آية اليوم يئس الذين ومسألة الإمامة-الفرق بين الإكمال والإتمام

...تقع الآية التي نعنيها أوائل سورة المائدة، حيث يقول تعالى: ?الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا?1ينطوي النص على قسمين، يبدأ كل منهما بـ "اليوم" وهما معا جزءا آية واحدة، وليسا آيتين  ولا جزءا آيتين والشيء الثابت أن كلا القسمين يرتبطان بفكرة واحدة لا بفكرتين (مسوقان لغرض واحد). سأعرض معنى الآية من خلال القرائن، بعد إشارات نبدؤها بكلمة"يوم" التي دخلت عليها"أل" العهدية لتعني أحيانا "ذلك اليوم" وأحيانا أخرى "هذا اليوم"، وقد استخدمت في المعنيين معا. وحين تستخدم بمعنى "ذلك اليوم" تكون مسبوقة بذكر يوم معين، تأتي للإشارة إليه. ولكن في المعنى الثاني، عندما نقول:"دخل هذا الشخص اليوم" فالمراد هذا اليوم لاذاك. تشير الآية في قوله تعالى: "اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم.." إلى يأس الكفار. والسؤال:بأي معنى يئس أولئك من دينكم؟ المراد أنهم يئسوا من التفوق عليكم ومحق دينكم، ولأنهم يئسوا من ذلك فقد كفوا عن مواجهتكم بذاك النهج الذي كانوا يواجهون به الإسلام من قبل، فلا تخشوهم. والأمر العجيب الذي يردف به النص، هو قوله:"واخشون". فلأن الحديث عن الدين، فالمراد أن هذا الدين لن يصيبه الضرر من أولئك بعد الآن، وإذا صادف وأن حل به الضرر، فإن ذلك يكون بالضرورة  وبمقتضى السياق مني، فما معنى ذلك؟ سنعرض الإجابة بعدئذ. نقرأ في تتمة الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي). لقد ذكر النص كلمتين متقاربتين إلى بعضهما جدا، هما: الإكمال والإتمام.   الفرق بين الإكمال والإتمام الفرق بين الكلمتين أن الإتمام يطلق حيث يأتي آخر أجزاء الشيء المتتابعة بعضها وراء بعض، بحيث يقال لذلك الشيء إنه ناقص إذا لم تترتب أجزاؤه تلك كلها. فإذا ما أنضم إليها أجزاؤها الأخر، حتى آخر جزء، نقول تم ذلك الشيء. ومثال ذلك: البناية، فلا يقال لها "تمت" وإن وضعت لها القواعد ورفعت الجدران والسقف، وإنما يقال لها "تمت " إذا استوفت جميع المستلزمات الضرورية التي تدخل في مقوماتها حتى تكون صالحة للاستخدام. فعندما تكون جاهزة للسكن يقال لها"تمت"2. أما في (الإكمال) الأمر كذلك، فلا ينطوي الشيء على جزء ناقص ليقال له(غير تام)، فقد لا يكون الشيء ناقصا وليس له جزء يتممه، ولكنه مع ذلك هو غير كامل حتى الآن.
إن الاختلاف بين الكامل والتام هو في واقعه اختلاف بين الكيفي والنوعي3.
مثال ذلك: الجنين في بطن أمه، فهو يصل إلى حد التمام، حيث تتم أجزاؤه ويستوي هيكله، ثم يولد ويكون طفلا تاما، ولكنه لا يكون إنسان كاملا، أي لا يتحلى بذلك النضج الذي يجب أن يتحلى به الإنسان. وعملية النضج هي شيء يختلف عن كون الشيء يفتقر إلى جزء ناقص. إن الاختلاف بين الكامل والتام هو في واقعه اختلاف بين الكيفي والنوعي3. يقول القرآن من جهةٍ: (اليوم أكملت لكم دينكم) ومن جهةٍ أُخرى يقول: (وأتممت عليكم نعمتي) ثم يردف:(ورضيت لكم الإسلام دينا) أي: أضحى الإسلام اليوم، هو الإسلام الذي يريده الله. ومن الواضح أن ليس المراد أن الإسلام هو الإسلام السابق نفسه، ولكنَّ الله غيّر رأيه به! إنما المقصود هو: لمّا كان الإسلام قد تمَّ وبَلَغ حدّ الكمال، فإن مثل هذا الإسلام هو الدين الإلهي المرضيّ، وإن الدين الذي يريده الله، هو هذا الإسلام التام الكامل. هذا هو مفهوم الآية لا أكثر4 أما ما يتعلق بكلمة(اليوم) فإن كل ما فيها ينصبّ على هذا السؤال: أي يوم هو المقصود؟ أي يوم هذا الذي بلغت أهميته هذا المبلغ، حتى يقول القرآن فيه: إنه اليوم الذي كمُل فيه الدين وتمت فيه النعمة الإلهية؟ من المؤكد أن هذا اليوم مهمّ جدّاً، بحيث يجب أن يكون قد احتضن واقعة استثنائية عظيمة وقعت فيه.
لمّا كان الإسلام قد تمَّ وبَلَغ حدّ الكمال، فإن مثل هذا الإسلام هو الدين الإلهي المرضيّ، وإن الدين الذي يريده الله، هو هذا الإسلام التام الكامل.
وهذه الواقعة ليست مرتبطة بالشيعة وحدهم أو بالسنّة وحدهم.ولكن من عجائب القضية أن ليس فيما قبل هذا النص وما بعده من الآيات ما له دلالة على ذلك اليوم، بحيث لا يمكن أن يفهم أي شيء حول ذلك اليوم من القرائن اللفظية للآية ذاتها. لمّا كان الإسلام قد تمَّ وبَلَغ حدّ الكمال، فإن مثل هذا الإسلام هو الدين الإلهي المرضيّ، وإن الدين الذي يريده الله، هو هذا الإسلام التام الكامل. فقد تُسبق آية بذكر واقعة أو قضية مهمة جدّاً، ثم تُردَف بالقول "اليوم" فيأتي إطلاقه بمناسبة ذكر تلك القضية. بيدَ أن الحاصل هنا ليس شيئاً من هذا القبيل، إذ سُبِقَ النصُّ بأحكام بلغت الغاية بالبساطة، لها صلة بما يحرم أكله من لحوم الحيوان وما يحلّ. ففيما الآية تتحدث عن حكم الميتة والدم ولحم الخنزير وأنها محرّمة، وإذا بالنص يواجهنا فجأة بقوله تعالى (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون، اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). بعد هذا الاستطراد يعود النصّ مرّة ثانية إلى السياق الأوّل الذي كانت عليه الآية، فيذكر حكم المضطر (فمن اضطُرَّ في مخمصة غير متجانفٍ لإثم فإن الله غفور رحيم). إن ترتيب النص جاء بصيغة، بحيث إذا رفعنا هذا القسم منها - الذي نتحدث فيه - نجد أن القسم الأول يتصل بالقسم الثاني من دون طروء أدنى خلل على السياق - كما هو عليه الحال في موردين أو ثلاثة أُخرى تكرّرت في القرآن - بلا أن يُلحق بها هذا القسم الوسطي، بحيث جاء التعبير عن الفكرة كاملا5 . الامامة،الشيخ مرتضى مطهري، المترجم :جواد علي كسّار --------------------------------------------------------------------- الهوامش: 1- المائدة: 3 2- الإكمال: بلوغ الشيء إلى غاية حدوده في قدر أو عدٍّ حساًّ أو معنى. والتكميل: يرد على المعنى التام فيكمله، إذ الكمال أمر زائد على التمام، يقابل نقصان الأصل، والكمال يطابق نقصان الوصف بعد تمام الأصل.ينظر: الكليات لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكوفي، المتوفى 1014هـ، ص 163،296،الطبعة الثانية 1413هت، مؤسسة الرسالة المترجم 3- ذكر صاحب الفروقات: قد فُرّق بينهما بأن الإتمام لإزالة نقصان الأصل، والإكمال لإزالة نقصان العوارض بعد تمام الأصل. وقيل: ولذا كان قوله تعالى:تلك عشرة كاملة أحسن من تامة، فإن التام من العدد قد عُلِم، وإنما نفي احتمال نقصٍ في صفاتها. وقيل: تم يُشعر بحصول نقص قبله، وكمُل لا يشعر بذلك. وقال العسكري: الكمال اسم لاجتماع أبعاض الموصوف به، والتمام اسم للجزء الذي يتم به الموصوف. ولهذا يقال القافية تمام البيت ولا يقال كماله. ويقولون: البيت بكماله أو باجتماعه إن تتابع. ينظر: فروق اللغات في التمييز بين الكلمات، نور الدين بن نعمة الله الحسيني الجزائري، ص44، الرقم 26، الطبعة الثالثة،طهران 1415هـالمترجم 4- يكتب السيد الطباطبائي في تفسير الآية: الإكمال والإتمام متقاربا المعنى. قال الراغب: كمال الشيء حصول ما هو الغرض منه. وقال: تمام الشيء انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شيء خارج عنه، والناقص ما يحتاج إلى شيء خارج عنه. ولك أن تحصل على تشخيص معنى اللفظين من طريقٍ آخر، وهو أن آثار الأشياء التي لها آثار، على ضربين. فضرب منها ما يترتب على الشيء عند وجود أجزائه - إن كان له أجزاء - بحيث لو فقد شيئا من أجزائه أو شرائطه لم يترتب عليه ذلك الأمر، كالصوم فإنه يفسد إذا أُخلَّ بالإمساك في بعض النهار، ويسمى كون الشيء على هذا الوصف بالتمام، قال تعالى:ثم أتموا الصيام إلى الليل البقرة: 187. وضرب آخر: الأثر الذي يترتب على الشيء من غير توقف على حصول جميع أجزائه، بل أثر المجموع كمجموع آثار الأجزاء، فكلما وجد جزء ترتب عليه من الأثر ما هو بحسبه، ولو وجد الجميع ترتب عليه كل الأثر المطلوب منه. قال تعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة البقرة:196 فإن هذا العدد يترتب الأثر على بعضه كما يترتب على كله. وينتج مما تقدم أن قوله تعالى:أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي يفيد أن المراد بالدين هو مجموع المعارف والأحكام المشرّعة، وقد أضيف إلى عددها اليوم شيء، وأن النعمة - أيا ما كانت _ أمر معنوي واحد، كأنّه كان ناقصاً غير ذي أثر فتمّمَ وترتّب عليه الأثر المتوقع منه. الميزان، المجلد الخامس، ص179-180.المترجم 5- يريد أن يقول إن صدر الآية حرمت عليكم الميتة والدم مترابط مع نهايتها - أو ذيلها بحسب تعبير الأقدميين - وهما يشكلان كلاماً تامّاً ووحدة نصّية لا تتوقف في التعبير عن تمام المعنى وإفادة المراد منها، على الجزء المعترض المتمثل بقوله تعالى:اليوم يئس الذين كفروا.. بحيث إذا حذفنا هذا الجزء لا يطرأ على السياق أي اضطراب، ولا يعتور المعنى نقص. ومثل ذلك تكرّر في آيات أخرى ذكرت محرّمات الطعام من دون الجزء المعترض هذا، كما هو الحال في سور الأنعام والنحل والبقرة، إذ نقرأ في البقرة مثلا إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله، فمن اضطُرَّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم البقرة 173 ومثله في سورتي الأنعام والنحل المترجم
السنّة النبويّة تنصّ على الإمامة  القرآن ينصّ على الإمامة  http://www.tebyan.net