علم الخرائط في الفكر الجغرافي الإسلامي

عبد الرحمن صالح مزوري بداية لا بد من الإشارة إلى أن هذا المبحث هو جزء من بحث أشمل تحت عنوان "تطور الفكر الجغرافي عند العرب والمسلمين". لا شك بأن عرض تطور الفكر الجغرافي عند المسلمين بين القرنين السابع والثالث عشر الميلاديين، الذي تناولته بالدراسة في رسالتي للماجستير المقدمة إلى الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن، يتطلب الكثير من الوقت الذي تضيق به ندوة كهذه يشترك فيها العديد من الباحثين والمتخصصين من مختلف البلدان والأمصار. لذلك سأقتصر في عرضي للموضوع على بعض الإنجازات والإضافات الهامة، التي أضافها الجغرافيون المسلمون إلى الفكر الجغرافي الأوربي والعالمي في فترة القرون الوسطى. ظهر الإسلام في القرن السابع الميلادي، ولم يكد يمضي على ظهوره قرنان من الزمن، حتى كانت الدولة الإسلامية قد شملت مساحاتٍ واسعة من قارتي آسيا وإفريقيا وأخذت تدق بشدة على أبواب أوربا، فأصبح من الضروري الوقوف على أحوال البلدان والأمصار التي فتحها المسلمون، ومعرفة الطرق والمسالك التي تربط بين أجزاء هذه الدولة الواسعة، وذلك تسهيلاً لتنقلات الجيوش وتحديد تحركاتها وإيصال الإمدادات إليها، وتيسيراً لنقل أموال الخراج والجزية من الأقاليم إلى العاصمة. كما كانت لأحوال السياسة والإدارة والاقتصاد وما إليها من الشؤون المتعلقة بها، تتطلب وصفاً دقيقاً للأمكنة والبقاع والأقاليم، وما تنتجه أراضيها من المحاصيل والغلات، ناهيك عن معرفة الطرق والمسالك التي تتطلبها فريضة الحج وزيارة الأماكن المقدسة، وهكذا فإنه من نسيج هذه المعلومات والمعارف كلِّها نشأت الجغرافية الإسلامية. إن المعلومات الجغرافية عند الجغرافيين المسلمين الأوائل كانت بسيطة وغير عميقة، وكانت تشوب بعضها الكثير من الأساطير، وكانت معظمها حول بيئتهم الصحراوية من الجبال والوديان والكُثبان الرملية والحيوانات والطيور البرية في البوادي العربية.. كالمعلومات التي وردت في: كتاب النبات لعبد الملك بن قُريب الأصمعي، وكتاب الأمكنة والمياه والجبال لمحمود بن عمر الزمخشري، وكتاب أسماء جبال تُهامة وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه لعُرام بن الأصبغ السُّلَمي... وغيرها، لكن هذه المعلومات تطوَّرت وتعمقت بمرور الزمن، مع نمو الحضارة العربية الإسلامية. ففي مجال الجغرافية الفلكية مثلاً، لم يكتف الجغرافيون المسلمون بفكرة كروية الأرض، بل أوردوا عدداً من الدلائل العلمية تساهم في دعم هذه الفكرة وتساندها، منها قول المسعودي (علي بن الحسين) في القرن العاشر الميلادي، بأن المراكب إذا سارت في بحر طبرستان، أي في بحر قزوين، نحواً من مائة فرسخ ودنت من جبال دَنباوَند، المطلة على السواحل الجنوبية للبحر المذكور، رأوا اليسير من أعالي هذا الجبل، وكلما قربوا من الساحل ظهر لهم الجبل أكثر فأكثر. وهذا دليل على ما ذهبوا إليه من كُرية ماء البحر والأرض حسب تعبيره (المسعودي، علي بن الحسين: مروج الذهب..، جـ1 ص93). إضافة إلى دلائل أخرى كثيرة أوردها كل من ابن رُسته المتوفي عام 912م، وابن فقيه الهمداني المتوفي عام 951م. ولعل أقوى الدلائل التي ساقها الجغرافيون المسلمون للبرهان على كروية الأرض، هو الدليل الذي أورده البيروني ــ أبو الريحان بقوله: "لقد اتضحت كُرية القمر والارض، فلهما ظل في خلاف الجهة المواجهة للشمس مُستدير الشكل" (البيروني، أبو الريحان، القانون المسعودي، جـ1 ص110). وهذا دليل على مدى دقة وعلمية إرصادات البيروني الفلكية. كما أيَّد البيروني فكرة دوران الأرض حول الشمس بقوله: ولقد رأيت (والقول للبيروني) لأبي سعيد أحمد بن عبدالجليل السِّجزي (المتوفي عام 414هـ/1023م)، أسطرلاباً من نوع بسيط غير مركَّب سماه الزَّورَقي، فاستحسنته جداً لاختراعه إيّاه، من أن الحركة المرئية الشرقية للشمس هي للأرض دون الفلك، أي دون الشمس! (البيروني، أبو ريحان: تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، جـ1 ص231). وعارض أبو حامد الغزالي المتوفى عام 505هـ/1111م، فكرة أن الشمس لا تقبل الذبول أو الانطفاء التي قال بها بعض الفلاسفة، واستصوب فكرة انطفائها وذبولها بقوله: إذا سُلِّم أنه لا فساد إلاّ بالذبول، فمن أين عرفوا، أي الفلاسفة، أنه لا يعتريها (أي الشمس) الذبول؟ فقد يكون هناك ذبول جزئي قد أصابها، ولكن خفي علينا إدراكه، فالشمس التي يقال إنها كالأرض 170 مرَّة أو ما يقرب منه، لو نقص منها مقدار الجبال مثلاً، لكان لا يتبين للحسِّ، فلعلها في الذبول والحسُّ لا يقدر أن يدرك ذلك (الغزالي: تهافت الفلاسفة، تحقيق: سليمان دنيا، ص126، 333. إن قول الغزالي بأن الشمس أكبر من الأرض 170 مرَّة فكرة قديمة، وهي أكبر من الأرض بملايين المرات. انظر: تطور الفكر الجغرافي ص129). وهي ملاحظة جغرافية وعلمية ذكية من الغزالي، وهذا ما يقوله العلم الحديث. فيذكر العلماء أن عمر الشمس الحالي هو 5 بلايين سنة وهي في متوسط عمرها، وأن أمامها 5 بلايين سنة أخرى، قبل أن تستنفد هيدروجينها وتتحوَّل إلى نجم قزمي، أو قد تعيد نفسها بنفسها بانفجار أعظم سوبرنوفاSupernova آخر، لتبدأ حياة جديدة. وفي مجال الجغرافية الإقليمية مثلاً يتكلم الإدريسي (الشريف محمد بن محمد) في القرن الثاني عشر الميلادي، عن إقليم فِنماركFinnmark الذي يشكل الأجزاء الشمالية من نَرْواغَه أي النرويج، حيث يمرُّ خط عرض 72 درجة شمالاً (الإدريسي: نزهة المشتاق..، حـ2 ص948). وفي موضوع الرحلات الجغرافية التي هي موضوع ندوتنا حول الرحالة العرب والمسلمين، فيمكننا تقسيم هذه الرحلات إلى:   1. الرحلات البرية 2. الرحلات البحرية وبالنسبة للرحلات البرية نشير إلى رحلة ابن فُضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالبة، وذلك في القرن العاشر الميلادي (309هـ/921م) والتي وصل فيها إلى حوض فولغا العليا عند مدينة قازان. ويصف فيها القبائل التركية البدوية وطراز معيشتهم في أواسط آسيا، كما يصف الروس الحمر، أي البيض، ذوو القامات الطويلة كأنهم النخل، والليالي الشفافة قليل الظلمة في هذه البلاد، مما يدل على أنه كان قد دخل منطقة الدائرة القطبية الشمالية بعد دائرة عرض 66،5 درجة شمالاً. بل إن مؤلفاً غربياً هو مايكل كرايكتونMichael Chricton ظن بأن ابن فضلان وصل إلى شبه جزيرة اسكندنافيا موطن الفايكنك في العصور الوسطى في كتابه: أكلة الموتى ـ رحلة ابن فُضلان إلى أرض الفايكنك. وقد اطلعت على ترجمته الفارسية التي قام بها أصغر إندرودي. ومن المرجح أن ابن فُضلان لم يزر أرض الفايكنك كما يزعم كرايكتون، بدليل أنه لو كان قد زارهم لنقل من نقل عن رسالة ابن فضلان كياقوت الحموي وزكريا القزويني شيئاً عنهم ولو شذرة صغيرة، لكنهما لم يشيرا إلى ذلك البتة، رغم أن القزويني كما هو معروف كان مولعاَ بالغرائب والعجائب من كل نوع! كما يقول الباحث شاكر لعيبي (رحلة ابن فُضلان، حررها: شاكر لعيبي، ص33). ثم هناك رحلة ناصر خُسرو القُبادياني في القرن الحادي عشر الميلادي (ت481هـ/1088م)، والتي بدأها من خُراسان بالاتجاه غرباً نحو أذربيجان وآسيا الصغرى وبلاد الشام ومصر وعبر البحر الأحمر إلى بلاد الحجاز ومنها إلى اليمامة والأحساء والبصرة والى خراسان ثانية. وهو يصف بأمانة ما شاهده بالعين في كتابه (سفرنامه) قائلاً: وقد وصفت بأمانة ما رأيت في رحلتي، أما ما سمعته وكان عليه اعتراض، فلا ينسبه القراء إلي، ولا يؤاخذوني أو يلوموني عليه (خسرو، ناصر: سفرنامه، الترجمة العربية، ص160). ومن جميل ما في رحلة ناصر خُسرو هو مشاهداته لعظام حيوانات بحرية في وادي التماسيح شمال سيناء، فيخبرنا بأنها متحجِّرات تكوَّنت بسبب ما ثار عليها من الموج (عبر التاريخ)، وقد استخدم كلمة: همجو سنك شده الفارسية التي تعني المتحجِّرات او الأحافير بالعربية، وقد ترجمها الدكتور يحيى الخشاب مترجم السفرنامه إلى العربية صائباً. ثم هناك رحلة ابن جبير عام 578هـ/1182م، ورحلة عبداللطيف البغدادي عام 585هـ/1189م الغنيتان بالمعلومات الجغرافية القيمة. أما الرحلات البحرية فلعل أقدم إشارة إلى السفن التي كانت تمخر مياه الخليج العربي، آتية من الشاعر الجاهلي طَرَفة بن العبد وذلك في القرن السادس الميلادي في قوله:   كـأنَّ حُـدوج المالكيـةِ غُـدوةً خَلايا سفينٍ بالنَّواصف من دَدِ عَدْوَليةٌ أو من سفين ابن يامنٍ يَجُور بها الملاحُ طَوراً ويهتدي فالخلايا مفردها (خَلْية) وهي السفينة العظيمة، كما يقول الفيروزآبادي صاحب القاموس المحيط، والعَدْووَلية نوع من السفن تنسب إلى قرية كانت تصنعها في البحرين. من الرحلات البحرية الإسلامية رحلة التاجر سليمان السِّيرافي في القرن التاسع الميلادي، إلى بلاد الهند والصين. ومن الظاهرات البحرية المهمة التي سجلها التاجر سليمان في بحر الصين الجنوبي، ظاهرة أعاصير التورنادو البحرية أو الأقماع البحريةWaterspout ، والتي أشار إليها كل من المسعودي ــ علي بن الحسين والإدريسي ــ الشريف محمد بن محمد فيما بعد. يقول سليمان: وربما رئي في هذا البحر الصيني سحاب أبيض يظل المراكب، فيشرع منه لسان طويل رقيق، حتى يلتصق ذلك اللسان بماء البحر، فيغلي له ماء البحر مثل الزوبعة... ثم يرتفع ذلك السحاب فيمطر مطراً فيه قذى البحر، فلا أدري أيستقي السحاب من البحر أم كيف هذا؟ (التاجر، سليمان: عجائب الدنيا وقياس البلدان، ص34) ولعل سليمان هو أول المؤلفين المسلمين الذين وصفوا نباتات الشاي في الصين، ولا يُستبعد أن نموه هناك كان برياً حينذاك فيقول: وفي الصين حشيش يشربونه بالماء الحار، ويباع منه في كل مدينة بمال عظيم يقال له الساخ (أي الشاي) وهو أكثر ورقاً من الرَّطْبة، وأطيب قليلاً وفيه مرارة، فيُغلى الماء ويذر عليه، فهو ينفعهم في كل شيء (التاجر، سليمان: عجائب الدنيا وقياس البلدان، ص52). وتعطينا لفظة (الحشيش) التي استخدمها التاجر سليمان لوصف أوراق الشاي، مزيداً من الضوء بأن القصد من (الساخ) هو أوراق الشاي الخضراء اليابسة، فالحشيش في العربية كما يقول ابن منظور هو العشب اليابس عكس الرَّطب الذي هو الخَلى، ويزداد هذا الاحتمال إذا عرفنا بأن الشاي الأخضر دون تخميره، كان يُشرب لعدة قرون وحتى اليوم. أما لفظة (الساخ) التي استخدمها التاجر سليمان، فربما مقتبسة منCha-king الصينية التي تعني حرفياً: الشاي الأصفر. ثم هناك رحلات بزرك بن شهريار الرامهُرمزي في القرن العاشر الميلادي، في المحيطين الهندي والهادي التي وصل فيها إلى سواحل إفريقيا الشرقية والهند وماليزيا والصين... ومن الظاهرات البحرية العجيبة التي شاهدها بزرك، ظاهرة النار العظيمة في البحر ليلاً والتي أضاءت الأفق في بحر الملايو، لكن شيخاً خبيراً من أهل الأندلس كما يقول بزرك طمأن الركاب بأن هذه ظاهرة طبيعية، وأن النار سيزول إذا طلعت الشمس، وهذا ما حصل بالفعل (الرامهُرمزي، بزرك بن شهريار: عجائب الهند، ص34). لقد صدق الشيخ الأندلسي بأن هذه ظاهرة طبيعية، ففي البحار كائنات حية صغيرة تعرف بالبلانكتونPlanctone نباتية وحيوانية، تعطي الشعاع والضوء في المياه الدافئة، خاصة في فترتي الازدهار الربيعي والخريفي، فتظهر المياه كأنها فسفورية مضاءة. وقبل الانتهاء من موضوع الرحلات البحرية نقول بأن الجغرافي اليعقوبي (أحمد بن أبي يعقوب بن واضح، ت284هـ/897م) الذي عاش في القرن التاسع الميلادي، هو أول الجغرافيين المسلمين الذين اهتدوا إلى اتصال المحيطين الهندي والأطلسي ببعضهما البعض جنوب إفريقيا، فذكر في كتابه: كتاب البلدان بأن السفن التجارية الخيطية، أي التي كانت تستخدم الخيوط في صناعتها وليس المسامير، والمصنوعة في ميناء الأُبُلَّة العراقي، كانت تحمل التجارات والمسافرين من ميناء ماسة في السوس الأقصى بالمغرب العربي (هنا) على الساحل الشرقي للمحيط الأطلسي وعبر المحيط الهندي إلى موانئ الصين وبالعكس (اليعقوبي: كتاب البلدان، ص360) وبهذا يكون المسلمون على علم تام واستعمال للطرق الملاحية الدائرة حول قارة إفريقيا منذ القرن التاسع الميلادي، وقبل رحلة فاسكو دى كاماVasco de Gama 1498م، بستة قرون على الأقل! كما اهتدى إلى هذه الحقيقة الجغرافية، أي حقيقة اتصال المحيطين الهندي والأطلسي ببعضهما، كل من المسعودي في القرن العاشر الملادي، والبيروني في القرن الحادي عشر، وابن سعيد المغربي في القرن الثالث عشر، وذلك بأدلة وبراهين مختلفة. فالمسعودي يذكر بأن البحر الحبشي الذي يعتبر المحيط الهندي جزءاً منه، متصل ببحر الظلمات (اي بالمحيط الأطلسي) في الغرب الأقصى بدليل قوله: إن هذا البحر أي البحر الحبشي آخذ من أقصى بلاد الحبشان (أي بلاد الزنج) التي في المغرب. وبلدان الحبشان في المغرب هي غانة ومالي والنيجر والسنغال... التي كانت معروفة لدى الجغرافيين المسلمين، لهذا يقول المسعودي بأن طول هذا البحر أي البحر الحبشي مساو لطول خط الاستواء، الذي يمتد من أقصى المغرب ألى أقصى المشرق، أي من بلاد غانة ومالي.. في أقصى المغرب، إلى بلاد الهند والصين في أقصى المشرق، حسب تعبير المسعودي. (المسعودي: مروج الذهب..، جـ1 ص147 ـــ 155، التنبيه والإشراف، ص62). أما البيروني فيذكر في كتابه: القانون المسعودي، بأنه ليس هناك ما يمنع من اتصال بحر الهند، أي المحيط الهندي، ببحر أوقيانوس المغربي أي بالمحيط الأطلسي، وذلك في جنوب القارة الإفريقية. ودلَّل على ذلك بالعثور على ألواح مراكب مَخروزة عند مضيق جبل طارق في المحيط الأطلسي، مصدرها بلا شك هو المحيط الهندي، لأن المراكب في المحيط الأطلسي تُسمَّرُ بالحديد ولا تُخاط! (البيروني: القانون المسعودي، جـ1 ص49). أما ابن سعيد المغربي فقد رسم خارطة للعالم، يظهر فيها بوضوح التقاء المحيط الأطلسي بالمحيط الهندي في جنوب إفريقيا، وقد نشر هذه الخارطة الباحث الألماني فون يواخيمVon Joachim في كتابه:Mappae Mundi ص114 - 115، نقلاً عن نسخة محفوظة ضمن مخطوظات جامعة أكسفورد البريطانية.   الخرائط الإقليمية التي تخص إقليماً أو ظاهرة جغرافية معينة تعدُّ الخريطة من أنجع الطرق الفاعلة في توضيح أجزاء سطح الأرض، وتسجيل الحدود السياسية، وتحديد اتجاهات المسافرين. وقد دأب الإنسان منذ القدم على إنتاج الخرائط المصنوعة من الخشب أو المحفورة في الصلصال أو المرسومة على الورق وعلى مرِّ العصور. وربما تعتبر الخريطة التي رسمها البابليون في بدايات القرن الخامس ق.م (نحو سنة 500ق.م) على الطين، والمحفوظة اليوم في المتحف البريطاني بلندن، من الخرائط القديمة الباقية التي رسمها الإنسان القديم]. والممتع في هذه الخريطة أن الأرض فيها دائرية الشكل، تحيط بها المياه من جميع جهاتها، وأن مدينة بابل تقع في وسطها، وأن هذه المعلومات الجغرافية بقيت حيَّة إلى نهاية العصور الوسطى. ليس موضوعنا دراسة تطور علم رسم الخرائط بصورة عامة، بل دراسة علم الخرائط الإسلامية منذ نشوئه وحتى نهاية النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي. ويعتبر الخوارزمي (محمد بن موسى، ت236هـ/ 850م) أول الجغرافيين من العرب والمسلمين الذين اهتموا برسم الخرائط الجغرافية. وتذكر المصادر أنه درس علم المساحة وحساب المثلثات في الهند]، ومما يؤسف له أن معظم الخرائط التي رسمها قد فقدت عدا أربع منها، من أهمها الخريطة الخاصة أو المصوَّر الخاص بمجرى نهر النيل، والتي سندرسها لاحقاً. كما استعان الإصطخري (ت346هـ/ 957م) برسم الخرائط لتوضيح ما ذكر من معلومات جغرافية فيقول:" ولأن الغرض في كتابي هذا تصوير هذه الأقاليم التي لم يذكرها أحد علمتُه، فاتخذت لجميع الأرض التي يشتمل عليها البحر المحيط الذي لا يسلك صورة، إذا نظر إليها ناظر علم مكان كل إقليم من ذلك مفصَّلاً علم موقعه من هذه الصورة، ولم تتسع هذه الصورة التي جمعت سائر الأقاليم لما يستحقه كل إقليم في صورته، من مقدار الطول والعرض والاستدارة والتربيع والتثليث، وسائر ما يكون عليه أشكال تلك الصورة، فاكتفيت ببيان موقع كل إقليم ليعرف مكانه، ثم أفردت لكل إقليم من بلاد الإسلام صورة على حدة، بيَّنت فيها شكل ذلك الإقليم وما يقع فيه من المدن، وسائر ما يحتاج إليه علمه، مما آتي على ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى". ووضع ابن حوقل (ت367هـ/ 977م) الخرائط الجغرافية لتوضيح الأقاليم المختلفة فيقول:" وقد جعلت لكل قطعة أفردتها تصويراً وشكلاً يحكي موضع ذلك الإقليم". بل إن المقدسي (ت380هـ/ 990م) بزَّ غيره في عمل الخرائط الملونة، فهو كان يستعمل الألوان في خرائطه، بمثل ما تستعمل به الخرائط الحديثة فيقول: "وصوَّرنا الأقاليم لأن المعرفة بها أروج، ثم فصَّلنا كُوَر كل إقليم ونصبنا أمصارها وذكرنا قضبانها ورتَّبنا مدنها وأجنادَها بعد ما مثلناها (أي رسمناها)، ورسمنا حدودها وخططها، وحرَّرنا طرقها المعروفة بالحمرة، وجعلنا رمالها الذهبية بالصفرة، وبحارها المالحة بالخضرة، وأنهارها المعروفة بالزرقة، وجبالها المشهورة بالغبرة، ليقرب الوصف إلى الإفهام، ويقف عليه الخاص والعام". أما الإدريسي (ت560هـ/ 1164م) فيعتبر بلا جدال من أعظم راسمي الخرائط الجغرافية في العصور الوسطى. وقد استخدم هو أيضا الألوان في خرائطه، فظهرت البحار باللون الأزرق، والأنهار باللون الأخضر، والجبال باللونين البني والأحمر، أما المدن فقد رسمت بدوائر مذهبة. ولكن، ومما يؤسف له أن أغلب الخرائط التي وضعها هؤلاء الجغرافيون قد فقدت، فضاعت أغلب خرائط المقدسي (ت380هـ/ 990م)، مع أغلب خرائط ياقوت الحموي (ت626هـ/ 1228م)، وزكريا القزويني (ت682هـ/ 1283م)، وأبو زيد البلخي (أحمد بن سهل، ت322هـ/ 933م) مع كتابه (صور الأقاليم والأشكال)، الذي يدل عنوانه على احتوائه على خرائط الأقاليم وصورها، وخرائط المسعودي (ت346هـ/ 957م) عدا واحدة منها، كما لم يبق من خرائط الخوارزمي (ت236هـ/ 850م) سوى أربع. وحتى الخرائط الإسلامية التي وصلتنا، فإن معظمها ليست هي الخرائط الأصلية التي وضعها مؤلفوها، بل هي من عمل النسّاخ والنَّقلة الذين نسخوا مؤلفات هؤلاء الكتاب. ووجه الخطورة في ذلك أن يكون الناسخ أو الناقل غير خبير برسم الخرائط، فيأتي الرسم مغايراً لما رسمه المؤلف بالأصل. ويمكننا دراسة الخرائط الإسلامية التي تخص ظاهرة جغرافية معينة.   أ. خرائط الأنهار: أ.1- خارطة نهر النيل: تعتبر خارطة نهر النيل التي وضعها الخوارزمي، من الخرائط المهمة والرائدة في هذا المجال. ويتكون النهر وفق هذه الخارطة في منابعه العليا، من رافدين رئيسين هما النيل الذي ينبع من جبال القمر جنوب خط الاستواء، حيث تخرج منها أربعة روافد تجري نحو الشمال لتصب في البطيحة الأولى الغربية، وخمسة روافد أخرى تجري نحو الشمال أيضا لتصب في البطيحة الثانية الشرقية، ثم تخرج من كل من البطيحتين الأولى والثانية ثلاثة روافد لتصب في البطيحة الصغيرة، وبعدها يتكون نهر النيل الذي يجري شمالاً ليقطع بلاد النوبة، ويصب فيه من الجانب الأيمن النيل الأزرق (بلا اسم في الصورة) عند الحدود الشمالية للإقليم الأول، وهو ينبع من بحيرة تانا Tana (عين النيل في الصورة)، وبعدها يمرّ النهر بمدن أسوان وأسيوط وحتى الفسطاط في كثير من التعاريج والالتواءات، وبعد أن يخرج النهر من مدينة الفسطاط، يقترب كثيراً من جبل المقطَّم ويجري موازياً له. وعند الريف، أي الدلتا، يتشعب إلى ستة فروع تصب كلها في بحر الروم (المتوسط). ويلاحظ أن الكثير من معلومات الخوارزمي صحيحة، فجبل أو جبال القمر هي جبال رُوَنزوري Ruwenzori الذي تصب مياهه في بحيرة ألبرت Albert، التي هي (ربما) البطيحة الأولى الغربية، والبطيحة الثانية الشرقية هي بحيرة كيوجا Kyoga أو فكتورياVictoria . أما البطيحة الصغيرة فإنها تشغل موقع بحيرة نو Nu الحالية، والرافد الذي يشاهد في الجانب الأيمن لا يزال يصب في النيل، والفروع الستة التي يدخل بها النهر البحر المتوسط، جعلها معاصره ابن عبد الحكم (ت257هـ/ 870م) سبعة فروع هي: مَنْف والمَنْهى والفيوم وسَخا ودمياط والإسكندرية وسَرْدُوس. أما الجغرافيون الآخرون الذين أتوا بعد الخوارزمي ورسموا نهر النيل، فلم يضيفوا شيئاً يذكر. فالإصطخري (ت346هـ/ 957م) رسم جزءاً من مجرى النيل بين مدينة الفسطاط ومصبه في بحر الروم (المتوسط) على شكل خط مستقيم بعيداً عن الواقع، يصب في البحر رأسا. وابن حوقل (ت367هـ/ 977م) جعل المسافة بين منابع النيل ومصبه قصيرة جداً خلاف الواقع، كما جعل عدد فروع النهر التي تنتهي في البحر المتوسط تسعة فروع، ولم تذكر المصادر التاريخية أكثر من سبعة. أما سُهراب الذي عاش في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، فقد نقل صورة الخوارزمي لنهر النيل بكاملها ولم يزد عليها شيئاً. أ.2- خارطة نهر إتل (الفولغا): ووضع الإصطخري (ت346هـ/ 957م) صورة ملونة لنهر إتل (الفولغا) وهو يصب في بحر الخزر أي قزوين، مع تبيان العديد من الشعوب والمدن والبلدان التي تعيش أو تقع على سواحلهما كالبُلغار والبُرطاس وجُرجان، والخزر والسَّرير وطبرستان... والنباتات الطبيعية التي تنمو في المنطقة. واستخدم في صورته هذه الألوان كما تستخدم في الخرائط الحديثة، حيث لوَّن المياه باللون الأزرق، ورسم النباتات الطبيعية بألوانها الطبيعية، وجعل المدن على شكل دوائر متباينة الألوان. أ.3- خارطة نهري دجلة والفرات: كما رسم الإصطخري مقطعاً لمجرى نهري دجلة والفرات بين مدينة نصيبين وجنوب بغداد، مع بعض فروعهما والمدن التي تقع عليهما. ومقطعاً ثانياً للنهرين المذكورين ضمن بلاد الجزيرة وفيه أن نهر دجلة ينبع من نواحي مدينة آمد (ديار بكر)، ويجري بعد أن يتكون نحو الجنوب موازياً لجبل الجودي الذي رُسم سهواً في الجانب الأيمن منه، وهو يقع في الواقع في الجانب الأيسر منه، ثم يمرّ النهر بمدن حُصن كيفا ونصيبين والموصل، ويصب فيه في جنوب الموصل رافدا الزاب الأكبر والزاب الأصغر من جانبه الأيسر، ويستمرّ النهر في جريانه نحو الجنوب ويجري موازياً لمرتفعات حمرين (وهي بلا اسم في الصورة) التي تقع في جانبه الأيسر، ثم يمرّ بمدن سرَّ من رأى وعكبرا والبردان ويدخل مدينة بغداد ويخرج منها وينقطع بعد مسافة ليست بالطويلة. أما الفرات فينبع من شمال سُميساط ويجري نحو الشرق، ويمرّ بمدن منبج والرقَّة حيث يصب فيه رافد الخابور من جانبه الأيسر، ويجري النهر بعدها نحو الجنوب ثم الجنوب الغربي حيث تقع عليه مدن عانة والحديثة وهيت والأنبار والكوفة، ثم ينقطع فجأة بعد الكوفة بمسافة قصيرة، ويتفرع منه بين مدينتي الأنبار والكوفة أنهار عيسى وصَرْصر والملك وسورا متجهة نحو الشرق. وخريطة الإصطخري الأخيرة هذه أكثر دقة وعلمية من خريطته الأولى، رغم أنها لمقطع معين من النهرين المذكورين دجلة والفرات.   أ.4- خارطة نهر تُسْتَر (الكارون): ورسم ابن حوقل (ت367هـ/ 977م) مقطعاً لنهر تُسْتَر (الكارون) مع حوض دجلة الأسفل، وذلك ضمن إقليم خوزستان. وتقع منابعه حسب خريطته هذه شمال مدينة تُسْتَر (شُوشتَر) حيث يجري جنوباً، وعند المدينة المذكورة يتفرع النهر إلى فرعين، فرع غربي هو تُستر (الكارون) الذي يمرّ بمدينة جنديسابور، وفرع شرقي هو المَسْرَقان الذي تقع عليه مدينة عسكر مكرَّم، ويلتقي الفرعان ثانية شمال مدينة هرمز (الأهواز حالياً)، فيجري نحو الجنوب الشرقي ويمرّ بمدن سوق الأربعاء وجَبي، وبعدها يصب فيه رافد الجَراحي (بلا اسم في الصورة)، الذي تقع عليه مدن الدَّوْرَق والباسيان، ثم يصب النهر في الخليج العربي. ويشاهد في الخريطة نهر السوس (الشوش) أيضا، الذي يجري في غرب تُستر (الكارون) وتقع عليه مدينة السوس، وبعد خروجه منها يعرف بنهر تيري أو الكَرْخَة (وهو بلا اسم في الصورة)، حيث ينتهي في الخارطة ويضيع في الأهوار والمستنقعات قبل أن يصب في دجلة، وهو كذلك في الواقع. أ.5 خارطة نهر السَّند: ورسم الإدريسي (ت560هـ/ 1164م) خارطة لمجرى نهر السند من منبعه وحتى مصبه، وذلك ضمن الجزء السابع من الإقليم الثاني. إذ يتكون السند في منابعه العليا حسب خريطته، من ثلاثة روافد (بلا أسماء في الخريطة) هي السِّند وسُوات وجِلْجيت، تنبع من غرب مرتفعات جبلية (بلا اسم في الخريطة) هي مرتفعات هملايا الغربية، حيث يلتقي الفرعان سُوات وجِلْجيت شمال مدينة السندرود (السندور في الخريطة) مكوناً نهر السند، الذي يجري جنوباً ويمرّ بين مدينتي السندرود والمُلْتان، حيث يصب فيه شمال مدينة كرمانان من جانبه الأيسر رافد سُوتلَج (بلا اسم في الخريطة)، ويستمرّ النهر في جريانه نحو الجنوب فيمرّ بين مدينتي الرور (روري حالياً) وبديرا (راتوديرا حالياً)، وعند مدينة قالدي يتفرع النهر إلى فرعين شرقي وغربي، حيث تقع مدينة المنصورة على الفرع الشرقي منهما، ثم يلتقيان ثانية في شمال مدينة بيرون، وبعدها يصب النهر في المحيط الهندي (بلا اسم في الخريطة) عند ميناء الدَيْبُل. ومن مثالب خريطة الإدريسي هذه، عدم تسمية الاتجاهات الأربعة، وعدم تسمية الأنهار والروافد والمرتفعات التي تتضمنها، وهي على الأرجح من إهمال النَّقَلة والمستنسخين. ب. خرائط البحار ب.1- صُوَر بحر الخزر (قزوين): ورسم الإصطخري خرائط للبحار الخزر وفارس والروم. بقدر تعلق الأمر ببحر الخزر أو قزوين، فقد صوَّره بجزره والأنهار التي تصب فيه، والموانئ التي تقع على سواحله، والتضاريس المحيطة به. لقد جعل الإصطخري بحر الخزر في مصوَّره دائري الشكل تماماً وهذا خلاف الواقع، فهذا البحر أقرب إلى الشكل المستطيل منه إلى الدائري. تحيط به جبال الدَيلم (البُرز) وجبال القبق (القفقاس) من الجنوب والغرب، وتشاهد مرتفعات سياكوه في الشمال، وهي على الأرجح الأطراف الجنوبية لجبال الأورال، كما يشاهد نهر إتل (الفولغا) وهو يصب في هذا البحر من ناحية الشمال الغربي، ولا يُشاهَد في الصورة آثار لنهري آراس والكُورا اللذين يصبان فيه من ناحية الغرب، أو آثار لنهري إمبا والأورال اللذين يصبان فيه من الشمال، أو لنهر جُرجان الذي يصب فيه من الطرف الجنوبي الشرقي، رغم رسمه لمدينة جُرجان التي تقع عليه في الواقع (وهي المدينة رقم: 3 ، وبلا اسم في الصورة). ويشاهد في شمال هذا البحر بلاد الغُزِّية، وفي غربه بلاد الخزر واللان وأرض السَّرير، كما يشاهد العديد من الموانئ التي تقع على السواحل الغربية والجنوبية منه كسَمَنْدَر وباب الأبواب والران وشيروان وباكه (باكو) وسالوس وآمل، أو تقع على سواحله الشرقية كموانئ عين الهمِّ ومهرُوان وآبسُكون وإستراباد، حيث تكوِّن جميعها جزءاً من بلاد طبرستان، وفي البحر تشاهد جزيرتان هما سياكوه والباب. ويلاحظ أن الباحث الإيراني إيرج أفشار سيستاني قد أسند صورة بحر الخزر هذه إلى أبو زيد أحمد بن سهل البلخي (ت322هـ/ 846م)[12]، معتمداً على معلومات أحمد بريماني في كتابه المعنون: بحر الخزر أم بحر مازندران، المطبوع في طهران عام 1326ش. وهو احتمال وارد جداً، لكنه يفتقد إلى دليل. كم يلاحظ أيضا أن ابن حوقل (ت367هـ/ 977م) في رسمه لبحر الخزر، قد استنسخ تقريباً خريطة البلخي هذه، استنسخها من الإصطخري طبعاً، بعد أن حذف الكثير من معالمها، كحذفه الاتجاهات الأربعة منها، وحذفه جبال القبق وجبال سياكوه والعديد من الموانئ البحرية عليها. لكنه أضاف إليها أيضا بلدي أذربيجان والجيل، إذ أضافهما إلى سواحلها الغربية والجنوبية، كما أضاف أليها نهري الكُر (كورا) والرُّسّ (آراس) اللذين يصبان في هذا البحر من الغرب. ورسم الإدريسي (ت560هـ/ 1164م) الجزء الشمالي فقط من بحر الخزر ويسميه بحر جُرجان، ويلاحظ في خريطته أن هناك أربعة أنهار تصب في هذا البحر من ناحيتي الشرق والشمال الشرقي (وهي بلا أسماء في الخريطة عدا نهر شوران)، الذي يجري على الأرجح بين نهري إمبا والأورال، والنهر الآخر الآتي من الشمال هو نهر إتل (الفولغا) ورافده الأرجيز. ويشاهد فيها أيضا صحراء القفجاق (القبجاق) في ناحية الجنوب الشرقي، وأرض البُجْناكية في الشمال الشرقي، وأرض بلغار في الشمال الغربي. أما سلاسل جبال القبق (القفقاس) فتشاهد في شمال بحر الخزر وهي تمتد من الغرب إلى الشرق، إلى الأرض المنتنَّة التي لا يعرف موقعها بالضبط، وهذا وهم من المؤلف أو الناسخ، فجبال القبق تقع في غرب البحر المذكور وليس في شماله، وتمتد غرباً نحو سواحل البحر الأسود. وتشاهد في داخل البحر جزيرة سَهيلان (سَهلان) في شماله، وهي في الواقع تقع في غربه بالقرب من ميناء باكو. ورسم محمد بن محمود الطوسي (589هـ/ 1193م) صورة دائرية لبحر الخزر، يصب فيه نهر يتيم من ناحية الغرب بلا اسم (هو على الأرجح نهر إتل)، ويشاهد في الصورة جبلان هما جبل سياه كو في الشمال الغربي منه، وجبل دُنباوَند في الجنوب الشرقي، ومواقع بعض الموانئ الساحلية حيث رُسمت الكبيرة منها من ناحية المساحة، على شكل دوائر كبيرة كمدن باب الأبواب وعين الهمِّ وآبسكون، ورُسمت الصغيرة منها على شكل دوائر صغيرة كمدن أران والجيل وسالوس وجُرجان، مع خطأ واضح في موقع مدينتي جُرجان وآبسُكون اللتان رسمتا في شمال شرق البحر المذكور، بينما تقعان في الواقع في جنوب شرقه، ويشاهد في الصورة أيضا مواقع بلاد الخزر وبلاد السَّرير في غرب هذا البحر، وجزيرتان إحداهما في الشمال هي جزيرة سياه كو، والثانية في الجنوب الغربي هي جزيرة الباب، مع خلو الصورة من تعيين الاتجاهات الأربعة التي شاهدناها في الخرائط السابقة.   ب.2 صُوَر بحر الروم (المتوسط): ورسم الإصطخري صورة شبه دائرية لبحر الروم أي المتوسط، وهو في الواقع بحر رفيع طويل وليس بدائري. ويظهر في الصورة من ناحية الشمال خليج بلا اسم، هو على الأرجح بحر مرمرة، وفي الغرب رُسم مضيق جبل طارق بصورة واسعة جداً بعيدة عن الواقع. ويصب في هذا البحر من ناحية الشمال ثلاثة أنهر هي جَيحان وسَيحان وبَردان، كما يظهر في جنوبها بحيرتا التنِّيس ودمياط. ولا يشاهد في الصورة أية آثار لأنهار العاصي والليطاني اللذين يصبان في شرق البحر المذكور، ولا لأنهار البُو والرُون وإبرو التي تصب فيه من ناحية الشمال. ويشاهد في البحر ثلاثة جزر هي من الشرق إلى الغرب قبرس واقريطس (كريت) وسقلية، وأهملت جزر سَردينية وكورسيكا والبليار، كما يشاهد صورة جبل باسم القُلال وسط البحر عند مضيق جبل طارق، والذي هو على الأرجح جبل طارق نفسه، بعد أن أخفق المؤلف أو الناسخ في رسم موقعه الصحيح على البرّ الأندلسي وليس في وسط البحر. ووضع ابن حوقل (ت367هـ/ 977م) صورة لبحر الروم، خالية من تعيين الاتجاهات الأربعة، لكنها أقرب إلى الواقع من صورة الإصطخري لهذا البحر بكثير. وبحر الروم في صورة ابن حوقل هذه طويل الشكل، يظهر فيها من ناحية الشمال خليج طويل كتب في وسطها مدينة القسطنطينية على شكل شبه جزيرة صغيرة، وهو بلا شك إشارة إلى بحر إيجة ومرمرة ومضيق البسفور، حيث يشرف عليها من الغرب أرض مجذونية (أي مقدونية)، وبحر الأدرياتي (بلا اسم في الصورة) الذي يشرف عليه أرض فلورية أي إيطاليا (نسبة إلى ميناء لِفُورنو). ويشاهد في الصورة أربعة أنهار (بلا أسماء) تصب في هذا البحر من ناحية الشرق، فنهر يصب فيه شمال اللاذقية وهو على الأرجح نهر العاصي، ونهر تقع عليه مدينتا المَصيصة وكفربيا وهو جَيحان، ونهر تقع عليه مدينتا أدَنَة وعين زَرية وهو سَيحان، ونهر رابع هو طَرسوس حيث تقع عليه مدينة طَرسوس. ويصب فيه من ناحية الشمال نهر ينبع من آسيا الصغرى يعرف بألِس (آقسو اليوم)، حيث يتفرع منه فرع بلا اسم يتجه شمالاً ليصب في البحر الأسود شمال مدينة القسطنطينية ويظن أنه نهر سَقاريا، وقد توهَّم المؤلف أو الناسخ في جعل سَقاريا فرعاً من نهر ألِس، وهما منفصلان في الواقع. كما يظهر في الصورة نهر النيل بلا اسم، وهو يصب في البحر المذكور من ناحية الجنوب، في فرعين هما تنِّيس ودِمياط ويتركان بين الساحل والبحر جزيرتين بنفس الاسمين. ويشاهد على سواحل هذا البحر العديد من الموانئ البحرية من أنطاكية في أقصى شرقه إلى ميناء طنجة في أقصى غربه، مع الملاحظة بأن الكثير من هذه الموانئ تركت بلا أسماء، كما توهَّم في مواقع بعضها كموقع ميناء أنطاكية الذي رسم في الصورة عند مدخل بحر إيجة، بينما تقع في الواقع شمال مدينة اللاذقية المرسوم موقعها عند مصب نهر العاصي، وموقع ميناء بانياس (بنياس بياس في الصورة) رسم في شمال اللاذقية، وهي تقع جنوبها في الواقع. ورسم الطوسي (محمد بن محمود، ت589هـ/ 1193م) صورة بسيطة لبحر الروم، متأثراً بصورة الإصطخري له إلى حدِّ كبير. فقد جعل له صورة دائرية تماماً خلاف الواقع، وعين اتجاهين في صورته هما المشرق والمغرب، وبالغ كثيراً في أرض مصر بحيث شمل تقريباً جميع الشمال الإفريقي. ويشاهد في الصورة ثلاثة أنهار بلا أسماء، تصب في هذا البحر من ناحية الشمال الشرقي، وهي نهر جَيحان الذي تقع عليه مدينتا صخر موسى! ومَصيصة، ونهر سَيحان الذي تقع عليه مدينتا أدَنَة وعمورية، ونهر طَرسُوس الذي تقع عليه مدينة طَرسُوس، كما يشاهد في شمال الصورة بحر إيجة ومرمرة حيث تقع أراضي القسطنطينية في ساحلها الغربي، وقد توهَّم المؤلف أو الناسخ في موقع مدينة أنطاكية الذي رسمه كابن حوقل عند مدخل بحر إيجة، بينما كان من المفروض رسمه حسب صورته، بين مصب نهر جيحان ومدينة صور مثلاً. كما يلاحظ أن اسم أولاس (كتبه الإصطخري ولاس وهو اسم لم نقف عليه في المظان المتوفرة) رُسم في الصورة مرتين، مرة كمدينة تقع عند السواحل الجنوبية لآسيا الصغرى، وكبلاد يقع بين بلاد الفرنجة وجزيرة الأندلس مرة ثانية. ب.3 صُوَر بحر فارس: رسم الإصطخري لبحر فارس ثلاثة صور أو خرائط، إحداها تختلف عن الأخريين، الصورة الأولى نشرها له الباحث هانس مزيك H. Mzik ،وهي بسيطة جداً بحيث لا تستحق الوقوف عندها، والثانية نشرها له الدكتور الحيني وهي غير واضحة المعالم، والثالثة نشرها له الباحث مويلر J.H. Moeler في كتابه (كتاب الأقاليم)، وهي التي سندرسها هنا ضمن خرائط البحار. والظاهر من صورة الإصطخري للبحر المذكور، أنه كان يقصد من بحر فارس المحيط الهندي كله، إذ رسمه كله، رغم أنه جعل بحر فارس أمام الساحل الإيراني والباكستاني بين مصب نهر مُهران (السِّند) في الشرق ومصب شط العرب في الغرب. ويشاهد في الصورة كلاً من بحر القُلزم (الأحمر) بين الساحل الإفريقي وشبه جزيرة العرب، وبحر الحبشة أمام الساحل الصومالي، وبحر الزنج إلى الجنوب منه، وبحر الهند أمام الساحل الهندي، لكنه توهَّم في رسم الخليج العربي إذ جعل شط العرب (بلا اسم في الصورة) يصب في المحيط الهندي رأساً عند ميناء عبادان، الذي توهَّم في موقعها أيضا حيث جعلها بجانب ميناء هجر البحراني، وأهمل رسم خليج البنغال، وتوهَّم في جعل جزيرة سرنديب جزءاً من البرّ الهندي، ووضع جبل سرنديب في موضع جبال الهملايا بين الهند والصين. كما يشاهد في وسط المحيط ثلاثة جزر دائرية الشكل كبيرة هي من الغرب إلى الشرق، جزيرة أوال (البحرين حالياً) وجزيرة خارك وجزيرة لافت (قشم حالياً)، وهي جزر واقعة في داخل الخليج العربي غير المرسوم في الصورة، فاضطرَّ إلى قذفها بعيداً إلى وسط المحيط!. ويبدو أن ابن حوقل (ت367هـ/ 977م) يقصد أيضا من بحر فارس المحيط الهندي كله بما فيه البحر الأحمر والخليج العربي وخليج البنغال، وهذا واضح من الصورة التي رسمها لهذا البحر. لقد عينت الاتجاهات الأربعة على الصورة، وتشاهد فيها تفرعات المحيط الهندي من بحر القلزم والخليجين العربي والبنغال دون ذكر أسمائها، مع توهُّم المؤلف أو الناسخ في رسم مضيق هرمز على شكل خليج طويل، يحصر بلاد فارس بينه وبين الخليج العربي، وهو في الواقع امتداد للخليج العربي وليس خليجاً منفصلاً عنه. أما الحدود الغربية للمحيط الهندي فتنتهي بصورة صحيحة في إفريقيا عند سواحل الحبشة وبلاد الزنج، كما تنتهي حدوده الجنوبية عند البحر المحيط. وتشاهد في داخل بحر القُلزم جزراً هي من الجنوب إلى الشمال دَهلَك وباضع وسُنْجَلَة مع ثلاثة جزر بلا أسماء في الصورة، وجزيرتين في أقصى شمال البحر المذكور كتب عليهما جزائر بني حمدان، أما في الخليج العربي فتلاحظ جزراً ثلاثة هي لافت (قَشَم حالياً) وخارك وأوال (البحرين حالياً)، كما تلاحظ في داخل المحيط الهندي جزراً هي من الشرق إلى الغرب سوبارة وسرنديب وسربُزة وقنبلا. وقد رسم محمد بن محمود الطوسي (ت589هـ/ 1193م) صورة بسيطة لبحر فارس أي المحيط الهندي، يظهر فيها أبحر القلزم والحبشة والزنج وخليج البنغال، والخليج الأخير لا اسم له في الصورة، كما اختُصر رسم الخليج العربي بنهر دجلة فقط. أما نهر مُهران أو السند فمكتوب عليه مهمان! وهي تسمية غير صحيحة. ويشاهد في الصورة شبه جزيرة العرب وشبه جزيرة الهند، ونظراً للحجم الكبير الذي أعطي لنهري دجلة ومُهران فإن بلاد فارس تبدو بينهما كشبه جزيرة أيضا، أما الجزائر في بحر فارس هذا فقد اقتصر الراسم على جزيرة سرنديب وجعلها، سهواً منه، متصلة ببحر الهند ومكتوبا عليها جبل سرنديب، كما توهَّم في اسم وموقع جزائر حمدان الواقعة في النهاية الشمالية لبحر القلزم عند مدخل خليج السويس (حسب خارطة ابن حوقل لهذا البحر)، فجعلها مرة حَمان على برِّ بحر القلزم، ومرة حمدان على الساحل الشرقي للهند.   ب.4 صورة بحيرة خوارزم (آرال): ورسم الإصطخري صورتها دائرية الشكل أيضا، وهي في الواقع شبه دائرية، ونظراً لموقع بحيرة خوارزم وسط منطقة صحراوية، فلا يوجد عليها من الموانئ سوى مدينة كاث (كاثن) التي تقع عند مصب نهر جيحون (آموداريا) فيها، وربما كان هذا موقعها في زمن المؤلف، فهي اليوم بعيدة عن الساحل نسبياً بُعد مدينتي جُرجان وهزارأسب عنها. ويشاهد في الصورة نهر جيحون وهو ينبع من ما وراء بلاد بذخشان (جبال بامير في تاجيكستان اليوم)، ويتكوَّن في منابعه العليا من نهر بوخاب (مورخاب) وهو بلا اسم في الصورة، وبعد أن يجري مسافة قصيرة نحو الغرب، يصب فيه من الجانب الأيمن خمسة روافد هي بالترتيب من الشمال إلى الجنوب، رافد هَلْبُك (آقسو اليوم) وليس له اسم في الصورة، وبَرْبان وفارغَر وأنْديجار ووَخَشاب (خَشا في الصورة)، ويستمرّ النهر في الجريان نحو الغرب فيمرّ بمدينة التُرمذ مقابيل مدينة بَلخ (وَزيرآباد اليوم)، ثم يمرّ بمدينتي زَم وآمل ويصب في البحيرة المذكورة عند مدينة كاثن (كاث).   ج. خرائط الأقاليم: وضع الجغرافيون العرب والمسلمون خرائط مفصلة بكل إقليم من الأقاليم التي تحدثوا عنها وذلك على حدة، زيادة في الاستفادة والتوضيح. ج.1 خرائط إقليم العراق: من هذه الخرائط الإقليمية، الخريطة الملونة الجميلة التي رسمها الإصطخري لإقليم العراق، حيث عينت عليها الاتجاهات الأربعة، ورسم حدود الإقليم باللون الأحمر، فحده الشمالي هو مدينة تكريت، والجنوبي الخليج العربي، والشرقي مدينة حُلوان، والغربي مدينة الحيرة. واستخدم اللون الأزرق في رسم مياه الأنهر والبطائح والخليج العربي، وهو اللون الذي يستخدم لنفس الغرض في الخرائط الجغرافية الحديثة. ويشاهد في الخريطة من ناحية الغرب نهر الفرات الذي يجري جنوباً، وحين اقترابه من مدينة بغداد يتفرَّع منه ثلاثة أنهار (والأصح جداول) هي عيسى وصَرْصَر والملك تجري نحو الشرق، ثم تضيع في الأراضي الزراعية قبل وصولها إلى دجلة. ويستمرّ الفرات في الجريان نحو الجنوب فيدخل بطيحة الجامعيين، ويخرج منها ليدخل إلى بطائح الكوفة ويضيع هناك. لكن الواقع أن نهر الفرات لا يضيع في البطائح، بل يشق مجراه خلالها ليلتقي بنهر دجلة (في الوقت الحاضر) شمال مدينة البصرة. أما دجلة فيظهر في الخريطة بعد دخوله مدينة تكريت، ويجري جنوباً ليمرّ بمدن غير واضحة في الصورة، منها سامراء وعكبراء وبَرَدان، ثم يدخل النهر مدينة بغداد، وقبل دخوله إليها وبعده أيضا، يتفرَّع منه من الجانب الايمن نهر الدجيل، ومن الجانب الأيسر نهرا تامرّا والنَّهروان حيث يجريان كما في الخريطة نحو الشمال، وهذا وهم من المؤلف أو الناسخ إذ إنهما كانا يجريان نحو الجنوب الشرقي. وفي مدينة واسط يتفرَّع من دجلة من جانبه الأيمن فرع بلا تسمية في الصورة (هو شط الغرّاف)، حيث يدخل بطائحاً بلا تسمية هي أيضا ويضيع فيها وهذا خلاف الواقع، اذ يجري الغراف بعدها ليلتقي بنهر الفرات قرب مدينة الناصرية. ويستمرّ نهر دجلة في جريانه جنوباً بعد خروجه من مدينة واسط، ليمرّ بمدن المَذار والمَفتَح وميسان (العمارة حالياً) وسليمانان على الجانب الايسر منه، والأُبلَّة على الجانب الأيمن منه، ليصب بعد ذلك في بحر فارس (أو الخليج العربي). ويلاحظ أن النهر قبل دخوله الأُبلَّة يتفرَّع منه نهران هما المَعْقَل والأُبلَّة، وقد توهَّم المؤلف أو الناسخ في موقع مدينة عبادان، حيث رسمها في غرب نهر دجلة وهي تقع في الواقع في شرقه، كما توهَّم في موقع مدينة البصرة التي تقع على شط العرب، حيث رسمها في البادية جنوب بطائح شط الغرّاف وليس على شاطىء أي نهر! ووضع ابن حوقل أيضا صورة لإقليم العراق، وهو متأثر بخريطة الإصطخري لهذا الإقليم إلى حدِّ كبير، كما وقع في الكثير من أخطائه، منها أن نهر الفرات يضيع عنده في البطائح ولا يلتقي بدجلة، ومنها أن شط الغرّاف يضيع في البطائح أيضا ولا يلتقي بالفرات. وأضاف إليه أخطاءً جديدة، منها أن الأنهار (والأصح الجداول) التي تتفرَّع من الفرات الأوسط عند مدينة بغداد، تصب في خريطته في نهر دجلة وهذا خلاف الواقع، إذ انها تضيع في الأراضي الزراعية قبل وصولها إلى دجلة، ومنها أنه رسم موقع مدينة خانقين مرتين، مرة في الشرق بين مدينتي جلولاء وقصرشرين وهذا صحيح، ومرة في الغرب بين شطي الحلة والكوفة وهذا وهم منه. ولكنه أي ابن حوقل رغم ذلك، قد أضاف معلوماتاً مهمة إلى خارطته جديرة بالتقدير، منها أنه رسم تفرُّع نهر الفرات عند مدينة بابل إلى فرعين الشرقي منهما هو شط الحلة أو بابل، والغربي منهما هو شط الكوفة (وهما بلا تسمية في الصورة)، ومنها رسمه لأربعة روافد من روافد دجلة التي تصب فيه من الجانب الأيسر وهي بالترتيب من الشمال إلى الجنوب، الزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم وديالى، والروافد الثلاثة الأولى هي بلا تسمية في الصورة، بينما أطلق اسم النهروان على نهر ديالى. ج.2 خرائط إقليم مصر: ورسم ابن حوقل (ت367هـ/ 977م) خارطة أو صورة لإقليم مصر، خالية من الاتجاهات الأربعة، وفيها تمتد حدود مصر بين بحر القلزم شرقاً وغرب جبل الواحات غرباً، ومن مدينة أسوان على النيل جنوباً وحتى بحر الروم (المتوسط) شمالاً. وتبدو مصر في الصورة على شكل وادٍ يجري فيه نهر النيل بين جبل المقطَّم في الشرق وجبل الواحات في الغرب، حيث يستمرّ نهر النيل بعد أن يدخل مصر عند مدينة أسوان في الجريان نحو الشمال، ويتفرَّع منه عند مدينة مَسارة فرع بلا اسم في الصورة، يتَّجه نحو الغرب، ليتفرَّع عند مدينة اللاهون ثانية إلى فرعين احدهما يتَّجه نحو الغرب ليصب في النيل بين مدينتي أهناس وأطواب ثانية، والثاني يستمرّ في الجريان غرباً ليصب في بحيرة أقني (بركة قارون حالياً) بعد أن يمرّ بمدينة الفيوم. ثم يستمرّ النيل في الجريان نحو الشمال، وعند مدينة شَطَنُوف يتفرع النهر إلى فرعين شرقي وغربي، حيث تقع على الفرع الشرقي منهما مدينة دَجْوَة (دَجْوى)، الذي يتفرَّع بدوره عند المصب إلى ثلاثة فروع هي دمياط وتنِّيس والفِرما أو البيلوزي (وهو بلا اسم في الصورة)، كما تقع على الفرع الغربي منه مدينة ذات الساحل، الذي يتفرَّع بدوره إلى فرعين هما الإسكندرية والرشيد (والأخير بلا اسم في الصورة)، ثم ينتهي نهر النيل حسب خارطة ابن حوقل، في بحر الروم أو المتوسط (وهو بلا اسم في الصورة)، بخمسة فروع ذكرناها. وقد رسم المؤلف أو الناسخ مرتفعات شبه جزيرة سيناء (وهي بلا اسم في الصورة)، متَّصلة سهواً بجبل المقطَّم، وهي في الواقع منفصلة عنه يفصل بينهما خليج السويس، الذي تقع مدينة القلزم عند نهايته الشمالية، لكنه رسم هذا الخليج كجَوْنٍ صغير جداً، بحيث لا يقوم بمثل هذه المهمة. ورسم المقدسي (محمد بن أحمد،ت380هـ/ 990م) أيضا صورة لإقليم مصر، خالية من تعيين الاتجاهات الأربعة، ورسمت فيها حدود مصر بين العريش وميناء ويلة (إيلات) شرقاً، وميناء الإسكندرية وجبل الواحات غرباً، وبين مدينة أسوان جنوباً، وبحر الروم (أو المتوسط) شمالاً. ويبدو في شرق الصورة بحر القُلزم وخليج العقبة (ويلة في الصورة)، وقد رسمت سواحلهما خلاف الواقع بالمسطرة، وكتب على بحر القُلزم سهواً اسم بحر الصين، التي تقع مدينة القلزم في نهايته الشمالية. كما يبدو في الشرق أيضا جبل موسى (طور سينا) وقد رسم سهواً بعيداً في شمال بحر القلزم وخليج العقبة، بدلاً من رسمه بينهما كما هو في الواقع. ويشاهد في وسط أرض مصر نهر النيل، وهو يجري شمالاً على شكل خط مستقيم بين جبل المقطم في شرقه وجبل الواحات في غربه، وذلك بعد دخوله أرض مصر عند مدينة أسوان. ويستمرّ النهر في جريانه شمالاً فيمرّ بمدن أخميم وأشمونين والفيوم والفسطاط والجيزة وسَرْدُوس ودَجْوى (دَجْوَة في الصورة) ودُمَيرة، إلى أن ينتهي النهر في بحر الروم، تاركاً جزيرتين عند المصب هما تنِّيس ودِمياط. ج.3 خرائط إقليم المغرب: ورسم الإصطخري صورة لإقليم المغرب، عيَّن فيها حدوده من الشمال إقليم الجلالقة في النصف الشمالي لشبه جزيرة إيبريا (الأندلس)، ومن الجنوب بلاد السودان عند مدينة سِجِلْماسَة في شرق وادي السوس وظهر الواحات (الداخلة والخارجة)، ومن الشرق مدينة إطرابلس (طرابلس) الليبية، ومن الغرب البحر المحيط (أو الاطلسي)، ويضم الإقليم أيضا غرب البحر المتوسط ومضيق جبل طارق، وعينت الاتجاهات الأربعة في الصورة. لنبدأ بالقسم الجنوبي من الاندلس الذي يظهر في الصورة على شكل نصف دائرة هندسية تماماً، تحتل مدينة قرطبة مركزها تقريباً، وهذا خلاف الواقع، فالسواحل الأندلسية تمتلك الكثير من الانعطافات والتعاريج كغيره من السواحل، ووضع جبل طارق (جبل القلال في الصورة) في موضع بعيد عن الساحل وسط البحر، وهو في الواقع مطل على الساحل مباشرة من ناحية الشمال. ويشاهد في الطرف الشرقي من شبه الجزيرة ثلاثة بلدان هي بسكونس وعلجسطس (علجسكس) وإفرنجة وقد رسمت سهواً ضمن أراضي الأندلس، كما يشاهد فيها العشرات من المدن والقصبات المتناثرة هنا وهناك، دون أي رسم أو تخطيط لنهر من أنهار شبه الجزيرة العديدين، أو لجبل من جبالها. أما الجانب الإفريقي من الإقليم فيظهر الساحل الليبي والتونسي والمغربي على شكل خط مستقيم رسم بالمسطرة، ولا يخلو هذا الساحل في الواقع من التعاريج والخلجان والنتوءات، كما رسمت أغلب الموانئ الساحلية من اطرابلس (طرابلس) في الشرق وحتى السوس الأقصى على البحر المحيط في أقصى الغرب، أما المدن الداخلية فيشاهد بُرْقة وزُويلَة والقيروان وشَطيف (سَطيف) وتاهرت وفاس وسِجِلْماسَة التي تقع في وسط رمال المعدن جنوب الإقليم. ووضع الإدريسي أيضا خارطة لإقليم المغرب كتب عليها: صورة الجزء الأول من الإقليم الرابع، شمل الجزء الجنوبي من الأندلس إلى حدِّ جبال شايدة شمالاً (جبال الشارات في المصادر العربية وجبل شكيبة في الخارطة)، وذلك على شكل مقطع طولي يبدأ من شرق مدينة سَرقَسْطَة (سَرْقَس في الخارطة) إلى ميناء لشبونة (لشبو في الخارطة)، والجزء الشمالي من شمال إفريقيا شرق مدينة وَهْران وحتى ميناء البصرة المغربي (البصر في الخارطة) على ساحل البحر الغربي (الاطلسي)، كما شملت الصورة الأجزاء الغربية من البحر المتوسط ومضيق جبل طارق. ويشاهد في وسط القسم الاندلسي من الصورة تقريباً، نهراً بلا اسم ينبع من جبال شايدة (شكيبة في الخارطة) ويجري نحو الغرب ليصب في البحر الغربي عند ميناء لشبونة (لشبو في الخارطة)، وهو نهر تاجة الذي تقع عليه مدينتا طليطلة وطَلبيرة. لكن الغريب في الخارطة أن فرعاً من هذا النهر (بلا اسم) يصب في البحر المتوسط عند مدينة بَلنسية، وهو نهر شَغورة مستقل بذاته، حيث ظن المؤلف أو الناسخ سهواً بأنه فرع من نهر تاجة، رغم اقترابهما من بعضهما البعض في منابعهما العليا. كما ربط سهواً أيضا نهر الوادي الكبير الذي تقع عليه مدينة اشبيلية (في غرب الخارطة) بنهر تاجة هذا، وهو نهر مستقل أيضا. ويظهر أن داء ربط الأنهار ببعضها البعض كان قد أصاب المؤلف أو الناسخ، فقط ربط بين المنابع العليا لنهري زقورا الذي تقع عليه مدينة مرسية، ولُوجا الذي يصب في البحر المتوسط عند ميناء مالقة (جنوب الخارطة). ويشاهد في شرق الخارطة مرتفعات إبَرْراند وهي بلا اسم فيها، تقع في الجانب الايمن لنهر إبرو الذي هو كذلك بلا اسم. أما القسم الإفريقي من الخارطة، فيبدو فيه الساحل الجنوبي للبحر المتوسط من شرق مدينة وَهْران وحتى مدينة طَنْجَة، وبعضاً من ساحل المغرب المطل على البحر الغربي (الأطلسي)، وقد عيِّنت عليه الموانئ التالية من الشرق إلى الغرب، ميناء وَهران ومدينة بلا اسم (يظن انها تلمسان) بين وَهران ومَليلة، وموانئ مليلة وباديس وسَبتة وهذه كلها على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، ومينائي طنجة والبصرة على البحر الغربي. ويشاهد في داخل البحر المتوسط جزر منورقة وميورقة (مالورقة) وبتوسة (يابسة في الخارطة). د. خرائط الطرق: التي اقتصرت على طرق القوافل بين المدن والأقطار وعبر الصحاري، حيث لم تكن وسائل النقل الحديثة كالسيارات والقاطرات... قد وُجدت بعد. د.1- الطرق بين إقليمي فارس وخراسان: ورسم الإصطخري صورة لطرق القوافل بين إقليمي فارس وخراسان عبر صحرائي الملح (كوير نمك) ولوط، وهي مجموعة من الطرق تربط بين مدن دامغان وسَمْنان وزَوْزَن وخَبيص في غرب هذه الصحاري، ومدن قائين وطَبْس ونائين ويَزْد في شرقها. وقد إرتكب المؤلف أو الناسخ اخطاءً فاحشة في مواقع هذه المدن، فمدينة زَوْزَن التي تقع آثارها اليوم قرب خَواف، تقع في الواقع شرق هذه الصحاري وليس في غربها كما في الصورة، ومدينتا نائين ويَزْد تقعان في شرق هذه الصحاري وليس كما رُسمت في غربها، وان مدن الري وقُم وقاشان (كاشان) وأُرْدُستان لا تقع في منتصف هذه الطرق، بل في الغرب من دامغان وسَمْنان ونائين ويَزْد، وان مدينة نَرْماشير لا تقع في الشرق قرب زَوْزَن كما في الصورة، بل في جنوب صحراء لوط جنوب مدينة بُم في ولاية كَرْمان. ويشاهد في الركن الجنوبي الغربي من الصورة جبال كَرْكَبَس (كَرْكَس) وهي تقع فعلاً قرب مدينة أُرْدُستان، ولكن في غرب هذه الصحاري وليس في جنوبها، كما أن نهر شور (رود شور) الذي رسم في شمال هذه الجبال، يقع حوضه كله في جنوبها وليس في شمالها. لكن الإصطخري رسم خارطة ثانية لهذه الطرق في كتابه: كتاب الأقاليم، وفيها صحَّح بعض أخطائه في الخارطة الأولى، فنقل مدينة زَوْزَن إلى موقعها الصحيح في شرق هذه الصحاري بدلاً من غربها، ونقل مدن قُم وقاشان وأُردُستان من منتصف هذه الطرق إلى الجنوب من جبال كَرْكَس، وأبقى على بعضها الآخر. وقلَّد ابن حوقل خريطة الإصطخري هذه لطرق المواصلات، بعد أن حذف منها الاتجاهات الأربعة، وأضاف رسم سلسلة جبال سياه كو إلى الشمال من جبال كَرْكَس، ولعله جبل صغير وليست بسلسلة. د.2- طرق جنوب المغرب: ورسم الإدريسي بعض الخرائط لطرق القوافل في صحاري جنوب المغرب، منها الخارطة المعنونة: الجزء الثاني من الإقليم الثاني، وهي لطرق تصل بين مدن قَوران وأيْوالن ومساكن بني وارقَلان في شمال تلك الصحاري، بمدن جُرمَة وتاوَة ولُقْفار في جنوبها، وتبدو في شرق الخارطة رمال المعدن وبحر آخر من الرمال في غربها بلا اسم في الخارطة. وكتب على هذه الطرق المراحل أي المسافات الزمنية بين هذه المواقع والمدن، فالمسافة مثلاً بين مدينة قَوْران في أقصى الشمال الغربي من الخارطة وبين مدينة لُقْفار في أقصى الجنوب الشرقي منها، هي أربعة وعشرون مرحلة أي أربعة وعشرون يوماً، وذلك بعد جمع المسافات بين مواقع قَوْران وجُرْمَة، وجُرْمَة وتاوَة، وتاوَة ولُقْفار. بينما افتقدت خرائط المواصلات عند كل من الإصطخري وابن حوقل إلى هذه الميزة، أي ميزة تحديد المسافات بالمراحل. هـ. خرائط المدن: ورسم الجغرافيون خرائط لبعض المدن الإسلامية منها: هـ.1- صورة مدينة القاهرة: وقد رسمها مؤلف مجهول في أواخر القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، ويظهر من نوعية الكتابة عليها أنها حديثة أو استنسخت حديثاً من نسخة قديمة صنعت عام 597هـ/ 1200م. وتبدو المدينة على شكل نصف دائرة قابعة في الجانب الأيمن لنهر النيل، تقطعها قناة مائية باسم (بطرح!)، وقد كتبت على بعض معالمها السنة التي أُنشئت فيها، كأطلال القطائع سنة 251ه، وجامع ابن طولون سنة 263هـ، والجامع الأزهر سنة359هـ، وبابي النصر والفتوح سنة 480هـ، وباب زويلة سنة 484هـ. كما تشاهد على الخريطة بعض أحيائها السكنية حينذاك، كحي الروم والروم الجوانية والجودرية والمحمودية والمنصورية (حي السودان)، وقلعتين هما قلعة صلاح الدين في جنوب شرق المدينة وقلعة الكبش في شمالها، وبساتين زراعية أو مستنقعات منتشرة بين نهر النيل والقناة. هـ.2- صورة مدينة قزوين: ورسم القزويني (زكريا بن محمد، ت682هـ/ 1283م) صورة لمدينته قزوين، على شكل نطاقات دائرية تحيط بمركز المدينة، فالدائرة الأولى تمثل قلب المدينة أو مركزها، يحيط بها النطاق الأول الذي هو المدينة كلها، ويحيط بالمدينة نطاق من البساتين يظن انها إروائية، تمييزاً له عن النطاق الأخير الذي خصص للمزارع الديمية. ويشاهد في الصورة واديين يخترقان المدينة، أحدهما مستقيم يخترقها من الناحية الغربية ويعرف بوادي دَرْج، أما الثاني فيخترقها على شكل زاوية قائمة من الشرق ويعرف بوادي أتْرَك.   هـ.3- صورة مدينة الكوفة: وهي صورة رسمها المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون L. Massignon لمدينة الكوفة في القرنين الأول والثاني الهجريين، معتمداً على المعطيات التاريخية، وقد نشرها الباحث كامل سلمان الجبوري بعد ترجمتها من الفرنسية، وارتأينا دراستها لأهمية مدينة الكوفة في التاريخ الإسلامي أولاً، وللإطلاع على نموذج من تخطيط المدن الإسلامية الأولى ثانياً. وتظهر المدينة في الصورة دائرية الشكل، تقع في الجانب الايمن لنهر الكوفة أحد فروع الفرات، ويشاهد في وسطها ميدان دائري الشكل أيضا، يخرج منه ويصب فيه طرق القوافل الخارجة من المدينة والداخلة إليها، كما يشاهد عدد من جوامع المدينة القديمة كجامع التوبة والروضتين وبشر... وغيرها، ودير قرب جسر الكوفة باسم دير هند الصغرى، ثم مساكن القبائل العربية التي سكنتها في القرنين الأول والثاني الهجريين/ السابع والثامن الميلاديين.