الإمامة ( عند المذاهب الإسلامية )

الإمامة : ـ لغة ـ مصدر على زنة ( فِعالة ) المضاعف ، يقال : أَمَّ القوم و بالقوم يؤُمهم أَمَّاً و إماماً و إمامة ، مثل : كتب يكتب كَتْباً و كِتاباً و كتابة . و اسم الفاعل من الفعل ( أم يؤم ) : ( آم ) ، ( أصله آمم ) ثم ادغم مثلاه . و لكن غلب استعمال المصدر فيه فقيل : إمام ـ بصيغة المذكر ـ للمذكر و المؤنث ، و يجمع على ( أيمة ) بالياء ، و ( أئمة ) بالهمزة . و معناه ـ معجمياً ـ : القدوة ، أو من يقتدى به في قوله أو فعله ، سواء كان محقاً أو مبطلاً . و استعمل في القرآن الكريم في الإمام المحق كما في قوله تعالى : ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ... ﴾ [1] ، و في الإمام المبطل كما في قوله تعالى ﴿ ... فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ... ﴾ [2] و كلامياً : عرّف النصير الطوسي الإمامة بقوله : " الإمامة : رياسة عامة دينية مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية و الدنياوية و زجرهم عما يضرهم بحسبها " [3] . و عرفها العلامة الحلي بقوله : " الإمامة : رياسة عامة في أمور الدين و الدنيا لشخص من الاشخاص نيابة عن النبي ـ صلى الله عليه و آله و سلم ـ " [4] . و عرفها العضد الايجي بقوله : " هي خلافة الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) في إقامة الدين بحيث يجب اتباعه ( يعني الإمام ) على كافة الأمة " [5] . و عرفها الماوردي بما نصه : " الإمامة : موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين و سياسة الدنيا " [6] . و بإلقاء شيء من الضوء على هذه التعاريف المذكورة و أمثالها يتبين لنا أن الشيعة يؤكدون على أن الإمامة تشمل في وظيفتها السلطتين : الروحية و الزمنية . و بتعبير قانوني مدني : السلطتين : الدينية و المدنية ( السياسة ) ، و ذلك لأن السنة ـ كما سنرى ـ قصروا وظيفة الإمامة في الشؤون السياسية . و في هذا الضوء يأتي تعريف الإيجي ـ و هو من أعلام متكلمة السنة ـ غير موائم لما ذهبوا إليه . و اختلف في الإمامة : هل هي من أصول الدين أو من فروعه ؟ . ذهب إلى الأول أصحابنا الإمامية ، قال استاذنا الشيخ المظفر : " نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين " [7] . و ذهب إلى الثاني أهل السنة ، قال العضد الايجي : " المرصد الرابع في الإمامة و مباحثها : عندنا من الفروع ، و إنما ذكرناها في علم الكلام تأسياً بمن قبلنا " [8] . و قال الآمدي : " و اعلم أن الكلام في الإمامة ليس من أصول الديانات " [9] . و كما اختلف في أن الإمامة أصل أو فرع ، اختلف أيضاً في وجوبها و نفيه . بمعنى : هل يلزم نصب إمام للمسلمين أو لا يلزم ؟ ؟ . فذهب بعض الخوارج إلى انها غير واجبة . . و ذهب الباقون من الفرق الإسلامية إلى وجوبها . و اختلف القائلون بوجوبها في دليله ( أعني دليل وجوب نصب الإمام ) على قولين 1 ـ ذهب أهل السنة : إلى أن نصب الإمام واجب سمعاً لا عقلاً ، أي أن دليل الوجوب هو النقل لا العقل . 2 ـ ذهب المعتزلة و الشيعة : إلى أن نصب الإمام واجب عقلاً ، أي أن دليل الوجوب دليل عقلي . ثم اختلف القائلون بالوجوب العقلي في من يجب عليه نصب الإمام على قولين : 1 ـ ذهب المعتزلة إلى انه واجب على العقلاء ( أي الناس ) ، و مثلهم في هذا أهل السنة . 2 ـ ذهب الإمامية و الإسماعيلية إلى انه واجب على اللّه . و اختلف القائلون بوجوبه على اللّه في الغاية و الغرض من الوجوب على قولين هما : 1 ـ ذهب الإمامية : انه لحفظ قوانين الشرع . 2 ـ ذهب الإسماعيلية ليكون معرفاً للّه تعالى . و يمكننا أن نلخص هذه الأقوال بالتالي : الإمامة او نصب الإمام غير واجب ، واجب على الناس ، على اللّه و نخلص من هذه أيضاً إلى أن في المسألة قولين رئيسين هما : 1 ـ إن نصب الإمام يتم عن طريق اختيار الناس له . و هو قول المعتزلة و السنة و الاباضية . 2 ـ إن نصب الإمام يتم عن طريق تعيينه بالنص عليه من قبل اللّه تعالى ، و هو قول الشيعة . بيان دليل أهل السنة : قال العضد الايجي : " و أما وجوبه علينا سمعاً فلوجهين : الأول : أنه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) على امتناع خلو الوقت عن إمام ، حتى قال أبو بكر ( رض ) في خطبته : ( ألا إن محمداً قد مات ، و لا بد لهذا الدين ممن يقوم به ) فبادر الكل إلى قبوله ، و تركوا له أهم الأشياء ، و هو دفن رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) . ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر إلى زماننا هذا من نصب إمام متبع في كل عصر . فان قيل : لا بد للإجماع من مستند ، و لو كان ، لَنُقِلَ ، لتوفر الدواعي . قلنا : استغني عن نقله بالإجماع ، أو كان من قبيل ما لا يمكن نقله من قرائن الأحوال التي لا يمكن معرفتها إلا بالمشاهدة و العيان لمن كان في زمن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) . الثاني : أن فيه دفع ضرر مظنون و أنه واجب إجماعاً . بيانه : أنا نعلم علماً يقارب الضرورة أن مقصود الشارع فيما شرع من المعاملات و المناكحات و الجهاد و الحدود و المقاصات و إظهار شعار الشرع في الاعياد و الجمعات ، إنما هو مصالح عائدة إلى الخلق معاشاً و معاداً ، و ذلك لا يتم إلا بإمام يكون من قبل الشارع يرجعون إليه فيما يعن لهم ، فإنهم ـ مع اختلاف الأهواء و تشتت الآراء ، و ما بينهم من الشحناء ـ قلما ينقاد بعضهم لبعض ، فيفضي ذلك إلى التنازع و التواثب ، و ربما أدّى إلى هلاكهم جميعاً ، و يشهد له التجربة ، و الفتن القائمة عند موت الولاة إلى نصب آخر ، بحيث لو تمادى لعطلت المعايش ، و صار كل أحد مشغولاً بحفظ ماله و نفسه تحت قائم سيفه ، و ذلك يؤدي إلى رفع الدين و هلاك جميع المسلمين . فان قيل : و فيه اضرار ، و أنه منفي بقوله عليه السلام : ( لا ضرر و لا ضرار في الاسلام ) . و بيانه من ثلاثة أوجه : الأول : تولية الإنسان على من هو مثله ليحكم عليه فيما يهتدي إليه و فيما لا يهتدي إضرار به لا محالة . الثاني : قد يستنكف عنه بعضهم كما جرت به العادة ، فيفضي إلى الفتنة . الثالث : أنه لا يجب عصمته ـ كما سيأتي ـ فيتصور منه الكفر و الفسوق ، فان لم يعزل أضر بالأمة بكفره و فسقه ، و ان عزل أدى إلى الفتنة . قلنا : الاضرار اللازم من تركه أكثر بكثير ، و دفع الضرر الأعظم عند التعارض واجب " [10] . بيان دليل الشيعة : قال الفاضل المقداد : إن الإمامة لطف ، و كل لطف واجب على اللّه ، فالإمامة واجبة على اللّه تعالى . أما الكبرى فقد تقدم بيانها . و أما الصغرى فهو أن اللطف ـ كما عرفت ـ ما يقرب العبد إلى الطاعة و يبعده عن المعصية ، و هذا المعنى حاصل في الإمامة . و بيان ذلك : أن من عرف عوايد الدهماء و جرب قواعد السياسة ، علم ضرورةً أن الناس إذا كان لهم رئيس مطاع مرشد فيما بينهم يردع الظالم عن ظلمه و الباغي عن بغيه و ينتصف للمظلوم من ظالمه ، و مع ذلك يحملهم على القواعد العقلية و الوظائف الدينية و يردعهم عن المفاسد الموجبة لاختلال النظام في امور معاشهم و عن القبائح الموجبة للوبال في معادهم بحيث يخاف كل مؤاخذته على ذلك ، كانوا مع ذلك إلى الصلاح أقرب و من الفساد أبعد ، و لا نعني باللطف إلا ذلك ، فتكون الإمامة لطفاً و هو المطلوب . و اعلم : أن كل ما دل على وجوب النبوة فهو دال على وجوب الإمامة ، إذ الإمامة خلافة عن النبوة ، قائمة مقامها إلا في تلقي الوحي الإلهي بلا واسطة ، و كما أن تلك واجبة على اللّه تعالى في الحكمة ، فكذا هذه " [11] . و يرجع هذا الاختلاف بين المذهبين الشيعي و السني إلى مدى سعة و ضيق جهة الالتقاء بين النبوة و الإمامة . ذلك أن الشيعة يرون أن الإمامة في وظيفتها هي امتداد للنبوة ، فكما كانت وظيفة النبي تتمثل في ممارسته للسلطتين الدينية و السياسية ، و ان السلطة السياسية هي من الدين و ليست اجتهاداً من النبي لأن النبي ـ في رأيهم ـ غير ممكن أن يرجع إلى اجتهاد ، لأن الاجتهاد عرضة للخطأ ، و لأن نتائجه ظنية ، و النبي معصوم ، و المعصوم لا يخطأ . مضافاً إليه : أن أحكامه التي يقوم بتطبيقها بصفته رئيساً للدولة ، أي سياسياً ، هي أحكام واقعية ، بمعنى أنها علم يقيني لا مجال للظن فيها ، لأنها نابعة من انكشاف واقع القضية لديه موضوعاً و حكماً لا من استخدامه وسيلة الاجتهاد التي قد تصيب و قد تخطئ ، و ذلك لاتصاله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بالوحي ، و عدم صدور أي سلوك منه لا يلتقي مع ما يوحي به إليه ، فهو في الواقع لا يحتاج إلى الاجتهاد ، لان الاجتهاد طريق موصل إلى الحكم لدى من ليس له طريق آخر مأمون العثار و الخطأ و مضمون الإصابة و الوصول إلى الحكم بواقعه و هو طريق الوحي . كذلك وظيفة الإمامة تتمثل في ممارسة الإمام للسلطتين الدينية و السياسية . بينما ذهب أهل السنة إلى أن الإمامة وظيفة سياسية تعتمد على اجتهاد الإمام ، كما كان الرسول ـ كما يرون ـ يعتمد في سياسته بصفته رئيساً للدولة على اجتهاده ، ذلك انهم " فرقوا بين أحكام الدين و أحكام السياسة ، و مالوا إلى اعتبار الرسول مجتهداً في الشؤون السياسة و كل ما يتصل بسلطته الزمنية ، يقول ابن القيم : السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح و أبعد عن الفساد ، و ان لم يضعه الرسول و لا نزل به وحي ، و من قال لا سياسة إلا بما نطق به الشرع فقد غَلَطَ و غَلّطَ الصحابة " [12] . فالسنة ـ كما هو واضح مما تقدم ـ يفصلون بين أحكام الدين و أحكام السياسة كالذي هو معروف حالياً في الفكر القانوني المعاصر ، و الذي يوسم بـ ( نظرية الفصل بين الدين و الدولة ) . و نخلص من هذا إلى أن الشيعة انما قالوا بان وجوب نصب الإمام بالنص أو التعيين من اللّه ، لأن الإمام عندهم امتداد لوظيفة النبوة روحياً و سياسياً ، فكما أن النبي يعين من قبل اللّه تعالى كذلك الإمام . أما السنة فلأنهم فصلوا بين السلطتين الروحية و الزمنية و اعتبروا الإمام قائماً بوظيفة النبي الزمنية أو السياسية ، و هي تعتمد الاجتهاد ، قالوا يتم نصبه عن طريق اختيار الناس له . و حاول الدكتور احمد محمد صبحي في كتابه ( الزيدية ) أن يدافع عن أهل السنة و يدفع عنهم القول بالفصل بين الدين و الدولة بقوله : " على أنه من الخطأ تصور موقف أهل السنة فصلاً بين السياسة و الدين ، و إنما هو مجرد تفرقة بين شرعٍ مصدره الكتاب و السنة و سياسةٍ قائمة على الاجتهاد الذي هو بدوره مصدر من مصادر التشريع في الإسلام ، ولم يُعرف الفصل التام بين السياسة و الدين إلا بعد سقوط الخلافة العثمانية ، و بتأثير من الفكر السياسي الأوربي " [13] . و المستغرب من الدكتور صبحي أنه لم يفرق بين المصدر و الوسيلة ، فاعتد الاجتهاد ـ و هو وسيلة ينتهجها المجتهد لاستنباط و استخراج الحكم الشرعي من مصدره و هما الكتاب و السنة ـ مصدراً من مصادر التشريع . و ظني أنه التبس الأمر عليه بين القياس و أمثاله من مصادر أخرى غير الكتاب و السنة ، و بين الاجتهاد ، ولم يدرك أن الاجتهاد طريقة يستخدمها المجتهد لأخذ الحكم من هذه المصادر . فالقياس و الإجماع و الاستحسان و أمثالها أمور قائمة في واقها كالكتاب و السنة ، و الفارق ان من لم يكن مجتهداً لا يقوى على استفادة الحكم منها ، و بعكسه من كان مجتهداً فانه يستطيع اذا استعمل اجتهاده أن يستفيد الحكم منها . و بالإضافة إلى ما تقدم استدل كل من الشيعة و السنة بالقرآن الكريم على رأيه في وجوب نصب الإمام بالتعيين الإلهي أو الاختيار من قبل الناس . دليل السنة : استدل أهل السنة بقوله تعالى : ﴿ ... وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ... ﴾ [14] . و الشورى ـ لغة ـ اسم من المشاورة ، يقال : شورى و مشاورة و تشاور و مَشُوْرَةَ ـ بضم الشين و سكون الواو ـ و مَشْوَرَة ـ بسكون الشين و فتح الواو ـ . و تعني المفاوضة في الكلام بمراجعة البعض إلى البعض لاستخراج الرأي . و هي من قولهم ( شرت العسل ) إذا اتخذته من موضعه و استخرجته منه . و تطلق أيضاً على الأمر الذي يتشاور فيه ، يقال : ( صار هذا الشيء شورى بين القوم ) إذا تشاوروا فيه . و ذكر في سبب نزول الآية الكريمة أن الأنصار كانوا قبل قدوم النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) المدينة المنورة إذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه ثم عملوا عليه ، فمدحهم اللّه تعالى به . و تقرير الاستدلال بها : أن الآية الكريمة مطلقة لأن مورد النزول هنا ليس بقرينة مقيدة . و الإطلاق يقتضي حملها على كل أمر يطلب فيه التشاور ما عدا الأحكام و الحدود الشرعية لأنها خارجة بالتخصص لدليل العقل القاضي بان عدم خروجها من هذا الإطلاق يستلزم إلغاء تشريعها . و لأن الخلافة لم يرد فيها نص شرعي يبين كيفيتها و شروطها و مواصفاتها تندرج تحت ما يطلب فيه المشورة أو الشورى . و الذي يلاحظ على هذا الاستدلال : 1 ـ إن الآية ليست في مقام التشريع ، و إنما هي في مقام بيان أهمية و قيمة التشاور في الأمور العامة التي تتطلب ذلك . و هذا يقتضينا عدم الأخذ بها إذا كان في القرآن الكريم ما يفاد منه تشريع الخلافة كما في الآية الآتية التي استدل بها الشيعة على ذلك . 2 ـ إن الآية لم تبين من الذين يقتضي أن يقوموا بمهمة التشاور ، و عليه لا بد من الاحتياط المبرئ لذمة المكلف من مسؤولية التكليف و الخروج من عهدتها بجمع كل الأطراف المعنية و إدخالها في عملية التفاوض و التشاور . و هذا ما لم يتحقق تاريخياً منذ اختيار أول خليفة حتى عهدنا الحاضر ، و الأمر من الوضوح بمكان لا يفتقر معه إلى إقامة دليل . دليل الشيعة : و استدل الشيعة بقوله تعالى : ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [15] . و تقرير الاستدلال بالآية الكريمة : 1 ـ أن الآية صريحة في أن الإمامة لا تكون لأحد إلا بجعل من اللّه تعالى ، أي بتعيين منه . 2 ـ ان الإمامة عهد اللّه ، أي مسؤولية إلهية مهمة فلا تناط إلا بمن لديه أهلية القيام بها ، و هي أن يكون غير ظالم لنفسه أو لغيره ، و هذا لا يتحقق إلا إذا كان الإمام معصوماً ، لأن العصمة ملكة ثابتة و دائمة ، و بعكسها العدالة فانها قابلة للحدوث و التجدد ، ففي حالة زوالها تزول معها الإمامة ، لأن المشروط عدم عند عدم شرطه . و جاء في بعض تفسيرات الآية : أن المراد بالإمامة هنا النبوة ، و رده السيد الطباطبائي بقوله : قوله تعالى : ﴿ ... إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ... ﴾ [16] أي مقتدى يقتدي بك الناس ، و يتبعونك في أقوالك و أفعالك . فالإمام هو الذي يقتدي و يأتم به الناس ، و لذلك ذكر عدة من المفسرين أن المراد به النبوة ، لأن النبي تقتدي به أمته في دينهم ، قال تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ... ﴾ [17] ، لكنه في غاية السقوط . أما أولاً ، فلأن قوله : ( إماماً ) مفعول ثانٍ لعامله الذي هو قوله : ( جاعلك ) و اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى الماضي ، و إنما يعمل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، فقوله : ﴿ ... إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ... ﴾ [18] و عدله ـ عليه السلام ـ بالإمامة في ما سيأتي ، مع أنه وحي لا يكون إلا مع نبوة ، فقد كان ( عليه السلام ) نبياً قبل تقلده الإمامة ، فليست الإمامة في الآية بمعنى النبوة ( ذكره بعض المفسرين ) . و أما ثانياً : فلأنا بيّنا في صدر الكلام : أن قصة الإمامة إنما كانت في أواخر عهد إبراهيم ( عليه السلام ) بعد مجيء البشارة له بإسحق و إسماعيل ، و إنما جاءت الملائكة بالبشارة في مسيرهم إلى قوم لوط و إهلاكهم ، و قد كان إبراهيم حينئذٍ نبياً مرسلاً ، فقد كان نبياً قبل أن يكون إماماً ، فإمامته غير نبوته " [19] . و في حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " و قد كان إبراهيم نبياً و ليس بإمام حتى قال اللّه : ﴿ ... إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [20] من عَبَدَ صنماً أو وثناً لا يكون إماماً " [21] . و ذلك تطبيقاً منه عليه السلام للآية الكريمة : ﴿ ... إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [22] . و لان أبا بكر الصديق ( رض ) كان قبل إسلامه مشركاً لا يكون ـ كما يرون ـ مؤهلاً للإمامة الإلهية . و من هنا كان النص من اللّه تعالى على الإمام علي ( عليه السلام ) لأنه لم يسبق منه شرك أو ظلم لنفسه بالشرك أو بغيره . و ما دمنا وصلنا إلى هذا لا بأس بصرف عنان البحث إلى ذكر أدلة كل من الطرفين على الإمام الخاص بعد النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) . أدلة السنة على إمامة أبي بكر : 1 ـ النص الجلي : استدل السنة الذين يرون أن النبي نص على أبي بكر نصاً جلياً بالحديث المشهور و هو : ( إن امرأة أتت إلى النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) لتسأله أمراً من الأمور فأجابها و طلب منها أن ترجع إليه متى أرادت ، فقالت : أرأيتَ أن جئتُ فلم أجدك ؟ قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر ) . و بالحديث الآخر : ( اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر و عمر ) . و بحديث أبي هريرة : ( قال : سمعت رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : بينما أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو ، فنزعت منها ما شاء اللّه ، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوباً أو ذنوبين ، و في نزعه ضعف ، واللّه يغفر له ضعفه ، ثم استحالت غرباً ، فأخذها عمر بن الخطاب ، فلم أر عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن ) . 2 ـ النص الخفي : و استدل أهل السنة الذين يذهبون إلى أن إمامة أبي بكر ثبتت بالنص الخفي بالواقعة المشهورة ، و هي : " إن الرسول في أثناء مرضه أمر أن يؤم أبو بكر المسلمين في الصلاة ، و الصلاة هي الإمامة الصغرى . فأولى به أن يكون هو صاحب الإمامة الكبرى إمامة المسلمين دنيا و ديناً " . و يؤخذ عليهما : أن الاستدلال بالنص يتنافى و ما ذهب إليه جمهورهم من أن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) لم يستخلف ، ولم ينص على أحد بالخلافة . و عليه : لا ريب في أنها اختلقت ليعارض بها النصوص الواردة في استخلاف علي و النص عليه من قبل النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بالإمامة . 3 ـ الشورى : و هو رأي جمهور أهل السنة الذين يذهبون إلى أن رسول اللّه ترك أمر الإمامة لاجتهاد المسلمين . " و رأى المسلمون أن أبا بكر هو ثاني اثنين إذ هما في الغار ، و أول من آمن من الرجال ، ثم رجل الصحبة الطويلة : و أخيراً عهد إليه الرسول بالصلاة الإمامة الصغرى ، فقاسوا الأمر بأن تكون له الإمامة الكبرى " [23] . كانت هذه مبررات اختياره للإمامة و مبايعته بها . هذا ما يذكره متأخرو علماء السنة ، و بتعبير أدق : المعاصرون منهم . و لكن التاريخ الكلامي أو العقائدي لقضية الإمامة أو الخلافة ، يقول في الحادثة و تبريرها غير هذا . فقد جاء في كتاب ( الملل و النحل ) للشهرستاني ـ و هو من أعلام السنة ـ ما نصه : " اختلف المهاجرون و الأنصار فيها ( يعني الإمامة ) فقالت الأنصار : منا أمير و منكم أمير ، و اتفقوا على رئيسهم سعد بن عبادة الأنصاري ، فاستدركه أبو بكر و عمر ـ رضي اللّه عنهما ـ في الحال بان حضرا سقيفة بني ساعدة ، و قال عمر : كنت أزوّر [24] في نفسي كلاماً في الطريق ، فلما وصلنا إلى السقيفة أردت أن أتكلم فقال أبو بكر : مه [25] يا عمر ، فحمد اللّه و أثنى عليه ، و ذكر ما كنت أقدره في نفسي كأنه يخبر عن غيب ، فقبل أن يشتغل الأنصار بالكلام مددت يدي إليه فبايعته و بايعه الناس و سكنت الفتنة ، ألا إن بيعة أبي بكر كانت فلتة [26] ، وقى اللّه المسلمين شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، فأيما رجل بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فانهما تَغِرَّة [27] يجب أن يقتلا . و إنما سكنت الأنصار عن دعواهم لرواية أبي بكر عن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ( الأئمة من قريش ) . و هذه البيعة هي التي جرت في السقيفة . ثم لما عاد إلى المسجد انثال [28] الناس عليه و بايعوه عن رغبة ، سوى جماعة من بني هاشم ، و ابي سفيان من بني أمية ، و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي اللّه عنه ـ كان مشغولاً بما أمره النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من تجهيزه و دفنه و ملازمة قبره من غير منازعة و لا مدافعة " [29] . و كما هو واضح من النص هذا : أن الشورى لم تتحقق تاريخياً فلم يكن في السقيفة اجتماع شامل أو على الأقل واف لمن له حق المشورة و إبداء الرأي ممن يعرفون بأهل الحل و العقد . ولم يدر بين من حضروا مشاورة و مفاوضة و مداولة في ترشيح من يستحقها من المسلمين . و إنما كانت مبادرة و كسب موقف من الشيخين ( رض ) لئلا تكون الإمامة في الأنصار . و مع كل هذا و غيره استطاع مبدأ الشورى ـ بصفته النظرية لا التطبيقية لأنه لم ير النور تطبيقياً ـ ان يهيمن على الجو الفكري و العقائدي مدة خلافة الخلفاء الثلاثة . و بدأت قوة سيطرته و تأثيرها من قولة عمر : " إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللّه المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، فايما رجل بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فانهما تغرة يجب أن يقتلا " . . حتى لم يستطع بنو هاشم ـ و هم رهط رسول اللّه ـ إثارة الاحتجاج بالنص . و استمرت تغذية هذا المبدأ سياسياً خلال هذه المدة لئلا يكون من علي و آل علي شيء يعترضه أو يعارضه ، إلى أن تسلم الإمام علي زمام الحكم بعد مقتل عثمان ، فبرز الاحتجاج منه بالنص . و لعل أول ما كان منه هذا عندما جمع الناس في ( الرحبة ) فقال : ( انشد اللّه كل امرئ مسلم سمع رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام فشهد بما سمع ، و لا يقم إلا من رآه بعينيه و سمعه بإذنيه ) فقام ثلاثون صحابياً فيهم اثنا عشر بدرياً فشهدوا ، أنه أخذه بيده فقال للناس : أتعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : نعم ، قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ) [30] . و إلى جانبه أثار ( عليه السلام ) فكرة التوضيح لما ينبغي أن يكون عليه مبدأ الشورى ، و ذلك في كتابه إلى معاوية ـ الآتي نصه ـ . و أراد بهذا إلزام معاوية بما ألزم المسلمون به أنفسهم آنذاك ، و بخاصة أن الإمام ( عليه السلام ) ضمّن كتابه ما جاء في خطاب عمر ( رض ) من أن الخارج عما انتهى إليه أمر الخلافة يقتل . قال ( عليه السلام ) : " أما بعد فان بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام ، لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بويعوا عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يرد ، و انما الشورى للمهاجرين و الأنصار فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماماً كان ذلك رضا ، فان خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه ، فأن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين و ولاه اللّه ما تولى و يصليه جهنم و ساءت مصيرا ً " . ثم يختم الإمام كتابه هذا بقوله : " و اعلم بأنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة و لا تعرض فيهم الشورى " [31] . و كأن الإمام ( عليه السلام ) يشير بهذا إلى شرط الإمامة الأساسي الذي جاء في قوله تعالى ﴿ ... لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [32] . أدلة الشيعة على إمامة علي : استدل الشيعة على إمامة علي بعدة نصوص منها : 1 ـ حديث الغدير : و قد دوّن هذا الحديث في غير كتاب من الكتب المعتبرة ، و روي بغير طريق من الطرق المختلفة صحاحاً و حساناً و سواها . و نص على تواتره غير واحد من الأعلام ، من أحدثهم السيد الطباطبائي قال : " و أما حديث الغدير ـ أعني قوله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ـ فهو حديث متواتر منقول من طرق الشيعة و أهل السنة بما يزيد على مئة طريق " [33] . و نصه كما أخرجه الإمام احمد بن حنبل من حديث البراء بن عازب [34] من طريقين : قال : كنا مع رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة ، و كسح لرسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) تحت شجرتين ، فصلى الظهر ، و أخذ بيد علي ، فقال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى . قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من ولاه ، و عادِ من عاداه . قال : فلقيه عمر بعد ذلك ، فقال له : هنيئاً يا بن أبي طالب أصبحت و أمسيت مولى كل مؤمن و مؤمنة " [35] . و تقرير الاستدلال به : يقول الشيخ أبو علي الطبرسي : " فأما وجه الاستدلال بخبر الغدير ففيه طريقان : أحدهما : أن نقول : إن النبي قرّر أمته في ذلك المقام على فرض طاعته فقال : ( ألستُ أولى بكم من انفسكم ) فلما أجابوه بالاعتراف و قالوا : ( بلى ) ، رفع بيد أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) و قال عاطفاً على ما تقدم : ( من كنت مولاه فهذا مولاه ) ـ و في روايات أخر ( فعلي مولاه ) ـ ( اللهم وال من والاه و عادِ من عاداه ، و انصر من نصره و اخذل من خذله ) ، فأتى عليه الصلاة و السلام بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة الأولى التي قدّمها ، و هو أن لفظة ( مولى ) تحتمل معنى ( أولى ) و ان كانت تحتمل غيره ، فيجب أن يكون أراد بها المعنى المتقدم على مقتضى استعمال أهل اللغة . و إذا كانت هذه اللفظة تفيد معنى الإمامة بدلالة أنهم يقولون : ( السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية ) و ( المولى أولى بعبده ) و ( ولد الميّت أولى بميراثه من غيره ) و قوله سبحانه : ( النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم ) لا خلاف بين المفسرين أن المراد : أنه أولى بتدبير المؤمنين و الأمر و النهي فيهم من كل أحد منهم . و إذا كان النبي أولى بالخلق من أنفسهم من حيث كان مفترض الطاعة عليهم و أحق بتدبيرهم و أمرهم و نهيهم و تصرفهم بلا خلاف ، وجب أن يكون ما أوجبه لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) فيكون أولى بالمؤمنين من حيث أن طاعته مفترضة عليهم و أمره و نهيه مما يجب نفوذه فيهم ، و فرض الطاعة يتحقق بالتدبير من هذا الوجه لا يكون إلا للنبي أو الإمام ، فإذا لم يكن ( عليه السلام ) نبياً وجب أن يكون إماماً . و أما الطريقة الأخرى في الاستدلال بهذا الخبر فهي : أن لا نبني الكلام على المقدمة ، و نستدل بقوله : ( من كنت مولاه ) من غير اعتبار ما قبله ، فنقول : معلوم أن النبي أوجب لأمير المؤمنين أمراً كان واجباً له لا محالة ، فيجب أن يعتبر ما تحتمله لفظة ( مولى ) من الأقسام و ما يصح كون النبي مختصاً به منها و ما لا يصح و ما يجوز أن يوجبه لغيره في تلك الحالة ، و ما لا يجوز . و جميع ما تحتمله لفظة ( مولى ) ينقسم إلى أقسام : منها ما لم يكنه عليه الصلاة و السلام ، و هو ( المعتق ) و ( الحليف ) لأنه لم يكن حليفاً لأحد ، و الحليف : الذي يحالف قبيلة و ينسب إليها ، ليتعزز بها . و منها ما كان عليه السلام ـ و معلوم لكل أحد ـ أنه لم يرده ، و هو : ( الجار ) و ( الصهر ) و ( ابن العم ) . و منها ما كان ، و معلوم بالدليل أنه لم يرده ، و هو : ( ولاية الدين ) و النصرة فيه و المحبة . و مما يدل على أنه لم يرد ذلك أن كل عاقل يعلم من دينه وجوب موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً ، و بذلك نطق القرآن ، و كيف يجوز أن يجمع ذلك الجمع العظيم في مثل تلك الحال و يخطب على المنبر المعمول من الرحال ليعلّم الناس من دينه ما يعلمونه ضرورة . و منها ما كان حاملاً له ، و يجب أن يريده و هو ( الأولى بتدبير الأُمة و أمرهم و نهيهم ) ، لأنّا إذا أبطلنا جميع الأقسام ، و علمنا أنه يستحيل أن يخلو كلامه من معنى أو فائدة ، ولم يبق إلا هذا القسم فيجب أن يريده . و قد بينا أن كل من كان بهذه الصفة فهو الإمام المفترض الطاعة ، و أما استيفاء الكلام فيه ففي الكتب الكبار " [36] . ان عقد الولاية العامة التي تعني الإمامة لعلي ( عليه السلام ) من قبل رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) كان امتثالاً منه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) لوحي نزل عليه في ( غدير خم ) و هو قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [37] . ففي ( أسباب النزول ) روى أبو الحسن الواحدي بسنده عن أبي سعيد الخدري : " قال : نزلت هذه الآية ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ﴾ [38] يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه " [39] . و الآية صريحة في أمر اللّه رسوله الكريم بتبليغ وحي انزل اليه من ربه . كما انها ظاهرة بأن هذا كان بعد تمام تبليغه الرسالة الالهية التي أعلن عن إكمالها و تمامها يوم عرفة قبل وصوله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) إلى غدير خم بقوله تعالى : ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ... ﴾ [40] . و ظاهرة أيضاً في أن ذلك الأمر حكم جزئي ، و ذلك لأن الرسالة لانها تبليغ لعموم الناس حتى قيام الساعة تحتوي الأحكام الكلية ، و من تلكم الاحكام الكلية حكم الإمامة الذي أفدناه من آية ﴿ ... قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ... ﴾ [41] ، فيكون الأمر الجزئي هنا هو تطبيق حكم الإمامة على الشخص المؤهل لها . و يؤيد هذا و يؤكده قوله تعالى : ﴿ ... وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ... ﴾ [42] ، لأن الناس ـ و هم العامة هنا ـ قد لا يتورعون من توجيه الاتهام إلى النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بالمحاباة لابن عمه ، و ربما حاول من له طمع في الخلافة إفساد الأمر على الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، فأعطاه تعالى هذا الضمان بحفظه مما قد يلاقيه من الناس حين قيامه بمهمة عقد الولاية لعلي و نصبه إماماً للمسلمين . " ففي تفسير العياشي عن ابي صالح عن ابن عباس و جابر بن عبد اللّه : قالا : أمر اللّه تعالى نبيه محمداً أن ينصب علياً علماً في الناس ليخبرهم بولايته فتخوف رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أن يقولوا حابى ابن عمه و أن يطعنوا في ذلك عليه ، قالا : فأوحى اللّه إليه هذه الآية ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ... ﴾ [43] فقام رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) بولايته يوم غدير خم ) [44] . يقول الدكتور النشار بعد حديثه عن حديث الدار : " ثم هناك الحديث الهام حديث الغدير و الذي اتخذه الشيعة سنداً لأحقية علي الكاملة في خلافة المسلمين بعد رسول اللّه . فقد خرج النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من مكة بعد حجة الوداع ، و في الطريق نزل عليه الوحي ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ... ﴾ [45] ، و كان النبي عند غدير خم ، فأمر بالدرجات و جمع الناس في يوم قائظ شديد القيظ و دعا علياً إلى يمينه ، و خطب فقال : لقد دعيت إلى ربي و اني مغادركم من هذه الدنيا و اني تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي » ، ثم أخذ بيد علي و رفعها و قال « يا ايها الناس ألستُ أولى منكم بانفسكم ؟ قالوا : بلى ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ من والاه و عادِ من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله و أدر الحق معه حيثما دار » ، فقال عمر : « بخ بخ ، أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة » ، ثم عاد الرسول إلى خيمته و نصب لعلي اخرى بجانبها ، و أمر المسلمين أن يبايعوه بالإمامة ، و سلموا له بإمرة المؤمنين جميعاً رجالاً و نساء [46] . هذا هو حديث غدير خم الذي اعتقده الشيعة سنداً صريحاً لهم في القول بإمامة علي ، و قد اعترف أهل السنة جزئياً بصحة هذا الحديث و أولوه بان المقصود من ( الولاية ) هنا الولاية الروحية ، بل إننا نرى الحسن البصري ـ إمام التابعين ـ يعلن أن علياً رباني هذه الأمة . أما السلف من الحنابلة المتقدمين فقد أوّلوا الموالاة بعدم الكراهية ، و أنكر السلف المتأخرون الحديث إنكاراً تاماً . و من العجب أن السلف الذين يكرهون التأويل و ينكرونه ، يؤلون هنا » [47] . و من الواضح أن هذا التأويل كان بتأثير عوامل سياسية ، لان الاعتراف بان ظاهر الحديث يدل على الإمامة الإلهية لازمه إلزام من لا يعتقد بمؤداه بالمخالفة الشرعية . يقول أبو القاسم البجلي المعتزلي : « لو نازع علي عقيب وفاة رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و سل سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه و تقدم عليه ، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه ، و لكنه مالك الأمر و صاحب الخلافة ، إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها ، و اذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من اغضى له عليها ، و حكمه في ذلك حكم رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، لانه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال : ( علي مع الحق ، و الحق مع علي ، يدور معه حيثما دار ) ، و قال له غير مرة : ( حربك حربي ، و سلمك سلمي ) [48] . مع أن اقتران الولاية لعلي بولاية النبي في الحديث الشريف المذكور دليل على أنها أعم من الولاية الروحية ، لأن ولاية النبي على الانفس تعني السلطة التنفيذية إذ لا معنى أن يكون النبي ولياً على الانفس روحياً . 2 ـ حديث الكتاب : و نصه : « لما احتضر رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : هلم اكتبْ لكم كتاباً لن تضلوا بعده ، فقال عمر : إن النبي قد غلب عليه الوجع ، و عندكم القرآن ، حسبنا كتاب اللّه ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده ، و منهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو و الاختلاف عند النبي ، قال لهم رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : قوموا . فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللّه و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم و لغطهم » [49] . قال السيد شرف الدين تعليقاً عليه : « و هذا الحديث مما لا كلام في صحته و لا في صدوره ، و قد رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه ، و أخرجه مسلم في آخر الوصايا من صحيحه أيضاً ، و رواه احمد من حديث ابن عباس في مسنده ، و سائر أصحاب السنن و الأخبار » [50] . « و أنت إذا تأملت في قوله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ( هلم اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده ) و قوله في حديث الثقلين : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ) تعلم أن المرمى في الحديثين واحد ، و انه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) اراد في مرضه ان يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين . و انما عدل عن ذلك لان كلمتهم تلك التي فاجأوه بها اضطرته إلى العدول ، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة و الاختلاف من بعده في أنه هل هجر فيما كتبه ـ العياذ باللّه ـ أو لم يهجر ، كما اختلفوا في ذلك و اكثروا اللغو نصب عينيه ، فلم يتسن له يومئذ اكثر من قوله لهم : ( قوموا ) ـ كما سمعت ـ ، و لو أصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم هجر و لا وغل أشياعهم في إثبات هجره ـ و العياذ باللّه ـ فسطروا به أساطيرهم ، و ملأوا طواميرهم رداً على ذلك الكتاب و على من يحتج به . لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب ( صلى الله عليه و آله و سلم ) عن ذلك الكتاب صفحاً لئلا يفتح هؤلاء المعارضون و أولياؤهم باباً إلى الطعن في النبوة ـ نعوذ باللّه و به نستجير ـ و قد رأى ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أن علياً و اولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب ، سواء عليهم أكتب أم لم يكتب ، و غيرهم لا يعمل به و لا يعتبرونه لو كتب ، فالحكمة ـ و الحال هذه توجب تركه إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى » [51] . أئمة الإمامية : و تتسلسل الإمامة عند الشيعة الإمامية في اثني عشر إماماً ، و هم : 1 ـ علي بن أبي طالب ت 40 هجري 2 ـ الحسن بن علي ت 50 هجري 3 ـ الحسين بن علي ت 61 هجري 4 ـ علي بن الحسين زين العابدين ت 94 هجري 5 ـ محمد بن علي الباقر ت 114 هجري 6 ـ جعفر بن محمد الصادق ت 148 هجري 7 ـ موسى بن جعفر الكاظم ت 183 هجري 8 ـ علي بن موسى الرضا ت 203 هجري 9 ـ محمد بن علي الجواد ت 220 هجري 10 ـ علي بن محمد الهادي ت 254 هجري 11 ـ الحسن بن علي العسكري ت 260 هجري 12 ـ محمد بن الحسن المهدي و 255 هجري و استدلوا على إمامتهم بنصوص ذكرت في كتب الحديث و كتب الإمامة ، تضمن بعضها النص على الاثني عشر ، و بعضها النص على كل فرد بخصوصه . و من هذه النصوص ما هو متواتر لفظاً ، و منها ما هو متواتر معنى . و المبدأ المستخلص منها : أن معرفة الإمام تتم بنص السابق على اللاحق . و بالإضافة إلى ما ذكروه من نص النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) على الجميع بأسمائهم ، و الى ما ذكرته أعلاه من نصه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) على ابن عمه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بالخصوص استدلوا بما رواه أهل السنة في صحاحهم و مسانيدهم عن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من أنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) نص على أن الأئمة إثنا عشر و كلهم من قريش . ففي رواية البخاري : اثنا عشر أميراً كلهم من قريش . و في رواية مسلم : اثنا عشر خليفة كلهم من قريش . و مثلها رواية الترمذي وابن حجر و الحاكم [52] . و في رواية احمد بن حنبل عن مسروق ، قال : كنا جلوساً عند عبد اللّه بن مسعود ، و هو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبد اللّه : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك . ثم قال : نعم ، و لقد سألنا رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، ( فقال ) : اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل » [53] . يقول استاذنا السيد محمد تقي الحكيم : « و الذي يستفاد من هذه الروايات : 1 ـ إن عدد الأمراء أو الخلفاء لا يتجاوز الاثني عشر ، و كلهم من قريش . 2 ـ و إن هؤلاء الأمراء معينون بالنص ، كما هو مقتضى تشبيههم بنقباء بني إسرائيل لقوله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ... ﴾ [54] . 3 ـ إن هذه الروايات افترضت لهم البقاء ما بقي الدين الإسلامي ، أو حتى تقوم الساعة ، كما هو مقتضى رواية مسلم السابقة ، و أصرح من ذلك روايته الأخرى في نفس الباب : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان » . و إذا صحت هذه الاستفادة فهي لا تلتئم إلا مع مبنى الإمامية في عدد الأئمة و بقائهم و كونهم من المنصوص عليهم من قبله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و هي منسجمة جداً مع حديث الثقلين و بقائهما حتى يردا عليه الحوض . و صحة هذه الاستفادة موقوفة على أن يكون المراد من بقاء الأمر فيهم بقاء الإمامة و الخلافة ـ بالاستحقاق ـ لا السلطة الظاهرية . لأن الخليفة الشرعي خليفة يستمد سلطته من اللّه ، و هي في حدود السلطة التشريعية لا التكوينية ، لان هذا النوع من السلطة هو الذي تقتضيه وظيفته كمشرع ، و لا ينافي ذلك ذهاب السلطنة منهم في واقعها الخارجي لتسلط الآخرين عليهم . على أن الروايات تبقى بلا تفسير لو تخلينا عن حملها على هذا المعنى ، لبداهة أن السلطة الظاهرية قد تولاها من قريش أضعاف أضعاف هذا العدد ، فضلاً عن انقراض دولهم و عدم النص على أحد منهم ـ أمويين و عباسيين ـ باتفاق المسلمين . و من الجدير بالذكر أن هذه الروايات كانت مأثورة في بعض الصحاح و المسانيد قبل أن يكتمل عدد الأئمة ، فلا يحتمل أن تكون من الموضوعات بعد اكتمال العدد المذكور ، على أن جميع رواتها من أهل السنة و من الموثوقين لديهم . و لعل حيرة كثير من العلماء في توجيه هذه الأحاديث و ملاءمتها للواقع التاريخي ، كان منشؤها عدم تمكنهم من تكذيبها ، و من هنا تضاربت الأقوال في توجيهها و بيان المراد منها . و السيوطي « بعد أن أورد ما قاله العلماء في هذه الأحاديث المشكلة خرج برأي غريب نورده هنا تفكهة للقراء ، و هو : ( و على هذا فقد وجد من الإثني عشر : الخلفاء الأربعة و الحسن و معاوية و ابن الزبير و عمر بن عبد العزيز و هؤلاء ثمانية و يحتمل أن يضم إليهم المهدي من العباسيين ، لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية ، و كذلك الظاهر لما أويته من العدل ، و بقي الاثنان المنتظران احدهما : المهدي لأنه من أهل بيت محمد ) ولم يبين المنتظر الثاني ، و رحم اللّه من قال في السيوطي : انه حاطب ليل [55] » . و ما يقال عن السيوطي ، يقال عن ابن روزبهان في دره على العلامة الحلي ، و هو يحاول توجيه هذه الأحاديث [56] . و الحقيقة أن هذه الأحاديث لا تقبل توجيهاً إلا على مذهب الإمامية في أئمتهم . و اعتبارها من دلائل النبوة في صدقها عن الأخبار بالمغيبات ، أولى من محاولة إثارة الشكوك حولها كما صنعه بعض الباحثين المحدثين متخطياً في ذلك جميع الاعتبارات العلمية ، و بخاصة بعد أن ثبت صدقها بانطباقها على الأئمة الإثني عشر ( عليه السلام ) » [57] . أئمة السنة : أما السنة فتتسلسل الإمامة عند جمهورهم بالخلفاء الراشدين و الحكام الأمويين و الحكام العباسيين و بمن ولي أمر حكمهم تحت عنوان الخلافة و امرة المؤمنين . أئمة الزيدية : و ذهب الزيدية إلى أن الإمامة في علي و الحسنين من بعده ، ثم في أهل البيت من بعدهما لقوله ( عليه السلام ) : « الأئمة في قريش في هذا البطن من هاشم » ، و لإجماع أهل البيت على ذلك . و تسلسلت الإمامة عندهم كالتالي : 1 ـ علي بن أبي طالب ت 40 هجري 2 ـ الحسن بن علي ت 50 هجري 3 ـ الحسين بن علي ت 61 هجري 4 ـ الحسن بن الحسن ت 80 هجري 5 ـ زيد بن علي ت 122 هجري 6 ـ يحيى بن زيد ت 126 هجري 7 ـ محمد النفس الزكية ت 145 هجري 8 ـ ابراهيم بن عبد اللّه ت 145 هجري 9 ـ ابراهيم بن الحسن المثنى ت 145 هجري 10 ـ يحيى بن عبد اللّه بن الحسن المثنى ت 175 هجري 11 ـ ادريس بن عبد اللّه بن الحسن المثنى ت 175 هجري 12 ـ محمد بن طباطبا ت 199 هجري 13 ـ محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى ت 200 هجري 14 ـ ادريس بن ادريس ت 214 هجري و استمرت الإمامة بعد هؤلاء ـ و لا تزال ـ وفق الشروط التالية : 1 ـ النسب الحسني أو الحسيني . 2 ـ الدعوة . 3 ـ الثورة . و لمعرفة بقية أئمتهم حتى سقوط دولة آل حميد الدين في اليمن سنة 1962 م يرجع إلى كتاب ( الزيدية ) للدكتور احمد محمود صبحي الصفحة 587 تحت عنوان ( سلسلة أئمة الزيدية ) . و يقول السيد احمد حسين شرف الدين الزيدي المعاصر : « و اجمعت الزيدية على أن معرفة الإمام علي واجبة على كل مكلف . أما في حكم من تقدمه من الخلفاء الثلاثة فزيدية اليمن لا تنكر عليهم شيئاً في ذلك لجواز قيام المفضول عند وجود الأفضل للمصلحة و لمبايعة علي لهم . و منهم من يوقف تخطئتهم على علمهم ، أي أنهم إذا كانوا غير عالمين باستحقاقه دونهم بعد التحري فلا إثم عليهم و ان اخطأوا ، لأن كل مجتهد مصيب ، و إلا فخطيئتهم كبيرة ، و هذا هو قول الإمام القاسم بن محمد في كتابه ( الأساس ) . أما الجارودية و الصالحية ـ و هما من فرق الزيدية ، و قد ظهرتا بالعراق ـ فتقولان بأن الأمة ضلت و كفرت في تركها بيعته ، ولم يخطئوا أبا بكر و عمر لسكوت الإمام علي » [58] . أئمة الاسماعيلية : و أما أئمة الاسماعيلية فيتسلسلون كالتالي : أ ـ الأئمة الظاهرون : 1 ـ علي بن أبي طالب 2 ـ الحسن بن علي 3 ـ الحسين بن علي 4 ـ علي بن الحسين زين العابدين 5 ـ محمد بن علي الباقر 6 ـ جعفر بن محمد الصادق 7 ـ إسماعيل بن جعفر الصادق ت 145 هجري ب ـ الأئمة المستورون : 1 ـ محمد بن إسماعيل ت 183 هجري 2 ـ عبد اللّه الرضا بن محمد بن إسماعيل 3 ـ احمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل 4 ـ الحسين بن احمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل 5 ـ علي بن الحسين بن احمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل 6 ـ عبيد اللّه المهدي الفاطمي ت 322 هجري الأئمة عند الأباضية : و ذهبت الأباضية إلى وجوب الإمامة في المجتمع الإسلامي ـ كما ألمحت ـ ، و استدلوا على ذلك : بأن إقامة الحدود واجبة في الشريعة الإسلامية ، و هي لا تقام إلا بالأئمة و ولاتهم . و ذهبوا إلى عدم قصر الإمامة على قريش ، لأن الناس سواسية أمام اللّه ، و قد خلقهم من نفس واحدة ، فلا تمييز بين أبناء المسلمين لهذا المنصب ، و ذلك لقوله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ( إن أمّر عليكم عبد حبشي مجدوع الأنف فاسمعوا و أطيعوا ما أقام فيكم كتاب اللّه ) . و الطريق لتنصيب الإمام عندهم هو الاختيار و البيعة . و تبدأ الإمامة بعد الرسول عندهم بابي بكر الصديق ( رض ) لاستخلاف الرسول له في الصلاة و لإجماع الصحابة على خلافته . و صححوا من بعدْ خلافة عمر بن الخطاب ( رض ) لإجماع الصحابة أيضاً [59] . و توقفوا كالخوارج في خلافة الصهرين عثمان و علي و من بعدهما من الأمويين و العباسيين . و كانت لهم إمامتهم الخاصة في ( عمان ) منذ القرن الثالث الهجري ، و لا تزال قائمة حتى الآن . و الاباضيون يؤكدون في الكثير من كتبهم على أنهم ليسوا من الخوارج و ان التقوا معهم في بعض العقائد . و يؤكدون أيضاً على أنهم يحترمون الصهرين و يقولون بعدالتهما ، لأن التخطئة ـ كما يقولون ـ لا تستلزم التفسيق أو التكفير . العصمة اشترط الإمامية و الإسماعيلية عصمة الإمام . قال العلامة الحلي : « يجب أن يكون ( الإمام ) معصوماً ، والا لزم التسلسل . و التالي باطل . فالمقدم مثله . بيان الشرطية : إن العلة المقتضية لوجوب نصب الإمام جواز الخطأ على المكلف . فلو جاز عليه الخطأ لوجب افتقاره إلى إمام آخر ليكون لطفاً له و للأمة أيضاً ، و يتسلسل » [60] . و في هدي آية ﴿ ... إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [61] يكون نص تعيين الإمام هو نفسه دليل أنه معصوم ، لأن الإمامة ـ كما هو صريح الآية ـ عهد اللّه الذي لا يعهد به لظالم . و الى هذا يشير الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) بقوله : ( الإمام منا لا يكون إلا معصوماً ، و ليست العصمة في ظاهر الخلقة فتعرف ، و لذلك لا يكون إلا منصوصاً ) . و استدلوا أيضاً بآية التطهير : ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [62] . بتقريب أن المراد من الرجس الذنوب ، ذلك أن الرجس : « القذر حساً أو معنى ، و يطلق على ما يستقبح في الشرع و الفطر السليمة » [63] . و المراد بـ ( أهل البيت ) : علي و فاطمة و الحسن و الحسين ، لحديث الكساء المروي عن أم سلمة ( رض ) : « قالت : نزلت هذه الآية في بيتي ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [64] و في البيت سبعة : جبريل و ميكائيل و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ( رض ) و أنا على باب البيت . قلت : ألست من أهل البيت ؟ قال ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : إنك إلى خير ، إنك من أزواج النبي » [65] ، و لحديث المباهلة المروي في صحيح مسلم : 7 / 121 : « لما نزلت هذه الآية ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ... ﴾ [66] دعا رسول اللّه علياً و فاطمة و حسناً و حسيناً ، فقال : « اللهم هؤلاء أهلي » [67] . و بوحدة الملاك تعم الآية بمؤداها سائر الأئمة التسعة . و جاء في كتاب ( نظرية الإمامة ) للدكتور احمد محمود صبحي صفحة 16 ، نقلاً عن كتاب ( الوشيعة ) لموسى جار اللّه ما نصه : « نحن فقهاء أهل السنة و الجماعة نعتبر سيرة الشيخين الصديق و الفاروق أصلاً تعادل سنة النبي الشارع في إثبات الأحكام الشرعية في حياة الأمة و إدارة الدولة . و ان الخلافة الراشدة معصومة عصمة الرسالة » . و ذهب محدثوهم إلى القول بعصمة الصحابة و أن كبائرهم صغائر [68] . و المعروف عند أهل السنة و كذلك الزيدية و الأباضية اشتراط عدالة الإمام . و اختلفوا في أمر الخروج عليه إذا ظهر منه ما يثبت انتفاء العدالة ، فقال الزيدية و الأباضية بالخروج عليه . و قال الحنابلة من أهل السنة بحرمة الخروج عليه ، قال ابو الحسن الاشعري ( الحنبلي المذهب ) : « و نرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح و الإقرار بإمامتهم و تضليل من رأى الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الاستقامة ، و ندين بترك الخروج عليهم بالسيف » [69] [70] . -------------------------------------------------------------------------------- [1] القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 73 ، الصفحة : 328 . [2] القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 12 ، الصفحة : 188 . [3] قواعد العقائد : 457 . [4] الباب الحادي عشر : 46 . [5] المواقف : 395 . [6] الاسلام و الخلافة : 19 نقلاً عن : الاحكام السلطانية 3 . [7] عقائد الإمامية : 93 . [8] المواقف : 395 . [9] غاية المرام : 363 . [10] المواقف : 395 ـ 396 . [11] النافع يوم الحشر : 67 ـ 68 . [12] الزيدية : 30 و نص ابن القيم منقول عن الطرق الحكمية في السياسة الشرعية : 7 . [13] المصدر : 30 . [14] القران الكريم : سورة الشورى ( 42 ) ، الآية : 38 ، الصفحة : 487 . [15] القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 124 ، الصفحة : 19 . [16] القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 124 ، الصفحة : 19 . [17] القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 64 ، الصفحة : 88 . [18] القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 124 ، الصفحة : 19 . [19] الميزان في تفسير القرآن : 1 / 270 ـ 271 . [20] القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 124 ، الصفحة : 19 . [21] مجمع البحرين : 1 / 406 . [22] القران الكريم : سورة لقمان ( 31 ) ، الآية : 13 ، الصفحة : 412 . [23] نشأة الفكر الفلسفي في الاسلام 2 / 26 . [24] أزور : أحسّن ، انمقّ . [25] مه : اكفف . [26] فلتة : دون تدبر و تمهل . [27] تغرة : يقال : غرر بنفسه تغريراً و تغرة إذا عرّضها للهلاك . [28] انثال الناس : تدافعوا اليه و تكاثروا حوله . [29] الملل و النحل : 1 / 24 و انظر أيضاً : مقالات الإسلاميين للأشعري : 2 . [30] انظر : المراجعات : 194 ـ 195 . [31] الأدب السياسي : 75 نقلاً عن وقعة صفين : 29 . [32] القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 124 ، الصفحة : 19 . [33] الميزان في تفسير القرآن : 4 / 59 و لزيادة المعرفة في مستوى السند و دلالة المتن يرجع إلى الجزء الأول من كتاب ( الغدير ) للشيخ الأميني . [34] مسند احمد بن حنبل : 4 / 281 . [35] المراجعات : 190 . [36] إعلام الورى : 169 ـ 170 . [37] القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 67 ، الصفحة : 119 . [38] القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 67 ، الصفحة : 119 . [39] اسباب النزول : 150 . [40] القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 3 ، الصفحة : 107 . [41] القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 124 ، الصفحة : 19 . [42] القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 67 ، الصفحة : 119 . [43] القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 67 ، الصفحة : 119 . [44] الميزان في تفسير القرآن : 4 / 53 . [45] القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 67 ، الصفحة : 119 . [46] نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام : 2 / 27 ـ 28 نقلاً عن منهاج السنة لابن تيمية : 4 / 81 و حياة القلوب للمجلسي : 339 . [47] م . ن . [48] الاصول العامة للفقه المقارن : 177 نقلاً عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1 / 212 . [49] المراجعات : 272 . [50] م . ن . [51] المراجعات : 275 ـ 276 . [52] سيرة الأئمة الاثني عشر : 1 / 36 ـ 37 . [53] الاصول العامة : 178 . [54] القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 12 ، الصفحة : 109 . [55] الاصول العامة : 180 نقلاً عن أضواء على السنة المحمدية 212 . [56] م . ن عن دلائل الصدق : 2 / 315 . [57] م . ن . [58] تاريخ الفكر الإسلامي في اليمن : 162 . [59] دراسات إسلامية في الأصول الأباضية : 118 ـ 119 . [60] نهج المسترشدين : 58 . [61] القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 124 ، الصفحة : 19 . [62] القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 . [63] معجم ألفاظ القرآن الكريم ، مادة : رجس . [64] القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 . [65] الاصول العامة : 155 نقلاً عن الدر المنثور : 5 / 198 . [66] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 . [67] الاصول العامة : 175 . [68] انظر : مقالة ( التعريف بالعواصم و القواصم ) لبسام عبد الوهاب الجابي ، مجلة البصائر ، العدد الخامس الصفحة 123 . [69] الابانة : 11 . [70] كتاب خلاصة علم الكلام للدكتور عبد الهادي الفضلي تحت عنوان " الامامة " .
  /www.erfan.ir/