مفهوم العبادة
مفهوم العبادة
0 Vote
159 View
التعريف الجامع الشامل لجميع العبادات سواء كانت حقّة أو باطلة، صحيحة أو فاسدة، و ـ التعريف ـ المانع عن دخول غيرها، ممّا ليس من مصاديقها و جزئياتها، و إن كانت شبيهة بها في الظاهر، ولكنّها في الواقع تكريم و تبجيل ويتوهمها الجاهل عبادة. و بما أنّا لم نقف على تعريف للعبادة، في الكتاب و السنّة، لا محيص لنا عن اصطياده عن طريق تحليلها في ضوء المصدرين الكريمين فانّ دراستها كذلك يُشرِف الباحثَ على تمييز العبادة عن غيرها و بالتالي على ما استفاده منهما في قالب تعريف جامع و مانع. العبادة تتقوم بعنصرين ولا يُغني أحدهما عن الآخر: الاَوّل: الاعتقادُ الخاص في حقّ المعبود، أعني الاعتقادَ بأنّه إله أو ربّ، أو بيده مصير العابد آجلاً وعاجلاً في تمام شوَون الحياة أو بعضها، وقد تعرّفتَ على معنى «الاِله» و «الرب» فإذا كان الخضوع و التذلل، مجرّداً عن هذا النوع من الاعتقاد لايعدّ العمل عبادة سواء أكان باللسان، أم بسائر الجوارح، نعم يمكن أن يكون حراماً موجباً للعقاب لا لاَنّه عبادة بل لكونه عملاً محرماً كسائر المحرّمات الّتي ليست بعبادة قطعاً كالكذب و الغيبة. الثاني: العمل الحاكي عن الخضوع، و يكفي في ذلك أبسط الخضوع إلى أعلاه سواء أكان باللفظ والبيان، أم بسائر الجوارح، فإذا كان الخضوع نابعاً عن الاعتقاد الخاص في مورد المخضوع له، يتصف بالعبادة. إنّ الاعتقاد بأُلوهية المخضوع له، أو ربوبيته، أو كون مصير العباد بيده، مجرّداً عن الخضوع العملي أو اللفظي، يستلزم كونَ صاحبه مشركاً في العقيدة لا مشركاً في العبادة، و إنّما يكون مشركاً فيها إذا انضمّ إلى العقيدة، خضوع عملي كما أنّ مجرّدَ الخضوع النابع عن الحب و العطف، يكون تكريماً و تبجيلاً، و خضوعاً و تذلّلاً لا عبادة، و ربما يكون حلالاً و مباحاً و يعدّ مَظْهَراً للتكريم و سبباً لاِظهار الحبّ و الودّ، و ربما يكون حراماً كالسجود للمحبوب بما أنّه جميل، لا لاَنّه إله و ربّ أو بيده مصيره، و مع ذلك فالسجود لمثله حرام حسب ما ورد في السنّة و إن لميكن عبادة و كونه مثلها في الصورة لا يُدخله في عنوانها لاَنّ العبرة بالنيّات و البواطن، لا بالصور و الظواهر. أمّا العنصر الثاني: فلم يختلف في لزوم وجوده اثنان إنّما الكلام في مدخلية العنصر الاَوّل في صدق العبادة و دخوله في واقعها و نحن نستدل على مدخليته بطريقين: الاَوّل: التمعن في عبادة الموحّدين و المشركين إنّ الاِمعان في أعمالهم، يدلُّ بوضوح على أنّ خضوعهم جميعاً لم يكن منفكاً عن الاعتقاد بأُلوهية معبوداتهم و ربوبيتها و كانت تلك العقيدة هي التي تَجرُّهم إلى الخضوع و التذلل أمامها ولولاها لم يكن لخضوعهم وجه ولا سبب فالموحِّد يخضع أمام اللّه لاعتقاده بأنّه خالق، بارىَ ، مبدع، و مصور، مدبّر، و متصرّف، و بكلمة جامعة: إنّه إله العالمين إلى غير ذلك من الشوَون، فمن هذا الاعتقاد، ينشأ الخضوع و التذلل. والمشرك يخضع أمام الاَصنام والاَوثان، أو الاَجرام السماوية، لاعتقاده بأنّها آلهة و أرباب بيدها مصيره في الدنيا و الآخرة و لذلك كانوا يستمطرون بها، ويطلبون منها الشفاعة والمغفرة و بذلك صاروا آلهة و أرباباً. إنّ الموحّد يرى أنّ العزّة بيد اللّه سبحانه و هو القائل عزّ من قائل: "فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَميعاً" (1) "وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ" (2) ولكن المشرك يرى أنّ العزة بيد الاَصنام والاَوثان يقول سبحانه حاكياً عن عقيدته: "وَاتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً" (3) إنّ الموحّد لا يُثبت شيئاًمن صفاته سبحانه، و أفعاله، لغيره ولا يرى له مثيلاً و لا نظيراًفي الصفات والاَفعال فهو المتفرِّد في جماله و كماله، وفي أسمائه و صفاته، وفي أعماله و أفعاله، و لكن المشرك يسوي الاَصنام بربّالعالمين إذ يقول سبحانه حاكياً عنهم: "تَاللّهِ إِنْ كُنّا لَفِي ضَلالٍ مُبين* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمين" (4) و إذا لم تكن التسوية متحقّقة في تمام الشوَون فقد كانت متحقّقة في بعضها فقد كانوا عندهم مالكين للشفاعة النافذة التي لا تردّ، و لغفران الذنوب، فلاَجل ذلك تُركّز الآيات على أنّ الشفاعة للّه و المغفرة بيده، يقول سبحانه: "قُلْ للّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً" (5) و يقول: "وَ مَنْ يَغْفِرُالذُّنُوبَ إِلاّ اللّه" (6) إنّ النبيّ إبراهيم علیه السلام يصف ربّه بقوله: "الّذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالّذي يُطْعِمُنِي وَ يَسْقينِ*وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالّذي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيينِ* وَالّذي أَطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لي خَطِيئَتي يَومَالدّينِ" (7)و هو في هذا المقام يحاول ردّ عقيدة المشركين حيث كانوا يثبتون بعضَ هذه الاَفعال لمايعبدون من الاَجرام السماوية والاَرضية. وحصيلة الكلام أنّ التاريخ القطعي وآيات الذكر الحكيم متّفقان على أنّخضوع المشركين لم يكن مجرّدَ عمل دون أن يكون نابعاً من الاعتقاد الخاصّ في حقّ معبوداتهم و لم تكن عقيدتهم سوى إثبات ما لربّ العالمين من الشوَون، كلّها أو بعضها لهم، و لاَجل ذلك كانوا يتذلّلون أمامهم. هذه هي الطريقة الاَولى لاستكشاف مدخلية العنصر الاَوّل في صدق العبادة و قد وقفنا عليها من طريق الامعان في عبادة الموحدين و المشركين و إليك الكلام في الطريقة الثانية. الثانية: الاِمعان في الآيات الداعية إلى عبادة اللّه، الناهية عن عبادة الغير إنّ الآيات الحاثة على عبادة اللّه و المحذرة عن عبادة غيره، تعلل لزوم عبادته سبحانه بالاَلوهية تارة و الربوبية أُخرى، و هذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ العبادة من شوَون الاِله و الربّ، و انّها كانت ضابطة مسلّمة بين المخاطبين، و لم يكن فيها أيّاختلاف و إنّما كان الاختلاف في الموصوف بهما، فالذكر الحكيم لا يرى في صحيفة الوجود، إلهاً ولا ربّاً غيره، و يُحصر العنوانين في اللّه سبحانه بينما يرى المشركين أصنامَهم آلهة و أرباباً و لذلك ذهبوا إلى عبادتها و الخضوع أمامها لاَنّها أرباب و آلهة عندهم و لها نصيب من العنوانين. وعلى الجملة : انّالدعوة إلى عبادة اللّه أو حصرها فيه معللاًبأنّه سبحانه إله و ربّ و لا إله ولا ربّغيره، يعطي اتفاق الموحد والمشرك على تلك الضابطة و أنّها من شوَون من كان ربّاً و إلهاً و إنّما كان الاختلاف و الجدال في المصاديق، و إنّه هل هناك إله أو ربّ غيره سبحانه، أو لا؟ فالاَنبياء يوَكدون على الثاني، و المشركون على الاَوّل، وعلى هذا لو كان هناك خضوع أمام شيء، من دون هذه العقيدة فلا يكون عبادة باتّفاق الموحد و المشرك. و إليك ما استظهرناه من الآيات: 1ـ قال سـبحانه: "يا قَومِ اعْبُدُوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ" (8) وقد وردت هذه الآية في مواضع كثيرة من القرآن.(9) إنّ قوله سبحانه: "ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ" بمنزلة التعليل للاَمر بحصرالعبادة في اللّه تعالى و معناه : اعبدوا اللّه و لا تعبدوا سواه، و ذلك لاَنّ العبادة من شوَون الاَلوهية ولا إله غيره. 2ـ قال سبحانه: "وَ قال الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسرائِيل اعْبُدُوا اللّه رَبّي وَ ربَّكُمْ"(10) "إنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْأُمّةً واحِدة وأَنَا ربُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" (11) "إِنَّ اللّهَ ربّي وَربُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقيم" (12) "يا أَيُّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ وَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ"(13) و كيفية البرهنة في هذا الصنف من الآيات مثلها في الآية السابقة. وقد ورد مضمون هذه الآيات أعني: جعل العبادة دائرة مدار الربوبية في آيات أُخرى.(14) إنّتعليق الاَمر بالعبادة على لفظ الربّ في قوله "اعبدوا ربّكم" دليل على أنّوجه تخصيص العبادة باللّه سبحانه هو كونه ربّاً و لا ربّ غيره، فهذا يعرب عن كون العبادة من شوَون من يكون ربّاً، وليس الربّ إلاّاللّه سبحانه، وأمّا ربوبية غيره فباطلة. 3ـ قال سبحانه: "ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ"(15) فقد علل الاَمر بعبادة اللّه سبحانه في هذه الآية بشيئين: أ : إنّه "ربّكم". ب: إنّه "خالق كلّشيء". فيدل بوضوح على أنّ العبادة من شوَون الربوبية و الخالقية، فمن كان خالقاً، أو ربّاً، مدبّراً للكون والاِنسان، تجب عبادته، وأمّا من كان مجرداًعن هذه الشوَون فكان مخلوقاً بل خالقاً و لا ربّاً و مدبّراً متصرفاً فيه مكان كونه مدبِّراً و متصرِّفاً، فلا يصلح أن يكون معبوداً. إنّه سبحانه يشرح في مجموعة من الآيات بأنّه الخالق الرازق المميت المحيي، و إنّ الشفاعة له جميعاً، وهو الغافر للذنوب لا غيره، ولا يهدف من ذكر هذه الاَوصاف لنفسه إلاّ توجيه نظر الاِنسان نحو صلاحيته للعبادة لا غيره و هو يعرب عن أنّ العبادة من شوَون من يكون خالقاً، و رازقاً، مميتاً، محيياً، غافراً للذنوب، ماحياً للسيئات و ليس إلاّ هو، و إنّ المشركين يعبدون أصناماً، يزعمون أنّها تملك شيئاً من هذه الاَمور أو بعضها و لكنّها عقيدة خاطئة، إذ هو الرازق المحيي المميت الغافر، للذنوب لا غيره. 4ـ يقول سبحانه: "اللّهُ الّذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ" (16) وقال تعالى: "هَلْ لَكُمْ مِن ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ شُرَكاء فِي ما رَزَقْناكُمْ" (17) وقال تعالى: "هُوَ يُحْيي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرجَعُونَ" (18) وقال سبحانه:"قُلْ للّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً" (19) وقال تعالى: "وَ مَنْ يَغْفِرُالذُّنُوبَ إِلاّاللّه" (20) فهذا الصنف من الآيات التي تلونا عليك قسماً قليلاً منها يدل على أنّه لايستحقّ العبادة إلاّمن يتمتع بهذه الشوَون وماضاهاها فلو كان متمتعاً بها واقعاً فهو المعبود حقّاً و إلاّ فلا يكون مستحقّاً للعبادة. والعجب، أنّ كلّ من ارتأى تعريف العبادة فإنّما نظر إلى العنصر الثاني (الخضوع) الذي لم يختلف فيه اثنان، و لم يركز الكلام على العنصر الاَوّل (الاِعتقاد الخاصّ)، مع أنّه الفيصل بين العبادة ، والتكريم. وحاصل هذا البيان أنّه لا يصحّ أن ينظر إلى ظاهر الاَعمال بل يجب النظر في مبادئها و مناشئها فالعبادة لا تتحقق و لا يصدق عنوانها على شيء إلاّإذا اتّحد العمل مع عمل الموحدين أو المشركين فقد كان عمل الموحدين نابعاً عن الاعتقاد الخاص بأُلوهيته سبحانه وربوبيته كما كان عمل المشركين أيضاً نابعاًمن هذا المبدأ لكن في حقّ أصنامهم و أوثانهم. نعم المشركون لم يكونوا معتقدين بخالقية معبوداتهم و لكنّهم كانوا معتقدين بأُلوهيتهم و ربوبيتهم و تصرّفاتهم في الكون و بكونهم مالكين للمغفرة والشفاعة. و على ضوء هذا فكلّ خضوع يتمتع بنفس هذا العنصر يُضفى عليه عنوانُ العبادة فإن أتى به للّه سبحانه يكون موحّداً و إن أتى به لغيره يكون مشركاً. فلايصحّ لنا القضاء على ظاهر الاَعمال من دون التفتيش عن بواطنها. التعاريف الثلاثة للعبادة و قد خرجنا ـ بالاِمعان في عقائد الموحّدين و المشركين و بالاِمعان في الآيات الحاثة على عبادة اللّه والنهي عن عبادة غيره بالنتيجة التالية: إنّ العبادة ليست خضوعاً فارغاً مهما بلغ أعلاه بل خضوعاً نابعاًعن عقيدة خاصة وهي الاعتقاد بكون المخضوع له ربّاً، أو إلهاً، أو مصدراً للاَفعال الاِلهية فلذلك يصحّ تعريفها على أحد الوجوه التالية و يكون جامعاً لعامة أفرادها، و دافعاً عن دخول غيرها في تعريفها: 1ـ خضوع لفظي أو عملي ناشىَ من العقيدة بأُلوهية المخضوع له . 2ـ العبادة هي الخضوع بين يدي من يعتبره «ربّاً»و بعبارة أُخرى ، هي الخضوع العملي أو القولي لمن يعتقد بربوبيته، فالعبودية كلازم الاعتقاد بالربوبية . 3ـ العبادة خضوع أمام من يُعْتبر إلهاً حقّاً أو مصدراً للاَعمال الاِلهية كتدبير شوَون العالم و الاِحياء والاِمامة و بسط الرزق بين الموجودات و غفران الذنوب . لو انا عرضنا ضوابط العبادة وقارناها مع الكثير من الاَعمال الرائجة بين المسلمين من عصر رسول اللّه - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى زماننا هذا وتاملنا فیها هل تزاحم التوحيد، وتضاهي الشرك، أو أنّها عكس ذلك توافق التوحيد، و ليست من الشرك في شيء أبداً؟ ولهذا نجري معك في هذا السبيل (أي عرض هذه الاَعمال على ضوابط العبادة التی مرت معنا آنفا) جنباً إلى جنب فنقول: إنّ الاَعمال التي ينكرها الوهابيون على المسلمين هي عبارة عن: 1ـ التوسل بالاَنبياء والاَولياء في قضاء الحوائج فهل هذا شرك أو لا؟ يجب عليك أخي القارىَ أن تجيب على هذا السوَال بعد عرضه على الضابطة فی تحديد معنى العبادة و مفهومها، فهل المسلِم المتوسِّل بالاَنبياء والاَولياء يعتقد فيهم «أُلوهية» أو «ربوبية» و لو بأدنى مراتبهما و قدعرفت معنى الاَلوهية والربوبية بجميع مراتبهما و درجاتهما، أو إنّه يعتقد بأنّهم عباد مكرمون عند اللّه تعالى تستجاب دعوتُهم، و يجاب طلبهم بنص القرآن الكريم. فإذا توسّل المتوسّل بالاَنبياء والاَولياء بالصورة الاَولى كان عمله شركاً، يخرجه عن ربقة الاِسلام. و إذا توسّل بالعنوان الثاني لم يفعل مايزاحم التوحيد ويضاهي الشرك أبداً. و أمّا أنّ توسّله بهم مفيد أو لا، محلّل أو محرّم من جهة أُخرى غير الشرك؟ فالبحث فيهما خارج عن نطاق البحث الحاضر الذي يتركز الكلام فيه على تمييز التوحيد عن الشرك، و بيان ما هو شرك و ما هو ليس بشرك. 2ـ طلب الشفاعة من الصالحين هناك من ثبت قبول شفاعتهم بنصّ القرآن الكريم و السنّة الصحيحة. ثمّ إنّ طلب الشفاعة منهم إن كان بما أنّهم مالكون للشفاعة و أنّها حقّ مختصّ بهم، و أنّ أمر الشفاعة بيدهم، أو إنّه قد فُوِّض إليهم ذلك المقام، فلا شكّ أنّ ذلك شرك و انحراف عن جادة التوحيد، و اعتراف بأُلوهية الشفيع(المستَشْفع به) و ربوبيته، ودعوة الصالحين للشفاعة بهذا المعنى والقيد شرك لا محالة. وأمّا إذا طلب الشفاعة من الصالحين بما أنّهم عباد مأمورون من جانب اللّه سبحانه للشفاعة في من يأذن لهم اللّه بالشفاعة له، ولا يشفعون لمن لم يأذن اللّه بالشفاعة له، و إنّ الشفاعة بالتالي حقّ مختص باللّه بيد أنّه تعالى، يجري فيضه على عباده عن طريق أوليائه الصالحين المكرمين. فالطلب بهذا المعنى و بهذه الصورة لا يزاحم التوحيد، ولا يضاهي الشرك، فهو طلب شيء من شخص مع الاعتراف بعبوديته المحضة و مأموريته الخاصة. وأمّا أنّه طلب مفيد أو لا، أو أنّه محلّل أو محرّم من جهة أُخرى غير جهة الشرك و التوحيد؟ فهو أمر خارج عن إطار هذا البحث الذي يتركز ـ كما أسلفنا ـ على بيان التوحيد والشرك في العبادة. 3ـ التعظيم لاَولياء اللّه و قبورهم و تخليد ذكرياتهم . فهل هذا العمل يوافق ملاك التوحيد أو يوافق ملاك الشرك؟ الجواب هو أنّ هذا العمل قد يكون توحيداًمن وجه، و قد يكون شركاً من وجه آخر. فإن كان التعظيم و التكريم ـ بأيّ صورة كان ـ قد صدر عن الاَشخاص تجاه أُولئك الاَولياء بما أنّ هوَلاء الاَولياء عِباد أبرار، وقفوا حياتهم على الدعوة إلى اللّه، و ضحّوا بأنفسهم و أهليهم و أموالهم في سبيل اللّه، و بذلوا في هداية البشرية كلّ غالٍ و رخيص، فانّ مثل هذا التعظيم يوافق مواصفات التوحيد، لاَنّه تكريم عبدٍ من عباد اللّه لما أسداه من خدمة في سبيل اللّه، مع الاعتراف بأنّه عبد لا يملك شيئاً إلاّ ما ملّكه اللّه، و لا يقدر على عمل إلاّبما أقدره اللّه عليه. انّ مثل هذا التعظيم يوافق أصل التوحيد بمراتبه المختلفة دون أيّ شكّ. وأمّا أنّه مفيد أو لا، أو أنّه حلال أو حرام من جهة أُخرى غير جهة الشرك و التوحيد فخارج عن نطاق هذا البحث المهتم ببيان ما هو شرك و ما هو ليس بشرك. وأمّا إذا وقع التعظيم والتكريم للولي معتقداً بأنّه ـ حيّاً كان أو ميّتاً ـ مالك لواقعية الاَلوهية أو درجة منها، أو أنّه واجد لمعنى الربوبيّة أو مرتبة منها، فانّه ـ و لا شكّ ـ شرك و خروج عن جادة التوحيد. 4ـ الاستعانة بالاَولياء: فهل الاِستعانة بالاَولياء توافق التوحيد أم توافق الشرك؟ إنّ الاِجابة على ذلك تتضح بعد عرض الاستعانة هذه على الميزان الذي أعطاه القرآن لنا، فلو استعان أحد بولي ـ حياً كان أو ميتاً ـ على شيء موافق لما جرت عليه العادة أو مخالف للعادة كقلب العصا ثعباناً، و الميت حياً، باعتقاد أنّ المستعان إله، أو ربّ، أو مفوّض إليه بعض مراتب التدبير والربوبية فذلك شرك دون جدال. وأمّا إذا طلب منه كلّ ذلك أوبعضه بما أنّه عبد لا يقدر على شيء إلاّ بما أقدره اللّه عليه، وأعطاه و أنّه لا يفعل ما يفعل إلاّبإذن اللّه تعالى، و إرادته، فالاستعانة به و طلب العون منه حينئذٍ من صلب التوحيد، من غير فرق بين أن يكون الولي المستعان به حيّاً أو ميّتاً، و أن يكون العمل المطلوب منه عملاً عادياً أو خارقاً للعادة. وأمّا أنّ المستعان قادر على الاِعانة أو لا، أو أنّ هذه الاِستعانة مجدية أو لا، و أنّ هذه الاستغاثة محلّلة أو محرمة، من جهات أُخرى أو لا؟ فكل ذلك خارج عن إطار هذا البحث. وقس عليه سائر ما يرد عليك من الموضوعات التي يتشدد فيها الوهابيون من غير سند سوى التقليد لابن تيمية أو ابن عبد الوهاب، و هم يعتمدون على أقوال الرجال مكان الاعتماد على النصوص في الكتاب و السنّة فترى انّ استدلالاتهم تدور حول أقوالهم . المصادر : 1- فاطر/10 2- آل عمران/26 3- مريم/81 4- الشعراء/97ـ98 5- الزمر/44 6- آل عمران/135 7- الشعراء/78ـ82 8- الاَعراف/59 9- الاَعراف/65، 73و 58. و سورة هود/5، 61، 84 ، و سورة الاَنبياء/25 و سورة الموَمنين/23، 32 و سورة طه /14 10- المائدة/72 11- الاَنبياء/92 12- آل عمران/51 13- البقرة/21 14- يونس /3، الحجر/99، مريم /36، 65، الزخرف/64 15- الاَنعام102 16- الروم/40 17- الروم/28 18- يونس/56 19- الزمر/44 20- آل عمران/135 http://ar.rasekhoon.net/