التوبة و شروطها
التوبة و شروطها
0 Vote
183 View
التوبة و شروطها قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(1)يعني بالنصوح لا رجوع فيها إلى ذنب. و قال تعالى( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)(2) قوله بِجَهالَة يعني بمواقع العقاب و قيل بعظة الله و أخذه للعبد بعصيانه حال المواقعة ثم قال سبحانه (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )(3) نفى سبحانه قبول التوبة عند مشاهدة أشراط الموت من العاصي و الكافر و إنما هي مقبولة ما لم يتيقن الموت فإنه تعالى وعد قبوله بقوله وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ و بقوله عن نفسه غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ فالتوبة واجبة في نفسها عن القبيح و عن الإخلال بالواجب ثم إن كانت التوبة عن حق الله تعالى مثل ترك الصلاة و الصيام و الحج و الزكاة و سائر الحقوق اللازمة للنفس و البدن أو لأحدهما فيجب على التائب الشروع فيها مع القدرة أو العزم عليها مع عدم القدرة عليها في وقت القدرة و الندم على الإخلال بها في الماضي. و العزم على ترك العود و إن كانت التوبة عن حق الناس يجب رده عليهم إن كانوا أحياء و إلى ورثتهم بعد موتهم إن كانت ذلك المال بعينه و إلا فمثله و إن لم يكن لهم وارث تصدق به عنهم إن علم مقداره و إلا فيما يغلب على ظنه مساواته و الندم على غصبه و العزم على ترك العود إلى مثله و يستغفر الله تعالى على تعدي أمره و أمر رسوله و تعدي أمر إمام زمانه فلكل منهم حق في ذلك يسقط بالاستغفار و إن كان توبته عن أخذ عرض أو نميمة أو بهتان عليهم بكذب فيجب انقياده إليهم و إقراره على نفسه بالكذب عليهم و البهتان و ليستبرأ لهم عن حقهم إن نزلوا أو يراضيهم بما يرضون به عنه و إن كان عن قتل نفس عمدا أو جراح أو شيء في أبدانهم فينقاد إليهم للخروج من حقوقهم على الوجه المأمور به من قصاص أو جراح أو دية عن نفس عمدا إن شاءوا رضوا بالدية و إلا فالقتل بالقتل. و إن كانت التوبة عن معصية من زنى أو شرب خمر و أمثاله فالتوبة عنه الندم على ذلك الفعل و العزم على ترك العود إليه و ليست التوبة قول الرجل أستغفر الله و أتوب إليه و هو لا يؤدي حقه و لا حق رسوله و لا حق الناس فيقول الرجل هذا من دون ذلك استهزاء بنفسه و يجر عليها ذنبا بكذبه كما روي أن بعض الناس اجتاز على رجل و هو يقول أستغفر الله و هو يشتم و يكرر الاستغفار و يشتم فقال السامع له استغفر الله من هذا الاستغفار و ترجع بل أنت تهزأ بنفسك . و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)أيها الناس توبوا إلى الله توبة نصوحا قبل أن تموتوا و بادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا و أصلحوا بينكم و بين ربكم تسعدوا و أكثروا من الصدقة ترزقوا و أمروا بالمعروف تحصنوا و انهوا عن المنكر تنتصروا يا أيها الناس إن أكيسكم أكثركم للموت ذكرا و إن أحزمكم أحسنكم استعدادا له و إن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور و الإنابة إلى دار الخلود و التزود لسكنى القبور و التأهب ليوم النشور و كان رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يقول في دعائه اللهم اغفر لي كل ذنب علي إنك أنت التواب الرحيم و قيل إن إبليس قال و عزتك لا أزال أغوي و أدعو ابن آدم على المعصية ما دامت الروح في بدنه فقال الله تعالى و عزتي و جلالي لا أمنعه التوبة حتى يعزب بروحه و ما يقبض الله عبدا إلا بعد أن يعلم منه أنه لا يتوب لو أبقاه كما أخبر سبحانه عن جواب أهل النار من قولهم ربنا أرجعنا نعمل صالحا فقال تعالى وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ و كان رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يستغفر الله في كل يوم سبعين مرة يقول أستغفر الله ربي و أتوب إليه و كذلك أهل بيته (عليه السلام)و صالحوا أصحابه لقوله تعالى وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ . و قال رجل يا رسول الله إني أذنبت فقال استغفر الله فقال إني أتوب ثم أعود فقال كلما أذنبت استغفر الله فقال إذن تكثر ذنوبي فقال عفو الله أكثر فلا تزال تتوب حتى يكون الشيطان هو المدحور و قال إن الله تعالى أفرح بتوبة العبد منه لنفسه و قد قال إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ و قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)ما من عبد أذنب ذنبا فقام فتطهر و صلى ركعتين و استغفر الله إلا و غفر له و كان حقيقا على الله أن يقبله لأنه سبحانه قال وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً و قال إن العبد ليذنب فيدخل به الجنة قيل و كيف ذلك يا رسول الله قال يكون نصب عينيه لا يزال يستغفر منه و يندم عليه فيدخله الله به الجنة و لم أر أحسن من حسنة حدثت بعد ذنب قديم إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ و قال إذا أذنب العبد كان نقطة سوداء على قلبه فإن هو تاب و أقلع و استغفر صفا قلبه منها و إن هو لم يتب و لم يستغفر كان الذنب على الذنب و السواد على السواد حتى يغمر القلب فيموت بكثرة غطاء الذنوب عليه و ذلك قوله تعالى بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ يعني الغطاء و العاقل يحسب نفسه قد مات و يسأل الله الرجعة ليتوب و يقلع و يصلح فأجابه الله فيجد و يجتهد و جاء في قوله تعالى وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . و قال المصائب في المال و الأهل و الولد و النفس دون العذاب الأكبر و العذاب الأكبر عذاب جهنم و قوله لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يعني عن المعصية و هذا لا يكون إلا في الدنيا . و أوحى الله تعالى إلى داود احذر أن آخذك على غرة فتلقاني بغير حجة يريد التوبة و روي أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قوله تعالى رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ و روي أنه و زوجته حواء رأيا على باب الجنة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صفوتي من الخلق فسألا الله بهم فتاب عليهم . و التوبة على أربعة خصال ندم بالقلب و عزم على ترك العود و خروج من الحقوق و ترك بالجوارح و التوبة النصوح أن يتوب فلا يرجع فيما تاب عنه و التائب من الذنب كمن لا ذنب له و المصر على الذنب مع الاستغفار يستهزئ بنفسه و يسخر منه الشيطان و أن الرجل إذا قال أستغفرك يا رب و أتوب إليك ثم عاد ثم قال ثم عاد ثم قال كان في الرابعة من الكذابين. و قال بعضهم كن وصي نفسك و لا تجعل الرجال أوصياءك و كيف تلومهم على تضييع وصيتك و قد ضيعتها أنت في حياتك و سمع أمير المؤمنين رجلا يقول أستغفر الله فقال ثكلتك أمك أ و تدري ما حد الاستغفار الاستغفار درجة العليين و هو اسم واقع على ستة معان أولها الندم على ما مضى و الثاني العزم على ترك العود إليه أبدا و الثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حتى تلقى الله أملس و الرابع أن تعمد إلى كل فريضة ضيعتها فتؤدي حقها و الخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت و المعاصي فتذيبه و السادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول أستغفر الله و لقد أحسن بعضهم شعرا : مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا *** و أصبحت في يوم عليك شهيد و إن كنت بالأمس اقترفت إساءة *** فثن بإحسان و أنت حميد و لا تؤجل فعل الصالحات إلى غد *** لعل غدا يأتي و أنت فقيد و قال آخر : تمتع إنما الدنيا متاع *** و إن دوامها لا يستطاع و قدم ما ملكت و أنت حي *** أمير فيه متبع مطاع و لا يغررك من توصي إليه *** قصر وصية المرء الضياع و ما لي أن أملك ذاك غيري *** و أوصيه به لو لا الخداع و قال آخر : إذا ما كنت متخذا وصيا *** فكن فيما ملكت وصي نفسك ستحصد ما زرعت غدا و تجني *** إذا وضع الحساب ثمار غرسك المصادر : ارشاد القلوب ص44- 48 1- التحريم /8 2- النساء /17 3- النساء / 18 http://ar.rasekhoon.net/