تاريخ نص القرآن

كتب مترجم : رحیم حمداوی بان القرآن يقوم بوصف وجرد دقيق للأحداث والوقائع التاريخية مرفقة بالتفاصيل وتحديد زمنها الدقيق كما يفعل المؤرخون. قبل إن نرد على الشبهات الواردة في هذا الفصل حري بنا إن نذكر بان القرآن ليس كتابا تاريخيا بأي حال من الأحوال. إن مسار ذكر الأحداث في القرآن له منحى خاص بحيث يتم ذكر الأحداث بصورة وجيزة دون الاهتمام بمسار الزمن – من وجهة نظر زمن حدوث الوقائع بشكل دقيق – أقول ذكر الأحداث بصورة كلية تتمحور حول عصر الأنبياء والشعوب. إن القرآن يهتم بالدوافع فيتطرق إلى الأمور في شكلها الكلي بحيث تؤدي إلى هداية البشر وتربيته وذلك بالتركيز على نتائجها المتضمنة العبر والمواعظ. لكي نضع النقاط على الحروف ونوضح الأمر نذكر هنا بعض النقاط التي تفرق بين كيفية التطرق إلى قضية التاريخ في القرآن ومثيلتها في كتب التاريخ. ألف)إن محور الحديث في الكتب التاريخية يتركز في الغالب على الشخصيات صاحبة القدرة والمتمكنة في عصرها كما ينصب الاهتمام على البحث في أحوال السلاطين والحكومات أو يتمحور الكلام حول مرور السنين أو الزمن.[1] أما التاريخ في القرآن يأخذ منحى آخرا حيث نرى انه يركز الكلام على أساس ظهور الأنبياء والشعوب التي ظهر الأنبياء بينهم. هذا وانه ذكر موضوعات حول كيفية خلق السماوات والأرض وآدم وحوا لكن لم نر قط بان القرآن جعل المحور الذي ينطلق منه في معالجة الأحداث , جعله يتبلور في شخصية السلاطين أو فردا خاصا إلا الأنبياء. إن القرآن يرنو إلى تحقيق أمرا خاصا عندما يتحدث عن الشعوب الأولى التي كانت تمتلك شريعة. لهذا يبدأ مسار القصة بذكر نبي العصر وهو النبي نوح ويقدم النبي ,كي يحدد بذلك المعيار والأساس للقيم والأصالة من منظاره للمخاطبين. ثم لو أراد التحدث عن الأحداث التي كان الشعب الثاني بطل الرواية فانه يجعل ثاني الأنبياء من أصحاب الشريعة محورا للبحث. لهذا يبدأ بالنبي إبراهيم ويأتي على ذكر الاحتجاجات والاعتراضات التي أبداها سواءا كان في وجه شعبه أم في وجه أكثر السلاطين قدرة في عصره وهو نمرود هذا ودون إن يذكر اسم نمرود.[2] ب)إن المؤرخين في كتاباتهم ابدوا إلحاحا وإصرار كبيرين على ذكر التفاصيل وان لا تفوتهم شاردة ولا واردة, فعدو لزاما عليهم بان ينظروا في الزوايا والفروع وان يدونوها, منها عام الميلاد والوفاة والاسم الدقيق والكامل وذكر الأمكنة الجغرافية وأسلوب بناء العمارات بحذافيرها وأين حدثت الواقعة ثم يدخلون في جوانب الحوارات التي دارت بين أبطال الحكايات والقصص. هذا فيما يتعلق بالكتب التاريخية أما في القرآن نرى إن القصة تذكر بصورة كلية وشاملة وذلك للعبرة والتعليم. اللهم إلاكانت هناك قضايا التي جاءت تفاصيلها بهدف التطرق إلى هدف خاص سواءا كان تربويا أو أخلاقيا أو الحكم العملي أو مستقبل العالم أو الكرة الأرضية أو القضايا العلمية أو ما شابه ذلك. على سبيل المثال ورود دعا إبراهيم (سورة إبراهيم 37) بهدف البحث عن عدة أهداف كـ الاهتمام بـ قضية الأخلاق أو أدب الحوار مع الخالق أو الدعوة إلى الصبر أو التمالك أو الشكر لنعمات الله وإطاعة فرامينه.[3] إن القيام بمقارنة بسيطة بين قصة إبراهيم المذكورة في العهد العتيق والتي وردت في القرآن تبين بوضوح كيفية تأريخ التاريخ (كتابة التاريخ) في القرآن. إن القرآن يهدف إلى ترسيم مسار فكري يتمحور حول الهداية والتربية. بينما تصب الكتب التاريخية التي دونها الإنسان, اهتمامها على تدوين التفاصيل التي يكن لها أهمية.[4] بناءا على ما فات إن القرآن وخلافا لأسلوب تأريخ التاريخ المتبع من قبل البشر لم يأخذ بعين الاعتبار القضايا التالية: سجل الأشخاص وأبطال القصص وغيرهم من الأشخاص أو تفاصيل القصص وعنصر الزمكان في ثوبه الدقيق سواءا تمثل ذلك العنصر في المكانة الجغرافية أو الوضع الاجتماعي والديني. بل انه ونادرا ما تطرق إلى المكان – وبشكل عابر -. ثم إن القرآن لم يتطرق إلى الأزمنة كما حدثت زمنيا وبالترتيب, هذا ولو أمعنا النظر لنشاهد هناك تأخر وتقدم في ذكر الوقائع. ج)ثمة فروق أخرى تميز الكتب التاريخية عن تأريخ التاريخ في القرآن وهي إن الكتب التاريخية تتطرق إلى نقل الأحداث والوقائع وتدوينها, لكن القرآن يؤرخ للقصص التي تسير في سبيل تحقيق هدفه وهو الهداية, بمعنى اجل أنها تهدف إلى إعطاء دروسا وعبرا وإثارة التفكير وذكر أصول الدين والسنن والأحكام الإلهية. النقطة الثانية في هذا المجال هي إن كتابة الأحداث تأتي مرفقة بالنتيجة. أما الأمر الثالث يتجلى في النقطة التالية وهي إن القرآن وفي كل مرة يأخذ جانب من القصة التي تتناسب مع الموضوع. على سبيل المثال في سورة الكهف عندما تطرق إلى الفتية الذين لجئوا إلى الكهف في تلك الحادثة الشهيرة ذكر مثلا يتضمن العبر. إن التطرق إلى تلك الأمور السالفة الذكر جاء متناسبا مع قصةالإنسان ومصيره حيث الرجوع إلى ربه. إطار المثل يتكون عبر حوار يجريه شخصان. الطرف الأول في القصة هو رجل متدين ينطق بالحكم. بينما الطرف الثاني وهو الشخص الذي يحمل اتجاهات مادية, ليس إلا متكبرا لا يعتقد بالحياة الأخروية.[5] جرت الحوارات تلك بهدف ترسيخ احد أهم الأصول في الشريعة الإسلامية وهي الإيمان بالقيامة. د) هناك أمر آخر يميز تأريخ التاريخ في الكتب التاريخية من مثيلتها في القرآن وهي إن الأولى لا تهتم بتحليل السلوك والدوافع والأحاديث. بينما في الثاني نرى انه يحلل الدوافع الشخصية والشعبية وحتى يقوم بنقدها ودراستها. لان وكما يرى الكثير من الباحثين[6] إن المؤرخ نفسه يصبح جزءا من التاريخ وان التاريخ يدون عندما يكتمل إطار فهم المؤرخ عن الماضي ويستوعبه بشكل دقيق بواسطة رؤيته المكتسبة من حاضره. أضف إلى هذا إن المؤرخ هو نفسه يعد جزءا من النسيج الاجتماعي والتاريخي وعليه إن فكر المؤرخ كباقي الناس يتكون في الظروف الزمكانية. بيد إن الروايات التاريخية في القرآن كما يرى المسلمون ليست إلا حديث الله خالق الإنسان ومكون الظروف المتغيرة الزمكانية للإنسان.[7] هـ)إن أسلوب الكتابة يعد من أهم الفروق في كتابة القصص. إن المؤرخين يدونون فصلا وينهون سطوره ثم يتطرقون إلى الفصل اللاحق. لكن القرآن ووفقا للهدف المتابع, يذكر القصص في مختلف السور. إن قصة النبي موسى وبني إسرائيل وإبراهيم وآدم وحوا ذكرت في أجزاء مختلفة, بحيث إن القارئ لا بد إن يجمع الفصول المختلفة بغية الحصول على القصة كاملة ويرتبها ترتيبا كي يتعرف على القصة. غني عن البيان إن هذا الأسلوب القرآني وبهدف مراعاته للموضوع فانه يهتم بموضوع الحديث أو قل جزءا منه. القرآن يذكر موضوع أو موضوعات في كل مرة بحيث تتناسب مع الرسالة المراد نقلها. إن أسلوب التبيين في القصص التاريخية في القرآن تتبع المسار التالي بحيث تبدأ بنوع من الاختصار ثم يوضح الموضوعات المبهمة والأسئلة التي تبادر إلى الذهن. إن إلقاء نظرة على سورة طه يوضح ما أسلفنا ذكره جليا: إن رسالة السورة في البداية التي تشكل إطارا لموضوع الحديث هي: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (طه, 2) قال بعضهم: قد يوضع الشقاء موضع التعب، نحو: شقيت في كذا، وكل شقاوة تعب، وليس كل تعب شقاوة،[8] فالتعب أعم من الشقاوة.فالشقاء في الآية ليس التهجد والعبادة على حد اعتقاد بعض المفسرين.[9] لان عبادة النبي ولو كانت كثيرة جدا فإنها تعد أمرا حسنا له ولا تسبب التعب والصعوبة في الحياة, بحيث ينهاه القرآن من هذا العمل. لهذا يبدو إن التعب والصعوبة يدلان على برهة من حياة النبي التي عاش المسلمون فيها في عزلة لشهور بل لسنوات.إن الحد الأقصى في تحمل التعب والصعوبة في الحياة تجلت في برهة كان من خلالها النبي والمسلمون محرومين من ابسط مقومات الحياة وليست لديهم قدرة, اعني عندما كانوا يعيشون في شعب أبي طالب. في الجانب الآخر جمعت قريش كل قواها ضدهم وفرضت عليهم حصارا اقتصاديا وعقوبات اجتماعية.[10] لهذا فان سورة طه تعرب عن تعاطفها مع النبي وتستخدم لغة لينة عند التحدث إلى النبي وأصحابه وبعد ذكر مقدمة وجيزة تتطرق إلى جزء من قصة موسى (ع). القصة في جزء منها تتحدث عن صبر النبي موسى في مواجهة الصعوبات والمشاكل والحرمان الاجتماعي والاقتصادي الذي انتهى بانتصاره على فرعون. إن المقدمة تتضمن كلام القرآن الذي يكتسب طابع الوعظ كما يتم التطرق إلى نزوله التدريجي من جانب الله. لهذا يشار إلى قدرة الخالق وخلقته ثم يبين شعار المدرسة التوحيدية في الإسلام وهو: " اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى". ثم وبعد هذه المقدمة ينتقل الحديث صوب قصة النبي موسى التي تتضمنحكايته حينما تاه في الجبال وذلك من الاية رقم 9 حتى رقم 98. القرآن يتحدث عن الصعوبات التي تحملها هو واسرته الكريمة ومن ثم بعث نبيا. في أثناء ذكر هذا الحديث ولمواساة النبي موسى يذكره الله بأنني اصطفيتك لأداء رسالة هامة إن أداءها فيه من المشاكل الكثيرة, احذر إن لا يمنعك أعمال الكافرين الأعداء من القيام بالواجب أو يثبطوا عزيمتك. وبعدها يجهز موسى بورقة الاعتماد (وهي العصا واليد البيضاء) ثم يلبي حاجات موسى كافة بلطف وحنان ثم وبهدف تسلية موسى يعود به إلى الماضي عندما قذفته أمه في التابوت حتى رجوعه إلى أحضان أمه. إن هذا التذكار جاء بسبب وقوع الأحداث نفسها. إن القرآن يذكر بان سبب الفراق والمصائب هي إلقاء محبة موسى في قلب فرعون بحيث تسنح الفرصة لتنظيم أمور موسى بإشراف من الخالق(37 -46). ثم عاد ثانية إلى قصة موسى بعدما بعث موسى رسولا وتحمل ما تحمله من المشاكل والمتاعب فسار بعباد الله حتى ضرب لهم طريقا في البحر يبسا. ثم لا تنتهي قصة متاعب النبي موسى بل يذكر بما آل إليه أصحابه بعد الوصول إلى بر الأمان وكيف أضلهم ألسامري في غيابه. (47 -98).وأخيرا وبعدما انتهت فصول هذه القصة ينتقل إلى النتيجة ويتحدث عن الرسالة الأولى في السورة بشكل أكثر تفصيلا. (99- 114). بعدما يتطرق الى هذا النموذج التاريخي ينتقل بالحديث عن مثال آخر. فيرجع الى الماضي البعيد فيتحدث عن بداية خلقة الانسان فيشير الى انه عندما اراد الملائكة ان يسجدوا اعلن الشيطان عن عداوته مع الانسان بصورة جلية. ان هذه العبارات تبدا بتحذير يتضمن التعب والمشقة لو انصاع الى مطالب الشيطان. (115 – 119). ما نستنتجه هنا هو إن كلمة "تشقي" كانت قد استخدمت في بداية الخلقة عندما خوطب آدم. إن قضية هبوطهما في فخ وسوسة الشيطان وعصيان آدم ربه ثم توبته وهبوطه منها, جاءت كـ نتيجة لتلك القصة. (120 – 123). يذكر إن قضية وسوسة الشيطان والهبوط والتعب والشقاوة اللاحق بالإنسان وإقامة نظام يبتني على الامتحان والابتلاء في الأرض, أقول, التطرق إلى هذه القضايا بحذافيرها لم يأت في سورة البقرة. لهذا ورد هذا الجزء من قصة آدم وحوا متناسبا مع موضوع سورة طه بالتفصيل. إن القرآن في سورة "طه" وبعدما يتطرق إلى قصة الشعوب الغابرة يأتي بنتيجة بغية تسلية النبي. (124 – 135). وفي نهاية الأمر يبلغ رسالة الصبر والانتصار إلى النبي بهذه العبارات: " فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ و... وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى" (130 – 132). بناءا على ما فات فانه عند الحديث عن تأريخ التاريخ في النص لا يمكن اعتبار القرآن كـ باقي النصوص التاريخية والسبب انه لا يمكن اعتبار القرآن كتابا تاريخيا. أشار المؤلف إلى هذا بنفسه عندما قال: إن بلاشير وفي الطبعة الأولى للكتاب قام بترتيب السور وكما يدعي على حسب الترتيب الزمني لكن وفي الطبعة الثانية عاد إلى ترتيبها زمنيا كما السابق (كان بلاشير قد اخرج الطبعة الثانية لمخاطبة جمهور واسع لكن وقد يكون انتبه إلى الأمر وذلك بعد تعرفه على مؤلف "بل" فيذهب إلى استحالة ترتيب القرآن بحسب النزول لأنه لا يوفر ترتيبا دقيقا وموضوعيا). جدير بالذكر بان المؤلف أشار إلى مختلف المناهج المتبعة في تأريخ التاريخ في السور القرآنية عند الغربيين. وانه لم يخرج بنتيجة في أي من تلك المناهج. إن المعايير المتبعة في المراحل الأربعة عند مدرسة "المراحل الأربعة", هي كالتالي: تعيين زمن نزول السور وتحديد ميزات كـ الشاعرية والتقارب بين النص والنثر وتضمنه عبارات القسم المستخدمة عند الكهنة. هذا الأسلوب المتبع في دراسة القرآن لا يمكن اعتباره إلا كلاما مغرضا لا يستحق النقد. ننوه هنا إلى انه لو قضت الحاجة إلى تحديد زمن نزول الآيات بصورة إجمالية فان أفضل الأساليب هي الاهتمام بالرسالة المراد إيصالها في السورة. إن السور القصيرة تهتم بالصلاة وتركز على تعليم أصول الشريعة الإسلامية. (الرسالة والتوحيد والمعاد). وإنها في الغالب تعتبر سور مكية. أما السور الطويلة فإنها تتضمن أحكام الجهاد والصيام ومواجهة اليهود و... وإنها نزلت في المدينة أي أنها مدنية.انه لأمر طبيعي بان يستخدم القرآن وفي بداية الدعوة لغة تستقطب الناس ويكون فيها الكثير من الجاذبية. فلو استخدم العبارات الطويلة فلم يكن باستطاعة المشركين إن يستوعبوا الكلام وعليه لم يستمعوا إليه. فضلا عن هذا فان هناك الكثير من الآيات نزلت بعد إبلاغ السورة وان النبي أمر بان يضعوا هذه الآية أو تلك في سورة ما. هناك شاهد حي في هذا المجال في القرآن وهو نزول الآيات رقم 185 – 186 من سورة البقرة التي كتبت بعد الآيات رقم 184 -183 بينما هناك عام من الزمن يفصل بين نزول تلك الآيات كما تمت كتابة الآية رقم 187 بعد الآية رقم 186 بعد مرور سنتين.[11] لهذا أقول إن الحديث عن تأريخ تأريخ السور لا يجدي نفعا. 2.إن الكاتب يدعي بان العلماء المسلمين ذهبوا إلى قضية الناسخ والنسخ بدلا من الاهتمام إلى التناقض الموجود في النص القرآني بغية معالجة عدم التناسق الحاصل عند الأحكام العملية الموجودة في النص. منهايشير إلى نسخ آية جواز شرب الخمر!.[12] نقد: ألف – تحدثنا حول النسخ في السطور الماضية فمن المفيد بان ننوه بان النسخ له شروط عند علماء المسلمين منها إن الآية التي تنسخ الأخرى لا بد إن تكون شبيهة لها ولا تعارضها ولا تنافيها لان التعارض والتنافي ليس له محل في الآيات القرآنية كما يرى المسلمون.[13] ب- ندرس هنا المطالب التي اهتم بها كاتبنا. لم ير غالبية العلماء المسلمين بان هناك نسخا حدث حول قضية الخمر في القرآن. النقطة الأولى إن الكاتب عند الحديث عن نسخ الآية التي تتحدث عن شرب الخمر والقول بأنها جائزة لا يأتي بأي دليل ومستمسك لإثبات ادعاءه.انه يقول إن الآية 106 من سورة البقرة تتحدث عن تلك الآية. وانه لا يوجد لها أثرا بعدما نسخت. إن هذا القول لا يستند إلى دليل فلهذا لم يكن له أساس وهو عار من الصحة. فضلا عن هذا وخلافا لادعائه هناك أدلة واضحة وردت في بعض الروايات التاريخية نتطرق إليها فيما يلي: اشرنا فيما سبق بان القرآن نزل دفعة واحدة على النبي لكن كان النبي يبلغه إلى الناس عندما كانت تقتضي الضرورة وحسب الحاجة أو عندما كان يوحى إليه أو تتلى بعض الآيات. إن الآيات التي نزلت وتتحدث عن حرمة شرب الخمر والميسر لم تكن تتلى على الناس في مكة. منها الآية المذكورة آنفا والآية رقم 43 من سورة النساء والآيات رقم 93 و94 من سورة المائدة التي سنأتي على شرحها لكن النبي نهى الناس بأمر شخصي وكـ سنة دينية, نهاهم عنالخمر والميسر وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ والكثير من المحرمات التي نجدها في إطار الآيات المدنية. قيل بان ميمون بن قيس وأعشى بن بكر أعدا قصيدة في مدح الرسول وتوجها إلى المدينة ليعلنا الإسلام إن قريش عرفوا الأمرفلما توجه الأعشى إلى المدينة ليسلم لقيه بعض المشركين في الطريق وقاموا بذم النبي ودين الإسلام رفض أعشى أقوالهم وعقد العزم على الذهاب إلى المدينة واعتناق الإسلام فقالوا انه ينهى عن الزنا فقال هو فحش وقبيح في العقل وقد صرت شيخا فلا احتاج إليه فقال انه يحرم الميسر فقال أنا لم اجن ثمارا منه. فقال انه ينهى عن شرب الخمر فقال أما هذا لا اصبر عيه فرجع وقال لكنّي منصرف فاتروى منها عامي هذا ، ثم آتيه فاُسلم ، فانصرف فمات في عامه هذا.[14] هذه القصة وكما يقول بعض المفسرين تدل على إن الله حرم شرب الخمر والميسرة في مكة قبل الهجرة.[15] انه يكتب كان الناس وبسبب هذه الأرضية العقلية يسالون عن الخمر والميسرة وكان الرسول يجيبهم بـ لا. انه كان يرفض شرب الخمر حتى أبلغت إليه هذه الآية وبإشارة من الوحي. فنهى الناس ضمنيا – أي بدون إن يصرح بذلك تصريحا – من شرب الخمر والميسر حتى قرأ على مسامعهم أية من القرآن تعد كالوثيقة. يقول "بهبودي" بان هذه الآية تصرح بان شرب الخمر و الميسر يسبب ارتكاب إثم "قول الزور". انه إثم كبير صحيح إن فيهاَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ لكن إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا. أما من وجهة نظر علمية دقيقة وبالنظر إلى أسلوب القرآن وكما تفيد هذه الآية إن المؤمن لا بد إن يبتعد كل البعد عن شرب الخمر و الميسر لان فيهما إثم كبير. هذه العبارة هي مصطلح يستخدمها القرآن ليسمي المؤمن الذي يشرب الخمر والميسر. صحيح إن فيهما من المنافع لكن القرآن يصرح مباشرة بعد ذكر المنافع. ،بان الإثم والشر فيها اكبر بكثير من المنافع البسيطة القليلة بها ثم من الطبيعي بان ارتكاب ما يعد من منظار القرآن إثم هو أمر خاطئ وليس بصحيح. نعم إن الأمر لم يسر على هذا المنوال بأنه يتم تحريم الخمر والميسر شيئا فشيئا بل إن النبي وفق هذه الآيات لكن إن النبي نهى عن شرب الخمر والميسر التي تحولت إلى سنة. انه يستطرد قائلا: قد يكون من يشك في الأمر لكن الآيات التي نزلت في مكة وحرمت الإثم وبالذات كبائر الإثم وإثم الباطن يدل على حرمة شرب الخمر لان الآية تقول فيهما إثم كبير صحيح إن رسول الله لم يترك سنته ويربطها بنزول الآيات تلك.[16] ج- هناك الكثير من العلماء[17] يعتقدون بأنه لم يقع نسخا في هذه الموضوع. أنهم يستندون إلى هذه الآية في قولهم: لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى (النساء 43). فإنها لا تدل أبدا بجواز شرب الخمر عند عدم القيام بالصلاة كي يتم نسخها بآية تحريم الخمر. أضف إلى هذا إن القصد من السكر في هذه الآية هو انه السكر الذي يطيح بالعقل ويسبب الغفلة. فانه يبطل الصلاة مهما كان الأمر. فوجب على كل مكلف بان يصلي في مثل هذه الحالة, انه حكم ثابت ولا يتغير أبدا. إن البعض يركز على هذه النقطة بالذات بان عبارة لا تقربوا تعني التحريم. إن القصد هو السكر الغير حاصل عن طريق شرب الخمربل انه السكر الذي يقابل الوعي والانتباه. فإذا فقد الشخص المؤمن وعيه – سواءا كان بسبب شرب الخمر أو استعمال الحشيش وتعرضه لحالة الإغماء أو النوم أو الصرع – ففي مثل هذه الحالة يحرم عليه أداء الصلاة. إن الإنسان يفقد طهارته بسبب تعرضه لأي من تلك الأسباب. إن الآية تضع معيارا للخروج من حالة السكر وهو: " حتى تعلموا ما تقولون". بمعنى انه لو عاد وعي الشخص ثانية بعد السكر بحيث استوعب ما يريد قوله وأدرك حالته العقلية فصلى و قام بمناجاة الله فعندئذ يجيز له الصلاة.[18] انه يضيف قائلا: انه كان بإمكان القرآن إن يعبر عن الوعي بعبارات كانت معروفة في الثقافة العربية آنذاك ويقول: حتى تصحوا لكنه القرآن أبى إن يستخدم هذه العبارة وأجاز الصلاة بعبارة: حتى تعلموا ما تقولون هذه يعني إن حقيقة الصلاة هي الحضور الذهني وان يشعر الشخص بأنه أمام الخالق ويحمده بأحاسيسه وإرادته. انه يتفوه بكلمات وهو يعلم ما يقول. في الواقع يريد إن يقول بأنه لو انضم الشخص إلى صفوف المصلين دون وعي فانه يفقد حقيقة الصلاة ولا يحصل بذلك تقريب إلى الله.[19]   [1] . ابو‌يعقوب، تاريخ يعقوبي، 1؛ طبري، تاريخ الأمم و الملوک، 1. [2] . البقرة، 258. [3] . على سبيل المثال انظر: القصص، 30 و 44 و 46؛ طه، 80؛ مريم، 28 و للمزيد راجع الطبرسي، مجمع البيان، 3/ 511؛ الرازي، تفسير فخر رازي، 13/ 73؛ الکتاب مقدس، الخروج، الـ 15، 20؛ ارشيا، الـ 8، 3؛ بهبودي، تدبري در قرآن، 2/ 214. [4] . سفر الخلقة، باب الـ 5 حتى الـ 11. [5] . الکهف، 32- 44. [6] . ايتش کار، تاريخ چيست، 65، 67، 70، 75. [7] . على سبيل المثال: انظر اعمال المشركين وتحليل دوافعهم في الأنعام، 109- 113 و الإسراء، 89- 95. [8] . الراغب، معجم مفردات الفاظ القرآن، 271.   [9] . الرازي، تفسير رازي، 13/ 129؛ الطبرسي، مجمع البيان، 4/ 2. [10] . البيهقي، السنن الکبري، 6/ 366. [11] . ابو‌داوود السجستاني، سنن ابي‌داوود، 1/ 182؛ الترمذي، سنن الترمذي، 4/ 337؛ حاکم النيشابوري، المستدرک علي الصحيحين، 2/ 221 و 330؛ البيهقي، السنن الکبري، 2/ 42؛ النسائي، السنن الکبري، 5/ 10. [12] . بهبودي، تدبري در قرآن، 2/ 105- 114. [13] . الخويي، البيان، فصل کيفية نسخ. [14] . ابن‌هشام، سيرة‌النبي، 1/ 7. [15] . بهبودي، تدبري در قرآن، 1/ 146. [16] . المصدر نفسه، 145- 146. [17] . الخويي، البيان، فصل نسخ. [18] . بهبودي، "محکم و متشابه"، معارف قرآني، 19- 20. [19] .المصدر نفسه.   مترجم : رحیم حمداوی