الإمَــامَــة
الإمَــامَــة
0 Vote
200 View
الاسلام دين ونظام لكل الناس على حد تعبير القرآن الكريم : « وَمَا أرسَلناكَ إلاَّ كَافَّة للناسِ بشيراً ونَذيِراً » فمن الاولى ، أن لا يُترك دون صيانة ورعاية ، بل لا بد وأن يسند الى شخص مَّا من المسلمين ـ طبعا ـ ، القيام بهذه المهمة . وطريق ذلك ، منحصر بالنص عليه ، إما من الله تعالى ، أو من النبي المعصوم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو الإمام الذي ينصبه النبي . ويشترط في الإمام ما يشترط في النبي من كونه معصوما عن الخطأ . من هنا ، فان قضية الخلافة ـ في المفهوم الديني ـ تأخذ معنى آخر غير المعاني الاخرى المتسالم عليها عند أكثرية المسلمين . فهي تأخذ معنى شرعيا يبقى ضمن « النص » . فالإمام ـ بعد النبي ـ مصدر للتشريع لا يمكن الاستغناء عنه بحال من الاحوال ، فقوله وفعله وتقريره سُنَّة . وبهذا نادى أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وعلى هذا بنوا كل أمورهم الدينية . فالدين فوق كل الميول والاتجاهات ، لا يقاس بالعقول ، وصاحب الرسالة أدرى وأعلم بمن يقوم بمهماتها . أما أن يقوم هذا الامر على التخمين والظن والاختيارات الشخصية ، فهذا عين الخطأ ، ولا قاعدة فيه من المشرع الحكيم . بل القاعدة على عكس ذلك ، قال تعالى : ـ « ربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة في ذلك » . هذا بالاضافة الى كون النتائج في هذا الحال مجهولة ، ومتى ما كان الامر كذلك ، فان الخسارة حينئذ تكون أقوى في ميزان الاحتمال . ولا يبعد أن يكون ما حصل للمسلمين من قبل وما يعانونه اليوم ، إنما هو نتيجة للتصرفات الفردية في هذا الامر الخطير ، فانه منذ أن فقدت القيادة الاسلامية مقوماتها الحقيقية بدأ الكيان الاسلامي يهتز ، ويدخل مراحل الانهيار . فالملاحظ ، أن الجسم الاسلامي ـ بكل أبعاده وأشكاله ـ كان ينتقل ضمن دائرة النمو ، من طور الى طور أكبر ، بشكل متكامل متين لا يعرف الانتكاس ولا الجمود . وما ذلك إلا بفضل الرعاية الحكيمة من النبي الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقد كانت قوة المسلمين تتكامل ، وعددهم يتزايد ، بشكل مستمر ملحوظ ، ووحدتهم متينة لا يزعزعها شيء ، على الرغم من الأخطار التي كانت تحدق بهم ، سواء من بقايا الشرك في الوسط العربي ، أو من المنافقين الذين كانوا بين ظهرانيهم يتربصون بهم الدوائر . فـي الـسَّـقيفَـة ما ان التحق الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بربه ، حتى بدأ العد العكسي يأخذ مجراه . فبدأت النوازع العصبية تبرز على الساحة بكل ما تحمل من أخطار ، تشتت الوحدة ، وتفرق الكلمة ، وهذا ما جرى في سقيفة بني ساعدة ، فقد تنازع المهاجرون والانصار في الامر من جهة ، وثارت ثائرة الاوس والخزرج ـ التي أطفأ الاسلام نائرتها ـ من جهة أخرى . واليك لقطات سريعة عن ذلك ـ كما في شرح النج : قال سعد بن عبادة ـ سيد الخزرج ـ في خطبته : « فشدوا يدْيكم بهذا الامر ، فانكم أحق الناس ، وأولاهم به ! » وقال الحباب بن المنذر : « فمنا أمير ومنهم أمير !! » فقال عمر : « هيهات ! لا يجتمع سيفان في غمد ، إن العرب لا ترضى أن تؤمركم ونبيها من غيركم . ! » فقام الحباب ، وقال : « لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من الامر . » فلما رأى بشير بن سعد الخزرجي ، ما اجتمعت عليه الانصار من تأمير سعد بن عبادة ـ وكان حاسدا له ـ قال : إن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رجل من قريش ، وقومه أحق بميراث أمره . فقام أبو بكر ، وقال : هذا عمر وابو عبيدة ، بايعو أيهما شئتم . فقالا : والله لا نتولى هذا الامر عليك . . أبسط يدك حتى نبايعك . فلما بسط يده ، وذهبا يبايعانه ، سبقهما بشير بن سعد فبايعه . فناداه الحباب بن المنذر : يا بشير ، عقَّك عَقاق والله ما اضطرك الى هذا الامر ، إلا الحسد لابن عمك . « يعني سعداً » . ولما رأت الأوس ، أن رئيسا من رؤساء الخزرج قد بايع ، قام أسيد بن حضير ـ وهو رئيس الأوس ـ فبايع حسداً لسعد أيضا ، ومنافسة له ان يلي الامر ، فبايعت الأوس كلها لما بايع أُسَيد . وحُمل سعد بن عبادة ـ وهو مريض ـ فأدخل الى منزله ، فامتنع عن البيعة في ذلك اليوم وفيما بعد (1) . قال البراء بن عازب ـ وكان خارج السقيفة ـ في حديث له : فلم ألبث ، واذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر ، وأبو عبيدة ، وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالأزُرِ الصنعانية ، لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه ، فمدوا يده ، فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك ، أو أبى . فانكرت عقلي ! ورأيت في الليل ، المقداد ، وسلمان ، وأبا ذر ، وعبادة بن الصامت ، وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة ، وعمارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الامر شورى بين المهاجرين (2) . هذه صورة مختصرة أخذناها من شرح النهج ، وفيها تعبير واضح عن الطريقة التي استخدمت في عقد البيعة لأبي بكر ، وانها لم تكن عن طريق الاختيار ـ كما يدعى ـ بل تدخَّل فيها عنصر القوة والإجبار . إثَـارَة الفِـتَن ولكن مع ذلك ، فان الفتنة لم تنته بعد ، فقد كانت خيوطها تنسج في أقبية النفاق والضلال من قبل أدعياء الاسلام ، فقد حاولوا غير مرة ، جاهدين ، في إشعالها . من ذلك : أن أبا سفيان أقبل الى علي ( عليه السلام ) قائلا له : «اني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم ، يا آل عبد مناف ، فيم يلي أبو بكر من أموركم ؟ أين المستضعفان أين الأذلاّن عليّ والعباس ؟ ما بال هذا الامر في أقل حيّ من قريش ؟ » ثم قال لعلي ( عليه السلام ) : أبسط يدك أبايعك ، فوالله لئن شئت ، لأملأنها عليه خيلا ورجِلا . فأبى علي عليه السلام . « وقال : إنك تريد أمرا لسنا من أصحابه ، وقد عهد الي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عهدا ، فأنا عليه » (3) فتمثل أبو سفيان بشعر المتلمس : ولن يـقـيـم علـى خـسـف يـراد به * إلا الأذلاّن عـيـر الـحـي والـوتـد هذا علـى الـخسـف معكـوس بـرمته * وذا يـشـج فـلا يـبـكـي لـه أحـد فزجره علي ( عليه السلام ) ، وقال : والله إنك ما أردت بهذا إلا الفتنة ، وانك والله طالما بغيت للاسلام شرا . لا حاجة لنا في نصيحتك (4) لقد كان هذا الرد طبيعيا من الإمام علي ( عليه السلام ) أخ النبي ، ووصيه ، ووزيره ـ كما ورد عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ فلقد كان ( عليه السلام ) يرمي من وراء ذلك الى الحفاظ على وحدة المسلمين ووحدة كلمتهم ليبقى الاسلام ويستمر في مسيرته . وحاول آخرون إيقاع الفتنة بين المهاجرين والانصار مرة ثانية ، فكان أمير المؤمنين علي عليه السلام يقف سدا منيعا في وجوههم ، لا يترك لهم في ذلك فرصة تمر . فقد حاول عمرو بن العاص من خلال كلام قاله في محضر من المهاجرين والانصار ، أن يثير حفيظة المهاجرين على الانصار ، حيث انتقص من مكانتهم ، وأتهمهم بأنهم : إنما أووا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طمعا بالملك أو الإمرة من بعده . وفي ذلك يقول : تمنـيـتـم الملـك فـي يثـرب * فـأنـزلـت القـدر لـم تنـضـج في أبيات ، أجابه عليه فيما بعد ، شاعر الأنصار ، النعمان بن العجلان : بعد كلام له ، منها : فقل لقريـش نحـن أصحـاب مـكة * ويـوم حنيـن والفـوارس فـي بدر وكــان هـوانـاً فـي عـليّ وإنه * لأهل لهـا يا عمرو من حيث لا تدري وعاود بن العاص الكرة ، بتحريض من سفهاء قريش ، فبلغ الخبر علياً ( عليه السلام ) ، فغضب ، وشتم عَمراً ، وقال : أذى الله ورسوله . ثم قام ، فأتى المسجد ، فاجتمع إليه كثير من قريش ، وتكلم مغضبا فقال : «يا معشر قريش ، إن حُبَّ الانصارِ ، إيمان ، وبغضهم نفاق ، وقد قضوا ما عليهم ، وبقي ما عليكم ، واذكروا أن الله رَغِب لنبيكم عن مكة ، فنقله الى المدينة ، وكرِهَ له قريشاً ، فنقله الى الانصار ، ثم قد منا عليهم دارَهُم ، فقاسمونا الاموالَ ، وكفونا العمل ، فَصِرنا منهم بين بذل الغني ، وايثار الفقير ، ثم حاربَنا الناس ، فوقونا بأنفسهم ، وقد أنزل الله تعالى فيهم آية من القرآن ، جمع لهم فيها بين خمس نِعَم فقال : « والذِينَ تبوّؤا الدّار والإيمانَ مِنْ قَبلِهم يُحِبُّون مَنْ هاجَر اليهم ولا يَجِدُونَ في صُدورهِم حاجَة مِمَّا أُوتوا ويُؤثِرونَ على أنفُسهِم ولو كانَ بهِم خَصَاصة وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأولئِك هم المفلحِون » ألا وان عمرو بن العاص قد قام مقاماً أذى فيه الميت والحي ، ساء به الواتر ، وسر الموتور ، فاستحق من المستمع الجواب . ومن الغائب المَقت ، وانه : مَن أحب الله ورسوله ، أجب الأنصار ، فليكفف عمرو عنا نفسه . فمشت قريش عند ذلك الى عمرو بن العاص ، فقالوا : أيها الرجل ، أما اذا غضب عليّ فاكفُف . وقال حسان بن ثابت في ذلك أبياتاً ، منها : جـزى الله عنـا والـجزاء بكـفِّه * أبا حسن عنـا ومن كـأبي حَسـنْ سبقـت قـريشاً بـالذي أنت أهله * فصدرك مشروح وقـلبـُكَ ممتحـنْ وترك عمرو بن العاص المدينة ، وخرج عنها حتى رضي عليّ والمهاجرون (5) ولم يقف الامر عند هذا الحد ، فقد أخذت أخطار الرِدَّة تهدد المسلمين ، فكان ما كان من أمر مسيلمة الكذاب ، وطليحة النمري ، وسجاح ، وبقايا فلول الشرك في شبه الجزيرة العربية ، فوقعت معارك بينهم وبين المسلمين إستشهد فيها من المسلمين عدد كبير . ففي وقعة اليمامة وحدها خسر المسلمون « من المهاجرين والانصار من أهل المدينة ، ثلاثمائة وستين ، ومن غير المدينة ثلاثمائة رجل » (6) رقَـابَة المُسـلِمين لقد كان المسلمون الأوائل يراقبون عن كثب ، سلوك الخليفة ، وتحركاته وتصرفاته ، سواء في ذلك ما تعلق به شخصياً ، من حسن السيرة ، وإحقاق الحق والحكم بين الناس بالعدل ، أو ما يتعلق بالمسلمين بشكل عام ، كالمساواة في العطاء ـ إلا ما أمر الله ـ وحُسنِ إختيار الولاة من أهل الكفاءة والدين والعدالة وما الى ذلك . وهذا هو الذي أعطى الخلافة هيبتها ، وضمن لها الاستمرار فترة ما . فكان المسلمون لا يألون جهدا في تقويم ما أعوج ومالَ عن خط الاسلام ، قدر الإمكان ، فكانوا يستنكرون التصرفات الشاذة ، ويعلنون احتجاجهم عليها ، بل ربما استعملوا العنف حين لا تنفع الكلمة ، كما جرى بين أبي بكر وعمر بشأن خالد بن الوليد حين قتل ـ هذا الأخير ـ مالك بن نويرة ، ودخل بامرأته ليلة مقتله . فقد احتج عمر على ابقاء خالد في قيادة الجيش ، وحين رأى أن أبا بكر يعتذر عنه ، بأنه « ما أول من تأوَّل فأخطأ » نهض اليه عمر بنفسه ، ـ وكان خالد قد دخل المسجد ، وقد غرز في عمامته أسهما ـ فنزعها عمر وحطمها ، ثم قال له « قتلت إمرء مسلما ، ثم نزوت على إمرأته والله لأرجمنك بأحجارك »(7) . وقد أفسح أبو بكر المجال أمام الصحابة ، في إلفاته ، وتنبيهه على أخطائه ، وذلك ، حين قال في خطبته بعد السقيفة : « وَليت أمركم ولست بخيركم ، فاذا أحسنت فأعينوني ، واذ أسأت فقَوِّموني ، إن لي شيطاناً يعتريني ، فاياي واياكم اذا غضبت . . الخ » (8) وجاء عهد عمر بن الخطاب ، وتولى زمام الامور بعد أبي بكر ـ بوصية وعهد منه ـ وذلك : أنه حين مرض أبو بكر مرض الموت ، أحضر عثمان بن عفان ، فقال له : إكتب ، بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهده أبو بكر بن أبي قحافة الى المسلمين ، ثم أغمي عليه ، فكتب عثمان : أما بعد فاني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، ولم آلكم خيرا ، ثم أفاق أبو بكر ، فقال : إقرأ علي ، فقرأ عليه ، فكبر أبو بكر وقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن مِتّ في غشيتي . . » (9) وسار عمر بسيرة صاحبه ، إلا أنه كان كثير الفتيا ، وكثير الخطأ ، على حد تعبير ابن أبي الحديد ، قال : « وكان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه ويفتي بخلافه ، قضى في ( مسألة ) الجد مع الاخوة قضايا كثيرة مختلفة ، ثم خاف من الحكم في هذه المسألة . . » (10) إلا أن وجود الإمام علي عليه السلام في المدينة ـ آنذاك ـ كان يساعد الخليفة ، وكل المسلمين على حل ما يستعصي لديهم من الامور المتعلقة بالحكم أو الفتيا ، فكان المسلمون يرجعون اليه في ذلك ، ويأخذون منه . فكان سيد الميدان في هذا المضمار ، والمرجع الوحيد الذي لا ينازعه أحد من المسلمين . وأصرح ما يدل على ذلك ، قول عمر بن الخطاب ، في أكثر من مناسبة : «كاد يهلك ابن الخطاب ، لولا علي بن أبي طالب » . وقوله : « أعوذ بالله أن أعيش في قوم لستَ فيهم أبا الحسن » . وقوله : « الله أعلمُ حيث يجعلُ رسالته » . وقوله : « اللهم لا تنزل بي شديدة ، إلا وأبو الحسن الى جنبي »(11) لقد كان علي عليه السلام والمخلصون من الصحابة ، يبدون النصيحة ، ولا يألون جهداً في ذلك ، وهذا هو الذي ضمن للخلافة هيبتها في تلك الفترة . فمن الواضح أن هيبة الخلافة في عهد عمر ، بلغت الى حد ، أن الدرة ( السوط ) كانت أمضى من السيف في حل الخصومات ، حتى قيل : درَّة عمر أهيب من سيف الحجاج . والحقيقة أن الهيبة لم تكن إلا لتكاتف المسلمين ووحدتهم وحيطتهم على الاسلام . المصادر : 1- شرح النهج 6 / من ص 6 الى 10 2- نفس المصدر 1 / 219 / 220 3- هذه الفقرة موجودة في شرح النهج 6 / 18 4- الكامل 2 / 326 وفي الطبري 3 / 202 5- شرح النهج 6 / 30 الى 35 6- الكامل 2 / 365 7- الكامل 2 / 359 8- شرح النهج 6 / 20 9- الكامل 2 / 425 10- شرح النهج 1 / 181 11- الغدير 6 / 103 الى 106 http://ar.rasekhoon.net/