مفاهيم في الجغرافيا السياسية
مفاهيم في الجغرافيا السياسية
0 Vote
142 View
بصورة عامة، تقوم الجغرافيا السياسية على تحليل العوامل الجغرافية التي تحدد السياسة الخارجية للدول. وقد ارتدت، على هذا الأساس، توجهاً إيجابياً ومعيارياً على السواء، حيث رمت إلى تفسير توجه الدبلوماسيات كما إلى تبرير هذه الممارسة الإمبريالية أو تلك. وعلى مستوى أكثر انتقادية وأقل طموحاً، تقدّم الجغرافيا السياسية (المشار إليها عندئذ باسم "جيوستراتيجية") تقدّم نفسها كتحليل دقيق ومنهجي للقيود الجغرافية (الطبيعية، الاقتصادية، والبشرية) التي تثقل على رسم الاستراتيجيات السياسية – العسكرية من قبل الدول. عندها تصبح أحد متغّيرات تحليل أنماط وضع السياسات الخارجية. جغرافيا سياسية(1) الجغرافيا السياسية هو العلم الذي يبحث في تأثير الجغرافيا على السياسة أي الطريقة التي تؤثر بها المساحة، والتضاريس والمناخ على أحوال الدول والناس. فبسبب الجغرافيا كانت أثينا إمبراطورية بحرية، وبسببها أيضا كانت إسبرطة أقرب في طبيعتها إلى القوة البرية. وبسبب الجغرافيا أيضا، تمتعت الجزيرة البريطانية في القرن الثامن عشر بحرية الملاحة في البحار، في حين كانت بروسيا - وبسبب الجغرافيا أيضا- محاطة بالأعداء من جميع الجهات. ويعد الألمان أكثر من كتب في الجغرافيا السياسية الجغرافيا السياسية لست فقط تأثير الجغرافيا على السياسة ولكن أيضا تأثير السياسة على الجغرافيا فهناك الكثير من القرارات السياسية التي غيرت الوجه الجغرافي لمناطق كثيرة بالعالم كشق القنوات الكبرى كقناة السويس مثلا. وتعرف الجغرافيا السياسية وهي دراسة الوحدات أو الأقاليم السياسية كظاهرات على سطح الأرض. الجغرافيا السياسية(2) دراسة الإنسان وعلاقاته الداخلية والخارجية على رقعة محددة من الأراضي، المشاكل الدولية وعلاقات الدول ببعضها، مقومات الدول وحدودها السياسية، ومراحل تطور الدول، والعلاقات الدولية، والتوسع الاستعماري، النشاط الاستعماري القديم لبعض الدول الاستعمارية الهامة مثل: الاستعمار الإنجليزي، والفرنسي، والإيطالي، والألماني، والأمريكي، وغيرها، توضيح بعض أساليب الاستعمار الحديث، بعض مشاكل الحدود الدولية المعاصرة التي أدت إلى وقوع الحروب. الجيوبولتيكا Geopolitics(3) مصطلح جيوبولتيكا تعبير مركب من مقطعين Geo وتعني الأرض، Politic ومعناها سياسية، وعلى ذلك تعني الجيوبولتيكا "علم سياسة الأرض". وهو ثمرة لعلمي الجغرافيا والسياسة ويعتمد عليهما اعتماداً كبيراً وبخاصة الجغرافيا السياسية. ويعد رودلف كلين[1] أول من استخدم مصطلح الجيوبولتيكا، وعرفها بأنها البيئة الطبيعية للدولة والسلوك السياسي، في حين عَرّفها كارل هوسهوفر[2] بأنها دراسة علاقات الأرض ذات المغزى السياسي، إذ ترسم المظاهر الطبيعية لسطح الأرض الإطار للجيوبوتيكا الذي تتحرك فيه الأحداث السياسة. وقد نما هذا العلم في ظروف عسكرية وارتبط بالحرب ارتباطاً وثيقاً، إذ أدّت الظروف الحربية والاستعدادات العسكرية، في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، دوراً كبيراً في ميلاد هذا العلم، وبقيام الحرب العالمية الثانية، صعدت الجيوبولتيكا إلى مصاف العلوم الرفيعة، لأنها كانت ترسم الطريق لتحقيق المصالح القومية للدولة بطريقة ذاتية، وتساعد رجال السياسة وضباط الجيش في اتخاذ القرارات السياسية والإستراتيجية. وتختص الجيوبولتيكا بدراسة الدولة من الوجهة السياسية، وتدرس العلاقات الداخلية والخارجية بين الأرض وسكانها من وجهة نظر قومية وذاتية، وتبحث السياسة العالمية من وجهة نظر قومية وتعتنق فلسفة القوة، وأن الضرورة لا تعرف قانوناً، وتستخدم التاريخ القومي والعالمي لخدمة هذه الأغراض. أي أن الجيوبولتيكا علم سياسي يستمد جذوره من علم الجغرافيا وحقائقه المتشعبة، ويعمل على الإفادة منها لخدمة خطط سياسية معينة يتبناها صانعو السياسة Policy Makers، وصانع القرار Decision Makers في الدولة. وهناك فروق كثيرة بين الجغرافيا السياسية والجيوبولتيكا أهمها: أ. أن الجيوبولتيكا ترسم خطة لما يجب أن تكون عليه الدولة، بينما تدرس الجغرافيا السياسية كيان الدولة الجغرافي بعناصره المختلفة. ب. أن الجيوبولتيكا تضع تصوراً لحالة الدولة في المستقبل، بينما تقنع الجغرافيا السياسية برسم صورة الحاضر في ضوء الماضي. ج. أن الجيوبولتيكا تتسم بالتطور والحركة، بينما تميل الجغرافيا السياسية إلى الثبات. د. أن الجيوبولتيكا تحاول وضع الجغرافيا وحقائقها في خدمة الدولة (أي لتحقيق أغراضها في مجالها الحيوي حتى لو كان ذلك على حساب جيرانها)، بينما الجغرافيا السياسية ليست سوى صورة للدولة (أي هي تحليل القوة في بناء الدولة السياسي). وتختلف الجيوبولتيكا عن الجيوستراتيجية Geostrategy، فالأولى هي علم سياسة الأرض، أمّا الثانية التي يتكون مصطلحها من مقطعين Geo وتعني أرض،Strategy[3] وتعني لغوياً فن استخدام القوة العسكرية لكسب أهداف الحرب، غير أن مفهومها تطور واكتسب قاعدة علمية شمولية وأصبحت تعني الاستخدام الأمثل للمعطيات السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومن ثم يتضح أن مصطلح الجيوستراتيجية أكثر شمولاً من الجيوبولتيكا. الديمقراطية والجغرافيا السياسية(4) في عالم حافل بالأفكار والطموحات المتعارضة، لا شيء تقريبا يبدو أكثر إثارة للحيرة من ذلك التوتر القائم بين الديمقراطية وبين السياسة كما هي مطبقة على أرض الواقع. فمحاولة جعل العالم مكانا آمنا لتطبيق الديمقراطية، مع الضغط في الوقت نفسه من أجل نيل جميع النساء والرجال لحقهم في التصويت يجسد مثلا نبيلة بلا شك... ولكن ماذا يحدث إذا لم تكن الشعوب تريد أن تقوم بحملات في الخارج ،أو إذا ما كانت الشعوب الأجنبية لا تحبك... ولا تحب أساليبك التدخلية؟ بمعنى آخر، ماذا يحدث إذا ما تعارضت المحاولات الرامية لتحسين الشؤون العالمية مع حقائق الجغرافيا السياسية الصلبة... وماذا يحدث إذا ما كانت تلك المحاولات غير قابلة للتنفيذ أو غير قابلة للاستمرار؟ لقد كنت أفكر في هذا التناقض القائم بين الديمقراطية وبين السياسات الواقعية في الآونة الأخيرة لأن هذه السنة بالذات تصادف الذكرى المئوية للمقالة المشهورة التي كتبها مؤسس مدرسة الجغرافيا السياسية (الجيوبوليتيكا) السير هالفورد ماكيندر. ويمكن تعريف الجغرافيا السياسية بشكل مبسط بأنها تعني تأثير الجغرافيا على السياسة: أي الطريقة التي تؤثر بها المساحة، والتضاريس والمناخ على أحوال الدول والناس. فبسبب الجغرافيا كانت أثينا إمبراطورية بحرية، وبسببها أيضا كانت إسبرطة أقرب في طبيعتها إلى القوة البرية. وبسبب الجغرافيا أيضا، تمتعت الجزيرة البريطانية في القرن الثامن عشر بحرية الملاحة في البحار، في حين كانت بروسيا - وبسبب الجغرافيا أيضا- محاطة بالأعداء من جميع الجهات. كان عنوان مقالة السير ماكيندر تلك هو" المحور الجغرافي للتاريخ" وقد نشرت في مجلة ( جيوغرافيكال جورنال) في إبريل 1904. وفي هذه المقالة ذهب ماكيندر إلى القول إن ظهور قوة البخار، وبعدها الكهرباء ثم السكك الحديدية سمحت- على الأقل لدول قارية معينة- بالتغلب على العوائق الطبيعية والمادية التي كانت تقف في سبيل توسعها وتقدمها في الماضي. فعلى سبيل المثال، ساهمت خطوط السكك الحديدية الطويلة في تمكين روسيا القيصرية من استغلال مصادرها الداخلية الهائلة، والقيام بغزوات استراتيجية في الشرق الأقصى. كانت القوة البرية (روسيا) بهذه الطريقة تقوم بإحداث نوع من التآكل في المزايا الجيوبولوتيكية التي كانت القوى البحرية الغربية (بريطانيا مثلا) تتمتع بها على مدار فترة تراوحت ما بين 400- 500 عام. وجاء القرن العشرون ليقدم الدليل على صحة طرح ماكيندر. فالحربان العالميتان كانتا بشكل رئيسي تمثلان نوعا من الصراع على السيطرة على ما أطلق عليه المؤلف (الأراضي الطرفية) Rimland وهي تلك الأراضي التي تمتد من أوروبا الشرقية إلى جبال الهمالايا وما وراءها، وتقع خارج نطاق منطقة قلب الأرض Heatland الآسيوية. فهيمنة الاتحاد السوفييتي على تلك المناطق خلال سني الحرب الباردة هي التي جعلت الكثيرين من علماء الجغرافيا السياسية الأميركيين (نيكولاس سبيكمان على سبيل المثال) يتذكرون نظريات ماكيندر. وهذا العام أيضا يوافق الذكرى الخامسة والثمانين لطبع كتاب آخر لماكيندر لا يقل أهمية عن مقاله الذي سبقت الإشارة إليه وهو كتاب: المثل الديمقراطية والواقع، الذي نشر عام 1919 أثناء الجدل الذي كان محتدما في ذلك الوقت حول معاهدة فرساي للسلام. فبحلول عام 1919 وجد ماكيندر، شأنه في ذلك شأن بقية أعضاء المؤسسة السياسية والفكرية البريطانية، نفسه مضطرا إلى التعامل وجها لوجه مع التغييرات الهائلة التي حدثت بسبب الحرب العالمية الأولى. وعلى رغم أن روسيا القيصرية كانت قد سقطت بسبب تلك الحرب، إلا أنه كانت هناك في ذلك الوقت حرب أهلية واسعة النطاق تدور رحاها بين البلاشفة من جانب وبين ما عرف بالقوات البيضاء الروسية من جانب آخر، للسيطرة على البلاد. وكانت فرنسا في ذلك الوقت مصممة على إذلال ألمانيا، كما كانت هناك أيضا أحداث صاخبة تدور في بولندا والمجر، والقوقاز. أما الولايات المتحدة فقد قامت بنشر قواتها عبر الأطلسي ثم تراجعت في الوقت الذي كان فيه الشرق الأقصى في حالة غليان، وكذلك الهند. وهذه التطورات جميعا دعت الدول إلى التفكير العميق من أجل البحث عن استراتيجيات رشيدة. ولكن الشعب البريطاني كان يفكر بطريقة أخرى. فما حدث في تلك الحرب أدى إلى تفريغ السياسات الإمبريالية الحربية المتعصبة التي تبنتها بريطانيا في العصر الفيكتوري من مضمونها وجعل بريطانيا تفكر في التركيز على المشكلات التي تتصل بالتطوير الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي داخل الوطن. وكانت النتيجة التي دفعت ماكيندر إلى الأسى في ذلك الوقت هي أن الجغرافيا السياسية قد تراجعت إلى مؤخرة الصفوف، وأن الديمقراطيات- حسب نص تعبيره "لم تكن تفكر بشكل استراتيجي لأنها لا تفعل ذلك إلا في زمن الحرب". وجاءت الأحداث التي وقعت خلال معظم عقدي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين لتثبت أن هموم ماكيندر وهواجسه كان لها ما يبررها. فالديمقراطيات الثلاث الكبرى في العالم وهي بريطانيا وفرنسا وأميركا اختلفت مع بعضها بعضاً ومضى كل منها في طريق منفصل. ولم تكن أي دولة من الدول الثلاث راغبة في مواجهة التحديات التي كانت ألمانيا وإيطاليا واليابان تمثلها لمنظومة عصبة الأمم، كما أنها لم تبدأ في التفكير بطريقة استراتيجية إلا في وقت متأخر، ومتأخر جدا بالنسبة لفرنسا بالذات. والتفكير فيما حدث في تلك الأوقات، يجعل من التفكير في استراتيجية بوش العالمية الحالية أمرا جديرا منا بالاهتمام. ففي الوقت الذي يشهد انتشار مئات الألوف من الجنود الأميركيين في (المناطق الطرفية) في أورآسيا، والذي نرى فيه إدارة تحاول على الدوام أن تشرح لنا السبب الذي يجعلها مضطرة إلى مواصلة ما تقوم به، فإن الشيء الظاهر أمامنا الآن هو أن واشنطن تقوم حاليا بتنفيذ أمر ماكيندر الذي يطالب بضمان السيطرة على المحور الجغرافي للتاريخي وهو الأمر الذي كان موجها لبريطانيا في الأساس. ولعل هذا يفسر السبب الذي يجعل الكثيرين من المفكرين المنتمين إلى تيار المحافظين الجدد، يقومون بالإشارة بشكل متكرر إلى التجربة البريطانية السابقة في المنطقة، ويدعون إلى إنشاء ما يعرف بـ"المكتب الإمبراطوري" للولايات المتحدة. ولكن ماذا يحدث إذا ما قامت الديمقراطية الأميركية بدورها برفض التفكير بأسلوب استراتيجي؟ على رغم أنه لا يزال هناك دعم شعبي قوي لوجود القوات الأميركية في العراق، إلا أن هناك شكوكا تتصاعد بسرعة حول الحكمة من نوايا إدارة بوش في الشرق الأوسط وما وراءه.. وحول الحكمة وراء انتشار القوات الأميركية على امتداد مساحة أطول مما يجب، ووراء الفضائح المتعلقة بوقائع التعذيب في السجون، والعواقب التي يمكن أن تنتج عن تحدي – أو على الأقل إغضاب- العالم العربي برمته. وفي الحقيقة أن المحافظين الجدد يتخبطون يمنة ويسرة حاليا من أجل البحث عن غطاء للخروج من مأزق العراق. وعلى رغم أن الإدارة ستنكر ذلك الأمر إنكارا شديدا بالطبع، فإن ما يتعين علينا قوله هو أن وزارة الخارجية الأميركية، والبنتاجون، ومجلس الأمن القومي يجب أن يقوموا الآن بالبحث عن "استراتيجية خروج" من العراق. ولكن هؤلاء الذين قد يبتهجون لهذه المحصلة، عليهم أن يضعوا في أذهانهم الهم الثاني الذي كان يؤرق ماكيندر. فالديمقراطية الأميركية التي ترفض التمدد الإمبراطوري الرامسفيلدي المبالغ فيه، هي في الوقت نفسه الديمقراطية التي قد تفكر في التراجع عن الانخراط في مناطق ومجالات أخرى، وهي الديمقراطية التي يمكن أن تقوم بعرقلة صدور قرارات جديدة من مجلس الأمن للتفويض بمهام وقوات جديدة لحفظ السلام على رغم الحاجة الماسة إلى تلك القوات، وهي أيضا الديمقراطية التي يمكن أن ترفض التعامل مع المذابح التي تحدث في أفريقيا. إن مؤشر البندول يمكن أن يتأرجح أكثر من اللازم، وهو ما يمكن أن يؤدي بالتالي إلى عواقب وخيمة بالنسبة لنا وبالنسبة للمجتمعات الفقيرة التي مزقتها الحرب بشكل خاص. منذ عام 1945 دأب الزعماء الأميركيون على البحث عن الوسط الذهبي بين طريقين: الطريق الأول هو الانغماس أكثر مما يجب في الشؤون العالمية، والطريق الثاني هو الانغماس أقل مما يلزم في هذه الشؤون. فالانحراف نحو هذا الاتجاه أو ذاك وخيم العاقبة، كما أن العثور على الوسط الذهبي ليس بالشيء السهل على الإطلاق. وما أريد قوله في نهاية هذا المقال هو أننا لا نريد أميركا التي تقوم بتكرار سياسات 1919، وإنما نريد أميركا التي تستطيع على نحو ما إعادة تبني المواقف والسياسات التي تبنتها عام 1945، ونريد أميركا التي تستطيع أن تقوم بالمزج بين المثل الديمقراطية وبين الحكمة الجيوبوليتيكية في آن واحد.. فهل هذا الأمر المستحيل؟ الجغرافية السياسية للحرب(5) القسم الأول هناك عدة طرق لبحث الصراع بين أمريكا وشبكة اسامة بن لادن الارهابية منها الصراع بين التحررية الغربية والتطرف الشرقي، كما يتصور ذلك الأمريكان أو صراع بين المدافعين عن الإسلام واعداء الإسلام الحقيقي كما يتصور ذلك عدد كبير من المسلمين في العالم الاسلامي، أو كرد فعل سلبي متوقع ضد شر ودناءة الأمريكان في العالم كما يتصور ذلك اليساريون. ولكن هذه التحليلات السياسية والتقليدية تخفي الحقيقة الاساسية للصراع وهي ان هذه الحرب ـ وهي كالحروب التي سبقتها ـ قد تجذّرت وترسخت بقوة في المنافسة السياسية ـ الطبيعية على السعودية. ان ابعاد السياسة الطبيعية لهذه الحرب صعبة الادراك إلى حد ما لأن بداية القتال كانت في افغانستان ـ ذو الاهمية الطبيعية القليلة لأمريكا ـ وكذلك لأن عدونا الاساسي ـ ابن لادن ـ ليست لديه مصلحة ظاهرية في القضايا الاساسية. ولكن ذلك عبارة عن عملية خداع لأن المركز الرئيسي للصراع هو (السعودية) وليس افغانستان أو فلسطين ولأن اهداف ابن لادن النهائية هو ارساء حكومة سعودية جديدة وهذا يعني الاستيلاء على مخزونات النفط السعودي التي تمثل ربع احتياطي النفط العالمي. ان من الضروري الرجوع إلى الخلف لادراك ومعرفة جذور الصراع الحالي ادراكاً كاملاً وبالاخص إلى السنين الاخيرة للحرب العالمية الثانية عندما بدأت الحكومة الأمريكية بصياغة الخطط للعالم الذي ستسيطر عليه بعد الحرب العالمية الثانية ـ ومع نهاية الحرب العالمية الثانية كلف الرئيس روزفلت وزارة الخارجية الأمريكية لابتكار السياسات والمؤسسات التي ستضمن الامن والازدهار الامريكي في الفترة القادمة. وهذا يستلزم انشاء وتصميم منظمة الأمم المتحدة ومؤسسات (ابريتون وودز) المالية العالمية والحصول على النفط بكميات كافية ووافية وهذا هو الشيء المهم والاساسي في السياسة الأمريكية الخارجية. اعتقد الاستراتيجيون الأمريكان ان الوصول إلى آبار النفط له اهمية استراتيجية خاصة لانه العنصر الاساسي في انتصار الحلفاء على دول المحور، فعلى الرغم من أن القاء القنابل النووية على مدينتي هيروشيما وناگازاكي قد انهى الحرب إلاّ ان النفط هو الوقود الذي استخدمته الجيوش التي ركعّت المانيا واليابان. فهو القوة المحركّة لعدد هائل من السفن والدبابات والطائرات التي استطاعت حسم معركة الحلفاء مع اعدائهم الذين كانوا يفتقرون إلى مصادر النفط، لذلك فان عملية الوصول إلى آبار النفط سوف تكون حاسمة ومهمة جداً إلى التفوق الامريكي في اية صراعات مستقبلية. ولكن من اين يأتي هذا النفط؟ كانت أمريكا تحصل على الكميات الكافية من النفط لها ولحلفائها من حقولها النفطية الواقعة في الجنوب الغربي من أمريكا ومن المكسيك وفنزويلا، ولكن معظم المحللين الأمريكان يعتقدون بأن هذه المصادر النفطية سوف لن تكون كافية لسد الاحتياجات والطلبات الأمريكية والاوربية في فترة ما بعد الحرب وكنتيجة لذلك بدأت وزارة الخارجية بدراسة مكثفة لتحديد مصادر اخرى من النفط. وقد انتهت هذه الدراسة التي كانت برآسة المستشار الاقتصادي في الوزارة (هربرت فيز) إلى ان هناك منطقة واحدة فقط تستطيع ان تزودنا بالبترول وهي المملكة العربية السعودية. ولكن كيف نحصل على ذلك النفط؟ في البداية اقترحت وزارة الخارجية تشكيل شركة النفط الحكومية لكي تحصل على امتيازات من السعودية لاستخراج النفط. كانت هذه المهمة صعبة جداً لذا حول المسؤولون الأمريكان هذه المهمة إلى شركة (ارامكو) وهي عبارة عن اتحاد مجموعة شركات امريكية نفطية رئيسية. ولكن هؤلاء المسؤولين كانوا قلقين أيضاً حول مسألة الاستقرار السعودي الطويل الأمد لذلك استنتجوا إلى ان على أمريكا ان تتبنى مسؤولية الدفاع عن السعودية.. وفي حادثة استثنائية وفريدة في التاريخ الامريكي الحديث التقى الرئيس روزفلت مع الملك عبد العزيز مؤسس النظام السعودي الحديث على متن سفينة حربية امريكية في قناة السويس بعد مؤتمر يالطا في شهر شباط عام 1945م. وعلى الرغم من عدم اعلان تفاصيل اللقاء إلاّ انه يُعتقد بأن الرئيس روزفلت قد وعد الملك بالدفاع عن المملكة وحمايتها مقابل اعطاء امتيازات لامريكا بالبحث عن النفط وهذه الاتفاقية قد بقيت ذات تأثير كامل إلى اليوم وكونت النواة الجوهرية والاساسية للعلاقات الأمريكية ـ السعودية التي زودت كلا البلدين بفوائد جمة فقد حصلت أمريكا على سدس نفطها الخام المستورد من السعودية كما حصلت شركة ارامكو والشركات الأمريكية الاخرى على ارباح هائلة من عملياتها في السعودية ومن توزيع النفط السعودي في الاسواق العالمية (على الرغم من تأميم شركة ارامكو عام 1976م إلاّ انها استمرت في ادارة انتاج النفط السعودي وتسويق المنتجات النفطية السعودية في الخارج). كما تشتري السعودية أيضاً البضائع الأمريكية بمقدار (6 ـ 10) مليار دولار في السنة وبالنسبة للسعودية فقد أصبحت دولة غنية وذات ثروة عظيمة وبسبب الحماية الأمريكية بقيت دولة آمنة من الهجمات الخارجية والداخلية. القسم الثاني ولكن هذه الشراكة الاستثنائية قد سببت في عدد من النتائج غير المتوقعة والتي اقلقتنا تأثيراتها. لقد وسعت أمريكا من تواجد قواتها العسكرية في المنطقة تدريجيا وذلك من اجل حماية السعودية من التهديدات الخارجية وقامت اخيراً بنشر الآلاف من قواتها العسكرية في المملكة، ولحماية العائلة المالكة من اعدائها في الداخل تولى الأمريكان المشاركة العميقة في اجهزة الامن الداخلي للنظام. وفي نفس الوقت فان الثروة الواسعة والكبيرة والملفتة للنظر والمتكدسة اخذت تصرف على اجهزة الفساد وليس على الشعب السعودي. كما لم يسمح النظام بممارسة الانشطة السياسية في المملكة (لا يوجد برلمان ولا حرية الكلام ولا احزاب سياسية ولا حق تكوين الجمعيات) كما يقول النظام باستخدام قوات الامن الأمريكية المدربة لقمع المعارضين له. كل هذه التأثيرات والممارسات قد ولدت المعارضة السرية للنظام وأعمال العنف، ومن هذه الارضية رسم اسامة بن لادن ايحاءاته واثاراته لاتباعه والمؤيدين له. اخذ التواجد الامريكي العسكري يزداد تدريجيا على مر السنين وابتداءاً من سنة 1945م إلى سنة 1972م. لقد فوضت واشنطن مسؤولية الحماية الاساسية إلى بريطانيا التي كانت تسيطر على المنطقة ولمدة طويلة، وعندما انسحبت القوات البريطانية من شرق السويس عام 1971م قامت أمريكا بممارسة دوراً مباشراً في المنطقة حيث ارسلت المستشارين العسكريين الأمريكان إلى المملكة وجهزت السعودية بالاسلحة الأمريكية وبكميات كبيرة جداً. كانت بعض البرامج التسليحية والاستشارية تهدف إلى الدفاع الخارجي كما لعبت وزارة الدفاع دوراً رئيسياً في تنظيم وتجهيز وتدريب والاشراف على الحرس الوطني السعودي (SANG) وهو (الجهاز الامني الداخلي للنظام). لقد بلغت المشاركة العسكرية الأمريكية في المملكة إلى مستوى جديد عام 1979م عندما حدثت ثلاثة امور وهي الاحتلال السوفيتي إلى افغانستان وسقوط الشاه في ايران واحتلال المسجد الحرام في مكة واستجابة لذلك اصدر الرئيس كارتر صيغة جديدة من السياسة الأمريكية وهي (ان اية حركة من القوات المعادية للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي تعتبر اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية وسوف تواجه بكافة الوسائل الممكنة والضرورية بما فيها القوات المسلحة). وهذا التصريح الذي يعرف الآن بمبدأ كارتر هو الذي حدد الاستراتيجية الأمريكية في الخليج منذ ذلك الوقت. ولتنفيذ هذا المبدأ اسس كارتر قوات الانتشار السريع وهي مجموع من القوات الأمريكية المقاتلة المتدربة والمستعدة للانتشار في الخليج الفارسي. وقد انضمت هذه القوات اخيراً تحت القيادة المركزية الأمريكية التي تدير الآن جميع العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة. كما قام كارتر بنشر السفن الحربية في الخليج واتخذ الترتيبات اللازمة للاستفادة من القواعد العسكرية في البحرين وديكوگارسيا (جزيرة تسيطر عليها بريطانيا في المحيط الهندي) وعمان والسعودية حيث تم استخدام هذه القواعد خلال حرب الخليج عام 1991م وهي حاضرة للاستخدام مرة اخرى في الوقت الحاضر. ولاعتقاده بأن التواجد الروسي في افغانستان يُمثل تهديداً للسيطرة الأمريكية على الخليج وافق كارتر على بداية العمليات السرية لاضعاف النظام الافغاني. (من الضروري القول بأن النظام السعودي قد ساهم بشكل كبير في هذه المحاولة بتقديم الدعم المالي الكبير للمقاتلين ضد القوات الروسية وسمحت لمواطنيها بما فيهم اسامة بن لادن للمشاركة في الحرب كمقاتلين وممولين. ولحماية العائلة المالكة وسع كارتر المشاركة الأمريكية في عمليات وفعاليات حماية الأمن الداخلي للمملكة. وبعد كارتر قام الرئيس ريغان بتسريع وتعجيل وتوسيع الدعم الامريكي السري إلى المجاهدين الافغان حيث وصلت قيمة الاسلحة التي اعطتها أمريكا إلى المقاتلين الافغان حوالي ثلاثة مليارات دولار. كما اصدر ريغان ملحقاً مهماً لمبدأ كارتر وهو (ان الولايات المتحدة لا تسمح بالاطاحة بالنظام السعودي بواسطة المعارضة الداخلية كما حدث في ايران وسوف لن نسمح بأن تكون (السعودية) ايران الثانية) حيث ابلغ الصحفيين بذلك عام 1981م. ثم جاءت حرب الخليج عندما احتل صدام الكويت في الثاني من شهر آب عام 1990م. كان الرئيس بوش (الاب) قلقاً على السعودية وليس على الكويت. فقد ذكر في لقاء له في كامب ديفيد في اليوم الرابع من شهر آب ان على الولايات المتحدة ان تقوم بعمل عسكري فوري لحماية السعودية من هجوم عراقي محتمل ضدها لذا ارسل وزير دفاعه (دك چيني) إلى السعودية لاقناع العائلة المالكة بالسماح بانتشار القوات البرية الأمريكية على اراضيها واستخدام القواعد الأمريكية المشاركة في عملية عاصفة الصحراء ولكن الجدير بالملاحظة هو ان القوات المسلحة الأمريكية لم تنسحب بالكامل من الاراضي السعودية بعد انتهاء حرب الخليج وانسحاب العراق من الكويت. فقد استمرت الطائرات الحربية الأمريكية بالتحليق من القواعد العسكرية السعودية لتطبيق عملية فرض حظر الطيران العراقي في الجنوب حتى لا يستطيع النظام العراق ضرب الثوار الشيعة في البصرة أو اسناد اجتياح جديد للكويت، كما شاركت الطائرات الأمريكية أيضاً في الجهود الدولية لاستمرار فرض العقوبات الاقتصادية على العراق. كما قام الرئيس كلنتون بتقوية التواجد الامريكي في الخليج حيث وسع المنشآت العسكرية هناك وعزز من قابلية القوات الأمريكية في التحرك السريع في المنطقة. كما وسع النفوذ الامريكي في بحر قزوين ـ المنطقة الغنية بالطاقة والتي تقع إلى الشمال من الخليج الفارسي. القسم الثالث لقد ظهرت عدة نتائج من كل ذلك. فلقد سبب فرض العقوبات على العراق معاناة كبيرة للشعب العراقي، في حين حصدت القنابل ارواح المدنيين العراقيين، بينما فشلت أمريكا في ردع العنف الاسرائيلي ضد الفلسطينيين. ان هذه الامور قد حفزت الشباب المسلم للانضمام إلى ابن لادن، من ناحية ثانية فان ابن لادن نفسه يهتم كثيراً بشأن السعودية. فقد ركزّ جهوده بعد حرب الخليج لتحقيق هدفين وهما طرد الكفار الأمريكان من السعودية والاطاحة بالنظام السعودي الحالي واستبداله بنظام يتناغم اكثر مع معتقداته وآرائه المتطرفة. لقد وضع هذين الهدفين ابن لادن في صراع مباشر مع أمريكا وهذه الحقيقة تفسر الهجمات الارهابية ضد المنشآت والموظفين العسكريين الأمريكان في الشرق الأوسط والرموز الرئيسية للقدرة الأمريكية في نيويورك وواشنطن. لم تبدأ الحرب الحالية في (11) أيلول بل بدأت عام 1993م مع أول هجوم على مركز التجارة العالمي، ثم تبعه الهجوم على منشآت الحرس الوطني في الرياض عام 1995م، وتفجير ابراج الخبر عام 1996م ثم تفجير سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا عام 1998م ثم الهجوم الاخير على الباخرة الأمريكية (كول). كل هذه الاحداث قد توافقت مع الاستراتيجية الطويلة الامد لاضعاف التحالف الامريكي السعودي وبالتالي تدمير التحالف المتين الذين اسسه الرئيس روزفلت مع الملك عبد العزيز بن سعود. لقد عملت أمريكا في صراعها مع هذه المحاولات. على حماية نفسها ومواطنيها وقواتها العسكرية من الاعمال الارهابية، وفي نفس الوقت قوت واسندت موقعها الاستراتيجي في الخليج الفارسي. ومع عدم وجود ابن لادن في المعادلة ومعاناة ايران من الاضطرابات السياسية الداخلية وامكان شل حركة صدام حسين بواسطة الضربات الجوية الأمريكية يمكن ضمان الهيمنة الأمريكية على الخليج. ان احد مخاوف واشنطن هو ان النظام الملكي السعودي سيواجه المعارضة الداخلية المتزايدة بسبب علاقته القوية مع أمريكا ولهذا السبب لم تضغط ادارة بوش كثيراً على النظام للسماح باستخدام القواعد الجوية السعودية لضرب افغانستان وتجميد المؤسسات السعودية المالية المرتبطة بابن لادن. لذا فان لهذا الصراع ابعاد جغرافية سياسية مهمة لكلا الجانبين. فقد يقوم النظام السعودي الجديد الذي يديره ابن لادن بقطع جميع الروابط مع شركات النفط الأمريكية ويتبنى سياسات جديدة فيما يتعلق بانتاج النفط وتوزيع الثروة النفطية للبلد وهذه السياسات تسبب نتائج سيئة ومدمرة للاقتصاد الامريكي والعالمي، وبالطبع فان أمريكا تقاتل من اجل منع حدوث ذلك. لم يعترف الرئيس بوش بدور الجغرافية السياسية التقليدية للحرب في السياسة الأمريكية التي اطلقها ضد الارهاب. كما امتنع ابن لادن من التحدث في هذه المواضيع. ولكن تبقى الحقيقة قائمة بأن هذه الحرب ـ مثل حرب الخليج التي سبقتها ـ تستمد جذورها من المنافسة الجغرافية السياسية القوية ـ وفي ظل المحيط السياسي الحالي يكون من الصعب الغور بعمق في هذه القضايا ـ لقد سبب ابن لادن ومجموعته جرحاً عميقاً لأمريكا في الوقت الذي تعطي فيه أمريكا الاولوية لمنع حدوث هجمات ارهابية اخرى. لذا فان من بين الاسئلة التي ربما تطرح عند هذه المسألة هو هل ان تشجيع الديمقراطية في السعودية يساعد بشكل افضل على خدمة المصالح الأمريكية الطويلة الامد في السعودية؟ بالتأكد إذا سمُح للمواطنين السعوديين بالمشاركة في الحوار السياسي المفتوح، فان قليل منهم سوف يتجه إلى مبدأ ابن لادن في العنف ومعاداة أمريكا. قوى دولية جديدة ومصادر تهديد قادمة(6) التهديد الأول الذي أراه، على صعيد العلاقات الدولية، هو اننا لم نعان يوماً التردد والاضطراب اللذين نعانيهما اليوم. فمن وجه، تذهب التقارير والدراسات الى أن عدد الحروب، بين الدول والأهلية على حد سواء، يتناقص، والحال الاقتصادية العامة، في 2005، تتحسن، والدولار لم يصبه الانهيار، على خلاف توقع عام تقريباً. ولكننا، من وجه آخر، أسرى القلق والخوف من أن يؤدي عمل إرهابي كبير الى تدهور الأوضاع جملة وعموماً. فالإرهاب والانتشار النووي خطران قائمان ووشيكان . وعلى رغم هذا، فالسياسة الأميركية تعود الى نهج جغرافي – سياسي تقليدي، بعد نهج «الحرب على الإرهاب» الذي ولدته هجمات 11 أيلول (سبتمبر). ففي منطق الحرب العامة هذه، أشاحت الولايات المتحدة بنظرها عن المنازعات بين القوى الكبيرة، وافترضت أن جبهة مرصوصة حلّت محل المنازعات الجانبية. واليوم، يولي الأميركيون الصين، وعلاقاتهم بها، العناية والاهتمام، شأنهم في علاقاتهم بروسيا. وهم يناقشون مسائل معروفة وقديمة مثل مسألة الموارد الطبيعية أو الطاقة. والترجح بين النهجين، نهج صدارة الحرب على الإرهاب المعمل الأول، ونهج صدارة العلاقة بالصين، يقسم الإدارة الأميركية والمحللين. وعلى هذا، فمصادر التهديد الجديدة لا تحجب صور التهديد التقليدية، الجغرافية السياسية. وبعض هذه تزيا بزي حرب باردة مع بوتين، وفي صدد أوكرانيا. ولعل 2005 هي سنة إدراك المخاطر غير السياسية مثل تغير المناخ، والأوبئة، وانفلونزا الطيور، أو مثل الهجرات واضطرابات الضواحي الناجمة عنها. ولا تبدو صيغ الرد على التحديات هذه، جديدها وقديمها، مستوفية شروط الإلمام بها والاقناع. فلا الامبراطورية الأميركية الرؤوفة، ولا تعدد الأقطاب الأوروبي، ولا سلطة القانون الدولي، أجوبة شافية، فالولايات المتحدة في وضع دفاعي، وتعدد الأقطاب الدوليين قد يكون قائماً وسارياً وإنما مع الصين والهند وليس مع أوروبا واليابان على ما كان مأمولاً. ومثالات الدمج (الإدماج) الداخلي تعاني أزمة في الولايات المتحدة (أنظر نيو أورليانز) وفرنسا (الضواحي) وأوروبا عموماً. ولا شك في أن كوريا الشمالية تملك السلاح النووي. وفي 1945، قدرت التوقعات تسلح نحو 100 دولة بالسلاح النووي في 1980. واحتسب المحللون انفجار قنبلة، مصادفة، في غضون عشرة الى عشرين عاماً. ولم يحدث شيء من هذا. ولكن الخوف من المستقبل يتعاظم. وفي شأن انفلونزا الطيور أو في شأن الإرهاب، يعظّم الرعب إمكانُ أو احتمال الكوارث الآتية. ولا يلجم الرعب أو يكبحه ضآلة المفاعيل الحقيقية والمشهودة (وهي ضآلة نسبية، طبعاً). وقد يجوز الشك في تشخيص طور جديد، أو نوعي، من الإرهاب. والكلام على إخفاق الإرهاب (في إسقاط أنظمة شرق أوسطية) لا يطعن في حقيقة تهديد ينجم عن حلف التعصب والتكنولوجيا القذرة. ولا يبعد أن يعمد إرهابيون الى استعمال سلاح غير تقليدي. فما السبيل الى ترتيب مصادر التهديد وأشكاله؟ فربما تقدمت انفلونزا الطيور، وآثارها، القنبلة الإيرانية. وإذا الفيروس لم ينقلب من إصابة الدواجن الى عدوى البشر، فهو، على ما يقدر أهل الاختصاص، قد ينجز انقلابه، ويقضي، تالياً، على عدد كبير من الضحايا. والقنبلة النووية تنطوي، من غير شك، على خطر انتشار التسلح النووي في الشرق الأوسط، وعلى استعمال عدواني قد يلجأ اليه أحمدي نجاد ويستهدف به إسرائيل. ولكن امتلاك إيران القنبلة، على مدى طويل، أكيد على ما أرى. وثمة حظوظ غالبة في انضواء غيران، في ظل حكومة أخرى، تحت منطق الردع المتبادل. والحق أن القنبلة أفضت الى التوازن الهندي – الباكستاني. وتكاد بلدان الجنوب تجمع على ان الولايات المتحدة وأوروبا، وهما تملكان القنبلة الذرية وتريدان حظر امتلاكها على الدول الأخرى، لا تتمتعان بالسلطة ولا بالحق المشروع والقانوني في حظر امتلاكه. والأرجح ان تؤدي العقوبات الاقتصادية، ويؤدي قصف المرافق الإيرانية، الى توحيد السكان على مطلب امتلاك القنبلة. ويشفع بالمطلب هذا ويقويه جوارُ إيران (روسيا وباكستان وإسرائيل وأميركا في العراق) النووي. وليس تهديد الصين – تايوان أقل شأناً. ففي غضون عشرة أعوام يسع الصين اجتياح الجزيرة، فماذا تفعل الولايات المتحدة إذ ذاك؟ هل ترد بحرب أميركية – صينية أم لا؟ فالفحص احتمالي محض في مثل هذه المسائل. وكلامي على عودة الجغرافية السياسية ينبغي ألا يفهم منه إغفال التغير العميق الذي طرأ على علاقات الدول بعضها ببعض جراء الاتصالات والتهاب الأهواء والخوف والضغينة. والسبب في عجز الولايات المتحدة عن الاضطلاع بدور إمبراطوري هو تململ المجتمع الأميركي، ومبادرته الى المحاسبة والمراقبة في أعقاب تزايد الخسائر البشرية، وبث صور أبو غريب. وانتهاج الصين توسعاً اقتصادياً مسالماً الى اليوم، قد لا يتعدى التزام رأي ينسب الى دينغ شياو بينغ (صاحب سياسة الاصلاح في 1978) ذهب الى ان على الصين، في الخمسين سنة الآتية، التحول الى قوة كبيرة تحترم، وبعدها لكل حادث حديث. وبيت القصد هو «بعدها». ولا ريب في أن قادة الصين يمزجون الرأسمالية والتسلط والقومية معاً. وهذه حال روسيا. فسلطة بوتين تجمع الشدة والفظاظة الى نهج المافيا، وتداعب الحنين الى الامبراطورية، وتلوح بالحصار. ويرمي بوتين الى السيطرة على بلدان الاتحاد السوفياتي سابقاً، والتوسل الى غايته هذه بسلاحي الطاقة والقوة العسكرية. الجغرافيا السياسية في بحر الخزر(7) إيران وتطورات الجغرافيا السياسية في بحر الخزر من الأهمية بمكان إدراك حقيقة أن السياسات غير الفاعلة التي اتخذتها بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية في بحر الخزر قد أضرت ضررًا بالغًا بالمصالح القومية الإيرانية. وعلى الرغم من تغير الجغرافيا السياسية للمنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور الجمهوريات المستقلة، فإن انتهاك حقوق إيران في بحر الخزر مازال مستمرًا. وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفيتي السابق قد اعترف رسميًا بمقتضى اتفاقيتي 1921 و1940 بأن بحر الخزر هو بحيرة مشتركة بينه وبين إيران، إلا أنه لم يكن يحترم حقوق إيران في هذا البحر مطلقًا. على سبيل المثال، لم يكن مسموحًا لإيران بالوجود العسكري في بحر الخزر، بل إنها لم تتمكن من القيام بعمليات التنقيب عن النفط واستخراجه من منطقة مازندران. وفي سنة 1921 وقَّع الاتحاد السوفيتي مع إيران اتفاقية عرفت بـ "معاهدة الصداقة" وقد ألغت هذه المعاهد مواد معاهدة تركمنشاي التي وُقِّعت عام 1828 والتي انتهكت فيها أيضًا حقوق إيران، كما تناولت أيضا حق الملاحة بالنسبة لإيران والاتحاد السوفيتي. وتم أيضًا توقيع معاهدة 1940 بين طهران وموسكو خلال العام الثاني من الحرب العالمية الثانية، وفي هذه المعاهدة تم التأكيد ثانية على حق البلدين في الملاحة في هذا البحر بشكل مشترك. ومع هذا لم يكن لإيران في تلك الفترة أي نوع من الملاحة في هذا البحر. وتمكن الاتحاد السوفيتي بهذه المعاهدة من وقف المد الإيراني في بحر الخزر كما سيطر على كل المياه الإيرانية عن طريق قواعده البحرية في هذا البحر. وبعد ذلك بعام أي سنة 1941 احتل الاتحاد السوفيتي إيران وذلك بالتنسيق مع بريطانيا، وقاما بنفي رضا شاه، وأعلن الاتحاد السوفيتي رسميًا احتلال أذربيجان الإيرانية، وكانت محافظتي جيلان ومازندران محتلة بالفعل، وبعد الحرب لم يكن الاتحاد السوفيتي مستعدًا لسحب قواته فاتخذت إيران عدة اجراءات خاصة في الأمم المتحدة، وبمساندة الولايات المتحدة أجبرت الاتحاد السوفيتي على الخروج من الأراضي الإيرانية، وأجلت موسكو خروج قواتها من أذربيجان الإيرانية لحين الحصول على امتيازات التنقيب عن نفط الشمال الإيراني. وتوجه قوام السلطنة رئيس الوزراء في ذلك الوقت إلى موسكو، ووعد الاتحاد السوفيتي بالحصول على امتياز التنقيب عن نفط الشمال بشرط موافقة المجلس الوطني الإيراني. وعلى هذا سحب الاتحاد السوفيتي قواته من الأراضي الإيرانية، لكن المجلس الوطني الإيراني لم يوافق على منح امتياز نفط الشمال للإتحاد السوفيتي، بل منحت الحكومة الإيرانية امتياز استخراج النفط الشمالي لشركة اكسيدنتال الأمريكية وذلك في بداية عقد الخمسينيات. واكتشفت هذه الشركة خلال هذه الفترة النفط في نورمازندران، وبدأت عملية الاستخراج، لكن الاتحاد السوفيتي مارس ضغوطًا حالت دون استمرار هذا العمل. وفي تلك الفترة استزرع الاتحاد السوفيتي في بحر الخزر نوعًا من السمك يدعى "كفال" وهذا النوع ذو قيمة غذائية منخفضة لكنه سريع التناسل. كان هذا النوع يلتهم بيض السمك الأبيض والسلمون الذي كان يشتهر به بحر الخزر، مما أدى إلى اندثار هذين النوعين اللذين كانا يتمتعان بقيمة غذائية عالية جدًا، وضرب الاتحاد السوفيتي عرض الحائط بكل القواعد القانونية، بل لم يستشر إيران في أية اجرءات كان يتخذها بشأن بحر الخزر، كذلك أيضًا عندما تلف خط أنابيب الخزر ـ باكو وتسربت كميات كبيرة من النفط الخام إلى مياه البحر، لم يلتفت زعماء الاتحاد السوفيتي إلى هذا التلوث الخطير إلا بعد عدة أشهر، ولم يلقوا بالاً لأي اعترض إيراني. وبهذا الشكل بات واضحًا أنه مع انهيار الاتحاد السوفيتي لم تتحرر الدول الأربع روسيا وقزاقستان وتركمانستان وأذربيجان فقط، بل كان هذا الانهيار سببًا في تخلص إيران من اعتداءات تلك الدولة. ومع تطور النظام الدولي عقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، بدأت الولايات المتحدة مساعيها الواسعة النطاق لبلورة نظام دولي أحادي القطبية. وفي هذا الصدد اعتبرت الولايات المتحدة أن بحر الخزر يعد أحد أهم منطقتين للطاقة في العالم في القرن الـ 21وأعطت له أهمية قصوى. وكانت هذه النظرية الجغرافية السياسية سببًا في إعلاء قيمة موقع بحر الخزر وتنازع الدول المشاطئة له على تقسيم ثرواته. وفي ظل تحول بنية النظام الدولي أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب أكثر توازنًا سيصبح من الأهمية بمكان استقرار منطقة بحر الخزر الجديدة كنطاق جغرافي يحظى بمكانة عالمية. ومع انتشار عولمة اقتصاد السوق الحرة، التي صاحبت انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وظهور دول جديدة في منطقة بحر الخزر، سارعت شركات النفط والغاز الغربية في سباق محموم إلى هذه المنطقة لاستغلال ما فيها من ذهب أسود، وقد عقدت هذه الشركات في حقبة التسعينيات، متجاهلة أنه لا زالت هناك صعوبات قائمة أمام ترسيم الحدود البحرية بين الدول المشاطئة لبحر الخزر، اتفاقيات مع الجمهوريات الناشئة في المنطقة مثل قزاقستان وتركمانستان وأذربيجان، وبدأت عملية التنقيب بمجرد حصولها على الامتياز. على أية حالة، وبالنظر إلى ما قيل، فإن الهدف من هذه الدراسة هو رسم إطار عام لمحددات الجغرافيا السياسية التي لها تأثير على العلاقات الدولية داخل منطقة بحر الخزر وعلى أطرافها، بل وعلى قضية النظام القانوني لهذا البحر، والتي ما زالت تعتبر المحرك الأساسي للعلاقات السياسية في هذه المنطقة. البعد الجغرافي السياسي: من زاوية الجغرافيا السياسية تعد منطقة بحر الخزر منطقة شاسعة تمتد من القوقاز في الغرب حتى آسيا الوسطى في الشرق ويقسم بحر الخزر هذه المساحة الشاسعة إلى شطرين، وفي الوقت نفسه يربطهما ببعض. بعبارة أخرى من الممكن اعتبار القوقاز والخزر وآسيا الوسطى منطقة جغرافيا سياسية خاصة، يطلق عليها اسم" الخزر ـ آسيا الوسطى" . ومن وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية يعد بحر الخزر أحد منطقتين هامتين بإمكانهما تلبية الطلب العالمي المتزايد بالنسبة للطاقة، ولهذا يجب أن تكون لها سيطرة مؤثرة في تلك المنطقة، والمنطقة الأخرى هي الخليج (الفارسي). وقد دارت أحاديث وتقديرات كثيرة حول الاحتياطي الموجود في بحر الخزر فهناك رأي يقول أن حجم هذا الاحتياطي يبلغ 200 مليار برميل، وهناك رأي آخر يقول أن هذا الاحتياطي يبلغ ما بين 30 إلى 40 مليار برميل, أما الرأي الذي قالت به كثير من الشركات فهو أن هذا الاحتياطي يبلغ 90 مليار برميل، ومع الأخذ في الاعتبار أن الدولتين الإقليميتين في منطقة بحر الخزر -أي روسيا وإيران- تمتلكان أكثر من 70% من احتياطي الغاز الطبيعي على مستوى العالم ادعى البعض أن بحر الخرز يمكن أن يخلق أهمية خاصة لهما في مجال تصدير الغاز، لكن الحقيقة غير ذلك لأن احتياطيات الغاز في كلا البلدين تقع في مناطق بعيدة عن منطقة بحر الخزر. وقد وصف بعض المفكرين الأمريكيين المنطقتين المنتجتين للطاقة، الخليج ( الفارسي ) وبحر الخزر، بأنهما "مخزن الطاقة الاستراتيجي" وأن إيران تقع في وسطه. ويعتبر البعض الآخر أن هذه المنطقة هي منطقة قلب الأرض "الهارتلاند" الجديدة وأنه سيكون لها تأثير كبير على الجغرافيا السياسية في القرن الـ21. وقد وضع هذا التشخيص الجغرافي السياسي الأمريكي إيران في قلب الهارتلاند الجديدة، وخلق لإيران أهمية جغرافية سياسية عظمى. وكان هذا الموقع الاستثنائي الذي رسمته الولايات المتحدة الأمريكية حساسًا وخطيرًا لدرجة أنها تسعى للهروب منه. وهناك عامل مهم كان سببًا في تأخر إدراك الولايات المتحدة لمكانة إيران الجغرافية التي لا نظير لها في منطقة بحر الخزر، وهو محاولات تركيا لإقحام نفسها في شئون منطقة الخرز ـ آسيا الوسطى عن طريق عزل خصم جغرافي عنيد مثل إيران، وذلك من خلال دعم علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل, وتكوين تحالف معادٍ يضم كل من جمهوريات آسيا الوسطى، وعلى مدى ما يقرب من عقد من الزمان ألقت التهديدات الاستراتيجية الإقليمية من جانب الولايات المتحدة بظلالها على المنطقة، وهذه التهديدات من شأنها أن تزيد الإحساس بالاضطراب في المنطقة، ومع هذا حالت فطنة طهران دون وقوع هذه التهديدات، وعلاوة على عمليات التنقيب المحدودة، حيث كونت إيران مع روسيا وأذربيجان شركتين للتنقيب عن البترول في بحر الخزر سنة 1995، فإن قيام تعاون قوي بين إيران وأذربيجان في بحر الخزر هو نتيجة طبيعية للعلاقات التاريخية والثقافية بين البلدين وهو نتيجة حتمية للجوار الجغرافي بين البلدين. إلى جانب ذلك، فإن الاشتراك في مشروعات مائية على نهر أرس الذي يقع على الحدود بين البلدين يمكن أن يدعم من هذا التعاون. على أية حال، من وجهة نظر الجغرافيا السياسية، لابد من قيام تعاون بين إيران وأذربيجان والاستفادة من العلاقات التاريخية والثقافية والدينية والجغرافية والثروات والأنشطة الاقتصادية المشتركة بينهما. فمصلحة البلدين تتطلب التعاون والتقارب بينهما. من روسيا إلى العراق.. جغرافيا سياسية جديدة(Cool بعد طول سنين، توقف الجغرافيون أخيرا عن مناقشة تلك النظرية التى سادت أروقة البحث منذ العام 1943 والمعروفة باسم نظرية قلب الأرض Heartland. وفي هذه النظرية يفترض الجغرافي البريطاني ماكيندر بعد وزنه للقوى الإستراتيجية عبر التاريخ أن الصراع بين القوى البرية والبحرية لا بد أن ينتهي بالسيطرة على روسيا التى تجسد قلب العالم، ومن يمسك بهذا القلب فقد تحكم فى نبضات الأرض وتدفق دمائها. صحيح أن انهيار الاتحاد السوفياتي فى العام 1991 كتب نصف النهاية لنظرية قلب الأرض وما شابها من تحليلات جيوإستراتيجية، إلا أن توسع حلف الناتو في السنوات الخمس الفائتة وخططه للسنوات الخمس المقبلة لم يكتب بقية النهاية فحسب، بل نقل الشرق الأوسط وجنوب آسيا من منطقة ارتطام بين القوى البرية والبحرية إلى منطقة قلب جديدة يقول واقعها إن من يسيطر على الشرق الأوسط "الكبير" يتحكم في قلب العالم ومن ثم فى نبضاته الأيديولوجية وتدفق نفطه وثرواته. ولأن غياب العدو أشد خطرا على طموحات الإمبريالية من وجوده، فإن العثور على العدو -أو حتى اختراعه- كان حتميا ليخرج الناتو من ارتباك الأهداف التى حددها لنفسها وأدهشت المراقبين لتاريخ الحلف، كتوفير الأمن للأولمبياد الرياضية وحماية مراسم وفعاليات كأس العالم لكرة القدم، بالإضافة إلى أهداف أخرى كدعم الديمقراطية فى الدول الصديقة من كوسوفو إلى كابل. بل إن الحلف شغل نفسه -مع اختفاء العدو- بقضايا كان ينشغل بها البوليس الدولي، كمحاربة عصابات تهريب المخدرات والجريمة المنظمة، غير أن الناتو سرعان ما استفاد من تداعيات أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 وألبس جلباب إمبراطورية الشر السوفياتية لكائن هلامي يمتد من الفلبين في الشرق إلى سواحل الأطلسي في الغرب. http://spolitique.forumotion.net/ و