وصايا الإمام الصادق ( عليه السلام )

ما أكثر الغالي من نصائحه والثمين من وصاياه ، فإنّه ( عليه السلام ) لم يترك نهجاً للنصح إِلاّ سلكه ، ولا باباً للإرشاد إِلاّ ولَجه ، وفي هذا المضمار نذكر بعض وصاياه ( عليه السلام ) . 1ـ قال ( عليه السلام ) : ( مَن أُعطِيَ ثَلاثاً لم يُمنَع ثلاثاً ، مَن أُعطِيَ الدعاءَ أُعطِيَ الإِجَابة ، ومَن أُعطِيَ الشكرَ أُعطِيَ الزيادة ، ومَن أُعطِيَ التوكُّلَ أُعطِيَ الكفاية ) . ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( أَتَلَوْتَ كتاب الله عزَّ وجلَّ : ( ادْعُونِي أَستَجِبْ لَكُمْ ) ، وقال : ( وَلَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ ) ، وقال : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلُ عَلى اللهِ فَهُوَ حَسبُهُ ) . 2ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِذَا أرادَ أحدُكُم ألاَّ يَسأَل اللهَ شيئاً إِلا أَعطَاهُ فَلْيَيأَس مِن النَّاسِ كُلِّهِم ، وَلا يَكُون لَهُ رجاءً إِلاّ عِند الله ، فَإِذا عَلِمَ اللهُ عزَّ وجلَّ ذلك مِن قَلبِهِ لم يَسأل اللهَ شيئاً إِلاّ أَعطَاهُ ) . 3ـ قال ( عليه السلام ) : ( اِسمَعوا مِنِّي كَلاماً هُوَ خَير مِن الدُهم المُوَقَّفة ، لا يتكلّمُ أَحَدُكم بِمَا لا يَعنِيه ، وَلْيَدَع كَثيراً مِن الكلامِ فِيما يَعنِيه ، حَتّى يَجِدَ له موضعاً ، فَرُبَّ مُتكلِّمٍ في غير موضِعِه جَنَى على نفسِه بكلامه ، ولا يُمارِيَنَّ أحدكم سَفيهاً ولا حليماً ، فإنَّ مَن مَارَى حَليماً أقصَاه ، ومَن مَارَى سَفِيهاً أرداه ، واذكُروا أخَاكم إِذَا غاب عنكم بِأَحسَنِ مَا تُحبُّونَ أن تُذكروا بِهِ إِذا غِبتُم ، واعمَلُوا عمل من يَعلمُ أَنَّه مُجازَى بِالإِحسَان ) . 4ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِذا خَالطتَ النَّاسَ فَإنِ استطعتَ ألاَّ تُخالطَ أحداً مِنهُم إِلاَّ كَانت يَدَك العُليَا عليه فافعل ، فإنَّ العبدَ يكون فيه بعضُ التقصيرِ مِن العِبادة ، وَيَكون له حُسن الخُلق ، فَيُبلِغُهُ اللهُ بِخُلقهِ درجةَ الصائمِ القائم ) . 5ـ قال ( عليه السلام ) للمفضَّل بن عمر الجعفي : ( أوصيك بِسِتِّ خِصالٍ تُبَلِّغُهُنَّ شيعتي ) . قال : وما هي يا سيّدي ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( أَداءُ الأمانةِ إِلَى من ائْتَمَنَكَ ، وَأَن تَرضى لأَخِيكَ مَا تَرضَى لِنَفسِكَ ، واعلَم أنَّ للأُمُور أَوَاخِر ، فَاحذَرِ العَواقِبَ ، وأنَّ للأُمُور بَغتَاتٌ ، فَكُن عَلَى حَذَرٍ ، وَإِيَّاكَ وَمُرتَقَى جَبَلٍ سَهلٍ إِذا كَانَ المُنحَدَرُ وَعراً ، وَلا تَعِدنَّ أخَاكَ وَعداً ليس في يَدِك وَفَاؤُهُ ) . 6ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا تَمزحْ فيذهبُ نُورُك ، ولا تَكذِب فَيذهبُ بَهاؤُك ، وَإِيَّاك وخِصلتين : الضَّجَر ، والكَسَل ، فإنَّك إِن ضجرتَ لا تَصبِرُ على حَقٍّ ، وَإِن كَسلتَ لم تُؤَدِّ حَقاً ) . 7ـ قال ( عليه السلام ) : ( وَكان المَسيحُ ( عليه السلام ) يقولُ : مَن كَثُرَ هَمُّه سَقم بَدنُه ، ومَن سَاء خُلقه عذَّب نفسَه ، وَمَن كَثُر كلامه كَثُر سقطه ، وَمَن كَثُر كَذِبُهُ ذهبَ بهاؤه ، وَمَن لاحَى الرِّجَال ذَهبَتْ مرُوَّتُه ) . 8ـ قال ( عليه السلام ) : ( تَزَاوَرُوا ، فإنَّ في زيارَتِكُم إِحياءً لِقُلوبِكُم ، وَذِكراً لأحَادِيثِنَا ، وأحاديثُنا تعطفُ بعضَكم عَلى بعضٍ ، فإن أَخذتُم بِها رُشِدتُم وَنَجَوتُم ، وإِن تَرَكتُمُوهَا ظَلَلتُم وهَلَكتُم ، فَخُذُوا بِها وأنَا بِنَجَاتِكُم زَعِيم ) . 9ـ قال ( عليه السلام ) : ( اِجعَلُوا أمرَكُم هذا للهِ ولا تجعلوهُ للنَّاس ، فإنَّه ما كان لله فَهُوَ لله ، وَما كان للنَّاس فَلا يَصعدُ إِلَى السَّمَاء ، ولا تخاصمُوا بِدِينِكُم ، فإنّ المُخَاصَمَة مُمرضَةٌ للقلب ، إِنَّ الله عزَّ وجلَّ قال لنبيِّه ( صلى الله عليه وآله ) : ( إِنَّكَ لا تَهدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَنْ يَشَاءُ ) ، وقال : ( أَفَأَنْتَ تُكرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) . ذَرُوا الناس فإنّ الناسَ قد أخذوا عن الناسِ ، وإِنّكم أخذتُم عن رسولِ الله ( صلَّى الله عليه وآله ) وَعَن عَليٍّ ( عليه السلام ) وَلا سَوَاء ، وَأنِّي سمعتُ أبي يقولُ : إذا كَتبَ الله عَلى عبدٍ أن يُدخلَهُ في هذا الأمرِ كَان أسرعُ إِليه مِن الطيرِ إِلى وَكْرِهِ ) . 10ـ قال ( عليه السلام ) : ( اِصبِرُوا على الدنيا فإنَّما هيَ سَاعةٌ ، فما مضى منها فلا تجد له ألماً ولا سُروراً ، وما لم يجئ فلا تدري مَا هُو ، وَإِنّما هي ساعتُك التي أنت فِيها ، فَاصبِر فِيها على طَاعة اللهِ ، واصبِر فيها عن معصيةِ الله ) . 11ـ قال ( عليه السلام ) : ( اِجعل قَلبَكَ قريباً بِرّاً ، وولداً مواصلاً ، واجعلْ عَمَلَك والداً تتبعُهُ ، واجعلْ نفسك عَدوّاً تُجَاهِدُهُ ، واجعل مَالَكَ عَارِيةٌ تَرُدُّهَا ) . 12ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِن قَدرتَ ألا تُعرَف فَافعل ، ما عليك ألا يُثنِي عليك النَّاس ، وما عليك أن تكون مَذمُوماً عند الناس إذا كُنتَ مَحمُوداً عِندَ الله ) . 13ـ قال ( عليه السلام ) : ( الدعاء يردُّ القَضَاء ما أُبرِمَ إِبرَاماً ، فَأَكثِرْ مِن الدعاء فإنّه مفتاحُ كلِّ رَحمة ، وَنجاحُ كلِّ حاجة ، ولا يُنَالُ ما عند الله عزَّ وجلَّ إِلاّ بالدعاء ، وأنَّه ليس باباً يكثرُ قرعه إِلاّ ويوشَكُ أن يُفتحَ لصاحِبِه ) . 14ـ قال ( عليه السلام ) : ( لا تَطعنوا في عيوبِ مَن أقبلَ إِليكم بمودَّته ، ولا تُوقفُوه على سَيِّئَة يخضع لها ، فإنَّها لَيست مِن أخلاقِ رسولِ الله ( صَلَّى الله عليه وآله ) وَلا مِن أخلاق أوليائه ) . 15ـ قال ( عليه السلام ) : ( أَحسِنُوا النَّظر فيما لا يَسَعُكُم جَهلُه ، وانصحُوا لأنفُسِكُم ، وجاهدوا في طلب ما لا عُذر لكم في جَهلِه ، فإنَّ لِدِينِ الله أركاناً لا تنفعُ من جَهِلَهَا شدَّة اجتهاده في طلب ظَاهرِ عِبَادتِهِ ، ولا يَضرُّ من عرفها فَدَانَ بها حُسن اقتِصَاده ، ولا سبيلَ إلى أحدٍ إلى ذلك إِلاّ بِعَوْنٍ مِنَ الله عزَّ وجلَّ ) . 16ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِيَّاكم وعِشرة الملوك وأبناءِ الدنيا ، فَفِي ذلكَ ذِهابُ دِينِكم ، وَيُعقِّبُكُم نِفَاقاً ، وذلك دَاء رَدِيٌّ لا شِفَاءَ له ، وَيُورثُ قَسَاوَة القلبِ ، وَيسلبكم الخُشُوع . وعليكم بالإشكال من النَّاس والأوساط من النَّاس ، فَعِندهُم تَجِدُون مَعَادنَ الجواهر ، وَإِيَّاكُم أن تمدُّوا أطرافكم إِلَى ما في أيدي أبناء الدنيا ، فَمَن مَدَّ طرفه إلى ذلك طَال حُزنُهُ ، ولم يُشفِ غَيظَه ، واستَصغَرَ نِعمَةَ الله عنده ، فَيَقِلُّ شُكرُه لله ، وَانظُرْ إِلى مَن هُوَ دُونَكَ فَتَكونَ لأَِنْعُمِ الله شَاكراً ، وَلِمَزِيدِهِ مُستَوجِباً ، وَلِجُودِهِ سَاكناً ) . 17ـ قال ( عليه السلام ) : ( إِذا هَمَمْتَ بشيءٍ من الخير فلا تُؤَخِّره ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ رُبَّما اطَّلَعَ على العبد وهو على شيء من الطاعة فيقول : وَعِزَّتِي وَجَلالِي لا أُعَذِّبُكَ بعدهَا أبداً ) . وقال ( عليه السلام ) أيضاً : ( وإذا هَمَمْتَ بِسيِّئَةٍ فَلا تعمَلها فَإِنَّهُ رُبَّمَا اطَّلعَ عَلى العبدِ وهو على شيءٍ من المَعصِية ، فيقول : وعِزَّتي وَجَلالِي لا أغفر لك بعدها أبداً ) . 18ـ قال ( عليه السلام ) لابنه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( يا بُني اِقبل وصيَّتي ، واحفظ مقالتي ، فإنّك إِن حفظتها تعِش سعيداً ، وتمُت حميداً ، يا بُني إِنَّ من قنعَ استغنى ، ومن مدَّ عينيه إِلى ما في يد غيره مات فقيراً ، ومن لم يرضَ بما قسمَه الله لهُ اتَّهم الله في قضائه ، ومَن استصغر زلّة نفسه استكبر زلّة غيره . يا بُني من كشف حِجاب غيره انكشف عورته ، ومن سلَّ سيف البغي قُتل به ، ومن احتفر لأخيه بئراً سقط فيها ، ومن داخَل السُفهاء حُقّر ، ومن خالط العُلماء وُقّر ، ومن دخلَ مداخِل السوء اتُّهم ، يا بُني قُل الحقّ لك أو عليك ، وإِيّاك والنميمة فإنَّها تزرع الشحناء في قُلوب الرجال . يا بُني إِذا طلبت الجُود فعليكَ بمعادنه ، فإنّ للجود معادِن ، وللمعادِن أُصولاً ، وللأُصول فروعاً ، وللفروع ثمراً ، ولا يطيبُ ثمر إِلاّ بفرع ، ولا أصل ثابت إِلاّ بمعدن طيّب ، يا بُني إِذا زرت فزُر الأخيار ، ولا تزُر الأشرار ، فإنَّهم صخرة صمّاء لا ينفجر ماؤها ، وشجرة لا يخضّر ورقها ، وأرض لا يظهر عشبها ) .