مدرسة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) الفكرية

الحالة العلمية في عصر الإمام ( عليه السلام ) : لقد كانت الحياة العلمية في عصر الإمام ( عليه السلام ) شُبْه معدومة ، حيث اقتَضَت مصلحة الدولة الأموية آنذاك إقصاء الوعي الثقافي في الأمة ، وإركاسها في منحدر سَحيق من الجهل . لأن بَلْوَرَة الوعي العام ، وإشاعة العلم بين المسلمين ، يُهدِّدَان مصالحها ، وملكها القائم على الجهل . فقد كان الناس في عصر الإمام ( عليه السلام ) لا يعرفون كيف يُصلُّون ، ولا كيف يَحجُّون . يقول أنس بن مالك عن ذلك - على ما رواه البخاري والترمذي - : ما أعرف شيئاً مما كان على عهد رسول الله ؟ قيل : الصلاة . قال : أليس صنعتم ما صنعتم فيها . وبعد عصر أنَس بقليل نجد الحسن البصري يقول : لو خرج عليكم أصحاب رسول الله ما عرفوا منكم إلا قِبْلتكم . وعن عبد الله بن عمر بن العاص أنه قال : لو أن رَجُلين من أوائل هذه الأمة خطو بمصحفيهما في بعض الأودية ، لأتَيَا الناس اليوم ولا يعرفان شيئاً مما كانا عليه . وبعد هذا ، فإن من الطبيعي أن يُعتَبر من حفظ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعض الأحاديث أو بعض الأحكام ، أعلم الناس وأعظمهم ، في وقته وعصره . هذا عرض موجز عن واقع سياسة التجهيل ، التي كانت تَتَعرَّض لها الأمة بأسرها في ذلك الوقت . تأسيس المدرسة : رأى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) مِحْنة الأمة ، وما هي فيه من أخطار مدمِّرة لوجودها وكيانها . فرفع ( عليه السلام ) مناراً للعلم ، ودعا شباب الأمة إلى التحرر من قيود الجهل ، حيث قام ( عليه السلام ) بتأسيس مدرسته الفكرية الإسلامية ، من أجْلِ هذا الهدف . فقد كان المسجد النبوي الشريف ، ودار الإمام ( عليه السلام ) يشهدان نشاطاً فكرياً من الطراز الأول . حيث استقطب الإمام ( عليه السلام ) خلال تلك الفترة طُلاَّب المعرفة الإسلامية في جميع حقولها وأغراضها ، لا في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحدهما ، وإنما في الساحة الإسلامية بأكملها . علوم المدرسة : لقد فتح الإمام ( عليه السلام ) آفاقاً مشرقة من العلم لم يعرفها الناس من ذي قبل . حيث عرض لعلوم الشريعة الإسلامية من رواية الأحاديث الشريفة الصحيحة عن جَدِّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، عبر سلسلة نقيَّة ، لا يرقى إلى رواتها أدنى شك . وتبدأ بسيدي شباب أهل الجنة ( عليهما السلام ) ، وتمرُّ بالإمام علي ( عليه السلام ) ، وتنتهي برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فالوحي الإلهي المقدس . وإلى جانب عرضه للحديث فقد قام الإمام ( عليه السلام ) ، وعبر خمس وثلاثين سنة ، وهي مدة إمامته ( عليه السلام ) ، بعرض الفقه ، والتفسير ، وعلم الكلام ، والفلسفة ، وغيرها من العلوم . الرواة والأصحاب : استطاع الإمام ( عليه السلام ) أن يخرّج من مدرسته الإسلامية رواة حفّاظاً ، وفقهاء وقادة فكر ، يُعَدُّون من الرعيل الأول ، وكان فيهم الصحابي ، والتابعي ، وسِوَاهم . يقول بعض المترجمين للإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : إن العلماء رَوَوا عنه من العلوم ما لا يُحصى ، نُورد هنا ثبتاً بأسماء بعضهم : أولاً : مَن رَوَى عنه ( عليه السلام ) : 1 - الزهري . 2 - سُفيان بن عيينه . 3 - نَافِع . 4 - الأوزاعي . 5 - مُقاتل . 6 - الواقِدِي . 7 - محمد بن إِسْحاق . ثانياً : مَن رَوَى عَمَّن رَوى عنه ( عليه السلام ) : 1 - الطَبَري . 2 - ابْن الربيع . 3 - أحمَد بن حَنبل . 4 - ابن بَطَّة . 5 - أبو دَاوُود . 6 - صاحب ( الأغاني ) . 7 - صاحب ( قُوت القلوب ) . 8 - صاحب ( أسباب النزول ) . 9 - صاحب ( الفائق ) . 10 - صاحب ( الترغيب والترهيب ) . ثالثاً : مِنَ التابِعِين لَه ( عليه السلام ) : 1 - سَعيد بن جبير . 2 - مُحمَّد بن جبير بن مطعم . 3 - القاسِم بن عَوْف . 4 - إسماعِيل بن عبد الله بن جَعفَر . 5 - إبراهيم بن محمد ابن الحَنَفِيَّة . 6 - الحَسن بن محمد ابن الحَنَفِيَّة . 7 - جبير بن أبي ثَابِت . 8 - أبو أَيْمَن الأسدي . 9 - مُسلِمة بن دِينَار المَدَني . رابعاً : مِن أصْحَابه ( عليه السلام ) : 1 - أبو حَمْزة الثُّمَالي [ ثَابت بن دِينَار ] . 2 - جَابِر بن محمد بن أبي بَكْر . 3 - أبو أيُّوب بن الحَسن . 4 - عَلي بن رافِع . 5 - أبو محمد القرشي ( السري الكوفي ) . 6 - الضَّحَّاك بن مُزاحِم الخُرَاسَاني . 7 - سعيد بن المُسيَّب المَخْزومي . 8 - أبو خَالد الكابلي . 9 - حَميد بن موسى الكوفي . وهكذا أصبح تلامذة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) الذين تخرَّجوا من مدرسته الرائدة فيما بعد ، بُنَاةً للحضارة الإسلامية الشامخة ، ورجالَ فِكرِها ، وتشريعِها ، وأدبِها الإسلامي الأصيل .