آية التطهير وعصمة أهل البيت (ع)

آية التطهير وعصمة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ هناك آية تدلّ على عصمة عدّة خاصة من أهل بيت النبي الأكرم . يقول سبحانه:  {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (1). و أداء حقّ الآية في التفسير ، يتوقف على البحث عن النقاط التالية: 1 ـ ما هو المراد من الرّجس؟ 2 ـ هل الإرادة في الآية ، إرادة تكوينية خاصة بأهل البيت ، أو تشريعية تعمّ كلّ إنسان بالغ واقع في إطار التكليف؟ 3 ـ مَن المراد من أهل البيت؟ 4 ـ مشكلة السياق في الآية لو كان المراد منهم غير نسائه ـ صلوات الله عليه وآله وسلم ـ . 5 ـ أهل البيت في حديث النبي ، الذي يكون مفسّراً لإجمال الآية. والبحث عن هذه الأُمور يحوجنا إلى تأليف مفرد ، وهو خارج عن وضع كتابنا (2) ، إلاّ أنّ المهم هنا هو التركيز على أنّ الإرادة في الآية تكوينية ، خاصة بأهل البيت ، وليست تشريعية ، وأمّا المقصود من أهل البيت ، فقد تقدّمت المأثورات فيهم عند البحث عن حديث الثقلين. الإرادة تكوينية لاتشريعية إنّ انقسام ارادته سبحانه إلى القسمين المذكورين ، من الانقسامات الواضحة ، ومجمل القول فيهما أنّه إذا تعلقت إرادته سبحانه على إيجاد شيء وتكوينه في صحيفة الوجود ، فالإرادة تكوينية لا تتخلف عن المراد. قال سبحانه  : { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (3). و أما إذا تعلّقت بتشريع حكم وقانون ، لفرض عمل المكلّف به ، فالإرادة تشريعية ، ومتعلّقها هو التشريع ، وأمّا امتثال المكلف فهو من غايات التشريع ، ربما يقع ويترتب عليه ، وربما ينفك عنه. و القرائن تدلّ على أنّ المراد هنا هو الأوّل من الإرادتين ، بمعنى أنّ إرادته سبحانه ، تعلّقت على إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم من كل شيء يتنفر منه ، على غرار تعلق إرادته بإيجاد الأشياء في صحيفة الوجود و الذي يدلّ على ذلك أُمور: 1ـ إنّ الإرادة التشريعية لا تختص بطائفة دون طائفة ، بل هي تعمّ المكلّفين عامة ، يقول سبحانه ، بعد أمره بالوضوء والتيمم عند فقدان الماء: { وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (4). ولكنّه سبحانه خصّص إرادته في الآية المبحوث عنها ، بجمع خاص ، تجمعهم كلمة أهل البيت ، وخصّهم بالخطاب وقال{ عَنْكُمْ ... أَهْلَ الْبَيْتِ } ، أي لا غيركم ، فتخصيص الإرادة بجمع خاص على الوجه المذكور ، يمنع من تفسيرها بالتشريعية. 2ـ إنّ العناية البارزة في الآية المباركة ، أقوى شاهد على أنّ المقصود هو التكوينية ، لوضوح أنّ تعلّق الإرادة التشريعية لا يحتاج إلى العنايات التالية: أ ـ ابتداء سبحانه كلامه بلفظ الحصر ، وقال: { إِنَّمَا } ، ولا معنى للحصر إذا كانت تشريعية ، لعمومها لكلّ مكلّف. ب ـ عيّن تعالى متعلّق إرادته بصورة الاختصاص ، فقال : { أَهْلَ الْبَيْتِ } ، وهو منصوب على الاختصاص (5).  أي أخصّكم أهل البيت. ج ـ قد بيّن متعلق إرادته بالتأكيد ، وقال بعد قوله:  { لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ } ، ( ليطهركم ) . د ـ قد أكّده بالإتيان بمصدره بعد الفعل ، وقال:  { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } ، ليكون أوفى في التأكيد. هـ ـ إنّه سبحانه قد أتى بالمصدر نكرة ، ليدلّ على الإكبار والإعجاب ، أي تطهيراً عظيماً معجباً. و ـ إنّ الآية في مقام المدح والثناء ، فلو كانت الإرادة تشريعية ، لما ناسب الثناء والمدح. و على الجملة : العناية البارزة في الآية ، تدلّ بوضوح على أنّ الإرادة في المقام تغاير الإرادة العامة المتعلقة بكلّ إنسان حاضر ، أوباد.  وللمحقّقين من الشيعة الإمامية كلمات وافية حول الآية تلاحظ في مواضعها (6) فالإرادة في الآية الشريفة ، نظير الإرادة الواردة في الآيات التالية: { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (7). { وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} (8). { وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (9). وأمّا دلالتها على العصمة : فتظهر إذا اطّلعنا على أنّ المراد من الرجس هو القذارة المعنوية لا المادية. توضيح ذلك : إنّ الرجس في اللغة هو القذر (10) ، وقد يعبّر به عن الحرام ، والفعل القبيح ، والعذاب ، واللعن ، والكفر ، قال الزجاج : « الرّجس ـ في اللغة ـ كل ما استقذر من عمل ، فبالغ الله في ذمّ أشياء سماها رجساً » . وقال ابن الكلبي : « رجس من عمل الشيطان ، أي مأثم » (11). والمتفحص في كلمات أئمة أهل اللغة ، والآيات الواردة فيها تلك اللفظة ، يصل إلى أنّها موضوعة للقذارة التي تنفر منها النفوس ، سواء أكانت مادية كما في قوله تعالى:  { إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } (12) . أو معنوية كما في الكافر وعابد الوثن ، وصنمه ، قال سبحانه: { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ } (13). وقال سبحانه : { كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (14). فلو وصف العمل القبيح بالرجس ؛ فلأنّه عمل قذر ، تتنفر منه الطباع السليمة. وعلى ضوء هذا ، فالمراد من الرّجس في الآية ، كلّ عمل قبيح عرفاً أو شرعاً ، لا تقبله الطباع ، ولذلك قال سبحانه بعد تلك اللفظة : { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } ، فليس المراد من التطهير ، إلاّ تطهيرهم من الرجس المعنوي الذي تعدّ المعاصي والمآثم من أظهر مصاديقه. وقد ورد نظير الآية في حق السيّدة مريم ، قال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} (15). ومن المعلوم أنّ تعلّق الإرادة التكوينية على إذهاب كلّ رجس وقذارة ، وكلّ عمل منفّر عرفاً أو شرعاً ، يجعل مَن تعلّقت به الإرادة، إنساناً مثالياً ، نزيهاً عن كل عَيْب وشَيْن ، ووصمة عار (16). إلى هنا ظهر بوضوح أنّ العصمة شرط للإمام بالمعنى الذي يتبنّاه الإمامية في مجال الإمامة ، والآيتان الأوليان تدلاّن على عصمة الإمام مطلقاً ، والآية الثالثة تدلّ على عصمة أهل البيت الذين نزلت فيهم الآية ، وفسّرت في غير واحد من الروايات ، وهم مَن كان إماماً وخليفةً للرسول كعلي والحسنين ـ عليهما السَّلام ـ ، ومَن كانت طاهرةً مطهّرةً كالسيّدة فاطمة الزهراء ـ عليها السَّلام ـ ، وإن لم تكن إماماً .   ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) - سورة الأحزاب: الآية 33. (2) - قد أفاض الشيخ الأُستاذ الكلام في هذه المواضيع في موسوعته التفسيريّة ، مفاهيم القرآن : ج 5 ، ص 215 ـ 322. (3) - سورة يس: الآية 82. (4) - سورة المائدة: الآية 6. (5) - الاختصاص من أقسام المنادى ، يقول ابن مالك: الاختصاص كنداء دون يا * كأيّها الفتى بإثر ارجونيا (6) - تفسير التبيان : للشيخ الطوسي ، ( ت 383 ـ م 460) ، ج 8 ، ص 340. ومجمع البيان للشيخ الطبرسي ، ( ت 471 ـ م 548) ، ج 4، ص 307. ورياض السالكين : للسيّد علي المدني (م 1118)، الروضة  47، ص 497. (7) - سورة القصص: الآية 5. (8) - سورة الأنفال: الآية 7. (9) - سورة المائدة: الآية 41. (10) - مقاييس اللغة : ج 2، ص 490، ولسان العرب : ج 6 ص 94. (11) - لسان العرب : ج 6، ص 94. (12) - سورة الأنعام: الآية 145. (13) - سورة الحج: الآية 30. (14) - سورة الأنعام: الآية 125. (15) - سورة آل عمران: الآية 42. (16) - وحول الآية أبحاث لطيفة ، فمَن أراد التبسّط فليرجع إلى المصدر الذي تقدّم الإيعاز إليه.