فلسفة الحج (1)
فلسفة الحج (1)
0 Vote
89 View
الشيخ حسين الراضي بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ انْتَجَبَهُ لِوَلَايَتِهِ وَاخْتَصَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَأَكْرَمَهُ بِالنُّبُوَّةِ أَمِيناً عَلَى غَيْبِهِ وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ [1]. قال تعالى : ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ ﴾ (آل عمران:96) لماذا لا يكون الحج إلا إلى هذه الأماكن المقدسة ؟ لماذا لا يكون في غيرها ؟ . ما هي فلسفة وضع الحج في هذه الأماكن ؟ ويمكن أن يتلمس الجواب في علة ذلك وفلسفته : 1- محبة الله لها : إن فلسفة تعين ممارسة هذه الشعار في خصوص هذه الأماكن ينبئ عن وجود خصوصيات فيها على غيرها ومن أهمها محبة الله لها. جاء في الحديث الصحيح عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( الصادق عليه السلام ) قَالَ: أَحَبُّ الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَكَّةُ ، وَمَا تُرْبَةٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ تُرْبَتِهَا ، وَلَا حَجَرٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ حَجَرِهَا ، وَلَا شَجَرٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ شَجَرِهَا ، وَلَا جِبَالٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ جِبَالِهَا ، وَلَا مَاءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ مَائِهَا . [2] 2- الاختبار والامتحان : جاء في نهج البلاغة : قال أمير المؤمنين عليه السلام : وَكُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوَى وَالِاخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَالْجَزَاءُ أَجْزَلَ أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الْأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ ( صلوات الله عليه ) إِلَى الْآخِرِينَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ بِأَحْجَارٍ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَسْمَعُ فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَجَراً وَأَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً وَأَضْيَقِ بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ قُطْراً بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ وَرِمَالٍ دَمِثَةٍ وَعُيُونٍ وَشِلَةٍ وَقُرًى مُنْقَطِعَةٍ لَا يَزْكُو بِهَا خُفٌّ وَلَا حَافِرٌ وَلَا ظِلْفٌ. 3- التربية الروحية : وواصل أمير المؤمنين عليه السلام كلامه حول فلسفة الحج والمشاعر المقدسة بقوله : ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ ( عليهالسلام ) وَوَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وَغَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ وَمَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ وَجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلًا يُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ وَيَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ ابْتِلَاءً عَظِيماً وَامْتِحَاناً شَدِيداً وَاخْتِبَاراً مُبِيناً وَتَمْحِيصاً بَلِيغاً جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَوُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ . لماذا لم يضعه في أرض أكثر راحة ؟ وانتهى أمير المؤمنين عليه السلام في سبب اختيار الله سبحانه لهذه المشاعر على بقية الأماكن في العالم بقوله : ( وَلَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ وَمَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ بَيْنَ جَنَّاتٍ وَأَنْهَارٍ وَسَهْلٍ وَقَرَارٍ جَمَّ الْأَشْجَارِ دَانِيَ الثِّمَارِ مُلْتَفَّ الْبُنَى مُتَّصِلَ الْقُرَى بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ وَرَوْضَةٍ خَضْرَاءَ ، وَأَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ ، وَعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ ، وَزُرُوعٍ نَاضِرَةٍ ، وَطُرُقٍ عَامِرَةٍ ؛ لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلَاءِ ، وَلَوْ كَانَ الْأَسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا وَالْأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ وَيَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَنُورٍ وَضِيَاءٍ لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ وَلَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ وَلَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ وَيَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ وَيَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ وَلِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ وَأَسْبَاباً ذُلُلًا لِعَفْوِهِ.[3] معنى هذه الكلمات : قال ابن أبي الحديد في شرحه : كانت المثوبة : أي الثواب. و أجزل : أكثر والجزيل العظيم ، و عطاء جزل وجزيل والجمع جزال، و قد أجزلت له من العطاء أي أكثرت . وجعله للناس قياما أي عمادا - و فلان قيام أهله أي يقيم شئونهم - و منه قوله تعالى- ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً﴾النساء:5- . وأوعر بقاع الأرض حجرا أي أصعبها - و مكان وعر بالتسكين صعب المسلك أو المقام- .[4] وأقل نتائق الدنيا مدرا ؛ أصل هذه اللفظة من قولهم ( امرأة منتاق ) أي كثيرة الحبل والولادة ، ويقال : ضيعة منتاق أي كثيرة الريع ، فجعل عليه السلام الضياع ذوات المدر التي تثار للحرث نتائق ، وقال : إن مكة أقلها صلاحا للزرع لأن أرضها حجرية . والقُطْر : الجانب ورمال دمثة سهلة ، وكلما كان الرمل أسهل كان أبعد عن أن ينبت . وعيون وشلة : أي قليلة الماء ، والوشل بفتح الشين الماء القليل ، ويقال وشل الماء وشلانا أي قطر- . قوله : ( لا يزكو بها خف ) أي لا تزيد الإبل فيها أي لا تسمن ، والخف هاهنا هو الإبل ، والحافر الخيل والحمير والظلف الشاة- أي ليس حولها مرعى يرعاه الغنم فتسمن . وأن يثنوا أعطافهم نحوه أي يقصدوه ويحجوه ، وعطفا الرجل جانباه . وصار مثابة : أي يثاب إليه ويرجع نحوه مرة بعد أخرى- وهذه من ألفاظ الكتاب العزيز- . قوله عليه السلام : ( لمنتجع أسفارهم ) أي لنجعتها ، والنُّجعَة طلب الكلأ في الأصل ، ثم سمي كل من قصد أمرا يروم النفع منه منتجعا . قوله : ( و غاية لملقى رحالهم ) أي صار البيت هو الغاية التي هي الغرض و المقصد- وعنده تلقى الرحال أي تحط رحال الإبل عن ظهورها- ويبطل السفر لأنهم قد انتهوا إلى الغاية المقصودة- .[5] قوله : ( تهوي إليه ثمار الأفئدة ) : ثمرة الفؤاد : هو سويداء القلب ، ومنه قولهم للولد : هو ثمرة الفؤاد ، ومعنى تهوي إليه أي تتشوقه وتحن نحوه- . والمفاوز هي جمع مفازة الفلاة سميت مفازة - إما لأنها مهلكة من قولهم فوز الرجل أي هلك- وأما تفاؤلا بالسلامة والفوز- والرواية المشهورة من مفاوز قفار بالإضافة- وقد روى قوم من مفاوز بفتح الزاء- لأنه لا ينصرف ولم يضيفوا- جعلوا قفار صفة- . والسحيقة : البعيدة . والمهاوي : المساقط . والفجاج : جمع فج و هو الطريق بين الجبلين- . قوله عليه السلام ( حتى يهزوا مناكبهم ) : أي يحركهم الشوق نحوه إلى أن يسافروا إليه ، فكنى عن السفر بهز المناكب- . وذللا، حال، إما منهم وإما من المناكب ، وواحد المناكب منكِب بكسر الكاف ، وهو مجمع عظم العضد والكتف- . قوله : ( ويهللون ) يقولون ( لا إله إلا الله ) وروي ( يهلون لله ) أي يرفعون أصواتهم بالتلبية ونحوها- . ويرملون : الرمل السعي فوق المشي قليلا- . شعثا غبرا ؛ لا يتعهدون شعورهم ولا ثيابهم ولا أبدانهم- قد نبذوا السرابيل ورموا ثيابهم وقمصانهم المخيطة- . وشوهوا بإعفاء الشعور : أي غيروا وقبحوا محاسن صورهم ، بأن أعفوا شعورهم فلم يحلقوا ما فضل منها ، وسقط على الوجه ونبت في غيره من الأعضاء- التي جرت العادة بإزالتها عنها.[6] والتمحيص : التطهير من محصت الذهب بالنار إذا صفيته مما يشوبه ، والتمحيص أيضا الامتحان والاختبار. والمشاعر : معالم النسك . قوله : ( وسهل وقرار ) أي في مكان سهل يستقر فيه الناس ولا ينالهم من المقام به مشقة- . وجم الأشجار : كثيرها وداني الثمار قريبها- . وملتف البنى : مشتبك العمارة- . والبُرَّة : الواحدة من البر وهو الحنطة- . والأرياف : جمع ريف وهو الخصب والمرعى في الأصل- وهو هاهنا السواد والمزارع . ومحدقة : محيطة . ومغدقة : غزيرة . والغَدَق : الماء الكثير- . وناضرة : ذات نضارة ورونق وحسن. قوله : ( ولو كانت الأساس ) يقول : لو كانت أساس البيت التي حمل البيت عليها- وأحجاره التي رفع بها من زمردة وياقوتة- فالمحمول والمرفوع كلاهما مرفوعان ، لأنهما صفة اسم كان والخبر ( من زمردة ) قوله عليه السلام : ( ولنفى متعلج الريب ) أي اعتلاجه ، أي ولنفى اضطراب الشك في القلوب . وروي يستعبدهم ويتعبدهم والثانية أحسن- . والمَجَاهد : جمع مجهدة وهي المشقة. وأبوابا فُتُحا : أي مفتوحة , وأسبابا ذللا : أي سهلة . [7] الثواب على قدر المشقة : وواصل ابن أبي الحديد حديث بقوله : واعلم أن محصول هذا الفصل- أنه كلما كانت العبادة أشق كان الثواب عليها أعظم ، ولو أن الله تعالى جعل العبادات سهلة على المكلفين لما استحقوا عليها من الثواب إلا قدرا يسيرا ، بحسب ما يكون فيها من المشقة اليسيرة . فإن قلت : فهل كان البيت الحرام موجودا أيام آدم عليه السلام ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه. قلت : نعم هكذا روى أرباب السير وأصحاب التواريخ . روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه عن ابن عباس أن الله تعالى أوحى إلى آدم لما أهبطه إلى الأرض : أن لي حرما حيال عرشي فانطلق فابن لي بيتا فيه- ثم طف به كما رأيت ملائكتي تحف بعرشي- فهنالك أستجيب دعاءك ودعاء من يحف به من ذريتك- فقال آدم إني لست أقوى على بنائه ولا أهتدي إليه- فقيض الله تعالى له ملكا فانطلق به نحو مكة- و كان آدم في طريقه كلما رأى روضة أو مكانا يعجبه- سأل الملك أن ينزل به هناك ليبني فيه- فيقول الملك إنه ليس هاهنا حتى أقدمه مكة- فبنى البيت من خمسة جبال- طور سيناء وطور زيتون ولبنان والجودي- وبنى قواعده من حراء- فلما فرغ خرج به الملك إلى عرفات- فأراه المناسك كلها التي يفعلها الناس اليوم- ثم قدم به مكة وطاف بالبيت أسبوعا- ثم رجع إلى أرض الهند فمات.[8] وروى الطبري في التاريخ- أن آدم حج من أرض الهند إلى الكعبة أربعين حجة على رجليه- . وقد روي أن الكعبة أنزلت من السماء- وهي ياقوتة أو لؤلؤة على اختلاف الروايات- وأنها بقيت على تلك الصورة- إلى أن فسدت الأرض بالمعاصي أيام نوح- وجاء الطوفان فرفع البيت- وبنى إبراهيم هذه البنية على قواعده القديمة. وروى أبو جعفر عن وهب بن منبه أن آدم دعا ربه فقال يا رب أ ما لأرضك هذه عامر- يسبحك ويقدسك فيها غيري- فقال الله إني سأجعل فيها- من ولدك من يسبح بحمدي ويقدسني- وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكري- يسبحني فيها خلقي ويذكر فيها اسمي- وسأجعل من تلك البيوت بيتا أختصه بكرامتي- وأوثره باسمي فأسميه بيتي- وعليه وضعت جلالتي وخصصته بعظمتي- وأنا مع ذلك في كل شيء- أجعل ذلك البيت حرما آمنا يحرم بحرمته من حوله- ومن تحته ومن فوقه- فمن حرمه بحرمتي استوجب كرامتي- ومن أخاف أهله فقد أباح حرمتي واستحق سخطي- وأجعله بيتا مباركا يأتيه بنوك شعثا غبرا- على كل ضامر من كل فج عميق- يرجون بالتلبية رجيجا ويعجون بالتكبير عجيجا- من اعتمده لا يريد غيره- ووفد إلي وزارني واستضاف بي أسعفته بحاجته- وحق على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه- تعمره يا آدم ما دمت حيا ثم تعمره الأمم والقرون- والأنبياء من ولدك أمة بعد أمة وقرنا بعد قرن. قال ثم أمر آدم أن يأتي إلى البيت الحرام- الذي أهبط له إلى الأرض فيطوف به- كما كان يرى الملائكة تطوف حول العرش- وكان البيت حينئذ من درة أو من ياقوتة- فلما أغرق الله تعالى قوم نوح رفعه- وبقي أساسه فبوأه الله لإبراهيم فبناه [9] أقول: يوجد روايات عن أهل البيت مضمونها ينطبق مع ما رواه الطبري . وفي كتاب مصباح الشريعة المنسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : ( وَأَحْسِنِ الصُّحْبَةَ وَرَاعِ أَوْقَاتَ فَرَائِضِ اللَّهِ وَسُنَنِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه آله وَمَا يَجِبُ عَلَيْكَ مِنَ الْأَدَبِ وَالِاحْتِمَالِ وَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالشَّفَقَةِ وَالسَّخَاوَةِ وَإِيثَارِ الزَّادِ عَلَى دَوَامِ الْأَوْقَاتِ ثُمَّ اغْسِلْ بِمَاءِ التَّوْبَةِ الْخَالِصَةِ ذُنُوبَكَ وَالْبَسْ كِسْوَةَ الصِّدْقِ وَالصَّفَا وَالْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَأَحْرِمْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَمْنَعُكَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَيَحْجُبُكَ عَنْ طَاعَتِهِ وَلَبِّ بِمَعْنَى إِجَابَةٍ صَادِقَةٍ صَافِيَةٍ خَالِصَةٍ زَاكِيَةٍ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي دَعْوَتِكَ مُتَمَسِّكاً بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَطُفْ بِقَلْبِكَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ حَوْلَ الْعَرْشِ كَطَوَافِكَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِنَفْسِكَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَهَرْوِلْ هَرَباً مِنْ هَوَاكَ وَتَبَرَّأْ مِنْ حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ وَاخْرُجْ مِنْ غَفْلَتِكَ وَزَلَّاتِكَ بِخُرُوجِكَ إِلَى مِنًى وَلَا تَتَمَنَّ مَا لَا يَحِلُّ لَكَ وَلَا تَسْتَحِقُّهُ وَاعْتَرِفْ بِالْخَطَايَا بِعَرَفَاتٍ وَجَدِّدْ عَهْدَكَ عِنْدَ اللَّهِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَتَقَرَّبْ إِلَيْهِ وَاتَّقِهِ بِمُزْدَلِفَةَ وَاصْعَدْ بِرُوحِكَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى بِصُعُودِكَ إِلَى الْجَبَلِ وَاذْبَحْ حَنْجَرَةَ الْهَوَى وَالطَّمَعِ عَنْكَ عِنْدَ الذَّبِيحَةِ وَارْمِ الشَّهَوَاتِ وَالخَسَاسَةَ وَالدَّنَاءَةَ وَالذَّمِيمَةَ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ وَاحْلِقِ الْعُيُوبَ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ بِحَلْقِ شَعْرِكَ وَادْخُلْ فِي أَمَانِ اللَّهِ وَكَنَفِهِ وَسَتْرِهِ وَكِلَاءَتِهِ مِنْ مُتَابَعَةِ مُرَادِكَ بِدُخُولِ الْحَرَمِ وَدُخُولِ الْبَيْتِ مُتَحَقِّقاً لِتَعْظِيمِ صَاحِبِهِ وَمَعْرِفَةِ جَلَالِهِ وَسُلْطَانِهِ وَاسْتَلِمِ الْحَجَرَ رِضًى بِقِسْمَتِهِ وَخُضُوعاً لِعِزَّتِهِ وَدَعْ مَا سِوَاهُ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَأَصْفِ رُوحَكَ وَسِرَّكَ لِلِقَائِهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ بِوُقُوفِكَ عَلَى الصَّفَا وَكُنْ بِمَرْأًى مِنَ اللَّهِ نَقِيّاً عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَاسْتَقِمْ عَلَى شَرْطِ حَجَّتِكَ هَذِهِ وَوَفَاءِ عَهْدِكَ الَّذِي عُوهِدْتَ بِهِ مَعَ رَبِّكَ وَأُوجِبْتَ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الْحَجَّ وَلَمْ يَخُصَّهُ مِنْ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَلَا شَرَعَ نَبِيُّهُ سُنَّةً فِي خِلَالِ الْمَنَاسِكِ عَلَى تَرْتِيبِ مَا شَرَعَهُ إِلَّا لِلِاسْتِعْدَادِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى الْمَوْتِ وَالْقَبْرِ وَالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَفَضْلِ بَيَانِ السَّبْقِ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَهْلُهَا وَدُخُولِ النَّارِ أَهْلُهَا بِمُشَاهَدَةِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَأُولِي النُّهَى [10] الخطبة الثانية دحو الأرض : في يوم 25 ذي القعدة . وفي هذه المناسبة نقدم بعض الروايات التي تحدثت عن هذا اليوم التاريخي الذي يرشد إلى أهمية الكعبة المشرفة عند الله وما تقدم من عطاء للأمة . الحرية والأماكن المقدسة : 1- عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَيِّ شَيْءٍ سَمَّاهُ اللَّهُ الْعَتِيقَ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَيْتٍ وَضَعَهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَّا لَهُ رَبٌّ وَسُكَّانٌ يَسْكُنُونَهُ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا رَبَّ لَهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الْحُرُّ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهُ قَبْلَ الْأَرْضِ ثُمَّ خَلَقَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِ فَدَحَاهَا مِنْ تَحْتِهِ.[11] 2- عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ نَازِلًا فِي بَادِيَةِ الشَّامِ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يُخْرِجَ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ عَنْهَا فَقَالَ يَا رَبِّ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ قَالَ تَعَالَى إِلَى حَرَمِي وَأَمْنِي وَأَوَّلِ بُقْعَةٍ خَلَقْتُهَا مِنَ الْأَرْضِ وَهِيَ مَكَّةُ ..... الْخَبَرَ.[12] 3- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَخْلُقَ الْأَرْضَ أَمَرَ الرِّيَاحَ الْأَرْبَعَ فَضَرَبْنَ مَتْنَ الْمَاءِ حَتَّى صَارَ مَوْجاً ثُمَّ أَزْبَدَ فَصَارَ زَبَداً وَاحِداً فَجَمَعَهُ فِي مَوْضِعِ الْبَيْتِ ثُمَّ جَعَلَهُ جَبَلًا مِنْ زَبَدٍ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً﴾ فَأَوَّلُ بُقْعَةٍ خُلِقَتْ مِنَ الْأَرْضِ الْكَعْبَةُ ثُمَّ مُدَّتِ الْأَرْضُ مِنْهَا [13] 4- وَقَالَ الصَّادِقُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دَحَا الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ إِلَى مِنًى ثُمَّ دَحَاهَا مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ ثُمَّ دَحَاهَا مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى مِنًى فَالْأَرْضُ مِنْ عَرَفَاتٍ وَعَرَفَاتٌ مِنْ مِنًى وَمِنًى مِنَ الْكَعْبَةِ وَكَذَلِكَ عِلْمُنَا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ.[14] 5- وَرُوِيَ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ كَفَّارَةَ سَبْعِينَ سَنَةً وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ أُنْزِلَتْ فِيهِ الرَّحْمَةُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى آدَمَ . [15] 6- وَقَالَ الرِّضَا لَيْلَةُ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ دُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ كَمَنْ صَامَ سِتِّينَ شَهْراً [16] 7- عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ قَالَ وَهَذَا بَيْتٌ اسْتَعْبَدَ اللَّهُ بِهِ خَلْقَهُ لِيَخْتَبِرَ طَاعَتَهُمْ فِي إِتْيَانِهِ فَحَثَّهُمْ عَلَى تَعْظِيمِهِ وَزِيَارَتِهِ وَجَعَلَهُ مَحَلَّ أَنْبِيَائِهِ وَقِبْلَةً لِلْمُصَلِّينَ لَهُ فَهُوَ شُعْبَةٌ مِنْ رِضْوَانِهِ وَطَرِيقٌ يُؤَدِّي إِلَى غُفْرَانِهِ مَنْصُوبٌ عَلَى اسْتِوَاءِ الْكَمَالِ وَمَجْمَعُ الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ خَلَقَهُ اللَّهُ قَبْلَ دَحْوِ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ عَامٍ فَأَحَقُّ مَنْ أُطِيعَ فِيمَا أَمَرَ وَانْتُهِيَ عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ اللَّهُ الْمُنْشِئُ لِلْأَرْوَاحِ وَالصُّوَر [17]ِ الحرية والديمقراطية لبست مقلوبة : قال أمير المؤمنين عليه السلام : صَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً وَالْعَفَافُ عَجَباً وَلُبِسَ الْإِسْلَامُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً.[18] والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين [1] الكافي ج : 3 ص : 422 في الصحيح عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ . [2] وسائل الشيعة ج : 13 ص :243 [3] نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد، مجلد 13، صفحه 156 [4] شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد)، ج 13 ، صفحه 157 [5] شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد)، ج 13 ، صفحه 158 [6] شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد)، ج 13 ، صفحه 159 [7] شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد)، ج 13 ، صفحه 161 [8] شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد)، ج 13 ص 161 [9] شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد)، ج 13 ص 162 [10] مستدرك الوسائل ج : 10 ص : 173- 174ح 11771 [11] وسائل الشيعة ج : 13 ص : 265 [12] مستدرك الوسائل ج : 9 ص : 347ح 11048 [13] من لا يحضره الفقيه ج : 2 ص : 241ح 2296 [14] من لا يحضره الفقيه ج : 2 ص : 241ح 2297 [15] من لا يحضره الفقيه ج : 2 ص : 242ح 2299 [16] من لا يحضره الفقيه ج : 2 ص : 242 ح 2300 [17] وسائل الشيعة ج : 11 ص : 11 ح 14116 [18] نهج البلاغة ص 156 فتنة بني أمية. http://alradhy.com