تربية الطفل في الإسلام
تربية الطفل في الإسلام
0 Vote
135 View
إن تربية الطفل تعني في المنظور الإسلامي إنماء الغرائز المعنوية ، والاهتمام باعتدال الغرائز المادية ، فسَعادة الطفل تتحقَّق في التعامل الصحيح مع نفسه وليس مع جسده ، بثوبٍ جميلٍ يرتديه ، أو حُلِيٍّ يتزيَّن بها ، أو مَظهر جذَّاب يحصل عليه ، ويتخلص الطفل من الألم حين يمتلك الوقاية من الإصابة بالأمراض النفسية ، كالغيرة والعناد والكذب . ويجدر بالوالدين امتلاك الوعي اتِّجاه هذه الحقيقة التي جعلها الإسلام من الواجبات عليهما لما فيها من أثرٍ كبير على المجتمع . أثر التربية على المجتمع : إن أكثر العظماء الذين قضوا حياتهم في خدمة الناس ، كانوا نتاج تربية صحيحة تلقوها في صغرهم ، فأثَّرت على صناعة أنفسهم وأصبحوا عظماء بها ، والقرآن الكريم حين يحدِّثنا في أطول قصة جاءت فيه تدور أحداثها عن الصراع القائم والدائم بين الحق والباطل . ومن أبرز الشخصيات التي واجهت الظلم بكل أبعاده وعناوينه هو النبي موسى ( عليه السلام ) ، الذي جعله القرآن رمزاً في التحدِّي والمواجهة للظاهرة الفرعونية على الأرض ، ونجد أن طفولته ( عليه السلام ) كانت تحت رعاية أمٍّ وصلت من خلال تربيتها لنفسها إلى درجة من الكمال الإنساني أوصلها إلى درجة أن يُوحى إليها : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ) القصص : 7 . ثم تلقَّفته يد أخرى لها مكانة أيضاً في مَدارج التكامل الإنساني ، وهي آسية زوجة فرعون ، التي تخلَّت عن كلِّ ما تحلم به المرأة من زينة ووجاهة اجتماعية مقابل المبدأ والحركة الرسالية ، وتعرَّضت لوحشية فرعون الذي نشر جسدها بعد أن وَتَدَهُ على لوحة خشبية ، وأصبحَتْ بذلك مثلاً للمؤمن ضربه الله للمؤمنين : ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) التحريم : 11 . وبالمقابل نجد أنَّ أكثر من يعيث في الأرض فساداً أولئك الذين وجدوا في صغرهم أيادي جاهلة تحيط بهم ، وبمراجعة بسيطة في مزبلة التاريخ تلحظ طفولة المجرمين والطغاة نساءً ورجالاً قاسية جافَّة ، بسبب سوء التعامل مع النفس البريئة ، فقد جاء في الحديث الشريف : ( قَلْبُ الحَدَثِ كالأرضِ الخَالِيَة ، مَا أُلقِيَ فِيهَا مِنْ شَيءٍ قَبلَتْهُ ) . والحديث : ( بَادِرُوا [ أحْدَاثَكُم ] بالحَديثِ قَبْلَ أنْ تَسْبقُكُم إلَيْهِ المُرْجِئَة ) . ومن الحديث الأول يتضح أن نفسيَّة الطفل كالأرض الخالية التي تنبت ما أُلقي فيها من خيرٍ أو شَرٍّ يتلقَّاه الطفل من والديه من خلال التعليم والسلوك ، ومن الحديث الثاني تتَّضح ضرورة الإسراع في إلقاء مفاهيم الخير في نفسه الخصبة ، قبل أن يسبقنا إليه المجتمع ليَزرعَ في نفسه أفكاراً أو مفاهيم خاطئة . تقويم السلوك : وتبقى التربية في الصغر عاملاً مؤثراً على سلوك الفرد وليس حتمياً ، بمعنى أنَّ الفرد حين يكبر بإمكانه أن يعدل سلوكه وفكره ، فيما لو تلقَّى تربية خاطئة في صغره ، فله أن يجتثَّ في سِنِّ الرشد أصول الزرع الشائك ، الذي بذره الوالدان في نفسه صغيراً ، وبإمكانه أن يُذهب العُقَد التي خلَّفَتْها التربية الخاطئة ويمحو رَوَاسبها . جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنَّ نُطْفَةَ المُؤمِنِ لَتَكُونُ فِي صُلْبِ المُشْرِكِ فَلا يُصِيبُهَا مِنَ الشَّرِّ شَيء ، حَتَّى إِذَا صَارَ في رَحمِ المُشرِكَة لَمْ يُصِبْهَا مِن الشَّرِّ شَيء ، حَتَّى يَجْري القَلَمُ ) ، ويعني ( عليه السلام ) بقوله : ( حَتَّى يَجْري القَلَمُ ) . هو بلوغ الفرد مرحلة الرشد والتكليف ، فيكون مسؤولاً عن نفسه وعمله ، ليحصل بذلك على سعادته وشقائه باختياره وإرادته .