّفاق جزافاً . فإذا أضفنا إلى ذلك اتّفاق المذاهب الاِسلامية جميعاً على صحة الاعتقاد بظهور الاِمام المهدي في آخر الزمان وأنّه من أهل البيت عليهم السلام ـ كما سيأتي مفصلاً ـ علم أنّ اتّفاقهم هذا لابد وأن يكون معبّراً عن إجماع هذه الاُمة التي لاتجتمع على ضلالة على ماهو مقرر في محلّه ، وحينئذٍ فلا يضرّ اعتقادهم بظهور مهدي أهل البيت عليهم السلام اختلاف تشخيصه عند من سبقهم من أهل الاَديان والشعوب ، إذ بالاِمكان معرفته حق معرفته من خلال مصادر المسلمين المعتمدة لما عُرِف عنهم من اتّباع منهج النقل عن طريق السماع والتحديث شفةً عن شفة وصولاً إلى مصدر التشريع، وبما لانظير له في حضارات العالم أجمع. ومع هذا نقول: إنّ اعتقاد أهل الكتاب بظهور المنقذ في آخر الزمان لايبعد أن يكون من تبشير أديانهم بمهدي أهل البيت عليهم السلام كتبشيرها بنبوّة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ أنّهم أخفوا ذلك عناداً وتكبّراً إلاّ من آمن منهم بالله واتّقى. ويدلّ على ذلك وجود مايشير في أسفار التوراة إلى ظهور المهدي في آخر الزمان، كما في النصّ الذي نقله الكاتب أبو محمد الاُردني من (سفر أرميا) وإليك نصه : (اصعدي أيّتها الخيل وهيّجي المركبات ، ولتخرج الاَبطال : كوش وقوط القابضان المجنّ ، واللوديُّون القابضون القوس ، فهذا اليوم للسيد ربِّ الجنود ، يوم نقمة للانتقام من مبغضيه ، فيأكل السيف ويشبع... لاَن للسيد ربِّ الجنود ذبيحة في أرض الشمال عند نهر الفرات). (9) وهناك ماهو أوضح من هذا بكثير جداً ، فقد قال الباحث السني سعيد أيوب في كتابه (المسيح الدجال) : « ويقول كعب : مكتوب في أسفار الاَنبياء: المهدي مافي عمله عيب » ثمّ علّق على هذا النصّ بقوله : « وأشهد أنني وجدته كذلك في كتب أهل الكتاب ، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده صلى الله عليه وآله وسلم ، فدلت أخبار سفر الرؤيا إلى امرأة يخرج من صلبها اثنا عشر رجلاً ، ثمّ أشار إلى امرأة أُخرى ، أي: التي تلد الرجل الاَخير الذي هو من صُلب جدته ، وقال السفر : إنَّ هذه المرأة الاَخيرة ستحيط بها المخاطر ، ورمز للمخاطر باسم «التنّين» وقال : (والتنّين وقفَ أمام المرأة العتيدة حتى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت) سفر الرؤيا 12 : 3 ، أي : أنَّ السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام ، ولكن بعد ولادة الطفل . يقول باركلي في تفسيره : « عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه . والنص : (واختطف الله ولدها) سفر الرؤيا 12 : 5 ، أي : أنَّ الله غيّب هذا الطفل كما يقول باركلي. وذكر السفر أنّ غيبة الغلام ستكون ألفاً ومئتين وستين يوماً ، وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب ، ثم قال باركلي عن نسل المرأة عموماً : إنّ التنّين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة كما قال السفر : (فغضب التنّين على المرأة ، وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله) سفر الرؤيا /1312 (10). المهدي عند الشيعة هو الاِمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت وأولهم علي بن أبي طالب عليه السلام ، وحديث «المهدي حق وهو من ولد فاطمة» مقطوع بصحته ومصرح بتواتره عند أهل السنة كما سيوافيك ، وهو عند الشيعة المولود الثاني عشر لفاطمة عليها السلام : ثلاثة بالمباشرة ، وهم : الحسنان ومحسن ، وتسعة بدونها وهم الاَئمة من ولد الحسين عليه السلام ، واما عن أولاد الحسن عليهم السلام فهم كذلك من بني فاطمة عليها السلام إلاّ أنهم اُخرجوا من مجموع الاثني عشر لكونهم ليسوا بأئمة ، ولايرد مثل هذا على مالم يكن إماماً وهو محسن ، لاَنّ ولادته من فاطمةعليها السلام بالمباشرة ، ولهذا قال الاستاذ سعيد أيوب : (هذه هي أوصاف المهدي ، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الاِمامية الاثني عشرية) ثم علق عليه في هامش ص 379 بما يدلّ على تقارب الاَوصاف. وهذا وإن كان ممكناً إلاّ أنّ اعتقاد الشيعة وغيرهم بظهور المهدي في آخر الزمان لم يكن على أساس الاستدلال بما في كتب العهدين كما سنبينه مفصّلاً في هذا الكتاب. وأما عن اختلاف أهل الاَديان السابقة والشعوب في تشخيص اسم المنقذ المنتظر ، فلا علاقة له في إنكار مابشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس هناك مايدعو إلى بيان فساد تشخيصهم لاسم المنقذ ، مادام الاِسلام قد تصدى بنفسه لهذه المهمة فبيّن اسمه ، وحسبه ، ونسبه ، وأوصافه ، وسيرته، وعلامات ظهوره ، وطريقة حكمه ، حتى تواترت بذلك الاَخبار واستفاضت بكثرة رواتها من طرق أهل السنّة ، كما صرّح بذلك أعلامهم وحفّاظهم وفقهاؤهم ومحدثوهم ، وقد روى تلك الاَخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مايزيد على خمسين صحابياً . وأما عن اختلاف المسلمين فيما بينهم من حيث تشخيص اسم المهدي كما هو معلوم بين أهل السنة والشيعة ، فليس فيه أدنى حجة للمستشرقين وأذنابهم ، بل هو ـ على العكس ـ من الاَدلّة القاطعة عليه ؛ لاَنّه من قبيل الاختلاف في تفاصيل شيء متحقق الوجود ، كاختلافهم في القرآن الكريم بين القول بقِدَمِه وحدوثه من الله تعالى، مع اتّفاقهم على تكفير منكره ، وقس عليه سائر اختلافاتهم الاُخرى في تفاصيل بعض العقائد دون اُصولها. تفاهت القول باُسطورية فكرة الظهور : إنّ النتيجة المنطقية لما تقدم قاضية بتفاهة مزاعم المستشرقين ومن وافقهم باُسطورية فكرة ظهور المهدي في آخر الزمان، ذلك لاَنّ الاُسطورة التي ينتشر الاِيمان بها بمثل هذه الصورة، لاشك أنّها سلبت عقول المؤمنين بها، وصنعت لهم تاريخاً ، ولكن التاريخ لايعرف أُمّة خلقت تاريخها أُسطورة، فكيف الحال مع أُمّة هي من أرقى أُمم العالم حضارة في القرون الوسطى باعتراف المستشرقين أنفسهم ؟! والعجيب ، أنّ القائلين بهذا يعترفون برقيّ الحضارة الاِسلامية وسموّها بين الحضارات العالمية ، ولا ينكرون دور الاِسلام العظيم في تهذيب نفوس المؤمنين من سائر البدع والخرافات والعادات البالية التي تمجّها النفوس ، وتستنكرها العقول ، ولم يلتفتوا إلى أنّ أُمة كهذه لايمكن اتّفاقها على الاعتقاد بأُسطورة، وأغلب الظنّ أنَّ هؤلاء المستشرقين لمّا وجدوا عقائد أسلافهم ملاَى بالخرافات والاَساطير والضلالات ، كبُر عليهم أن يكتبوا عن الاِسلام ـ الذي هو أنقى من الذهب الابريز ـ دون أن يُضيفوا عليه شيئاً من أحقادهم ، ولهذا وصفوا ماتواتر نقله عن النبي الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم بشأن ظهور المهدي في آخر الزمان بأنّه من الاَساطير. والمصيبة ليست هنا ، لاَنّا نعلم أنَّ القوم ( كَبُرَت كَلِمَةً تَخرُجُ مِنْ أفْوَاهِهِم إن يَقُولُونَ إلاّ كَذِباً ) (11)، بل المصيبة تكمن في كتابات من تقمّص لباس السيد جمال الدين الاَفغاني ، والشيخ محمد عبده ونظائرهما من قادة الاِصلاح ، مما ساعد على إخفاء حقيقتها وواقعها الذي لم يكن غير الاستظلال بفيء الخصوم ، وطلب الهداية ممن غرق في بحر الضلال ، من دون تروٍ مطلوب ، ولا التفات مسؤول إلى مايهدّد تراث الاِسلام الخالد ، ويستهدف أُصوله الشامخة . ومن هنا وجب التحذير من هؤلاء وأُولئك ، والاحتراز عن كل مايُنفَث، أو يُبَثّ ، قبل بيان الدليل القاطع على عقيدة المسلمين بالامام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف . والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم المصادر : 1- المستشرقون والأسلام/ الدكتور عرفان عبد الحميد :17 ، ودراسات في الفكر الفلسفي الاسلامي / الدكتور حسام الدين الآلوسي:68 ، و بحوث في القرآن الكريم ، للدكتور عبدالجبار شرارة : 52 ـ 54 . 2- عقيدة الشيعة / دونالدسن : 231 ، والسيادة العربية / فان فلوتن : 107 و132. 3- المهدية في الاِسلام / سعد محمد حسن : 43 ـ 44 ، والإمامة وقائم القيامة / الدكتور مصطفى غالب : 270 . 4- المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه / السيد عبد الرضا الشهرستاني : 6و7 5- برناردشو / عباس محمود العقاد : 124 ـ 125. 6- تاريخ ابن خلدون 1 : 555 / الفصل 52. 7- المهدي والمهدوية / أحمد أمين : 41 و 110 و 48 8- المهدي والمهدوية : 106و109 و110 9- الكتاب المقدس تحت المجهر / عودة مهاوش أبو محمد الاردني : 155 ، والنص نقله من سفر إرميا : 46 / 2 ـ 11. 10- المسيح الدجال / سعيد أيوب : 379 ـ 380، الطبعة الثالثة. 11- الكهف : 18 / 5. http://rasekhoon.net/