في رحاب سورة التكاثر

بسم الله الرحمن الرحيم ( أَلْهَاكُمُ التّكَاثُرُ«1» حَتّى‏ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ«2» كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ«3» ثُمّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ«4» كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ«5» لَتَرَوُنّ الْجَحِيمَ«6» ثُمّ لَتَرَوُنّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ«7» ثُمّ لَتُسْأَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ«8»). تمهيد: رغم أن المصاحف التي يتداولها المسلمون في ديارهم تؤكد غالباً أن سورة التكاثر المباركة هي سورة نزلت في مكة المكرمة ، وحتى الكثير من التفاسير تتبنى ذلك إلاّ أن الآثار الشريفة الواردة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وأئمة المسلمين ـ عليهم السلام ـ وصحابة النبي الصالحين رضوان الله عليهم تؤكد في الأعم الأغلب أن السورة نزلت في المدينة المنورة. فمن الآثار التي تؤكد نزولها في المدينة ، ما يلي: (قيل نزلت السورة في اليهود ، قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ألهاهم ذلك حتّى ماتوا ضلاًلاً .. عن قتادة . وقيل نزلت في فخذ من الأنصار تفاخروا ـ عن أبي بريدة. وقيل نزلت في حيين من قريش : بني عبد مناف بن قصي وبني سهم بن عمرو تكاثروا، وعدوا أشرافهم، فكثرهم بنو عبد مناف، ثم قالوا نعد موتانا حتّى زاروا القبور، فعدوهم، وقالوا هذا قبر فلان، وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم لأنهم كانوا أكثر عدداً في الجاهلية عن مقاتل والكلبي)(1). ويبدو أن المصاحف، وبعض المفسرين قد دأبوا على وضع هذه السورة في عداد السور المكية نتيجة لتطبيق المواصفات العامة للسور المكية عليها من ناحية قصر السورة والآيات وجزالة الألفاظ ، وما إليها من مواصفات ثبتها العلماء في دراساتهم (2). إلاّ أن الآثار المعتبرة التي تتوفر بين أيدينا تميل بنا إلى اعتبارها (مدنية)، (3) كما لا حظنا قبل قليل. الأهداف العامة لسورة التكاثر: من أبرز أهداف هذه السورة ذات الآيات الثماني ، أنها تندد بحالة اتخاذ الحياة الدنيا هدفاً بذاتها والتكاثر بزخارفها الزائلة من مال وأولاد ، وسلطان ، وقوة مادية وما إليها، والاستغراق بالتعلق بمتاعها المحدود ، وعرضها الذاهب. إن هذه السورة الكريمة الجليلة ، تحمل دعوة صريحة مدوية للسادرين في غيهم ، التائهين عن درب الحق ، المخدوعين بالمظاهر الزائفة ، أن يستيقظوا من غفلتهم ، وأن يفتحوا عيونهم التي يشدها النوم عن رؤية الواقع ليتذكروا أن الدنيا شوط قصير ينتهي إلى الآخرة ، التي هي الحياة الباقية التي سيؤول إليها العباد ، حيث سينال الغافلون السادرون في غيهم ، عذاب الجحيم ، فيغمرهم الذل والخسران إذا لا ينفع يومذاك مال، ولا والدان، ولاسلطان، ولا قوة ... حيث تعقد محكمة العدل الإلهي جلساتها لتسأل العباد عن كلّ نعمة شغلوا بها عن الله عزّوجلّ ، سواء أكانت نعمة مادية أو معنوية... إنها دعوة مفتوحة صريحة للتائهين لكي يعودوا إلى رشدهم ، ويؤوبوا إلى الله ربهم تبارك وتعالى. تفسير الآيات : (ألهاكم التكاثر) : أي شغلكم عن طاعة الله عزّوجلّ وعن ذكر الآخرة التكاثر بالأموال والأولاد ، والتفاخر بكثرتها(4). واللهو: ما يشغل الإنسان عما هو أهم لأمره ، ومصاديق ما يتكاثر به الإنسان الساهي الغافل عن الله تعالى كثيرة جداً ، فقد يتكاثر الإنسان ويتباهى ويتفاخر بالمال أو الجاه أو رجال العشيرة أو حزبه أو قومه أو أولاده أو ما إلى ذلك من عدة الحياة الدنيا. ومن هنا ، فإننا نجد أن الآية تفسرها النصوص الشريفة بعدد من هذه المصاديق وليس بمصداق واحد ، من قبيل ما رواه قتادة عن مطرف بن عبدالله بن الشخير عن أبيه، قال: انتهيت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو يقول: (ألهيكم التكاثر) قال: يقول ابن آدم مالي مالي، ومالك إلاّ ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت" أورده مسلم في الصحيح(5). ويقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ حول مفهوم التكاثر في السورة ما يلي : ((التكاثر لهو وشغل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير))(6). وقد روي في معنى الآية، أنها جاءت رداً على تكثر اليهود وتفاخرهم بعدد رجالهم وأشرافهم، حيث قالوا: نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان(7). وقد ذكر بعض من المفسرين أنها جاءت رداً على تكاثر وتباري بني عبد مناف وبني سهم في عدد رجالهم، فكثرهم بنو عبد مناف (8). فنزلت السورة تندد بهذا الاتجاه الغافل البليد. وهكذا ، فأن الانشغال بالتكاثر بزينة الدنيا عن الله عزّوجلّ والحياة الباقية هو المحور المركزي للهجوم والتنديد. (... حتّى زرتم المقابر): أي شغلكم التكاثر والتباري بعدة الحياة الدنيا حتّى فاجأكم الموت ووسدتم الثرى في مقابركم، كما هو عن الحسن البصري وقتادة. ومن اعتمد من المفسرين على الرواية القائلة بنزولها في تفاخر بني عبد مناف وبني سهم في رجالهم وأشرافهم، حتّى ذهبوا إلى المقابر يعدون قبور موتاهم ... من اعتمد هذه الرواية قال: حتّى زرتم المقابر لعد الموتى والتفاخر بهم (9). لقد قرأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ (ألهاكم التكاثر حتّى زرتم المقابر) فقال ـ عليه السلام ـ معلقاً على مدلولها بكلمات تقطر حكمة ويقيناً ودلالة: ((يا له مراماً ما أبعده(10) وزوراً ما أغفله. وخطراً ما أفظعه. لقد استخلوا منهم أي مدكر(11) وتناوشوهم من مكان بعيد أبمصارع آبائهم يفخرون أم بعديد الهلكى يتكاثرون يرتجعون منهم أجساداً خوت(12) وحركات سكنت ولأن يكونوا عبراً أحق من أن يكونوا مفتخراً ولأن يهبطوا بهم جناب ذلة أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزة(13) لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة (14) وضربوا منهم في غمرة جهالة. ولو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية(15) والربوع الخالية لقالت ذهبوا في الأرض ضلالاً وذهبتم في أعقابهم جهّالاً تطأون في هامهم(16) وتستثبتون في أجسادهم وترتعون فيما لفظوا ، وتسكنون فيما خربوا وإنّما الأيام بينكم وبينهم بواك ونوائح عليكم)) (17). (كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون) : كلاّ حرف تستعلمه العرب للردع ، أي ليس كما تذهبون ـ أيها الغافلون ، المتكاثرون بزخرف الحياة الدنيا، فسوف تعلمون عاقبة تباهيكم وتفاخركم، وكبريائكم إذا نزل بكم الموت إذ ترون عذاب القبر، وعذاب الحشر معاً كما ورد عن علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ (18). ويقول الحسن البصري ومقاتل : أنّه وعيد بعد وعيد... وهو كذلك فهو تحذير من مغبة أعمالهم وسوء أفعالهم ، وهذا التكرار يشكل تهديداً مؤكداً من جبار علي كبيرٍ لا يفوته هارب ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، أنّه الله العزيز الجبار ذو القوة ، الفعال لما يريد ، الذي يرجع الخلق إليه كله. (كلا لو تعلمون علم اليقين) : لو تعلمون الحقيقة علماً يقينياً لشغلكم يقينكم بالله تعالى واليوم الآخر عن التفاخر والتباهي. والمراد بعلم اليقين، هوالعلم الذي يثلج الصدر، ويملأ النفس رضا وقناعة بعد اضطراب الشك فيها. (لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين): الرؤية الأولى لجهنم تكون قبل القيامة، حيث تعرض للمجرمين. أما الرؤية الثانية ، فهي دخول المجرمين النار مباشرة ، حيث يرونها بالمشاهدة الحسية ، محض اليقين، بعد أن يذوقوا العذاب ويحسوا بالخسران والمذلة، وعين اليقين هو محض اليقين. (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم): والآية تؤكد أن العباد يسألون يوم القيامة عن مطلق النعمة التي أنعمها الله عزّوجلّ عليهم ، فكل ما يصدق عليه أنّه نعمة على الإنسان يسأل الله تعالى الإنسان عن شكره لله تعالى عليها وعدم كفره سواء أكانت هذه النعمة مادية أو معنوية... صحيح أن الله عزّوجلّ لا يمن على عباده يما يعطيهم، لأنه أكرم وأجل من أن يعطي نعمة ثم يمن بها على عباده ، ولكنه جل وعلا لا يرضى لعباده أن يكفروا النعمة ، وينفقوها فيما لا يرضى به الله عزّوجلّ... وقد كثر الحديث حول (النعيم) الذي يسأل عنه العباد ، وكل ذلك من باب تعداد المصاديق . فقد قال قتادة : إن الله سائل كلّ ذي نعمة عما أنعم عليه. وقال سعيد بن جبير (رضي الله عنه) : النعيم المأكل والمشرب وغيرهما من الملاذ. وقال عكرمة : هو الصحة والفراغ ، وقد ورد عن ابن عباس عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قوله : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ... وقالوا : النعيم هو الأمن والصحة ، قال ذلك عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) ومجاهد، وروي في معناه عن الإمام محمّد بن علي الباقر وولده جعفر بن محمّد الصادق ـ عليه السلام ـ . وورد في السنة النبوية الشريفة ، أن بعض الصحابة أضافوا النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فوجدوا عنده تمراً وماء بارداً ، فأكلوا ، فلما خرجوا قال ـ صلى الله عليه وآله ـ : هذا من النعيم الذي تسألون عنه(19). وورد عن بعض أئمة المسلمين : إن النعيم هو النبي وأهل بيته الطاهرون ـ عليهم السلام ـ وحول ذلك جرى حوار دال ممتع بين الإمام جعفر بن محمّد الصادق ـ عليه السلام ـ والإمام النعمان بن ثابت (أبو حنيفة) ، وكانا قد عاشا في فترة واحدة ـ وهذا نصه: "سأل أبو حنيفة أبا عبدالله ـ عليه السلام ـ عن هذه الآية ، فقال له :(( ما النعيم عندك يا نعمان)) قال : القوت من الطعام والماء البارد فقال : ((لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه)) قال : فما النعيم جعلت فداك قال : ((نحن أهل البيت، النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألف الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداء، بنا هداهم الله للإسلام، وهي النعمة التي لا تنقطع، والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وعترته))(20). وفي هذا المضمون وردت عدة آثار عن أئمة المسلمين ـ عليه السلام ـ نذكر منها : عن محمّد بن يعقوب بإسناده عن أبي حمزة قال : كنا عند أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ جماعة فدعا بطعام ما لنا عهد بمثله لذاذة وطيباً وأتينا بتمر ننظر فيه أوجهنا من صفائه وحسنه، فقال رجل : لتسئلن عن هذا النعيم الذي تنعمتم به عند ابن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، فقال أبو عبدالله ـ عليه السلام ـ ((إن الله عزّوجلّ أكرم وأجل أن يطعمكم طعاماً فيسوغكموه ثم يسألكم عنه ، ولكن يسألكم عما أنعم به عليكم بمحمد ـ صلى الله عليه وآله ـ وبآل محمّد عليهم السلام )) (21). ـ وعن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على أبي جعفر ـ عليه السلام ـ فدعا بالغداء فأكلت معه طعاماً ما أكلت طعاماً قط أطيب منه ولا أنظف ، فلما فرغنا من الطعام قال : ((يا أبا خالد كيف رأيت طعامك)) أو قال ((طعامنا)) ، قلت : جعلت فداك ما رأيت أطيب منه قط ولا أنظف ولكني ذكرت الآية في كتاب الله عزّوجلّ (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال أبو جعفر ـ عليه السلام ـ : ((إنّما يسئلكم عما أنتم عليه من الحق))(22). وهكذا يكون النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وأهل بيته ـ عليهم السلام ـ والقرآن الكريم والشريعة ، والهدى إلى الحق وأمثال ذلك من معالم الحق أهم مصاديق النعمة التي يسأل عنها العباد يوم القيامة. فمن ضيع القرآن الكريم ، فهو مسؤول عن ذلك . ومن كفر شيئاً من الحق والفرائض ، فهو مسؤول. ومن ضيع حق النبي وأهل بيته ، فهو مسؤول. ومن ضيع حق الصحابة الأخيار فهو مسؤول. والعاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين. المصادر التي استفدنا منها: 1 ـ القرآن الكريم. 2 ـ الميزان في تفسير القرآن ـ العلامة السيد محمّد حسين الطباطبائي (رضوان الله عليه). 3 ـ الكشاف ـ للعلامة الزمخشري. 4 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للشيخ أبي علي الطبرسي. 5 ـ تفسير نور الثقلين ـ للمحدث عبد علي جمعة العروسي. 6 ـ في ظلال القرآن ـ سيد قطب. 7 ـ تفسير شبر ـ سيد عبد الله شبر. 8 ـ علوم القرآن لسماحة السيد محمّد باقر الحكيم. ـــــبسم الله الرحمن الرحيم ( أَلْهَاكُمُ التّكَاثُرُ«1» حَتّى‏ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ«2» كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ«3» ثُمّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ«4» كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ«5» لَتَرَوُنّ الْجَحِيمَ«6» ثُمّ لَتَرَوُنّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ«7» ثُمّ لَتُسْأَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ«8»). تمهيد: رغم أن المصاحف التي يتداولها المسلمون في ديارهم تؤكد غالباً أن سورة التكاثر المباركة هي سورة نزلت في مكة المكرمة ، وحتى الكثير من التفاسير تتبنى ذلك إلاّ أن الآثار الشريفة الواردة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وأئمة المسلمين ـ عليهم السلام ـ وصحابة النبي الصالحين رضوان الله عليهم تؤكد في الأعم الأغلب أن السورة نزلت في المدينة المنورة. فمن الآثار التي تؤكد نزولها في المدينة ، ما يلي: (قيل نزلت السورة في اليهود ، قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ألهاهم ذلك حتّى ماتوا ضلاًلاً .. عن قتادة . وقيل نزلت في فخذ من الأنصار تفاخروا ـ عن أبي بريدة. وقيل نزلت في حيين من قريش : بني عبد مناف بن قصي وبني سهم بن عمرو تكاثروا، وعدوا أشرافهم، فكثرهم بنو عبد مناف، ثم قالوا نعد موتانا حتّى زاروا القبور، فعدوهم، وقالوا هذا قبر فلان، وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم لأنهم كانوا أكثر عدداً في الجاهلية عن مقاتل والكلبي)(1). ويبدو أن المصاحف، وبعض المفسرين قد دأبوا على وضع هذه السورة في عداد السور المكية نتيجة لتطبيق المواصفات العامة للسور المكية عليها من ناحية قصر السورة والآيات وجزالة الألفاظ ، وما إليها من مواصفات ثبتها العلماء في دراساتهم (2). إلاّ أن الآثار المعتبرة التي تتوفر بين أيدينا تميل بنا إلى اعتبارها (مدنية)، (3) كما لا حظنا قبل قليل. الأهداف العامة لسورة التكاثر: من أبرز أهداف هذه السورة ذات الآيات الثماني ، أنها تندد بحالة اتخاذ الحياة الدنيا هدفاً بذاتها والتكاثر بزخارفها الزائلة من مال وأولاد ، وسلطان ، وقوة مادية وما إليها، والاستغراق بالتعلق بمتاعها المحدود ، وعرضها الذاهب. إن هذه السورة الكريمة الجليلة ، تحمل دعوة صريحة مدوية للسادرين في غيهم ، التائهين عن درب الحق ، المخدوعين بالمظاهر الزائفة ، أن يستيقظوا من غفلتهم ، وأن يفتحوا عيونهم التي يشدها النوم عن رؤية الواقع ليتذكروا أن الدنيا شوط قصير ينتهي إلى الآخرة ، التي هي الحياة الباقية التي سيؤول إليها العباد ، حيث سينال الغافلون السادرون في غيهم ، عذاب الجحيم ، فيغمرهم الذل والخسران إذا لا ينفع يومذاك مال، ولا والدان، ولاسلطان، ولا قوة ... حيث تعقد محكمة العدل الإلهي جلساتها لتسأل العباد عن كلّ نعمة شغلوا بها عن الله عزّوجلّ ، سواء أكانت نعمة مادية أو معنوية... إنها دعوة مفتوحة صريحة للتائهين لكي يعودوا إلى رشدهم ، ويؤوبوا إلى الله ربهم تبارك وتعالى. تفسير الآيات : (ألهاكم التكاثر) : أي شغلكم عن طاعة الله عزّوجلّ وعن ذكر الآخرة التكاثر بالأموال والأولاد ، والتفاخر بكثرتها(4). واللهو: ما يشغل الإنسان عما هو أهم لأمره ، ومصاديق ما يتكاثر به الإنسان الساهي الغافل عن الله تعالى كثيرة جداً ، فقد يتكاثر الإنسان ويتباهى ويتفاخر بالمال أو الجاه أو رجال العشيرة أو حزبه أو قومه أو أولاده أو ما إلى ذلك من عدة الحياة الدنيا. ومن هنا ، فإننا نجد أن الآية تفسرها النصوص الشريفة بعدد من هذه المصاديق وليس بمصداق واحد ، من قبيل ما رواه قتادة عن مطرف بن عبدالله بن الشخير عن أبيه، قال: انتهيت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو يقول: (ألهيكم التكاثر) قال: يقول ابن آدم مالي مالي، ومالك إلاّ ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت" أورده مسلم في الصحيح(5). ويقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ حول مفهوم التكاثر في السورة ما يلي : ((التكاثر لهو وشغل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير))(6). وقد روي في معنى الآية، أنها جاءت رداً على تكثر اليهود وتفاخرهم بعدد رجالهم وأشرافهم، حيث قالوا: نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان(7). وقد ذكر بعض من المفسرين أنها جاءت رداً على تكاثر وتباري بني عبد مناف وبني سهم في عدد رجالهم، فكثرهم بنو عبد مناف (8). فنزلت السورة تندد بهذا الاتجاه الغافل البليد. وهكذا ، فأن الانشغال بالتكاثر بزينة الدنيا عن الله عزّوجلّ والحياة الباقية هو المحور المركزي للهجوم والتنديد. (... حتّى زرتم المقابر): أي شغلكم التكاثر والتباري بعدة الحياة الدنيا حتّى فاجأكم الموت ووسدتم الثرى في مقابركم، كما هو عن الحسن البصري وقتادة. ومن اعتمد من المفسرين على الرواية القائلة بنزولها في تفاخر بني عبد مناف وبني سهم في رجالهم وأشرافهم، حتّى ذهبوا إلى المقابر يعدون قبور موتاهم ... من اعتمد هذه الرواية قال: حتّى زرتم المقابر لعد الموتى والتفاخر بهم (9). لقد قرأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ (ألهاكم التكاثر حتّى زرتم المقابر) فقال ـ عليه السلام ـ معلقاً على مدلولها بكلمات تقطر حكمة ويقيناً ودلالة: ((يا له مراماً ما أبعده(10) وزوراً ما أغفله. وخطراً ما أفظعه. لقد استخلوا منهم أي مدكر(11) وتناوشوهم من مكان بعيد أبمصارع آبائهم يفخرون أم بعديد الهلكى يتكاثرون يرتجعون منهم أجساداً خوت(12) وحركات سكنت ولأن يكونوا عبراً أحق من أن يكونوا مفتخراً ولأن يهبطوا بهم جناب ذلة أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزة(13) لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة (14) وضربوا منهم في غمرة جهالة. ولو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية(15) والربوع الخالية لقالت ذهبوا في الأرض ضلالاً وذهبتم في أعقابهم جهّالاً تطأون في هامهم(16) وتستثبتون في أجسادهم وترتعون فيما لفظوا ، وتسكنون فيما خربوا وإنّما الأيام بينكم وبينهم بواك ونوائح عليكم)) (17). (كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون) : كلاّ حرف تستعلمه العرب للردع ، أي ليس كما تذهبون ـ أيها الغافلون ، المتكاثرون بزخرف الحياة الدنيا، فسوف تعلمون عاقبة تباهيكم وتفاخركم، وكبريائكم إذا نزل بكم الموت إذ ترون عذاب القبر، وعذاب الحشر معاً كما ورد عن علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ (18). ويقول الحسن البصري ومقاتل : أنّه وعيد بعد وعيد... وهو كذلك فهو تحذير من مغبة أعمالهم وسوء أفعالهم ، وهذا التكرار يشكل تهديداً مؤكداً من جبار علي كبيرٍ لا يفوته هارب ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، أنّه الله العزيز الجبار ذو القوة ، الفعال لما يريد ، الذي يرجع الخلق إليه كله. (كلا لو تعلمون علم اليقين) : لو تعلمون الحقيقة علماً يقينياً لشغلكم يقينكم بالله تعالى واليوم الآخر عن التفاخر والتباهي. والمراد بعلم اليقين، هوالعلم الذي يثلج الصدر، ويملأ النفس رضا وقناعة بعد اضطراب الشك فيها. (لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين): الرؤية الأولى لجهنم تكون قبل القيامة، حيث تعرض للمجرمين. أما الرؤية الثانية ، فهي دخول المجرمين النار مباشرة ، حيث يرونها بالمشاهدة الحسية ، محض اليقين، بعد أن يذوقوا العذاب ويحسوا بالخسران والمذلة، وعين اليقين هو محض اليقين. (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم): والآية تؤكد أن العباد يسألون يوم القيامة عن مطلق النعمة التي أنعمها الله عزّوجلّ عليهم ، فكل ما يصدق عليه أنّه نعمة على الإنسان يسأل الله تعالى الإنسان عن شكره لله تعالى عليها وعدم كفره سواء أكانت هذه النعمة مادية أو معنوية... صحيح أن الله عزّوجلّ لا يمن على عباده يما يعطيهم، لأنه أكرم وأجل من أن يعطي نعمة ثم يمن بها على عباده ، ولكنه جل وعلا لا يرضى لعباده أن يكفروا النعمة ، وينفقوها فيما لا يرضى به الله عزّوجلّ... وقد كثر الحديث حول (النعيم) الذي يسأل عنه العباد ، وكل ذلك من باب تعداد المصاديق . فقد قال قتادة : إن الله سائل كلّ ذي نعمة عما أنعم عليه. وقال سعيد بن جبير (رضي الله عنه) : النعيم المأكل والمشرب وغيرهما من الملاذ. وقال عكرمة : هو الصحة والفراغ ، وقد ورد عن ابن عباس عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قوله : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ... وقالوا : النعيم هو الأمن والصحة ، قال ذلك عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) ومجاهد، وروي في معناه عن الإمام محمّد بن علي الباقر وولده جعفر بن محمّد الصادق ـ عليه السلام ـ . وورد في السنة النبوية الشريفة ، أن بعض الصحابة أضافوا النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فوجدوا عنده تمراً وماء بارداً ، فأكلوا ، فلما خرجوا قال ـ صلى الله عليه وآله ـ : هذا من النعيم الذي تسألون عنه(19). وورد عن بعض أئمة المسلمين : إن النعيم هو النبي وأهل بيته الطاهرون ـ عليهم السلام ـ وحول ذلك جرى حوار دال ممتع بين الإمام جعفر بن محمّد الصادق ـ عليه السلام ـ والإمام النعمان بن ثابت (أبو حنيفة) ، وكانا قد عاشا في فترة واحدة ـ وهذا نصه: "سأل أبو حنيفة أبا عبدالله ـ عليه السلام ـ عن هذه الآية ، فقال له :(( ما النعيم عندك يا نعمان)) قال : القوت من الطعام والماء البارد فقال : ((لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه)) قال : فما النعيم جعلت فداك قال : ((نحن أهل البيت، النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألف الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداء، بنا هداهم الله للإسلام، وهي النعمة التي لا تنقطع، والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وعترته))(20). وفي هذا المضمون وردت عدة آثار عن أئمة المسلمين ـ عليه السلام ـ نذكر منها : عن محمّد بن يعقوب بإسناده عن أبي حمزة قال : كنا عند أبي عبدالله ـ عليه السلام ـ جماعة فدعا بطعام ما لنا عهد بمثله لذاذة وطيباً وأتينا بتمر ننظر فيه أوجهنا من صفائه وحسنه، فقال رجل : لتسئلن عن هذا النعيم الذي تنعمتم به عند ابن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، فقال أبو عبدالله ـ عليه السلام ـ ((إن الله عزّوجلّ أكرم وأجل أن يطعمكم طعاماً فيسوغكموه ثم يسألكم عنه ، ولكن يسألكم عما أنعم به عليكم بمحمد ـ صلى الله عليه وآله ـ وبآل محمّد عليهم السلام )) (21). ـ وعن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على أبي جعفر ـ عليه السلام ـ فدعا بالغداء فأكلت معه طعاماً ما أكلت طعاماً قط أطيب منه ولا أنظف ، فلما فرغنا من الطعام قال : ((يا أبا خالد كيف رأيت طعامك)) أو قال ((طعامنا)) ، قلت : جعلت فداك ما رأيت أطيب منه قط ولا أنظف ولكني ذكرت الآية في كتاب الله عزّوجلّ (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال أبو جعفر ـ عليه السلام ـ : ((إنّما يسئلكم عما أنتم عليه من الحق))(22). وهكذا يكون النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وأهل بيته ـ عليهم السلام ـ والقرآن الكريم والشريعة ، والهدى إلى الحق وأمثال ذلك من معالم الحق أهم مصاديق النعمة التي يسأل عنها العباد يوم القيامة. فمن ضيع القرآن الكريم ، فهو مسؤول عن ذلك . ومن كفر شيئاً من الحق والفرائض ، فهو مسؤول. ومن ضيع حق النبي وأهل بيته ، فهو مسؤول. ومن ضيع حق الصحابة الأخيار فهو مسؤول. والعاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين. المصادر التي استفدنا منها: 1 ـ القرآن الكريم. 2 ـ الميزان في تفسير القرآن ـ العلامة السيد محمّد حسين الطباطبائي (رضوان الله عليه). 3 ـ الكشاف ـ للعلامة الزمخشري. 4 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للشيخ أبي علي الطبرسي. 5 ـ تفسير نور الثقلين ـ للمحدث عبد علي جمعة العروسي. 6 ـ في ظلال القرآن ـ سيد قطب. 7 ـ تفسير شبر ـ سيد عبد الله شبر. 8 ـ علوم القرآن لسماحة السيد محمّد باقر الحكيم.  

الأستاذ عز الدين سليم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * كاتب ومفكر إسلامي عراقي استشهد على يد الإرهابيين التكفيريين وهو على رأس مجلس الحكم في العراق. 1 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن ـ العلامة أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي من علماء القرن السادس ج 10 تفسير سورة التكاثر ص 533 ـ ص 543 ومثلة تفسير الميزان ـ للسيد المرحوم محمّد حسين الطباطبائي (تفسير سورة التكاثر) ـ البحث الروائي ، كما يراجع الكشاف ـ للإمام الزمخشري وتفسير الجلالين ص 811. 2 ـ راجع علوم القرآن لسماحة السيد محمّد باقر الحكيم ص 45 وما بعدها. 3 ـ في مجمع البيان ـ ذكر (أنها مدنية وقيل أنها مكية). 4 ـ مجمع البيان ـ الشيخ الطبرسي (تفسير سورة التكاثر). 5 ـ رواه الطبرسي في مجمع البيان عن صحيح مسلم ، كما رواه تفسير نور الثقلين ج 5 ص 660. 6 ـ تفسير نور الثقلين ج 5 ص 660. 7 ـ مجمع البيان ج 10 ص 533. 8 ـ تفسير الكشاف للزمخشري (تفسير سورة التكاثر). 9 ـ كما هو عن العلامة الزمخشري في الكشاف ج 4 (تفسير سورة التكاثر). 10 ـ المرام الطلب بمعنى المطلوب والزور بالفتح الزائرون وهم يرومون نيل الشرف بمن تقدمهم وتلك غفلة فإنما ينالون الشرف بما يكون من موجباته في ذواتهم فما أبعد ما يرومون بغفلتهم. 11 ـ استخلوهم أي وجدوهم خالين والمدكر الادكار بمعنى الاعتبار أي خلوا أسلافهم من الاعتبار ثم قلب المعنى في عبارة الإمام فكان أخلوا الادكار من آبائهم مبالغة في تقريعهم حيث أخلوهم منه وهو محيط بهم وأي صفة محذوف تقديره مدكر وتناوشوهم تناولوهم بالمفاخرة من مكان بعيد عنها. 12 ـ خوت : سقط بناؤها وخلت من أرواحها. 13 ـ أحجى أقرب للحجى أي العقل فإن موت الآباء دليل الفناء ، ومن عاقبته فناء كيف يفتخر. 14 ـ العشوة ضعف البصر. 15 ـ الخاوية المنهدمة والربوع المساكن ، والضلال كعشاق جمع ضال. 16 ـ جمع هامة أعلى الرأس وتستثبتون أي تحاولون إثبات ما تثبتون من الأعمدة والأوتاد والجدر أن في أجسادهم لذهابها ترابا وامتزاجها بالأرض التي تقيمون فيها ما تقيمون ، ترتعون تأكلون وتتلذذون بما لفظوه أي طرحوه وتركوه. 17 ـ بواك جمع باكية ونوائح جمع نائحة وبكاء الأيام على السابقين واللاحقين حفظها لما يكون من مصابهم. 18 ـ نهج البلاغة ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ شرح المرحوم الشيخ محمّد عبده مفتي الديار المصرية سابقاً ، المكتبة التجارية ، ص 466 ـ 467. 19 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للشيخ أبي علي الطبرسي (تفسير سورة التكائر). 20 ـ نفس المصدر وتفسير نور الثقلين ـ للشيخ المحدث عبد علي الحويزي العروسي (تفسير سورة التكاثر). 21 ـ تفسير نور الثقلين : المصدر السابق ح 5 ص 662. 22 ـ نفس المصدر ح 5 ص 662.ـــــــــــــــــــ * كاتب ومفكر إسلامي عراقي استشهد على يد الإرهابيين التكفيريين وهو على رأس مجلس الحكم في العراق. 1 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن ـ العلامة أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي من علماء القرن السادس ج 10 تفسير سورة التكاثر ص 533 ـ ص 543 ومثلة تفسير الميزان ـ للسيد المرحوم محمّد حسين الطباطبائي (تفسير سورة التكاثر) ـ البحث الروائي ، كما يراجع الكشاف ـ للإمام الزمخشري وتفسير الجلالين ص 811. 2 ـ راجع علوم القرآن لسماحة السيد محمّد باقر الحكيم ص 45 وما بعدها. 3 ـ في مجمع البيان ـ ذكر (أنها مدنية وقيل أنها مكية). 4 ـ مجمع البيان ـ الشيخ الطبرسي (تفسير سورة التكاثر). 5 ـ رواه الطبرسي في مجمع البيان عن صحيح مسلم ، كما رواه تفسير نور الثقلين ج 5 ص 660. 6 ـ تفسير نور الثقلين ج 5 ص 660. 7 ـ مجمع البيان ج 10 ص 533. 8 ـ تفسير الكشاف للزمخشري (تفسير سورة التكاثر). 9 ـ كما هو عن العلامة الزمخشري في الكشاف ج 4 (تفسير سورة التكاثر). 10 ـ المرام الطلب بمعنى المطلوب والزور بالفتح الزائرون وهم يرومون نيل الشرف بمن تقدمهم وتلك غفلة فإنما ينالون الشرف بما يكون من موجباته في ذواتهم فما أبعد ما يرومون بغفلتهم. 11 ـ استخلوهم أي وجدوهم خالين والمدكر الادكار بمعنى الاعتبار أي خلوا أسلافهم من الاعتبار ثم قلب المعنى في عبارة الإمام فكان أخلوا الادكار من آبائهم مبالغة في تقريعهم حيث أخلوهم منه وهو محيط بهم وأي صفة محذوف تقديره مدكر وتناوشوهم تناولوهم بالمفاخرة من مكان بعيد عنها. 12 ـ خوت : سقط بناؤها وخلت من أرواحها. 13 ـ أحجى أقرب للحجى أي العقل فإن موت الآباء دليل الفناء ، ومن عاقبته فناء كيف يفتخر. 14 ـ العشوة ضعف البصر. 15 ـ الخاوية المنهدمة والربوع المساكن ، والضلال كعشاق جمع ضال. 16 ـ جمع هامة أعلى الرأس وتستثبتون أي تحاولون إثبات ما تثبتون من الأعمدة والأوتاد والجدر أن في أجسادهم لذهابها ترابا وامتزاجها بالأرض التي تقيمون فيها ما تقيمون ، ترتعون تأكلون وتتلذذون بما لفظوه أي طرحوه وتركوه. 17 ـ بواك جمع باكية ونوائح جمع نائحة وبكاء الأيام على السابقين واللاحقين حفظها لما يكون من مصابهم. 18 ـ نهج البلاغة ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ شرح المرحوم الشيخ محمّد عبده مفتي الديار المصرية سابقاً ، المكتبة التجارية ، ص 466 ـ 467. 19 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للشيخ أبي علي الطبرسي (تفسير سورة التكائر). 20 ـ نفس المصدر وتفسير نور الثقلين ـ للشيخ المحدث عبد علي الحويزي العروسي (تفسير سورة التكاثر). 21 ـ تفسير نور الثقلين : المصدر السابق ح 5 ص 662. 22 ـ نفس المصدر ح 5 ص 662.