تاريخ نشوء الوهابية

      فی زمان السلطان سلیم الثالث حدثت فی مدة سلطنته فتن کثیرة منها فتنة الوهابیة التی کانت فی الحجاز حتى استولوا على الحرمین ومنعوا وصول الحج الشامی والمصری ومنها فتنة الفرنسیس لما استولوا على مصر ولنذکر ما یتعلق بهاتین الفتنتین علی سبیل الاختصار لأن کلا منهما مذکور تفصیلا فی التواریخ وأفرد کل منهما بتألیف رسائل مخصوصة، أما فتنة الوهابیة فکان ابتداء القتال فیها بینهم وبین أمیر مکة الشریف غالب بن مساعد وهو نائب من جهة السلطنة العلیة على الاقطار الحجازیة وابتداء القتال بینهم وبینه من سنة خمس بعد المائتین والألف للهجرة وکان ذلک فی مدة سلطنة السلطان سلیم الثالث ابن السلطان مصطفى الثالث ابن أحمد .(وأما ابتداء أول ظهور الوهابیة) فکان قبل ذلک بسنین کثیرة وکانت قوتهم وشوکتهم فی بلادهم أولا ثم کثر شرهم وتزاید ضررهم واتسع ملکهم وقتلوا من الخلائق ما لا یحصون واستباحوا أموالهم وسبوا نساءهم وکان مؤسس مذهبهم الخبیث محمد بن عبدالوهاب وأصله من المشرق من بنی تمیم وکان من المعمرین فکاد یعد من المنظرین لأنه عاش قریب مائة سنة حتى انتشر عنه ضلالهم، کانت ولادته سنة ألف ومائة وإحدى عشرة وهلک سنة ألف ومائتین وأرخه بعضهم بقوله: (بدا هلاک الخبیث) 1206 وکان فی ابتداء أمره من طلبة العلم بالمدینة المنورة على ساکنها أفضل الصلاة والسلام وکان أبوه رجلا صالحاً من أهل العلم وکذا أخوه الشیخ سلیمان وکان أبوه وأخوه ومشایخه یتفرسون فیه أنه سیکون منه زیغ وضلال لما یشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزعاته فی کثیر من المسائل، وکانوا یوبخونه ویحذرون الناس منه فحقق الله فراستهم فیه لما ابتدع ما ابتدعه من الزیغ والضلال الذی أغوى به الجاهلین وخالف فیه أئمة الدین وتوصل بذلک إلى تکفیر المؤمنین فزعم أن زیارة قبر النبی صلى الله علیه وسلّم والتوسل به وبالأنبیاء والأولیاء والصالحین وزیارة قبورهم شرک وأن نداء النبی صلى الله علیه وسلّم عند التوسل به شرک وکذا نداء غیره من الأنبیاء والأولیاء والصالحین عند التوسل بهم شرک وأن من أسند شیئا لغیر الله ولو على سبیل المجاز العقلی یکون مشرکا نحو نفعنی هذا الدواء وهذا الولی الفلانی عند التوسل به فی شیء وتمسک بأدلة لا تنتج له شیئا من مرامه وأتى بعبارات مزورة زخرفها ولبس بها على العوام حتى تبعوه وألف لهم فی ذلک رسائل حتى اعتقدوا کفر أکثر أهل التوحید، واتصل بأمراء المشرق أهل الدرعیة ومکث عندهم حتى نصروه وقاموا بدعوته وجعلوا ذلک وسیلة إلى تقویة ملکهم واتساعه وتسلطوا على الأعراب وأهل البوادی حتى تبعوهم وصاروا جنداً لهم بلا عوض وصاروا یعتقدون أن من لم یعتقد ما قاله ابن عبد الوهاب فهو کافر مشرک مهدر الدم والمال، وکان ابتداء ظهور أمره سنة ألف ومائة وثلاث وأربعین وابتداء انتشاره من بعد الخمسین ومائة وألف. وألّف العلماء رسائل کثیرة للرد علیه حتى أخوه الشیخ سلیمان وبقیة مشایخه وکان ممن قام بنصرته وانتشار دعوته من أمراء المشرق محمد بن سعود أمیر الدرعیة وکان من بنی حنیفة قوم مسیلمة الکذاب، ولما مات محمد بن سعود قام بها ولده عبدالعزیز ابن محمد بن سعود، وکان کثیر من مشایخ ابن عبدالوهاب بالمدینة یقولون سیضل هذا أو یضل الله به من أبعده وأشقاه فکان الأمر کذلک . وممن ألف فی الرد على ابن عبدالوهاب أکبر مشایخه وهو الشیخ محمدبن سلیمان الکردی مؤلف حواشی شرح ابن حجر على مت بافضل فقال من جملة کلامه یا ابن عبدالوهاب إنی أنصحک الله تعالى أن تکف لسانک عن المسلمین فإن سمعت من شخص أنه یعتقد تأثیر ذلک المستغاث به من دون الله فعرفه الصواب وأین له الأدلة على أنه لا تأثیر لغیر الله فإن أبى فکفره حینئذ بخصوصه ولا سبیل لک إلى تکفیر السواد الأعظم من المسلمین، وأنت شاذ عن السواد الأعظم فنسبة الکفر إلى من شذ عن السواد الأعظم أقرب لأنه اتبع غیر سبیل المؤمنین قال تعالى (وَمَن یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیرًا) (1)وإنما یأکل الذئب من الغنم القاصیة وأما زیارة قبر النبی صلى الله علیه وسلّم فقد فعلها الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم من السلف والخلف وجاء من فضلها أحادیث أفردت بالتألیف ومما جاء فی النداء لغیر الله تعالى من غائب ومیت وجماد قوله صلى الله علیه وسلّم «إذا أفلتت دابة أحدکم بأرض قلاة فلیناد یاعباد الله أحبسوا فإن لله عباداً یجیبونه» وفی حدیث آخر «إذا أضل أحدکم شیئاً أو أراد عونا وهو بأرض لیس فیها أنیس فلیقل یا عباد الله أعینونی وفی روایة أغیثونی فإن لله عباداً لا ترونهم» وکان النبی صلى الله علیه وسلّم إذا سافر فأقبل اللیل قال یا أرض ربی وربک الله وکان صلى الله علیه وسلّم إذا زار قال السلام علیکم یا أهل القبور وفی التشهد الذی یأتی به کل مسلم فی کل صلاة صورة النداء فی قوله السلام علیک أیها النبی والحاصل أن النداء والتوسل لیس فی شیء منهما ضرر إلا إذا اعتقد التأثیر لمن ناداه أو توسل به ومتى کان معتقداً أن التأثیر لله لا لغیر الله فلا ضرر فی ذلک وکذلک إسناد فعل من الأفعال لغیر الله لا یضر إلا إذا اعتقد التأثیر ومتى لم یعتقد التأثیر فإنه یحمل على المجاز العقلی کقوله نفعنی هذا الدواء أو فلان الولی فهو مثل قوله: أشبعنی هذا الطعام، وأرونی هذا الماء، وشفانی هذا الدواء فمتى صدر ذلک من مسلم فإنه یحمل على الإسناد المجازی والإسلام قرینة کافیة فی ذلک فلا سبیل إلى تکفیر أحد بشیء من ذلک ویکفی هذا الذی ذکرناه إجمالا فی الرد على أبى عبدالوهاب ومن أراد بسط الکلام فلیرجع إلى الرسائل المؤلفة فی ذلک وقد لخصت مافیها فی رسالة مختصرة فلینظرها من أرادها، ولما قام ابن عبدالوهاب ومن أعانه بدعوتهم الخبیثة التی کفّروا بسببها المسلمین ملکوا قبائل الشرق قبیلة بعد قبیلة، ثم اتسع ملکهم فملکوا الیمن والحرمین وقبائل الحجاز وبلغ ملکهم قریبا من الشام فإن ملکهم وصل إلى المزبریب وکانوا فی ابتداء أمرهم أو سلوا جماعة من علمائهم ظنا منهم أنهم یفسدون عقائد علماء الحرمین ویدخلون علیهم الشبهة بالکذب ، فلما وصلوا إلى الحرمین وذکروا لعلماء الحرمین عقائدهم وما تملکوا به رد علیهم علماء الحرمین وأقاموا علیهم الحجج والبراهین التی عجزوا عن دفعها وتحقق لعلماء الحرمین جهلهم وضلالهم و وجدوهم ضحکة ومسخرة کحمر مستنفرة فرت من قسورة ونظروا إلى عقائدهم فوجدوها مشتملة على کثیر من المکفرات فبعد أن أقاموا البرهان علیهم کتبوا علیهم حجة عند قاضی الشرع بمکة تتضمن الحکم بکفرهما بتلک العقائد لیشتهر بین الناس أمرهم، فیعلم بذلک الأول والآخر، وکان ذلک فی مدة إمارة الشریف مسعود بن سعید بن سعد بن زید المتوفی سنة خمس وستین ومائة وألف، وأمر بحبس أولئک الملاحدة فحبسوا وفر بعضهم إلى الدرعیة فأخبرهم بما شاهدوا فازدادوا عتواً واستکباراً وصار أمراء مکة بعد ذلک یمنعون وصولهم للحج فصاروا یغیرون على بعض القبائل الداخلین تحت طاعة أمیر مکة ثم انتشب القتال بینهم وبین أمیر مکة الشریف غالب بن مساعد بن سعید بن سعد بن زید وکان ابتداء القتال بینهم وبینه من سنة خمس بعد المائتین والألف ووقع بینهم وبینه وقائع کثیرة قتل فیها خلائق کثیرون ولم یزل أمرهم یقوى وبدعتهم تنتشر إلى أن دخل تحت طاعتهم أکثر القبائل والعربان الذین کانوا تحت طاعة أمیر مکة. وفی سنة سبع عشرة بعد المائتین والألف ساروا بجیوش کثیرة حتى نازلوا الطائف وحاصروا أهله فی شهر ذی القعدة من السنة المذکورة، ثم تملکوه وقتلوا أهله رجالا ونساء وأطفالا ولا نجامنهم إلاّ القلیل ونهبوا جمیع أموالهم ثم أرادوا المسیر إلى مکة فعلموا أن مکة فی ذلک الوقت فیها کثیر من الحجاج ویقدم إلیها الحاج الشامی والمصری فیخرج الجمیع لقتالهم فمکثوا فی الطائف إلى أن انقضى شهر الحج وتوجه الحجاج إلى بلادهم وساروا بجیوشهم یریدون مکة ولم یکن للشریف غالب قدرة على قتال جیوشهم فنزل إلى جدة فخاف أهل مکة أن یفعل الوهابیة معهم مثل ما فعلوا مع أهل الطائف فأرسلوا إلیهم وطلبوا منهم الأمان لأهل مکة فأعطوهم الأمان ودخلوا مکة ثامن محرم من السنة الثامنة عشر بعد المائتین والألف ومکثوا أربعة عشر یوما یستتیبون الناس ویجددون لهم الإسلام على زعمهم ویمنعونهم من فعل ما یعتقدون أنه شرک کالتوسل وزیارة القبور، ثم ساروا بجیوشهم إلى جدة لقتال الشریف غالب فلما أحاطوا بجدة رمى علیهم بالمدافع والقلل فقتل کثیراً منهم ولم یقدروا على تملک جدة فارتحلوا بعد ثمانیة أیام ورجعوا إلى بلادهم وجعلوا لهم عسکراً بمکة وأقاموا لهم أمیراً فیها وهو الشریف عبد المعین أخو الشریف غالب وإنما قبل أمرهم لیرفق بأهل مکة ویدفع ضرر أولئک الأشرار عنهم، وفی شهر ربیع الأول من السنة المذکورة سار الشریف غالب من جدة ومعه والى جدة من طرف السلطنة العلیة وهو شریف باشا ومعهما العساکر فوصلوا إلى مکة وأخرجوا من کان بها من عساکر الوهابیة ورجعت أمارة مکة للشریف غالب ثم بعد ذلک ترکوا مکة واشتغلوا بقتال کثیر من القبائل وصار الطائف بأیدیهم وجعلوا علیه أمیراً عثمان المضایقی فصار هو وبعض جنودهم یقاتلون القبائل التی فی أطراف مکة والمدینة ویدخلونهم فی طاعتهم حتى استولوا علیهم وعلى جمیع الممالک التی کانت تحت طاعة أمیر مکة فتوجه قصدهم بعد ذلک للاستیلاء على مکة فساروا بجیوشهم سنة عشرین وحاصروا مکة وآحاطوا بها من جمیع الجهات وشددوا الحصار علیها وقطعوا الطرق ومنعوا المیرة من مکة فاشتد الحصار على أهل مکة حتى أکلوا الکلاب لشدة الغلاء وعدم وجود القوت فاضطر الشریف غالب إلى الصلح معهم وتأمین أهل مکة فوسط أناساً بینه وبینهم فعقدوا الصلح على شروط فیها رفق بأهل مکة فمن تلک الشروط أن إمارة مکة تکون له فتم الصلح ودخلوا مکة فی أواخر ذی القعدة سنة عشرین وتملکوا المدینة المنورة وانتهبوا الحجرة وأخذوا ما فیها من الأموال وفعلوا أفعالا شنیعة وجعلوا على المدینة أمیراً منهم مبارک بن مضیان واستمر حکمهم فی الحرمین سبع سنین ومنعوا دخول الحج الشامی والمصری مع المحامل مکة وصاروا یصنعون للکعبة المعظمة ثوبا من العباء القیلان الأسود وأکرهوا الناس على الدخول فی دینهم ومنعوهم من شرب التنباک ومن فعل ذلک وأطلعوا علیه عزروه بأقبح التعزیر وهدموا القبب التی على قبور الأولیاء وکانت الدولة العثمانیة فی تلک السنین فی ارتباک کثیر وشدة قتال مع النصارى وفی اختلاف فی خلع السلاطین وقتلهم ، ثم صدر الأمر السلطانی من سلطان محمودخان ثانی بن عبدالحمیدخان اول بن سلطان احمد لصاحب مصر محمد علی باشا بالتجهیز لقتال الوهابیة وکان ذلک فی سنة 1226 فجهز محمد علی باشا جیشاً فیه عساکر کثیرة جعل علیهم بفرمان سلطان ولده طوسون باشا فخرجوا من مصر فی رمضان من السنة المذکورة ولم یزالوا سائرین براً وبحراً حتى وصلوا إلى ینبع فملکوه من الوهابیة، ثم لما وصلت العساکر إلى الصفرا والحدیدة وقع بینهم وبین العرب الذین فی الحربیة قتال شدید بین الصفرا والحدیدة وکانت تلک القبائل کلها فی طاعة الوهابی وانضم إلیها قبائل کثیرة فهزموا ذلک الجیش وقتلوا کثیراً منهم وانتهبوا جمیع ما کان معهم وکان ذلک فی شهر ذی الحجة سنة 26 12ولم یرجع من ذلک الجیش إلى مصر إلا القلیل فجهز جیشاً غیره سنة سبع وعشرین وعزم محمد علی باشا على التوجه إلى الحجاز بنفسه وتوجهت العساکر قبله فی شعبان فی غایة القوة والاستعداد وکان معهم من المدافع ثمانیة عشر مدفعا وثلاثة قنابل فاستولت العساکر على ما کان بید الوهابیة وملکوا الصفراء والحدیدة وغیرهما فی رمضان بلا قتال بل بالمخادعة ومصانعة العرب بإعطاء الدراهم الکثیرة حتى أنهم أعطوا شیخ مشایخ حرب مائة ألف ریال وأعطوا شیخا من صغار مشایخ حرب أیضاً ثمانیة عشر ألف ریال ورتبوا لهم علائف تصرف لهم کل شهر، وکان ذلک کله بتدبیر شریف مکة غالب وهو فی الظاهر تحت طاعة الوهابی وأما المرة الأولى التی هزموا فیها فلم یکونوا کاتبوا الشریف غالب فی ذلک حتى یکون الأمر بتدبیره ودخلت العساکر المدینة المنورة فی أواخر ذی القعدة، ولما جاءت الأخبار إلى مصر صنعوا زینة ثلاثة أیام وأکثروا من ضرب المدافع وأرسلوا بشائر لجمیع ملوک الروم واستولت العساکر السائرة من طریق البحر على جدة فی أوائل المحرم سنة ثمان وعشرین ثم طلعوا إلى مکة واستولوا علیها أیضاً، وکل ذلک بلا قتال بتدبیر الشریف سراً ولما وصلت العساکر إلى جدة فر من کان بمکة من عساکر الوهابیة وأمرائهم، وکان سعود أمیر الوهابیة حج فی سنة سبع وعشرین ثم ارتحل إلى الطائف، ثم إلى الدرعیة ولم یعلم باستیلاء العساکر السلطانیة على المدینة إلا بعد ذلک ثم لما وصل إلى الدرعیة علم باستیلائهم على مکة ثم الطائف ولما وصلت العساکر إلى جدة ومکة فر من الطائف أمیرها عثمان المضایقی وفر من کان بها من عساکر الوهابیة وأمرائهم وفی شهر ربیع الأول من سنة ثمان وعشرین أرسل محمد على باشا مبشرین إلى دار السلطنة ومعهم المفاتیح وکتبوا إلیهم أنها مفاتیح مکة والمدینة وجدة والطائف فدخلوا بها دار السلطنة بموکب حافل ووضعوا المفاتیح على صفائح الذهب والفضة وأمامهم البخورات فی مجامر الذهب والفضة وخلفهم الطبول والزمور وعملوا لذلک زینة ومدافع وخلعوا على من جاء بالمفاتیح وزادوا فی رتبة محمد علی باشا وبعثوا له أطواخاً وعدة أطواخ بولایات لمن یختار تقلیده، وفی شهر شوال سنة ثمان وعشرین توجه محمد علی باشا بنفسه إلى الحجاز وقیل توجهه من مصر قبض الشریف غالب على عثمان المضایفی الذی کان أمیر على الطائف للوهابیة، وکان من أهل أکبر أعوانهم وأمرائهم فقیده بالحدید وبعثه إلى مصر فوصل فی ذی القعدة بعد توجه الباشا إلى الحجاز ثم أرسل إلى دار السلطنة فقتلوه و وصل محمد علی باشا فی ذی القعدة إلى مکة وقبض على الشریف غالب ابن مساعد وبعثه إلى دار السلطنة وأقام لشرافة مکة ابن أخیه الشریف یحیى بن سرور ابن مساعد، وفی شهر محرم من سنة 29 بعثوا إلى السلطنة مبارک بن مضیان الذی کان أمیراً على المدینة المنورة للوهابیة فطافوا به فی القسطنطینیة فی موکب لیراه الناس ثم قتلوه وعلقوا رأسه على باب السرایا وفعل مثل ذلک بعثمان المضایقی وأما الشریف غالب فأرسلوه إلى سلانیک وبقی بها مکرما إلى آن توفی سنة إحدى وثلاثین ودفن بها وبنی علیه قبة تزار ومدة إمارته على مکة ست وعشرون سنة ثم أن محمد علی باشا وجه کثیراً من العساکر إلى تربة وبیشة وبلاد غامد وزهران وبلاد عسیر لقتال طوائف الوهابیة وقطع دابرهم ثم سار بنفسه فی أثرهم فی شعبان سنة تسع وعشرین و وصل إلى تلک الدیار وقتل کثیراً منهم وأسر کثیراً وخرب دیارهم، وفی شهر جمادى الأولى سنة تسع وعشرین هلک سعود أمیر الوهابیة وقام بالملک بعده ولده عبدالله ورجع محمد على باشا من تلک الدیار التی وصلها من دیار الوهابیة عند إقبال الحج وحج ومکث بمکة إلى رجب سنة ثلاثین ثم توجه إلى مصر وترک بمکة حسن باشا ووصل الباشا إلى مصر فی منتصف رجب سنة ثلاثین ومائتین وألف فتکون إقامته بالحجاز سنة وسبعة أشهر، ما رجع إلى مصر ألا بعد أن مهد أمور الحجاز، وأباد طوائف الوهابیة التی کانت منتشرة فی جمیع قبائل الحجاز والشرق وبقی منهم بقیة بالدرعیة أمیرهم عبدالله بن سعود فجهز محمد علی باشا لقتاله جیشاً وأرسله تحت قیادة ابنه إبراهیم باشا، وکان عبدالله بن سعود قبل ذلک یکاتب مع طوسون باشا بن محمد علی باشا حین کان بالمدینة وعقد معه صلحاً على بقاء إمارته ودخوله تحت طاعة محمد علی باشا فلم یرض محمد علی باشا بهذا الصلح فجهز ولده إبراهیم باشا وجعل العساکر إلیه، وکان ابتداء ذلک فی أواخر سنة إحدى وثلاثین فوصل إلى الدرعیة سنة اثنتین وثلاثین ونازل بجیوشه عبدالله بن سعود وقوع بینهما وقاع وحروب یطول ذکرها إلى أن استولى على عبدالله بن سعود فی ذی القعدة سنة 33، ولما جاءت الأخبار إلى مصر ضربوا لذلک ألف مدفع وفعلوا شنکا ویزنوا مصر وقراها سبعة أیام، وکان محمد علی باشا له أهتمام کبیر فی قتال الوهابیة وأنفق فی ذلک خزائن من الأموال حتى أخبر بعض من کان یباشر خدمته أنهم دفعوا فی دفعة من الدفعات لأجرة تحمیل بعض الذخائر خمسة وأربیعن ألف ریال هذا فی مرة من المرات کان ذلک الحمل من الینبع إلى المدینة عن أجرة کل بعیر ست ریال دفع نصفها أمیر ینبع والنصف الآخر أمیر المدینة وعند وصول الحمل من المدینة إلى الدرعیة کان أجر تلک الحملة فقط مئة وأربیعن ألف ریال وقبض إبراهیم باشا على عبدالله بن سعود وبعث به وکثر من أمرائهم إلى مصر فوصل فی سابع عشر محرم سنة أربع وثلاثین وصنعوا له موکباً حافلا یراه الناس وأرکبوه على هجین وازدحم الناس للتفرج علیه، ولما دخل على محمد علی باشا قام له وقابله بالبشاشة وأجلسه بجانبه وحادثه، وقال له الباشا ما هذا المطاولة فقال الحرب سجال قال وکیف رأیت ابنی إبرهیم باشا قال ماقصر وبذل همته ونحن کذلک حتى کان ماقدره الله تعالى فقال له الباشا أنا أترجى فیک عند مولانا السلطان فقال المقدر یکون ثم ألبسه خلعة وأنصرف إلى بیت اسماعیل باشا ببولاق، وکان بصحبة عبدالله بن سعود صندوق صغیر مصفح فقال الباشا له. ماهذا؟ فقال هذا ما أخذه أبی من الحجرة أصحبه معی إلى السلطان، فأمر الباشا بفتحه فوجدوا فیه ثلاثة مصاحف من خزائن الملوک لم یر الراؤون أحسن منها ومعها ثلاثمائة حبة من اللؤلؤ الکبار وحبة زمرد کبیرة وشریط من الذهب، فقال له الباشا الذی أخذتموه من الحجرة أشیاء کثیرة غیر هذا فقال هذا الذی وجدته عند أبی فإنه لم یستأصل کل ما کان فی الحجرة لنفسه بل أخذه العرب وأهل المدینة وأغاوات الحرم وشریف مکة فقال الباشا صحیح وجدنا عند الشریف أشیاء من ذلک ثم أرسلوا عبدالله بن سعود إلى دار السلطنة ورجع إبراهیم باشا من الحجاز إلى مصر فی شهر المحرم من سنة 35 بعد أن أخرب الدرعیة خراباً کلیا حتى ترکوا سکناها ولما وصل عبدالله بن سعود إلى دار السلطنة فی شهر ربیع الأول طافوا به البلد لیراه الناس ثم قتلوه عند باب همایون وقتلوا أتباعه أیضاً فی نواح متفرقة هذا حاصل ما کان فی قصة الوهابی بغایة الأختصار ولو بسط الکلام فی کل قضیة لطال، وکانت فتنتهم من المصائب التی أصیب بها أهل الإسلام فإنهم سفکوا کثیراً من الدماء وانتهبوا کثیراً من الأموال وعم ضررهم وتطایر شررهم فلا حول ولا قوة إلا بالله وکثیر من أحادیث النبی صلى الله علیه وسلّم فیها التصریح بهذه الفتنة کقوله صلى الله علیه وسلّم « یخرج أناس من قبل المشرق یقرأون القرآن لا یجاوز تراقیهم یمرقون من الدین کما یمرق السهم من الرمیة سیماهم التحلیق » وهذا الحدیث جاء بروایات کثیرة بعضها فی صحیح البخاری وبعضها فی غیره ولا حاجة لنا إلى الإطالة بنقل تلک الروایات ولا لذکر من خرجها لأنها صحیحة مشهورة ففی قوله سیماهم التحلیق تصریح بهذه الطائفة لأنهم کانوا یأمرون کل من اتبعهم أن یحلق رأسه ولم یکن هذا الوصف لأحد من طوائف الخوارج والمبتدعة الذین کانوا قبل زمن هؤلاء، وکان السید عبدالرحمان الأهدل مفتی زبید یقول لا حاجة إلى التألیف فی الرد على الوهابیة بل یکفی فی الرد علیهم قوله صلى الله علیه وسلّم سیماهم التحلیق فإنه لم یفعله أحد من المبتدعة غیرهم واتفق مرة أن مرأة أقامت الحجة على ابن الوهاب لما أکرهوها على اتّباعهم ففعلت، أمرها ابن عبدالوهاب أن تحلق رأسها فقالت له حیث أنک تأمر المرأة بحلق رأسها ینبغی لک أن تأمر الرجل بحلق لحیته لأن شعر رأس المرأة زینتها وشعر لحیة الرجل زینته فلم یحدلها جوابا ومما کان منهم أنهم یمنعون الناس من طلب الشفاعة من النبی صلى الله علیه وسلّم مع أن أحادیث شفاعة النبی صلى الله علیه وسلّم لأمته کثیرة متواترة وأکثر شفاعته لأهل الکبائر من أمته وکانوا یمنعون من قراءة دلائل الخیرات المشتملة على الصلاة على النبی صلى الله علیه وسلّم وعلى ذکرها کثیر من أوصافه الکاملة ویقولون أن ذلک شرک ویمنعون من الصلاة علیه صلى الله علیه وسلّم على المنابر بعد الأذان حتى أن رجلا صالحاً کان أعمى، وکان مؤذنا وصلى على النبی صلى الله علیه وسلّم بعد الأذان بعد أن کان المنع منهم، فأتوا به إلى ابن عبدالوهاب فأمر به أن یقتل فقتل ولو تتبعت لک ما کانوا یفعلونه من أمثال ذلک لملأت الدفاتر والأوراق وفی القدر کفایة والله سبحانه وتعالى أعلم. المصادر : بتصرف من کتاب فتنة الوهابیة / احمد بن زینی دحلان 1- النساء /115 http://ar.rasekhoon.net