آداب الدعاء وشروطه
آداب الدعاء وشروطه
0 Vote
130 View
|
مركز الرسالة لقد حدّدت النصوص الاِسلامية آداباً للدعاء وقررت شروطاً، لابدّ للداعي أن يراعيها كي يتقرّب إلى خزائن رحمة الله تعالى وذخائر لطفه، ويتحقّق مطلوبه من الدعاء، وإذا أهملها الداعي فلا تتحقّق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ولا تحصل له نورانية القلب وتهذيب النفس وسمو الروح المطلوبة في الدعاء . وفيما يلي أهم هذه الشروط والآداب: 1 ـ الطهارة من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء، سيّما إذا أراد الدعاء عقيب الصلاة، فقد روى مسمع عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال: يا مسمع، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غمّ من غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل مسجده، ركعتين فيدعو الله فيهما ؟ أما سمعت الله يقول: ( واستعينُوا بالصَّبر والصَّلاة ) ؟ » (1). 2 ـ الصدقة وشمّ الطيب والرواح إلى المسجد روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «كان أبي إذا طلب الحاجة... قدّم شيئاً فتصدق به، وشمّ شيئاً من طيب، وراح إلى المسجد.. » (2). 3 ـ الصلاة ويستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء، للرواية المتقدمة في الطهارة، ولما روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين، فأتمّ ركوعهما وسجودهما، ثم سلّم وأثنى على الله عزَّ وجلّ وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم سأل حاجته، فقد طلب الخير في مظانّه، ومن طلب الخير في مظانّه لم يخب » (3). 4 ـ البسملة ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يُرَدُّ دعاءٌ أوّله بسم الله الرحمن الرحيم » (4). 5 ـ الثناء على الله تعالى الثناء على الله سبحانه اعتراف بالوحدانية، وتحقيق للانقطاع التامّ إلى الله تعالى دون ما سواه، فينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة أن يحمد الله ويثني عليه ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسبباً للمزيد من فضله.. » (5). وقال الاِمام الصادق عليه السلام: «اذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربِّه وليمدحه » (6) . وقد أعدّ الله تعالى لمن يمدحه ويمجده على حسن آلائه جزيل الثواب بما يفوق رغبة السائلين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من تشاغل بالثناء على الله، أعطاه الله فوق رغبة السائلين » (7). وقال الاِمام الصادق عليه السلام: «إن العبد تكون له الحاجة إلى الله فيبدأ بالثناء على الله والصلاة على محمد وآله حتى ينسى حاجته، فيقضيها من غير أن يسأله إياها » (8) . أما ما يجزي من الثناء على الله سبحانه قبل الشروع بالدعاء، فقد روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه سئل عن ذلك فقال: «تقول اللهمّ أنت الاَول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، وأنت العزيز الكريم » (9). 6 ـ الدعاء بالاسماء الحسنى وعلى الداعي أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى، لقوله تعالى: (وللهِ الاَسماءُ الحُسنى فادعوهُ بها ) (10)، وقوله تعالى: ( قُل ادعوا الله أو ادعُوا الرَّحمن أيّاً ما تدعُوا فلهُ الاَسماءُ الحُسنى ) (11). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لله عزوجل تسعة وتسعون اسماً، من دعا الله بها استجيب له » (12). واعلم أن بعض أهل العلم يقول: ينبغي للداعي إذا مجّد الله سبحانه وأثنى عليه أن يذكر من أسماء الله الحسنى ما يناسب مطلوبه، فإذا كان مطلوبه الرزق يقول: يا رزاق، يا وهاب، يا جواد، يا مغني، يا منعم، يامفضل، يا معطي، يا كريم، يا واسع، يا مسبب الاَسباب، يا منان، يارزاق من يشاء بغير حساب . وإن كان مطلوبه المغفرة والتوبة، يقول: يا تواب، يا رحمن، يا رحيم، يا رؤوف، يا عطوف، يا صبور، يا شكور، يا عفو، يا غفور، يا فتاح، ياذا المجد والسماح، يا محسن، يا مجمل، يا منعم. وإن كان مطلوبه الانتقام من العدو يقول: يا عزيز، يا جبار، يا قهار، يا منتقم، ياذا البطش الشديد، يا فعال لما يريد، يا قاصم المردة يا طالب، يا غالب، يا مهلك، يا مدرك، يا من لا يعجزه شيء . ولو كان مطلوبه العلم يقول: يا عالم، يا فتاح، يا هادي، يا مرشد، يا معز، يا رافع، وما أشبه ذلك (13). وقد ورد في الروايات عن أهل البيت عليهم السلام تأكيد كثير على الدعاء بالاَسماء الحسنى، وأنّ الله تعالى يستجيب لعبده المؤمن إذا دعاه باسمائه الحسنى خصوصاً في حال السجود . قال الاِمام الصادق عليه السلام: «من قال يا الله يا الله عشر مرات قيل له: لبيك ما حاجتك » (14). وعنه عليه السلام قال: إذا قال العبد وهو ساجد: يا الله يا رباه يا سيداه، ثلاث مرات، أجابه تبارك وتعالى: لبيك عبدي، سل حاجتك » (15). وقال عليه السلام: «كان أبي إذا لجّت به الحاجة يسجد من غير صلاة ولا ركوع ثم يقول: يا أرحم الراحمين، سبع مرات، ثم يسأل حاجته، ثم يقول: ما قالها أحد سبع مرات إلاّ قال الله تعالى: ها أنا أرحم الراحمين، سل حاجتك » (16). 7 ـ الصلاة على النبي وآله لابدّ للداعي أن يصلي على محمد وآله بعد الحمد والثناء على الله سبحانه، وهي تؤكد الولاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولاَهل بيته المعصومين الذي هو في امتداد الولاء لله تعالى، لذا فهي من أهم الوسائل في صعود الاَعمال واستجابة الدعاء. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يزال الدعاء محجوباً حتى يصلى عليَّ وعلى أهل بيتي » (17) . وقال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام: «كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد » رواه الطبراني في الاَوسط ورجاله ثقات (18). وقال عليه السلام: «إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة، فابدأ بمسألة الصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ثم سل حاجتك، فإنّ الله أكرم من أن يُسأل حاجتين فيقي إحداهما ويمنع الاُخرى » (19). وقال الاِمام الصادق عليه السلام: «من دعا ولم يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفرف الدعاء على رأسه، فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفع الدعاء»(20). واعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم إنّما تكون بعد الثناء، لما روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله عزَّ وجلّ والمدح له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يسأل حوائجه »(21). أما في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم، فقد روي بالاسناد عن بريدة، قال قلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «قولوا: اللهمَّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد » (22). ومن نماذج الصلاة على النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام في الدعاء ما روي بالاسناد عن حريز، قال: قلت لاَبي عبدالله عليه السلام: جعلت فداك، كيف الصلاة على النبي صلى الله وآله وسلم ؟ فقال: «قل: اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين ألهمتهم علمك، واستحفظتهم كتابك، واسترعيتهم عبادك، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين أمرت بطاعتهم وأوجبت حبهم ومودتهم، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين جعلتهم ولاة أمرك بعد نبيك صلّى الله عليه وعلى أهل بيته » (23). ومن أدب الدعاء عند سيد الساجدين الاِمام علي بن الحسين عليه السلام أنّه يجعل الثناء والصلاة على النبي وآله مفتاحاً لاَغلب فقرات الدعاء، وهذا واضح لمن تأمّل الصحيفة السجادية، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تجعلوني كقدح الراكب، إن الراكب يملاَ قدحه فيشربه إذا شاء، اجعلوني في أوّل الدعاء وآخره ووسطه » (24). ومن نماذج أدعية الاِمام السجاد عليه السلام التي تبدأ بالثناء فالصلاة على النبي في جميع فقرات الدعاء ثم المسألة، قوله عليه السلام: «يا من لا تنقضي عجائب عظمته صلِّ على محمد وآله واحجبنا عن الالحاد في عظمتك، ويا من لا تنتهي مدة ملكه صلِّ على محمد وآله واعتق رقابنا من نقمتك، ويا من لا تفنى خزائن رحمته صلِّ على محمد وآله واجعل لنا نصيباً في رحمتك، ويا من تنقطع دون رؤيته الاَبصار صلِّ على محمد وآله وأدننا إلى قربك » (25). 8 ـ التوسل بمحمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم وينبغي للداعي أن يلج من الاَبواب التي أمر الله تعالى بها، وأهل البيت عليهم السلام هم سفن النجاة لهذه الاُمّة، فحريّ بمن دعا الله تعالى أن يتوسل إلى الله بهم، ويسأله بحقهم، ويقدمهم بين يدي حوائجه . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الأوصياء مني... بهم تُنصر أُمتي، وبهم يمطرون، وبهم يدفع الله عنهم، وبهم استجاب دعاءهم » (26). وقال الاِمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: «من دعا الله بنا أفلح، ومن دعاه بغيرنا هلك واستهلك » (27). وعن داود الرقي، قال: إني كنت أسمع أبا عبدالله عليه السلام أكثر ما يلحُّ به في الدعاء على الله بحق الخمسة، يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (28). ومن نماذج التوسل المروي عنهم عليهم السلام هو أن تقول: «اللهم أني أتوجه إليك بمحمد وآل محمد، وأتقرب بهم إليك، وأقدمهم بين يدي حوائجي » (29) . وعن سماعة بن مهران، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: «إذا كان لك يا سماعة عند الله حاجة فقل: اللهمَّ إني أسألك بحق محمد وعلي، فإنّ لهما عندك شأناً من الشأن، وقدراً من القدر، فبحقّ ذلك الشأن وبحقّ ذلك القدر أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا»(30). 9 ـ الاقرار بالذنوب وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقراً مذعناً تائباً عمّا اقترفه من خطايا وما ارتكبه من ذنوب، قال الاِمام الصادق عليه السلام: «إنما هي مدحة، ثم الثناء، ثم الاِقرار بالذنب، ثم المسألة، إنّه والله ما خرج عبد من ذنب إلاّ بالاقرار » (31). وكان من دعاء الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام المروي عن كميل بن زياد: «وقد أتيتك يا الهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي، معتذراً نادماً، منكسراً مستقيلاً، مستغفراً منيباً، مقراً مذعناً معترفاً، لا أجد مفراً مما كان مني، ولا مفزعاً أتوجه إليه في أمري، غير قبولك عذري وإدخالك إياي في سعة من رحمتك، اللهمَّ فاقبل عذري، وارحم شدة ضري، وفكني من شدِّ وثاقي » (32). 10 ـ المسألة وينبغي للداعي أن يذكر بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي وآله والاقرار بالذنب ما يريد من خير الدنيا والآخرة، وأن لا يستكثر مطلوبه، لاَنّه يطلب من ربِّ السموات والاَرض الذي لا يعجزه شيء، ولاتنفد خزائن رحمته التي وسعت كل شيء . وعليه أيضاً أن لا يستصغر صغيرة لصغرها، لما روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار » (33). وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلّها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع » (34). ويستحب للداعي إذا كان دعاؤه عبادة خالصة يتقرب بها إلى مولاه أن يسأل ما يبقى جماله من خير القضاء في الآجلة والعاجلة، وأن تعكس مسألته حالة الافتقار إلى الله تعالى التي يتساوى فيها جميع البشر . جاء في وصية الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام: «فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله، ويُنفى عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له » (35). وروي عن الاِمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «بكى أبو ذر من خشية الله حتى اشتكى بصره، فقيل له: لو دعوت الله أن يشفي بصرك ؟ فقال: إني عن ذلك لمشغول، وما هو من أكبر همّي: قالوا: وما يشغلك عنه ؟ قال: العظيمتان: الجنة والنار » (36) . وجاء في الحديث القدسي: «ياعبادي كلكم ضال إلاّ من هديته، فسألوني الهدى أُهدكم، وكلكم فقير إلاّ من أغنيته، فاسألوني الغنى أرزقكم، وكلكم مذنب إلاّ من عافيته، فاسألوني المغفرة أغفر لكم»(37) ومن دعاء الاِمام زين العابدين عليه السلام: «ياذا الجلال والاكرام أسألك عملاً تحب به من عمل به، ويقيناً تنفع به من استيقن به حقَّ اليقين في نفاذ أمرك . اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد، واقبض على الصدق نفسي، واقطع من الدينا حاجتي، واجعل فيما عندك رغبتي شوقاً إلى لقائك، وهب لي صدق التوكل عليك » (38). 11 ـ معرفة الله وحسن الظنّ به سبحانه قال العلاّمة الحلي رضي الله عنه: من شروط حسن الدعاء علم الداعي كون ما يطلبه بدعائه مقدوراً لمن يدعوه، وهذا يتضمن أن من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته (39). فعلى الداعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية، وبأنّه سبحانه لا يمنع أحداً من فيض نعمته، وأن باب رحمته لا يغلق أبداً . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قال الله عزوجلّ: من سألني وهو يعلم أني أضرُّ وأنفع استجبت له »(40). وقيل للاِمام الصادق عليه السلام: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا . قال: «لأنكم تدعون من من لا تعرفونه » (41). وفي قوله تعالى: ( فليستجيبوا لي وليؤمنُوا بي ) (42)قال عليه السلام: « يعلمون أني أقدر على أن أعطيهم ما يسألون » (43). وحسن الظن بالله هو من شعب معرفته سبحانه، فعلى الداعي أن يحسن الظن باستجابة دعائه، لو عدّه الصادق بقوله تعالى: ( ادعُوني استجب لكُم ) (44)، وقوله: ( أمَّن يُجِيبُ المُضطرَّ إذا دعاهُ ويكشفُ السوءَ)(45)؟ وأنّه لا يخلف الميعاد . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالاجابة » (46). وقال الاِمام الصادق عليه السلام: «إذا دعوت فأقبل بقلبك، وظنّ حاجتك بالباب » (47). ومن دعاء الاِمام زين العبادين عليه السلام: «اللهم قد اكدى الطلب وأعيت الحيل إلاّ عندك، وضاقت المذاهب وامتنعت المطالب وعسّرت الرغائب وانقطعت الطرق إلاّ إليك، وتصرّمت الآمال وانقطع الرجاء إلاّ منك، وخابت الثقة وأخلف الظن إلاّ بك، اللهمَّ إني أجد سبل المطالب إليك منهجة، ومناهل الرجاء إليك مفتّحة، وأعلم أنّك لمن دعاك لموضع إجابة، وللصارخ إليك لمرصد إغاثة، وأن القاصد لك لقريب المسافة منك... » (48). 12 ـ العمل بما تقتضيه المعرفة على الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه، بأن يفي بعهد الله ويطيع أوامره، وهما من أهم الشروط في استجابة الدعاء . عن جميل، عن الاِمام الصادق عليه السلام، قال: قال له رجل: جعلت فداك، إنّ الله يقول: ( ادعُوني استجب لكُم ) (49)وإنّا ندعو فلا يستجاب لنا ! قال عليه السلام: «لأنكم لا توفون بعهد الله، لو وفيتم لوفى الله لكم » (50). وعن أبي حمزة، قال: إنّ الله أوحى إلى داود عليه السلام: «ياداود أنّه ليس عبد من عبادي يطيعني فيما آمره إلاّ أعطيته قبل أن يسألني، واستجب له قبل أن يدعوني » (51). 13 ـ الاقبال على الله من أهم آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه وعواطفه ووجوده، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدنيا، فهناك اختلاف كبير بين مجرد قراءة الدعاء وبين الدعاء الحقيقي الذي ينضمّ فيه القلب بانسجام تامّ مع اللسان، تهتزّ له الروح وتحصل فيه الحاجة في قلب الاِنسان ومشاعره . قال الاِمام الصادق عليه السلام: «إن الله عزوجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالاجابة » (52). 14 ـ الاضطرار إلى الله سبحانه لابدّ للداعي أن يتوجه إلى الله تعالى توجّه المضطر الذي لا يرجو غيره، وأن يرجع في كلِّ حوائجه إلى ربه، ولا ينزلها بغيره من الاَسباب العادية التي لا تملك ضراً ولا نفعاً ( قُلِ ادعُوا الَّذينَ زَعمتُم من دونه فلا يملكون كشف الضُّرِّ عنكم ولا تحويلا ) (53). فإذا لجأ الداعي إلى ربه بقلب سليم وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جاداً، وكان مدعوّه ربه وحده لا شريك له، تحقق الانقطاع الصادق بالاضطرار الحقيقي إلى الله تعالى الذي هو شرط في قبول الدعاء ( أمَّن يُجِيبُ المُضطرَّ إذا دعاهُ ويكشِفُ السُّوءِ ) (54). يقول أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لولده الاِمام الحسن عليه السلام: «وألجئ نفسك في أمورك كلّها إلى إلهك، فإنّك تُلجئها إلى كهفٍ حريز ومانع عزيز، في المسألة لربك، فإنّ بيده العطاء والحرمان » (55). قال الاِمام الصادق عليه السلام: «إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئاً إلاّ أعطاه، فلييأس من الناس كلّهم، ولا يكون له رجاء إلاّ عند الله، فإذا علم الله عزَّ وجلّ ذلك من قبله لم يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه » (56). وروي أن الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام: «ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث: يا عيسى، سلني ولا تسأل غيري، فيحسن منك الدعاء ومني الاجابة » (57). 15 ـ تسمية الحوائج إنّ الله تعالى محيط بعباده يعلم حالهم وحاجاتهم، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد، ولكنه سبحانه يحبُّ أن تُبث إليه الحوائج وتُسمى بين يديه تعالى، وذلك كي يقبل الداعي إلى ربه محتاجاً إلى كرمه فقيراً إلى لطفه ومغفرته . قال الاِمام الصادق عليه السلام: «أن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه، لكنّه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج، فإذا دعوت فسمِّ حاجتك»(58). 16 ـ ترقيق القلب ويستحب الدعاء عند استشعار رقة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت والبرزخ ومنازل الآخرة وأهوال يوم المحشر، وذلك لاَنّ رقّة القلب سبب في الاخلاص المؤدي إلى القرب من رحمة الله وفضله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « اغتنموا الدعاء عند الرقة، فإنّها رحمة » (59). وقال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام: «بالاخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتدّ الفزغ، فإلى الله المفزع » (60). وقال الاِمام الصادق عليه السلام: «إذا رق أحدكم فليدع، فإنّ القلب لا يرقّ حتى يخلص » (61). وكلّما رقّ قلب الداعي كلّما كان مهيئاً لاستقبال ذخائر الرحمة الاِلهية وتحقق قصده في الاستجابة، قال الاِمام الصادق عليه السلام: «إذا اقشعرجلدك، ودمعت عينك، ووجل قلبك، فدونك دونك، فقد قصد قصدك » (62). أما القلب القاسي بكثرة الذنوب والمعاصي، والقلب اللاهي عن ذكر الله، المتعلق بعرض الدنيا وزخرفها، فكلاهما مطرودان عن رحاب الله تعالى ورحمته، ولا يستجاب لهما دعاء، لاَنّه ليس ثمّة انسجام بين القلب واللسان، جاء في وصية النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: «لا يقبل الله دعاء قلب ساهٍ » (63) . وعن الاِمام أميرالمؤمين عليه السلام: «لا يقبل الله عزَّ وجل دعاء قلبٍ لاهٍ»(64). وعن الاِمام الصادق عليه السلام: «إن الله عزوجلّ لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ قاس » (65) . 17 ـ البكاء والتباكي خير الدعاء ما هيجه الوجد والاَحزان، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية الله، الذي هو سيد آداب الدعاء وذروتها، ذلك لاَنّ الدمعة لسان المذنب الذي يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه، والدمعة سفير رقّة القلب الذي يؤذن بالاخلاص والقرب من رحاب الله تعالى . قال الاِمام الصادق عليه السلام لاَبي بصير: «إن خفت إمراً يكون أو حاجة تريدها فأبدأ بالله ومجّده واثني عليه كما هو أهله، وصلِّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسل حاجتك، وتباك ولو مثل رأس الذباب، إنّ أبي كان يقول: إنّ أقرب ما يكون العبد من الرب عزوجل وهو ساجد باكٍ »(66). وفي البكاء من خشية الله من الخصوصيات والفضائل ما لا يوجد في غيره من أنصاف الطاعات، فهو رحمة مزجاة من الخالق العزيز لعباده تقرّبهم من منازل لطفه وكرمه، وتتجاوز بهم عقبات الآخرة وأهوالها . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أحب الله عبداً نصب في قلبه نائحةً من الحزن، فإنّ الله لا يدخل النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن إلى الضرع » (67). وقال الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام: «بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى ذكره، فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء، ولو أنّ عبداً بكى في أُمة لرحم الله تعالى ذكره تلك الاُمّة لبكاء ذلك العبد » (68). وإذا كان البكاء يفتح القلب على الله تعالى، فإنّ جمود العين يعبّر عن قساوة القلب التي تطرد العبد من رحمة الله ولطفه وتؤدي إلى الشقاء . وكان فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام: «يا علي أربع خصال من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وبُعد الاَمل، وحب البقاء » (69) . واعلم أنّ البكاء إلى الله سبحانه فرقاً من الذنوب وصفٌ محبوب لكنّه غير مجدٍ مع عدم الاقلاع عنها والتوبة منها . قال سيد العابدين الاِمام علي بن الحسين عليه السلام: «وليس الخوف من بكى وجرت دموعه ما لم يكن له ورع يحجره عن معاصي الله، وإنّما ذلك خوف كاذب»(70) . واذا تهيأت للدعاء ولم تساعدك العينان على البكاء، فاحمل نفسك على البكاء وتشبّه بالباكين، متذكراً الذنوب العظام ومنازل مشهد اليوم العظيم، يوم تُبلى السرائر، وتظهر فيه الضمائر، وتنكشف فيه العورات، عندها يحصل لك باعث الخشية وداعية البكاء الحقيقي والرقة واخلاص القلب . وقد ورد في الحديث ما يدلُّ على استحباب التباكي ولو بتذكّر من مات من الاَولاد والاَقارب والاَحبّة، فعن إسحاق بن عمار، قال: قلت لاَبي عبدالله عليه السلام: أدعو فاشتهي البكاء ولا يجيئني، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرقّ وأبكي، فهل يجوز ذلك ؟ فقال عليه السلام: «نعم، فتذكّرهم فإذا رقت فابكِ، وادع ربك تبارك وتعالى » (71) . 18 ـ العموم في الدعاء ومن آداب الدعاء أن لا يخصّ الداعي نفسه بالدعاء، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، وهو من أهم آداب الدعاء، لاَنّه يدل على التضامن ونشر المودة والمحبة بين المؤمنين، وازالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم، وذلك من منازل الرحمة الالهية، ومن أقوى الاَسباب في استجابة الدعاء، فضلاً عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا دعا أحدكم فليعمّ، فإنّه أوجب للدعاء»(72). وقال الاِمام الصادق عليه السلام: «إذا قال الرجل: اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاَحياء منهم وجميع الاَموات ؛ ردّ الله عليه بعدد ما مضى ومن بقي من كل إنسان دعوة » (73). وقال عليه السلام: «دعاء المرءلاَخيه بظهر الغيب يدرُّ الرزق ويدفع المكروه » (74). 19 ـ التضرُّع ومدّ اليدين ومن آداب الدعاء إظهار التضرع والخشوع، قال تعالى: ( واذكر ربك في نفسك تضرُّعاً وخِيفةً ) (75)، وقد ذمّ الله تعالى الذين لا يتضرعون إليه، قال تعالى: ( ولقد أخذناهُم بالعذاب فما استكانُوا لربِّهم وما يتضرَّعُون ) (76). عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلّ: ( فما استكانُوا لربِّهم وما يتضرَّعُون ) فقال عليه السلام: «الاستكانة هي الخضوع، والتضرُّع هو رفع اليدين والتضرُّع بهما » (77). وعن الاِمام الحسين عليه السلام قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين » (78). وروي أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتضرّع عند الدعاء حتى يكاد يسقط رداؤه (79). والتضرُّع من أسباب استجابة الدعاء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله يستحي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردّهما خائبتين » (80). والعلّة في رفع اليدين هي إظهار الاستكانة والفاقة بين يديه تبارك وتعالى . وقد سأل أبو قُرّة الاِمام الرضا عليه السلام: ما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء ؟ فقال أبو الحسن الرضا عليه السلام: «إن الله أستعبد خلقه بضروب من العبادة.. واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرُّع ببسط الاَيدي ورفعهما إلى السماء لحال الاستكانة وعلامة العبودية والتذلل له » (81). ولليدين وظائف وهيئات في الدعاء تتغير حسب حال الداعي في الرغبة والرهبة والتضرُّع والتبتُّل والابتهال، قال الاِمام الصادق عليه السلام: «الرغبة: تبسط يديك وتظهر باطنهما، والرهبة: بسط يديك وتظهر ظهرهما، والتضرُّع: تحرّك السبابة اليمنى يميناً وشمالاً، والتبتّل: تحرّك السبابة اليسرى ترفعها في السماء رسلاً وتضعها، والابتهال: تبسط يديك وذراعيك إلى السماء، والابتهال حين ترى أسباب البكاء» (82). ويكره أن يرفع الداعي بصره إلى السماء، لما روي عن الاِمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، قال: «مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رجل رافع بصره إلى السماء يدعو، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غض بصرك، فانك لن تراه » (83). 20 ـ الاَسرار بالدعاء ويستحب أن يدعو الاِنسان خُفية ليبتعد عن مظاهر الرياء التي تمحق الاَعمال وتجعلها هباءً منثوراً، قال تعالى: ( ادعُوا ربَّكُم تضرُّعاً وخُفيةً)(84) . قال الاِمام الرضا عليه السلام: «دعوة العبد سراً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية » . وفي رواية اُخرى: «دعوة تخفيها أفضل عند الله من سبعين دعوة تظهرها » (85) . 21 ـ التلبث بالدعاء ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء بل يدعو مترسّلاً، ذلك لاَنّ العجلة تنافي حالة الاقبال والتوجه إلى الله تعالى، وما يلزم ذلك من التضرُّع والرقة، كما أن العجلة قد تؤدي إلى ارتباك في صورة الدعاء أو نسيان لبعض أجزائه . قال الاِمام الصادق عليه السلام: «إن رجلاً دخل المسجد فصلّى ركعتين، ثم سأل الله عزَّ وجلّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عجّل العبد ربّه، وجاء آخر فصلّى ركعتين ثم أثنى على الله عزَّ وجلّ وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سل تعط » (86). وقال عليه السلام: «إن العبد إذا عجّل فقام لحاجته، يقول الله تبارك وتعالى: أما أما يعلم عبدي أني أنا الله الذي أقضي الحوائج » (87). وقال عليه السلام: «إن العبد إذا دعا لم يزل الله تبارك وتعالى في حاجته مالم يستعجل »(88). 22 ـ عدم القنوط وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله، ولا يستبطىء الاجابة فيترك الدعاء، لاَنّ ذلك من الآفات التي تمنع ترتّب أثر الدعاء، وهو بذلك أشبه بالزارع الذي بذر بذراً فجعل يتعاهده ويرعاه، فلمّا استبطأ كماله وادراكه تركه وأهمله . عن أبي بصير، عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزَّ وجلّ ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدعاء . قلتُ: كيف يستعجل ؟ قال عليه السلام:يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الاِجابة » (89). وعليه يجب على الداعي أن يفوّض أمره إلى الله، واثقاً بربه، راضياً بقضائه سبحانه، وأن يحمل تأخر الاجابة على المصلحة والخيرة التي حباها إياه مولاه، وأن يبسط يد الرجاء معاوداً الدعاء لما فيه من الاَجر الكريم والثواب الجزيل . جاء في وصية الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام: فلا يقنطك إبطاء إجابته، فإنّ العطية على قدر النية، وربما أُخرت عنك الاِجابة ليكون ذلك أعظم لاَجر السائل، وأجزل لعطاء الآمل، وربما سألت الشيء فلا تؤتاه وأُوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صرف عنك لما هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته»(90). 23 ـ الالحاح بالدعاء وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الاِجابة وعدمها ؛ لاَنّ ترك الدعاء مع الاجابة من الجفاء الذي ذمّه تعالى في محكم كتابه بقوله: ( وإذا مسَّ الاِنسانَ ضُرٍّ دعا ربهُ مُنيباً إليه ثُمَّ إذا خوَّلهُ نعمةً منهُ نسيَ ما كان يدعو إليه من قبلُ ) (91). وقال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل يعظه: «لا تكن ممن... إنّ أصابه بلاء دعا مضطراً، وإن ناله رخاء أعرض مغتراً » (92). أما في حال تأخر الاجابة فيجب معاودة الدعاء وملازمة المسألة، لفضيلة الدعاء في كونه مخّ العبادة، ولاَنّه سلاح المؤمن الذي يقيه شر أعدائه من الشيطان وحب الدنيا وهوى النفس والنفس الامارة، ولربما كان تأخير الاجابة لمصالح لا يعلمها إلاّ من يعلم السرّ وأخفى، فيكون الدعاء خيراً للعبد في الآجلة، أو يدفع عنه بلاءً مقدراً لا يعلمه في العاجلة، ولعلّ تأخير الاجابة لمنزلته عند الله سبحانه، فهو يحب سماع صوته والاكثار من دعائه، فعليه أن لا يترك ما يحبه الله سبحانه . روي عن الاِمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «إن المؤمن يسأل الله عزَّ وجلّ حاجة فيؤخر عنه تعجيل اجابته حبّاً لصوته واستماع نحيبه » (93). وعليه يجب الالحاح بالدعاء في جميع الاَحوال، ولما في ذلك من الرحمة والمغفرة واستجابة الدعوات . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رحم الله عبداً طلب من الله عزَّ وجلَّ حاجةً فألحّ في الدعاء، استجيب له أو لم يستجب » (94). وعن الاِمام أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال: «والله لا يلح عبد مؤمن على الله عز وجلّ في حاجته إلاّ قضاها له » (95). وعن الاِمام الصادق عليه السلام: «إن الله عز وجلّ كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة، وأحبّ ذلك لنفسه، إنّ الله عزَّ وجلّ يحب أن يُسأل ويُطلب ما عنده» (96). 24 ـ التقدّم في الدعاء ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدة، لما في ذلك من الثقة بالله والانقطاع إليه، ولفضله في دفع البلاء واستجابة الدعاء عند الشدة . قال الاِمام الصادق عليه السلام: «من سره أن يستجاب له في الشدة، فليكثر الدعاء في الرخاء» (97) . وكان من دعاء الاِمام السجاد عليه السلام: «ولا تجعلني ممّن يبطره الرخاء، ويصرعه البلاء، فلا يدعوك إلاّ عند حلول نازلة، ولا يذكرك إلاّ عند وقوع جائحة، فيضرع لك خدّه، وترفع بالمسألة إليك يده » (98). 25 ـ التختم بالعقيق والفيروزج ويستحب في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج، لقول الاِمام الصادق عليه السلام: «ما رفعت كف إلى الله عزَّ وجلّ أحبُّ إليه من كفّ فيها عقيق » (99) . ولقوله عليه السلام: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله عزَّ وجلّ: إنّي لاَستحي من عبد يرفع يده وفيها خاتم فيروزج فأردّها خائبة » (100). 26 ـ الآداب المتأخرة عن الدعاء وهناك جملة آداب متأخرة عن الدعاء، أكدت عليها النصوص الاِسلامية، وفيما يلي أهمها: أ ـ أن يقول الداعي ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله يستحب أن يقال بعد الدعاء: (ما شاء الله، لا قوة إلاّ بالله) وفي هذه الكلمة فضل عظيم لما تنطوي عليه من إقرار العبد بالمشيئة المطلقة وانقطاعه عن جميع الاَسباب وتعلّقه بحول الله وقوته . قال الاِمام الصادق عليه السلام: «إذا دعا رجل فقال بعدما دعا: ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلاّ بالله، قال الله عزَّ وجلّ: استبسل عبدي واستسلم لاَمري، اقضوا حاجته» (101) . وعنه عليه السلام: «ما من رجل دعا فختم دعاءه بقول: ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله، إلاّ أجيب صاحبه » (102). ب ـ الصلاة على النبي وآله قال الاِمام الصادق عليه السلام: «من كانت له إلى الله عزَّ وجلّ حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثمّ يسأل حاجته، ثمّ يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإنّ الله عزَّ وجلّ أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط » (103). جـ ـ مسح الوجه والرأس باليدين ومن الآداب المتأخرة عن الدعاء أن يمسح الداعي وجهه ورأسه بيديه. قال الاِمام الصادق عليه السلام: «ما أبرزعبد يده إلى الله العزيز الجبار إلاّ استحيا الله عزَّ وجلّ أن يردّها صفراً حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فأذا دعا أحدكم فلا يردّ يده حتى يمسح على وجهه ورأسه»(104). وفي دعائهم عليهم السلام: «ولم ترجع يد طالبة صفراً من عطائك، ولا خائبة من نحل هباتك » (105) د ـ ويستحب أن يقول الداعي في حال استجابة دعائه: الحمدُ لله الذي بعزته تتمّ الصالحات (106)، وأن يصلي صلاة الشكر (107)، وإذا أبطأت عليه الاِجابة فليقل: الحمدُ لله على كلِّ حال، وأن لا يسأم من الدعاء (108) . المصدر: الدعاء، حقيقته، آدابه و آثاره؛ مركز الرسالة / صص: 24 – 52
1. تفسير العياشي 1: 43 / 139 . 2. الكافي 2: 347 / 7 . 3. بحار الاَنوار 93: 314 / 20 . 4. بحار الاَنوار 93: 313 . 5. نهج البلاغة: الخطبة (157) . 6. الكافي 2: 352 / 6 . 7. شرح ابن أبي الحديد 6: 190 . 8. بحار الاَنوار 93: 312 . 9. الكافي 2: 365 / 6 . 10. سورة الاعراف: 7 / 180 . 11. سورة الاسراء: 17 / 110 . 12. التوحيد: 195 / 9 . 13. عدة الداعي: 199 . 14. الكافي 2: 377 / 1 . 15. أمالي الصدوق: 335 / 6 . 16. وسائل الشيعة 7: 88 / 16 . 17. كفاية الاَثر: 39 . 18. مجمع الزوائد 10: 160 . 19. نهج البلاغة: الحكمة 361 . 20. الكافي 2: 356 / 2 . 21. الكافي 2: 351 / 1 . 22. مجمع الزوائد 10: 163 . 23. بحار الاَنوار 94: 67 / 55 . 24. بحار الاَنوار 93: 316 . 25. الصحيفة السجادية: الدعاء (5) . 26. تفسير العياشي 1: 14 / 2 . 27. أمالي الشيخ الطوسي 1: 175 . 28. الكافي 2: 422 / 11 . 29. بحار الاَنوار 94: 22 / 19 . 30. وسائل الشيعة 7: 102 / 9 . 31. الكافي 2: 351 / 3 . 32. نهج السعادة: 154 ـ كتاب الدعاء . 33. الكافي 2: 339 / 6 . 34. بحار الاَنوار 93: 295 و 300 . 35. نهج البلاغة: الكتاب (31) . 36. بحار الاَنوار 22: 431 / 40 . 37. بحار الاَنوار 93: 293 / 20 . 38. الصحيفة السجادية ـ الدعاء (54) . 39. منهاج اليقين: 375 . 40. بحار الاَنوار 93: 305 . 41. شرح ابن أبي الحديد 11: 230 . وبحار الاَنوار 93: 368 / 4 . 42. سورة البقرة: 2 / 186 . 43. تفسير العياشي 1: 83 / 196 . 44. سورة غافر: 40 / 60 . 45. سورة النحل: 27 / 62 . 46. بحار الاَنوار 93: 305 و 321 . 47. الكافي 2: 344 / 3 . 48. بحار الاَنوار 95: 450 / 3 . 49. سورة غافر: 40 / 60 . 50. تفسير القمي 1: 46 في تفسير قوله تعالى: ( وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم ) البقرة: 2 / 40 . 51. بحار الاَنوار 93: 376 . 52. الكافي 2: 343 / 1 . 53. سورة الاسراء: 17 / 56 . 54. سورة النمل: 27 / 62 . 55. نهج البلاغة: الكتاب (31) . 56. الكافي 2: 119 / 2 . 57. عدة الداعي: 134 . 58. الكافي 2: 345 / 1 . 59. بحار الاَنوار 93: 313 . 60. الكافي 2: 340 / 2 . 61. الكافي 2: 346 / 5 . 62. الكافي 2: 346 / 8 . 63. الفقيه 4: 265 . 64. الكافي 2: 344 / 2 . 65. الكافي 2: 344 / 4 . 66. الكافي 2: 350 / 10 . 67. عدة الداعي: 168 . 68. بحار الاَنوار 93: 336 . 69. بحار الانوار 93: 330 / 9 . 70. عدة الداعي: 176 . 71. الكافي 2: 350 / 7 . 72. الكافي 2: 354 / 1 . 73. بحار الانوار 93: 391 / 24 . 74. الكافي 2: 368 / 2 . وأمالي الصدوق: 369 / 1 . 75. سورة الاعراف: 7 / 205 . 76. سورة المؤمنين: 23 / 76 . 77. الكافي 2: 348 / 2، 349 / 6 . 78. بحار الانوار 93: 339 / 9 . 79. بحار الانوار 93: 339 / 10 . 80. بحار الانوار 93: 365 / 11 . 81. الاحتجاج: 407 . 82. الكافي 2: 348 / 4 . 83. بحار الانوار 93: 307 / 4 . 84. سورة الاعراف: 7 / 55 . 85. الكافي 2: 345 ـ 346 / 1 . 86. الكافي 2: 352 / 6 . 87. الكافي 2: 344 / 2 . 88. الكافي 2: 344 / 1 . 89. الكافي 2: 355 / 8 . 90. نهج البلاغة ـ الكتاب (31) . 91. سورة الزمر: 39 / 8 . 92. نهج البلاغة ـ الحكمة (150) . 93. الكافي 2: 354 / 1، وقرب الاسناد: 171 . 94. الكافي 2: 345 / 6 . 95. الكافي 2: 345 / 3 . 96. الكافي 2: 345 / 4 . 97. الكافي 2: 343 / 4 . 98. بحار الاَنوار 94: 130 . 99. عدة الداعي: 129 . 100. بحار الاَنوار 93: 321 . 101. الكافي 2: 378 / 1 . 102. أمالي الصدوق: 166 / 6 . 103. الكافي 2: 358 / 16 . 104. الكافي 2: 342/ 2، الفقيه1: 213/ 953. 105. عدة الداعي: 210. 106. بحار الأنوار 93: 370 /9. 107. بحار الأنوار 95: 415، وفيه تفصيل لصلاة الشكر وما يقال فيها من ثناء ودعاء. 108. بحار الأنوار 93: 370 /9.
|