الَشبَاب والسِياسَة

  وبعد أن تطورت الحياة , وقوي دور السلطة وسياستها في الحياة الإجتماعية والفردية , إزداد إرتباط الفرد والمجتمع بالدولة والسلطة إرتباطاً مصيرياً . وقد تسألون أعزاءنا الشباب عن سبب ذلك فنقول : إن الدولة في هذا العصر هي التي تتولى مسؤولية التربية والتعليم , وهي التي توجه الإعلام في أغلب الأحيان , وهي المسؤولة عن توفير الأمن العام وبسط النظام , وهي التي تتولى دفع عجلة الإقتصاد وحركة المال , وهي المعنية بالدرجة الأولى عن توفير الخدمات , وهي التي تقرر علاقة الأمة والشعب بالأمم والشعوب الأخرى حرباً او سلماً , تعاوناً أو مقاطعة , صداقةً أو عداءً . هذا هو الواقع ولا مفر منه . وأن سياسة اليوم لا تحكمها المبادئ الحقة وإنما تتحكم بها المصالح . فالسياسي لاعب في الساحة السياسية يقدّر مدى الخسارة أو المنفعة من كل علاقة يُقيمها مع الآخرين . وهكذا فإن مصير الفرد والجماعة , أضحى مرتبطاً إرتباطاً وثيقاً بالدولة وسياستها . وبهذا صارت السياسة جزء مهماً وخطيراً من حياة الفرد . وبالتالي صار المجتمع مهتماً بمسألة السياسة ونظام الحكم الذي يحكمه . لأنه يقرر مصير كل فرد في الدولة , ويتدخل بكل صغيرة وكبيرة من شؤون حياته , بل وحتى في آخرته . ومن هنا صار التركيز على الشباب في هذا الموضوع لأنهم الشريحة التي تتأثر أولاً بسياسة الدولة . فإذا أتخذت الحكومة قرار الحرب ترى الشباب أول المدعوين الى مطحنتها , والذي يزيدنا ألماً وأسفاً , أن يكون قرار الحرب ظالماً وجائرا . كما كان في عهد النظام البائد . وإذا فشلت الحكومة في وضع خطة إقتصادية ناجحة ترى آثارها تنعكس على الشباب حيث تتأثر المصانع وجميع آلات الإنتاج سلباً , فتنتشر البطالة فيما بينهم . وإذا فشلت الدولة في توفيرالأمن وحماية المواطن , ترى أول المتضررين الشباب لأنهم طاقة الحياة وسر حركتها , وفي ظل إنعدام الأمن تـتعطل حركة الحياة أو تصاب بالشلل . وهكذا في كل ميادين الحياة . لذا إعتبر الإسلام السياسة والعمل السياسي مسؤولية جماعية . قال رسول الله (ص) : ( كلكم وكلكم مسؤول عن رعيته ) (1) . وقال (ص) أيضاً : ( من أصبح لا يتهم بأمور المسلمين فليس منهم ) (2) . ومعناه أن الإسلام أقحم الفرد في أمر يهمه ويهم مجتمعه , ألا وهو العملية السياسية . لما لها من أثر فاعل ومؤثر في حياتنا جميعاً ,لأن السياسة في المفهوم الإسلامي تعني : رعاية شؤون الأمة وتأمين مصالحها . ولذلك نجد الصراع قائماً بين الشعوب وحكامها عندما يـتخلـفـون في أداء مسؤولياتهم , أو عندما يظلمون ويستبدون . وفي طليعة المهتمين بالعمل السياسي هم الشباب , وذلك لأسباب منها : 1 ــ إن الشاب يحمل طاقة جسدية وعنفواناً يؤهله للصراع والتحدي أكثر من غيره . وهذا ما رأيناه في إنتفاضة آذار 1991 م ( الإنتفاضة الشعبانية ) . 2 ــ إن العمل السياسي يستلزم العمل ضمن الجماعات السياسية . والشباب في هذه المرحلة يبحثون عن التعبير عن النزعة الجماعية فيهم, وهي الإنتظام مع الجماعة . فيدفعهم نحو العمل السياسي دافع غريزي . وهذا ما شهدناه في تجربة الإنتخابات البرلمانية في العراق مؤخراً . 3 ــ في مرحلة الشباب والمراهقة يتجه الأنسان الى التجديد والتغيير , لاسيما وأن العالم يتطور بسرعة هائلة من حوله وبخاصة في مجال التقنية والعلوم , فينخرط الشباب في العمل السياسي رغبة في التغيير والإصلاح , والإلتحاق بمظاهر التقدم الحضاري . 4 ــ في مرحلة الشباب يكون الطموح في إحتلال دور إجتماعي بارزاً جداً , وكذلك التعبير عن الإرادة , مما يدفع الشباب الى الدخول ضمن حركات وتيارات سياسية لإحتلال موقع إجتماعي مرموق . وقد أكدت بعض الدراسات في ألمانيا , أن هناك فروقاً بين الشباب الطلبة وغير الطلبة وبخاصة فيما يتعلق بالإهتمامات السياسية والآراء السياسية , كما أثبتت الدراسات أن ( 95 % ) من المشاركين في تظاهرات باريس عام 1968 م كانوا من الشباب الطلبة . و (5 % ) من غيرهم وهذا يؤكد أن الطلبة أكثر إهتماماً وتأثراً بالقضايا السياسية من غيرهم من الشباب . إلا أن هذه الدوافع والنوازع الذاتية هذبها الإسلام ووجهها الوجهة الصحيحة . لتصب في إتجاه المصلحة العامة , ولتتحرك جميعها وفق المنهج الإسلامي الإنساني , أي تتحرك في دائرة العبادة , وحفظ المصالح العامة , وخدمة الناس في خدمة مشروعة , وعدم الركون الى الظالم . قال تعالى : (( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار )) (3) . وفي الوقت الذي يدعو فيه الإسلام عامة الناس الى الإهتمام بالشان السياسي وعدم إهماله , يحذرهم من مغبة الإنتماء الى التيارات الفكرية المنحرفة , والأحزاب الضالة المضلة , تحت عناوين براقة كالحرية والتجديد والحداثه والتطور والى ما هنالك من إعلانات ضوئية صارخة تستهوي الشباب وغيرهم . وقد جعل الإسلام ردع الظالم في عهدة المجتمع وضمن مسؤوليته فقال رسول الله (ص) : ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه , أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ) (4) . وكم خسرت الأمة من شبابها عندما جرتهم إليها التيارات المنحرفة , وأستحوذت عليهم الأحزاب الضالة . وخدعتهم الدعوات الباطلة . وفي يومنا هذا كم من الشباب المغرر بهم يَنهون حياتهم بعملية إنتحارية يذهب ضحيتها العشرات من الأبرياء فيدخلون جهنم بقتلهم إخوانهم . أعزاءنا الشباب : إن الحديث عن الآخرة والجنة والقرب من رسول الله (ص) وتناول الغداء معه والوصول الى المقامات العالية والدخول في سجل الشهداء هو حديث ديني يتداوله عادة العلماء وأهله , وليس حديث الإقتصاديين ولا الجغرافيين أو الباعة المتجولين . إلا أنه فكرً منحرف جداً , لكون أدواته شيطانية بحتة . ولانه من إملاءات اللعبة السياسية القذرة التي تدار من وراء الكواليس , والهدف من هذا الفكر هو إيقاع الشباب في خداع النفس وحبائل الشيطان . وهو إنما ينسب الى الدين زوراً وبهتاناً . وبالتالي ماهو إلا عملية إصطياد المغفلين والفاشلين في الحياة للخروج منها بأخس الوسائل وأرذل الطرق . إنه إنتحار بإسم الدين وعلى حساب الدين والابرياء المؤمنين . إن الأمة بحاجة الى الشباب كل الشباب , لأنهم الطاقة التي تحرك كل مفاصل الحياة . ونحن اليوم نعيش نهضة سريعة على مختلف الأصعدة , فما أحوجنا الى دم الشباب الساخن , والى روحهم الفياضة بالعنفوان , ليدفعوا بالعملية السياسية الى الأمام , ويساهموا في تشخيص نوع النظام الذي يحكم الشعب , وينهض بمسؤولية الإرتقاء به الى مصاف الشعوب المتقدمة . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأنوار : 72 / 38 . (2) الفتاوى الميسرة ( السيد علي السيستاني ) : 380 . (3) هود : 113 . (4) ميزان الحكمة : 3 / 1945 . المصدر: الى الشباب من الجنسين - لمؤسسة الارشاد و التوجيه الديني النجف الاشرف و المحافظات . http://www.holykarbala.net