خصوصيات ومواصفات بشخصية الإمام الخميني (قدس سره)

علي سيف الدين اتصفت شخصية الإمام بمواصفات عدة، تمتاز بها القيادات العالمية المعروفة ببعد النظر والنباهة التي تخوله أن يتولى المواقع الحساسة إرضاءً لربه وضميره. فهو مصداق للمجاهدين المهاجرين المؤمنين ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾[1]، فتلقوا الأخطار واضعين أرواحهم بين كفيهم سالكين طريق الله، فكانوا من الذين رضي الله عنهم ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّه﴾[2]، وكانوا نصيرين للمستضعفين، آخذين بيدهم لينقذوهم من الظلم والتمييز العنصري. وليست هذه هي الصفات الوحيدة التي تمتع بها الإمام، فقد كان أيضًا شديدًا عنيفًا على الكفّار ورحومًا عطوفًا رؤوفًا على المسلمين مصداقًا لقوله تعالى: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم﴾[3] فضلًا على أنه كان يذوب حبًّا وتضرّعًا لله سبحانه ﴿عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾[4] فقد تجسدت وتمحورت أمام عينيه مئات الآيات القرآنية التي اتصف بها المخلصين والمتقين والصالحين. لا نكتفي بهذا القدر من الصفات التي هي المحور الأساسي في حياة الإمام لنقول أيضًا: إنه كان ذا إرادة متينة وصلبة وعزم راسخ وعلى قدرٍ كبير من الفطنة والرؤية المستقبلية، ويتمتع بقدرة عالية على توقع الخطوات المستقبلية بقدرٍ سليم… فمعنى هذا كله أن صفات الإمام الذاتية التي تجلّت به كانت لها تأثير بالغ وعميق في حياته وما صنعه للعالم. النموذج الأقرب للأنبياء والمعصومين (ع) فالإمام عاش الإسلام بكليته، وجعله نهجًا له، مما جعل من شخصيته تحتل موقعًا خاصًّا: “فالحق يقال إن بعد أنبياء الله وأوليائه والمعصومين هذه الشخصية موقعها ولا يمكن مقارنتها مع أي من الشخصيات الأخرى فقد كان وديعة الله في أيدينا، حتى إن المرء عندما يراه يعرف عظمة أولئك الأولياء هنا يصح لنا أن نقول إننا عاجزون عن تصور عظمة السلف الصالح من نبينا محمد (ص) وأمير المؤمنين وسيد الشهداء والإمام الصادق (ع) ولكننا عندما نشهد شخصية بمستوى الإمام الخميني وبكل أبعادها من: إيمان عميق وعقل متكامل، وحكمة، وفطنة وصبر مع حلم وصلابة مع صدق، وصفاء مع زهد، وإعراض عن زخرف الحياة الدنيا وتقوى وورع وعبودية خالصة لله سبحانه وتعالى، ومن ثم نشاهد كيف أن الشخصية العظيمة تتواضع في رحاب تلك الكواكب الساطعة في سماء الولاية حتى تكاد تذوب كل ذراتها، فهذه الشخصية الشمولية والحاملة لكل هذه الصفات لا مثيل لها بين علمائنا، بل وحتى في العالم الإسلامي فعندنا من العلماء والفقهاء الكبار التي لا تزال أقوالهم ومواقفهم بين أيدينا والإمام يتصدر مقدمتهم”[5]. حينما نتطلع إلى أنفسنا ندرك ونجد أن المسافة بيننا وبين الأنبياء وأولياء الله مسافة بعيدة المنال إلا أن الإمام بما انتهجه بفترة غياب الأنبياء، وانقطاع الوحي أرانا نموذجًا حيًّا للولاية الروحية. “فإذا أردنا أن نعطي الإمام تشبيهًا فلا بدّ لنا من تشبيهه بالأنبياء”[6]، فهويتهم لا تنحصر بمدة حياتهم إلا أنها تمتد عبر التاريخ لأنها تتجسد بوجود التعاليم والمبادئ والأساليب المتواترة والموروثة عنهم، فمسألة حضور الأنبياء لا تقف عند حضورهم في العالم، إنّما هم يستمرون من خلال تعاليمهم التي تسري في المجتمعات، ولو أن تعاليمهم انقضت وانتفت مع رحيلهم عن هذه الدنيا لما بقي لدينا شيء من تعاليم الأنبياء، فما نراه من المعارف الإسلامية حاليًّا هي نتاج الأنبياء (ع) ولو بالواسطة. فالأنبياء هم الذين رفعوا رايات الحق والعدل والأخلاق وعبادة الله والتنكر من الذات والوفاء والتضحية للآخرين. فحياة الأنبياء عبارة عن بقاء وامتداد من خلال تعاليمهم ومعارفهم ومناهجهم من أجل هداية الإنسان وتوجيهه إلى الصراط المستقيم، وهذا العمل كان عمل إمامنا العظيم، على هذا الأساس يجوز التشبيه فحركة الإمام العظيمة والعملاقة لم يقم بها أحد بعد الأنبياء وأولي العزم غيره، فالإمام الذي عاش الإسلام بكل تفاصيله وجعل الآيات المباركة منارات لمسيرته، عكس ذلك على موقفه ورؤيته لمستقبل الحضارة الإنسانية من خلال الثورة وإقامة حكومة ونظام الجمهورية الإسلامية، والذي بدوره أنتج نهجًا شبيهًا بنهج الأنبياء والأولياء المرتبطين بمصدر الغيب. الإمام (قدس سره) ذاب بتعاليم القرآن وجعلها منهجًا لحياته. انعكست بشخصيته الفذة على أفقين: الأول: أفق القائد والمتصدي لزمام الأمور. الثاني: أفق الزاهد والعارف؛ لأن مزج هاتين الصفتين مع بعضهما البعض لا يتسنى للإنسان ملاحظته إلا لدى الأنبياء مثل داود وسليمان ومثل خاتم الأنبياء (ع). وهذا ما انعكس في شخصيته التي امتازت بجملة من الخصائص والأبعاد المعنوية، هي: الزهد والعرفان عندما ينظر المرء إلى الإمام الخميني يراه شخصًا زاهدًا عارفًا منقطعًا عن الدنيا؛ والمقصود هنا بالدنيا الذميمة القبيحة والعفنة المتمثلة بالمشاعر الأنانية كالطمع والأهواء الموجودة في ذات الإنسان، وهي التي كان الإمام منقطعًا عنها، وإلا فإن الظواهر الطبيعية التي نشهدها كالأرض والأشجار والسماء وغيرها هي من المظاهر والنعم الآلهية، وهي نعم لا يمكن للإنسان إلا أن يقف ويشكر الله عليها. فالإمام لم يطمع بشيء لنفسه في هذه الدنيا، حيث إنه لم يشتر أثناء توليه السلطة دارًا لنجله الوحيد المرحوم السيد أحمد (بعد استشهاد نجله مصطفى) الذي كان أعز إنسان على قلبه “وهذا الأمر ما سمعناه من لسان الإمام أن الأحب على قلبه هو ابنه أحمد، وهذا العزيز على قلب إمامنا يعيش في غرفتين أو ثلاث”[7]. يضاف إلى ذلك أنه كان زاهدًا في الدنيا وغير راغبٍ فيها، حيث إن الهدايا التي كانت تصله كان يقدمها في سبيل الله، وفي بعض المرات يدفع من أمواله الخاصة، فقد كان ينفق مئات الملايين من أجل مساعدة الفقراء والمساكين والمستضعفين وبعضها من أجل الإعمار وإعانة المتضررين جراء السيول التي كانت تحصل في بعض أنحاء البلاد. “إن شعار (بساطة العيش) كان أحد شعاراتنا قبل انتصار الثورة الإسلامية، وليس من شعارات الثورة وكان المحبب لدينا كمجموعة من الأصدقاء كانت تنتهجه، وبعد انتصار الثورة عملنا على اتباع هذا الشعار والدعوة له وكان الإمام أحد مصاديق هذا الشعار”[8]. الإخلاص لم يقم الإمام بخطوة أو ينطق بكلمة من أجل الوصول على ثناء أو تمجيد من أحد، فكل ما قام به لوجه الله، وهذا ما نال عليه أجره وجعله مخلّدًا عبر التاريخ. إن ما قام به الإمام وأنجزه كان بفضل إخلاصه فلولا هذا الأمر لم يكن لتكون الشخصية الصلبة القادرة على السير قدمًا بكل المهام، حيث اجتث حكومة فاسدة من جذورها على رغم دعمها من القوى الاستكبارية، واستطاع أن يقضى على الفساد في المجمتع، وأقصى هيمنة الأعداء وسطوة أمريكا التي أهانت الشعب الإيراني على مدى القرنين السالفين. الأعمال التي كان يقوم بها إمامنا كانت لله وكلما كان يدرك التكليف الإلهي يؤديه ولم يتوانَ عن التضحية على هذا الطريق “لقد كان يردّد درسًا من دروسه علينا ألا وهو أننا علينا أن نقوم بتكليفنا ونتيجة هذا العمل بيد الله”[9]. لو كنتم تتمتعون بالإخلاص الذي تمتع به الإمام، ومادة الإخلاص متوفرة فيكم لمنيت وباءت مؤامرات العدو كافة بالفشل، فالإخلاص معناه أن يقوم المرء بعمله لوجه الله وحبًا بأداء الواجب، فلا يعمل من أجل أهوائه النفسية والدنيوية ولكسب المال والجاه وما إلى هنالك من حوافز نفسية لإشباع صفات ذميمة كالحسد والحرص والطمع، فسر نجاح الإمام (قدس سره) ينبع من إخلاصه بالله ﴿مخلصين له الدين﴾[10] فكان عمله لله وفي سبيل الله ومرضاته. وسر النفوذ العجيب لهذا الرجل العظيم وتجليه في قلوب الجماهير هو نكرانه للذات. والباري عز وجل منح إمامنا منزلة رفعية ألا وهي ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾[11]، ويكمن سبب ذلك بتحلي الإمام بالخصال الثلاث فقد كان: أولًا: مخلصًا لا يبغي شيئًا لذاته. ثانيًا: على ثقة بربه وعلى يقين بأن غايته ستتحقق وعلى ثقة بعباد الله. ثالثًا: حريصًا على عدم تفويت الفرصة ومسارعته في اللحظة المناسبة إلى القيام بالفعل اللازم والكلام والموقف اللازم. الإيمان والعمل الصالح وتزكية النفس بالرغم من ما قاله الخطباء وكتبه الشعراء والكتّاب بحق الإمام “إلا أنني قمت بتطبيق هذه الآية الكريمة الواردة في سورة طه على شخصية الإمام ﴿وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ* جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ﴾، لم لهذه الآية من خصوصيات[12]، فالخصوصية الأولى هي الإيمان، الثانية هي العمل الصالح ، وآخر الدعاء الوارد في الآية الكريمة ذكرت صفة ثالثة هي صفة تزكية النفس. وقد وعد القرآن الكريم أولئك الذين يمتلكون تلك المزايا الحميدة أن يمنحهم الدرجات العليا. فهذه الخصوصيات الثلاث معالم بارزة في حياة الإمام فقد كان إيمانه استثنائيًّا ونموذجيًا وفريدًا من نوعه، أما بالنسبة لعمله الصالح (تشكيل الجمهورية الإسلامية)، وأما بالنسبة لتزكية وتهذيب النفس فقد بلغت عنده وهو في ذروة اقتداره وشهرته ومحبوبيته واختار لنفسه العبودية لله سبحانه وتعالى. فأينما وجد الإنصاف ذكرت بإكبار مكانة الإمام الراحل، وأينما وجد عشق للعدالة تألقت بالصدارة شخصية الإمام بأجمل الصور[13]. إمامنا العظيم كان مصداقًا للآية الشريفة ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا﴾[14]، فقد كان هدفه إلهيًّا وسلوكه إيمانيًّا، وعمله عملًا صالحًا لوجه الله لقد هلك أعداء الإمام وخصماؤه في الدين والسياسة ولكنه بقي خالدًا في المجتمع الإسلامي والمجتمع البشري الكبير. الثقة بالله العمل الأساسي للإمام الذي كان سبب نجاحه هو إيمانه من أعماق كيانه بمبدأ وحقيقة القرآن، وهذا المبدأ ما جاء بالآية الكريمة ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[15]فمن ينصر الله ينصره. هذا الدين ليس فقط مقتصرًا على الطهارة والنجاسة وحسب، بل إنه برنامج لسعادة الناس في الدنيا والآخرة وهو وسيلة لإحياء قابليات وقدرات الناس الفكرية وتنمية شخصياتهم واستعدادهم. إن معنى نصرة الله تعالى هي أن نخطو خطوة من أجل إحياء السنة الإلهية والتأثير في الكون والمجتمع وإيقاظ الفطرة المدفونة لدى الناس، فقد عمل الإمام على توظيف هذه الحقيقة القرآنية ناصرًا الله، وحرر شعبه من الفساد الحاصل، وقد سدده الله ونصره بذلك وأيد وبارك بنهضته وثورته. لقد أخذ إمامنا بعين الاعتبار الحسابات المعنوية وجعلها أولوية في قراراته وتدابيره وكان هدفه بالدرجة الأولى أن يكسب رضا الله تعالى. وعندما يكون الهدف الأول تحقيق رضا الله والاطمئنان بالوعود الإلهية عندئذٍ لن يكون لليأس والخوف والغفلة وللغرور معنى. التوكل كان الإمام طوال حياته متوكلًا على الله سواء في ميدان العلم والتدريس، وكان مصداقًا للآية ﴿وتوكل على الله العزيز الرحيم﴾[16]، فلهذا الأمر أضحت الأمور الكبيرة والعتية على التحقيق بحسب ما كان الناس يتحدثون عنها ممكنة مع بزوغ شمس ونور الإمام، وتحطمت كل السبل والموانع التي كانت تحول دون تحقيقها فضلًا على أنه كان نفسه مظهرًا من مظاهر عزة النفس والقوة المعنوية. الخاتمة تجلّت بشخصية الإمام الخميني (قدس سره) مقام القيادة كرجل واعٍ ومدير وشهم وبارع وجريء، ولم تكن هناك أمورًا وعوامل تؤثر على إضعافه أو إلحاق الهزيمة به وإجباره على الانحناء لها، ويضاف إلى ذلك أنه بالرغم من كل وقائع الحرب والهجمات والضغوطات الأمريكية والمؤامرات وعمليات الاغتيالات والحصار الاقتصادي الذي مر على البلاد لم ينحن الإمام لكل ما ذكرناه طرفة عين، بل بالرغم من قساوتها خرج الإمام منها أصلب عودًا وأمتن عزيمة وأشد شكيمة، وهذا ما جعل منه القدوة الحسنة وشبيهًا للأنبياء والأولياء، حيث إنه سمح لنا بأن نتصور صورهم العملية من خلال اقتدائه بتعاليمهم ومبادئهم، وكان الأنموذج الأمثل لهم في مجتمعنا الإسلامي. مراجع: [1] سورة الأنفال، الآية 72. [2] سورة البقرة، الآية 207. [3] سورة الفتح، الآية 29. [4] سورة الإسراء، الآية 79. [5] وديعة الله، خطاب القائد بمناسبة البيعة مع قائد الثورة الإسلامية، 4 ذي القعدة 1409 هـ، الصفحة 32. [6] المصدر نفسه، الصفحة 33. [7] وديعة الله، خطاب الإمام الخامنئي بالذكرى السنوية العاشرة لرحيل الإمام (قدس سره)، 19صفر 1420 ه، الصفحة 37. [8] الهواجس الثقافية عند الإمام الخامنئي (حفظه الله)، (بيروت: دار المعارف الحكمية، 2014 م)، الصفحة 175. [9] وديعة الله، خطاب الإمام الخامنئي بالذكرى السنوية الثانية والعشرون لرحيل الإمام (قدس سره)، 1رجب 1432 ه، الصفحة 39. [10] سورة غافر، الآية 14. [11] سورة مريم، الآية 56. [12] سورة طه، الآية 75. [13] وديعة الله، خطاب الإمام الخامنئي بالذكرى السنوية الخامسة لرحيل الإمام (قدس سره)، 24ذي الحجة 1414 ه، الصفحة 44. [14] سورة مريم، الآية 96. [15] سورة محمد، الآية 7. [16] سورة الشعراء، الآية 217. https://maarefhekmiya.org