مجمع البيان في تفسير القرآن(كامل)

مجمع البيان في تفسير القرآن(كامل)

مجمع البيان في تفسير القرآن(كامل)

رقم الطبع :

الاولى

مكان الطباعة :

بيروت - لبنان

عدد المجلدات :

1

(0 الأصوات)

QRCode

(0 الأصوات)

مجمع البيان في تفسير القرآن(كامل)

  • مقدمة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم
  • الحمد لله الذي ارتفعت عن مطارح الفكر جلالته، وجلت عن مطامح الهمم عزته، وتعالت عن مشابهة الأنأم صفته، وأعجزت مدارك الأفهام حكمته، وفاقت مبالغ الأوهام عظمته، الذي له في كل ما رأته الأبصار اللاحظة، وذكرته الألسن اللافظة، وبلغته العقول الزاكية، وعرفته القلوب الواعية، آيات واضحة على وحدانيته، ودلالات ناطقة على ربوبيته، الواحد لا ثاني له في القدم، والمحدث للأشياء بعد العدم، أنشاها بلا طوية ولا روية آل إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها. هو الظاهر عليها بسلطانه وقدرته، الباطن لها بعلمه ولطيف صنعته. الأول الذي لا يقدمه قبل، الآخر الذي لا يعقبه بعد. لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد. أحمده على آلائه المتوالية المتظاهرة، ونعمه الباطنة والظاهرة، حمدا يستدر شآبيب جوده الهاطلة، ويمتري اخلاف فضله الحافلة، حمدا يدوم ولا يبيد، ويستدعي بمثله المزيد. وأشهد أنه الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. وأساله بأوضح بيان وأفصح لسان، أن يصلي على نبيه وصفيه، وحبيبه ونجيه، محمد سيد الأنبياء والمرسلين، وخير الأولين والآخرين، المؤكد دعوته بالتأييد، المخصوص شريعته بالتأبيد، نسخت بها شرائع الماضين، ولا نبي بعده إلى يوم الدين. وعلى آله وعترته المتفرعين من نبعته، المستودعين لحكمته، الحافظين لشريعته، أعلام الإسلام، وأئمة الأنام، ما اعتقبت الليالي والأيام، واختلف الضياء والظلام. ثم الحمد لله الذي أنزل القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، نورا يتوقد مصباحه، وضياء يتلألأ صباحه، ودليلا لا يخمد برهانه، وحقا لا تخذل أعوانه، وحبلا وثيقا عروته، وجبلا منيعا ذروته، وشفاء للصدور ليس وراءه شفاء، ودواء للقلوب ليس مثله دواء، وإماما يقتدي بسمته المقتدون، وعلما يهتدي بهداه المهتدون، جعله سبحانه لأفئدة الأئمة ربيعا مربعا، ولجنوب ذوي المحارب من الامة جنابا ممرعا، ففيه رياض الحكم وأنوارها، وينابيع العلوم بل بحارها، وأودية الحق وغيطانه، ومراتع العدل وغدرانه، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. (وبعد): فإن أحق الفضائل بالتعظيم، وأسبقها في استحقاق التقديم، هو العلم إذ لا شرف إلا وهو نظامه، ولا كرم إلا وهو ملاكه وقوامه، ولا سيادة إلا وهو ذروتها وسنامها، ولا سعادة إلا وبه صحتها وقوامها، به يكسب الإنسان رفعة القدر، وعلو الأمر في حياته. ويحوز جزيل الأجر، وجميل الذكر بعد وفاته. هو الصديق إذا خان كل صديق، والشفيق إذا لم يوثق بكل ناصح شفيق، والعلماء ورثة النبيين، وسادة المسلمين، والدعاة إلى الدين. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه لنا الثقات بالأسانيد الصحيحة مرفوعا إلى إمام الهدى، وكهف الورى، أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام، عن آبائه سيد عن سيد، وإمام عن إمام، إلى أن اتصل به عليه وآله السلام، أنه قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. فاطلبوا العلم من مظانه، واقتبسوه من أهله، فإن تعلمه لله حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة به تسبيح، والعمل به جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل الجنة، والمؤنس في الوحشة، والمصاحب في الغربة والوحدة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الاخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة تقتبس آثارهم، ويقتدى بفعالهم، وينتهى إلى آرائهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلاتها تبارك عليهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه. إن العلم حياة القلوب من الجهل، وضياء الأبصار من الظلمة، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ بالعبد منازل الأخيار، ومجالس الأبرار، والدرجات العلى في الآخرة والأولى. الذكر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، به يطاع الرب ويعبد، وبه يوصل الأرحام، ويعرف الحلال والحرام. العلم إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء، فطوبى لمن لم يحرمه الله منه حظه…