لتشبيه في بلاغة سورة يوسف

- الباحث: فراس دهداری - الأستاذ المشرف:الدكتور جواد سعدون زاده - الأستاذ المساعد: الدكتور ولی شجاعپوریان المقدمة: هذا المقال یدور حول التشبیه فی سورة یوسف (ع) فنری أن التشبیه فی السورة کان قلیلا ً ولکن الترکیز کان علی معانی الکاف فی السورة المبارکة و کان الترکیز أیضا ً علی التساوی و التأکید و الایضاح. التشبیه یأخذ التشبیه فی القرآن الكریم حیزة المتمیز من بین سائر فنون البیان خاصة و البلاغة عامة، لما فی ألفاظه من طاقة إیحائیة و ما فی تراكیبه من قدرة تصویریة معبرة و مؤثرة، إذ أنّه بتراكیبه التصویریة یخلق عملیة التخیل لدى المتلقی فیجعله یتصور ما یقرأ أو ما یسمع و بهذا تحصل لدیه متعة القراءة أو الاستماع. و التشبیه بأبسط معانیه یعنی« الدلالة علی مشارکة أمر ٍ لآخر فی معنی».  [1] أی أن یجمع بین أمرین یشترکان بصفة أو أکثر فعندما تقول( أنت کالجبل) تکون قد أضفیت صفه الجبل و هی (الثبات) علی الموصوف به و هو (المشبه). فدلـّك التشبیه علی أنّ هناك صفة تعود للمشبه و هی مختفیتة وراء ذلك الترکیب. وبوصفك قارئأ علیك أن تلحظ بماذا یتمیز المشبه به، و فی المثال الجبل تمیز بالثبات، و من ثمَّ تقارن ذلك بالمشبه، و بهذا تکون قد وصفت المشبه ولکنْ بطریقة غیر مباشرة. و علیك أن تلحظ بان التشبیه لا یکون إلاّ بین طرفین یشترکان فی صفه هی أقوی فی أحدهما من الآخر فیأتی التشبیه لیقویّ وجودها فی الطرف التی هی ضعیفة فیه، و عادة الصفة تکون اقوی فی المشبه به ممّا هی فی المشبه. وللتشبیه أربعه أرکان هی المشبه، و المشبه به و هما طرفا التشبیه واداة التشبیه ووجه الشبه، و علی أساس هذه الأرکان یقسم علی أنواع مختلفة. التشبیه الضمنی فی السورة المبارکه: تمیزت سورة یوسف (علیه السلام) عن سائر السـور القرآنیـة بطابعها القصصی الممیز، و بندرة ألفاظها و تفرّدها بها عن غیرها، و کان للتشبیه فیها طابعه الممیز الخاص بها دون عن سائر السور القرآنیة. إذن فهی سورة لها طابعها الخاص فی کل شیء و جاء التشبیه فیها مفهوماً من السیاق و لم یصرح به تصریحاً أی انه تشبیه ضمنی إذ هو « تشبیه لا یوضع فیه المشبه و المشبه به، فی صورة من صور تشبیه المعروفة، بل یلمح الشمبه و المشبه به، و یفهمان من المعنی، و یکون المشبه به دائماً برهاناً علی إمکان ما أسند إلی المشبه » و هذا یعنی أنَّ التشبیه یأتی خالیاً من الأداة و وجه الشبه. و هذا ما نجده فی قوله تعالی علی لسان النسوة «… مَا هَذَا بَشَراً إن هذا إلاّ مَلـَكٌ كـَرِیمٌ » . فانظر إلی الآیه الکریمة لا تری فیها أیَّ رکن من أرکان التشبیه، فالأداة لا وجود لها و وجه الشبه مختفٍ و المشبه و المشبه به متداخلان. لکنّ الترکیب یحمل فی طیاته تشبیهاً لم یصرح به بل هو تشبیه واقع ضمــن الکلام. فلما رأین النسوة النبی یوسف ( علیه السلام) انبهرن بجماله ووقاره و حسن أخلاقه فشبهناه بالملك الکریم و لم یصرحن بذلك علی ادّعاء أنّ المشبه هو المشبه به نفسه تقویة للصفة التی یشترك بها مع المشبه به ( الملك) فیبدو المشبه کأنّه المشبه به نفسه للصفة فی المشبه. و إنّ هذا النوع من التشبیه الذی تحذف فیه الأداه و وجه الشبه ما هو إلاّ« التشبیه البلیغ و هو أعلی مراتب التشبیه فی البلاغة و قوة المبالغة، لما فیه من إدعاء أنّ المشبه به، و لما فیه من الایجاز الناشیء عن حذف الأداة و الوجه معاً، هذا الایجاز الذی یجعل نفس السامع تذهب کل مذهب، ویوحی لها بصور شتی من وجوه التشبیه».  [2] أی أنّ شدّة التداخل بین المشبه و المشبه به یدعو إلی الاستغناء عن الأداة لأنّنا لا نحتاج حینها إلی دلیل یدلنا علی ما اشترکا به، فضلأ عن أنَّ وجه الشبه المحذوف سیتضح بذکر المشبه به لقوة الصفة فیه، فعندما تذکر( ملک کریم) دلـّتنا علی وجه الشبه المحذوف هو الجمال و حسن الأخلاق. و عندما تذکر( بقرات سمان، و عجاف) تدّل الأولی علی أنّ وجه الشبه المحذوف هو الحیاة، فی حین الثانیة تدلنا علی أنّ وجه الشبه المحذوف هو الجوع. وهکذا تبدو بلاغة القرآن و روعته فی تصویر ما یرید عندما یقرّب بین المتباعدات بعقد التشبیه بینهما بالاعتماد على صفة یشتركان فیها و هی فی المشبه به أقوى، و المراد اتضاح قوتها فی المشبه فیُعمد الى هذا النوع من التشبیه وصولاً للغرض المراد. معانی الكاف و اغراضها فی السورة المباركة: کان ورود الکاف فی السورة المباركة لأغراض تخدم سیاق السورة، فالتشبیه فیها یكون واضحاً و لا یحتاج إلى عناء و تفكیر فجاءت حاملة معانی رئیسة هی (التساوی و الایضاح و التوكید ) و فیما یأتی تفصیل ذلك: 1) التساوی: جاءت الكاف حاملة معنى التساوی بین المشبه و المشبه به و هذا ما یسمیه السكاكی بالتشابه « و هو إذا تساوی الطرفان المشبه و المشبه به من جهة التشبیه فالأحسن ترك التشبیه إلى التشابه لیكون كلّ واحد من الطرفین مشبهاً و مشبهاً به تفادیاً من ترجیح أحد المتساویین».  [3] و هو کما یری القزوینی « إذا أرید مجرد الجمع بین شیئین فی أمر، فالاحسن ترك التشبیه إلى الحكم بالتشابه…».  [4] و إذا ما جاءت للتساوی فإنّها تهدف لغرض من ذلك التساوی ضمن أغراضها التی تحملها بهذا التساوی و هی: أ. البشارة و تأمین النفس كما فی قوله تعالى« قَالَ یا بُنَیَّ لا تَقصُص رؤیاكَ عَلـَى إخوَتِكَ فَیَكیدوا لَكَ كَیداً إنَّ الشَّیطانَ عَدوُّ مُّبِین* و كـَذَلِكَ یَجتَبِیك ربُّكَ… ».  [5] فساوت الآیة الكریمة بین الاجتباء للرؤیا و بین الاجتباء للأمور العظام لأنَّ كلیهما یدلـّك على العزة و علو الشأن و لشدة التشابه بینهما ترك القرآن الكریم الی التشبیه البشارة إلى النبی (علیه السلام) و مُطمئناَ لنفسه التی ربّما خافت من الرؤیا أو روعت منها بأنّه سیُصبح ذا شأن ٍ فی المستقبل. و مثله كما فی قوله تعالى « وَ یُتِمُّ نِعمَتَهُ عَلَیك وَ عَلـَى آل یَعقـُوبَ كـَمَا أتَمَّهَا عَلـَى أبَوَیكَ مِن قَبلُ ».  [6] أی « إتمام كائن كإتمام نعمته على أبویك من قبل هذا الوقت أو من قبلك».  [7] فمثلما أتمَّ النعمة على أبویك من قبل بالنجاة و الخلاص و الاجتباء یتمها علیك فی زمنك، و هو بذلك یبشره بأنّه سیكون له كما كان لأبویه : فقد جمع بین حالته و حالة أبویه (إسحاق وإبراهیم ) فی النجاة و الخلاص و الاجتباء لغرض تبشیره بما سیكون علیه فی المستقبل.و خلاصة القول أنَّ النعمة التی تُصاب بها على وجه الإتمام هی تساوی– و لیس تشبیه – النعمة التی أصابت أبویك قبلك، لكونك ستصبح نبیاً كأبلئك، و سوف تمرّ بمحن و مآس إلاّ أنَّ الله سیُنجیك منها و یخلصك كما خلص أبویك من قبل، و یوصل لك نعمة الدنیا بنعمة الآخرة. و هذه كلُّها بشائر حملها إلیه بذلك التشابه الجامع بینه و بین أبویه (علیه السلام) . ب. و قد یساوی بین الشیئین لغرض الاستنكار كما فی قوله تعالى « قَالَ هضل آمَنكُمُ علَیهِ إلاّ كـَمَا أمِنتُكُم عَلـَى أخیهِ من قبلُ…».  [8] أی أنْ حفظكم له سیكون مشابهاَ لحفظكم فیما سبق لأخیه و بهذا یكون قد أنكر علیهم الحفظ له فمثلنا فرّطتم بیوسف (علیه السلام) من قـبل لا غـرابة أنْ تفـرطوا بأخیه الآن. ج . و قد یكون الغرض منه المواساة و التسلیة لنبی محمد(صلى الله علیه و آله و سلم) كما فی قوله تعالى« وَكـَذلِكَ مَكـَّنَّا لِیُوسُفَ فی الأرض ِ یَتَبَوَّأُ مِنهَا حَیثُ یَشَاءُ…»،  [9] فلما أراد القرآن الكریم مواساة للنبی محمد(صلى الله علیه و آله و سلم) و تسلیتة جمع بین حاله و حال النبی یوسف (علیه السلام) تشابهاً فی المحن و المعاناة. و إنّك لو حاولت أنْ تعقد تشبیهاً فی الآیة لما احتجت الى طول تفكیر و لا عناء فی البحث عن أركان التشبیه، ولكنَّ القرآن الكریم أراد انْ یجمع بین الحال النبیین فی المعاناة و المحن لغرض مواساة للنبی محمد(صلى الله علیه و آله و سلم) و تسلیتة فمال إلى تشابه لیبدو كل منهما مشبهاً و مشبهاَ به. إذن ما الكاف هی هذه الآیات إلاّ وسیلة جمع بین شیئین یشتركان فی امر واحد لحدّ التشابه الذی لا یمیز فیه المشبه من المشبه به فیجمع بینهما بهذه الطریقة التی تبدو بأنّها تشبیهٌ. إلاّ أنّها لیست بتشبیه بل هو تشابه بین الطرفین لدرجة لا یمكن أنْ ترجح أحدهما على الآخر، و خرج ذلك التشابه الى أغراض أشیر إلیها فیما تقدم خدمة لسیاق السورة و الآیات الواردة فیها. 2) الایضاح: و قد تأتی الكاف لا للتشبیه و لا للتشابه بل بمعنى (مثل) و هی بهذا تكون وسیلة ایضاح لما تقدمها من كلام، و تأتی هی مع الآیة بعدها بمثابة المثل على الكلام المتقدم لها كما فی قوله تعالى« قـَالُوا فـَمَا جَزَاؤُهُ كـَذَلِكَ نَجزِی الظَّالِمین* فـَبَدَأَ بِأوعِیَتِهِم قَبلَ وِعاء ِ أخِیهِ ثُمَّ استَخرَجَهَا مِن وِعاء ِ أخِیهِ كـَذَلِكَ كِدنَا لِیُوسُفَ… ».  [10] ففی قوله تعالى(كـذَلك نجزی الظَّالمین) أیْ هذا هو جزاء السارق عندنا، بــ « أخذ من وجد الصواع فی رحلة ــ و استرقاقه»،  [11] و لا یعقل أنْ یكون أنّنا نجزی السارق بجزاء یشبه جزاءه فی حكم آل یعقوب باسترقاقه فالتشبیه یكون خالیاً من الحركة و الحیویة. و القصد أنّه مثل ذلك الجزاء أیْ نفسه لا یشبهه. و مثله قوله تعالى (كـَذَلِكَ كِدنَا لِیُوسُفَ ) . أیْ « مثل ذلك الكید العجیب و هو ارشاد الاخوة الى الافتاء المذكور باجرائه على ألسنتهم و حملهم علیه بوساطة المستفتین من حیث لم یحتسبوا ــ و(كِدنَا لِیُوسُفَ ) أی صنعنا و دبرنا تحصیل غرضه من المتقدّمات التی رتبها من دسّ السقایا و ما یتلوه »  [12] أی أفادت الشئ نفسه لا شبیهه، و أضحت وسیلة إیضاح لما تقدّم مع اشارة إلى الكلام المتقدّم لها لتُصبح هی و ما بعدها بمثابة المثل علیه. 3) التأكید: و قد تأتی وسیلة لتأكید الأمر و تحقیقه، كما فی قوله تعالى«…لـَولاَ أن رَّأى بُرهَانَ رَبـِّهِ كـَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ… »  [13] فجاءت تأكیداَ لعصمته (علیه السلام) و عفته. فكأنما تعنی «أنْ المراد من الأمر هو ما أخبرت به».  [14] و لیس فیها من التشبیه شیء و التقدیر« الأمر أو عصمته مثل ذلك»  [15] أیْ تحقیقاً لعصمته و تأكیداً لها أنّه یصرف عنه السوء و لیس هو الذی یصرف عن السوء. و هكذا تأتی الكاف حاملة معانی مختلفة تهدف من ورائها لأغراض تخدم سیاق السورة و تتممه. و كما رأینا أنَّ للتشبیه فی السورة المباركة أثراً فی إضفاء لمحة فنیة بلاغیة على طابعها العالم، سواء أكان مصرحاً به أم ضمنیا أو بالاعتماد على أداته التی تجمع بین المتشابهین لغرض معین خادمة بذلك سیاقها العام و متممة معانیها اللطیفة و الفاظها المتماسكة و سیاقها القصصی الرصین. المصادر القرآن الکریم. ألوسی البغدادی، شهاب الدین السید محمود: روح المعانی فی تفسیر القرآن العظیم و السبع المثالی(ج12/ج13)، دارالطباعة المیزیة، بیروت، لبنان، (د.ت). بدوی، أحمد أحمد: من بلاغة القرآن، ط3، مکتبة النهضة الفجالة، مصر 1950م. السكاكی، إبى یعقوب یوسف بن ابی بكر محمد بن على (ت 626هـ) : مفتاح العلوم، مطبعة مصطفی البابی الحلبی، مصر، (د. ت). عتقیق، عبدالعزیز: علم البیان، دار النهضة العربیة، بیروت، لبنان (د.ت). عتیق، عبدالعزیز: علم المعانی، دار النهضة – العربیة، بیروت، 1974م. القزوینی، الخطیب(ت 739هـ ): الإیضاح فی علوم البلاغة، تحقیق لجنة من أساتذة الأزهر، مطبعة السنة المحمدیة، القاهرة،(د.ت). الهاشمی، أحمد: جواهر البلاغة فی المعانی و البیان و البدیع، ط12، المکتبة التجاریة الکبری، مصر، (1379هـ 1960م) حواشی [1] القزوینی: الإیضاح، ج2، ص213 [2] عتیق، عبدالعزیز: البیان العربی، صص104- 105 [3] السكاكی، لإبى یعقوب بن ابی بكر محمد بن على : مفتاح العلوم، ص164 [4] القزوینی: الإیضاح، ج 1، ص242 [5] یوسف/5-6 [6] یوسف/6 [7] الآلوسی، شهاب الدین السید محمود: روح المعانی، ج12،ص188 [8] یوسف/64 [9] یوسف/56 [10] یوسف/74- 76 [11] الألوسی، شهاب الدین السید محمود: روح المعانی، ج13،ص27 [12] المصدر نفسه، ج13، ص29 [13] یوسف/24 [14] بدوی، أحمد أحمد/ من بلاغة القرآن، ص216 [15] الألوسی، شهاب الدین السید محمود: روح المعانی، ج12،ص216

http://aladab.mihanblog.com