استقرار العائلة في الإسلام

الکاتب: الموضوع: المصدر: تاريخ: الشيخ وليد الساعدي العلوم الاجتماعية> الاسرة والمجتمع مواقع>اسلام تايمز 2012/8/9 » خلاصة : العائلة وحدة اجتماعية ذات أبعاد متنوعة، احتلت مكانة كبيرة لدى علماء الاجتماع لما تحمله من أهمية خاصة، فهي من جهة لها تأثيرات وعلاقة متبادلة بين الأسرة وغيرها من مؤسسات المجتمع الأخرى. ومن جهة أن هذه الوحدة الاجتماعية كانت موضوعاً للبحث الديني والقانوني والأخلاقي وغيرها من باقي العلوم النفسية والاجتماعية. نص المقال : يشكل الارتباط الطبيعي بين الزوجين ودور كل منهما في إشباع رغبات شريكه، تندرج في إطار تكاملهما، وتجعلها بحاجة أساسية لبعضها البعض؛ إذ يعد الواحد منهما جزءاً مكلما للثاني. ومما يكشف عن أن هذا الارتباط والحاجة المتبادلة بينهما تؤثر في جميع مجالات الحياة الفردية والاجتماعية. ولو دققنا في التدبير الإلهي لعالم الوجود، نجد أنه يلعب دوراً أساسياً في استقرار العائلة وتباتها وتماسكها، وهذا يحصل إذا اخذنا بعين الاعتبار شروط التأثير المرافقة لتأسيس العلاقة واستمرارها بشكل صحيح. وفي هذا الموضوع يشير العلامة محمد حسين البطاطبائي في تفسيره للآية (كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) النساء الآية 21. ويقول العلامة الطباطبائي ان المودة والرحمة بين الزوجين من الألطاف الإلهية الحكيمة، إذ يقول "إن كل واحد من الرجل والمرأة مجهز بجهاز التناسل تجهيزاً يتم فعله بمقارنة الآخر، ويتم بمجموعها أمر التوالد والتناسل، فكل واحد منهما ناقص في نفسه، مفتقر إلى الآخر، ويحصل من المجموع واحد تام، له أن يلد وينسل ولهذا النقص والافتقار يتحرك الواحد منهما للآخر ... ومن أجل موارد المودة والرحمة في المجتمع المنزلي؛ فإن الزوجين يتلازمان بالمودة والمحبة وهما معا، وخاصة الزوجة، يرحمان الصغار من الأولاد لما يريان من ضعفهم وعجزهم عن القيام بواجب العمل رفع الحوائج الحيوية". تفسير الميزان ج16 ص166. كما أن التفسير الغائي يبين أن التجارب تكشف عن ان الرباط العائلي المنسجم والمستقر يرتبط بمجموعة من العوامل الفردية والاجتماعية من أهمها "حسن اختيار الزوجة"، وتعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل المؤثرة في مصير العائلة ومستقبلها. ويعتقد المختصون في أمور العائلة أن الكثير من المشكلات والاختلالات العائلية تنشأ بسبب ضعف الإطلاع والتسرع في اختيار الزوجة بسبب عدم الاطلاع الكافي وعدم الالتفات الى الخصائص الضرورية التي يجب أن تتوفر في شريكة الحياة (الزوجة). فتشير الشواهد الواقعية في مجتمعنا الإسلامي إلى أن عملية اختيار الزوجة تواجهها الكثير من الأخطار والمشكلات، وإن هذه المشكلات آخذت في التصاعد بسبب عدم القيام بتوعية الأفراد وإرشادهم إلى عملية اختيار الزوجة بشكل دقيق. ومما يدلل على أهمية مرحلة اختيار الزوجة، هي ما يقوله الكثير من الراغبين بالطلاق على أن سبب إقدامهم على الطلاق هو الاشتباه والخطأ في عملية اختيار الزوجة. وتتفاقم هذه المشكلة بصورة واسعة في مجتمعاتنا الإسلامية التي تتمتع بنسيج تقليدي وديني وثقافة معينة، فلم يتوقع أحد أن تشكل وتبنى عائلة متماسكة من خلال لقاء وتعارف في حديقة أو شارع او ما شابه ذلك بين شخصين. فهذه الأساليب الضعيفة تسبب في إنهيار العائلة. وتشجع الآيات والروايات أهمية خاصة للمشاورة بشكل عام، وتؤكد ذلك في مسألة الزواج، وفي سيرة الرسول والأئمة عليهم السلام نماذج عديدة في هذا الخصوص، لا بل قد يشجع الإسلام بعض الأعمال كاللقاء المباشرة للإطلاع على وخصائص الطرف المقابل. لأن مرحلة الخطوبة تعتبر في حد نفسها مرحلة هامة في تعرف الطرفين إلى بعضهما إذا كانت وفق الموازين الشرعية المنصوص عليها. وقد رفض الإسلام لجوء أي طرف إلى الوسائل التي تساهم في تحريف الواقع في عملية اختيار الزوجة، فذكرها تحت عنوان "التدليس" بل أعطى الطرف المقابل حق الفسخ في حال حصول أمر التدليس. واشترط الإسلام إذن ولي أمر الفتاة التي تريد الزواج باعتبار أنها لا تمتلك الإمكانيات اللازمة والضرورية للتعرف إلى الزوج، وأيضاً نظراً لزيادة الاطمئنان والثقة، ولأن ولي الأمر أكثر قدرة على إتخاذ الموقف السليم تجاه هذه المواضيع المهمة والمصيرية التي تحدد مستقبل الحياة للفتاة. كما أن سؤال ولي أمر الفتاة عن الشخص الذي يريد الزواج منها، هي عملية تساهم في انخفاض الخطأ في الإختيار إلى مستويات كبيرة ويندرج هذا في توفير المعلومات الكافية للفتاة عن شريك حياتها، التي لا تتمكن هي بسهولة من معرفتها بسبب العائدات الاجتماعية التي تحيط بها. فهم مسؤولية الأسرة إن تعريف الرجل والمرأة بدورهما في عملية بناء وتشكيل الأسرة هي من الأمور المؤثرة في وضع العائلة واستقرارها، فلا شك أن بعض المهارات لها وثيقة بدور الزوج والزوجة أي الأب والأم، ومن ذلك التعرف إلى الجوانب الإيجابية والسلبية في العلاقة الزوجية، وهذا يعد من أهم لوازم إقامة هذه العلاقة؛ إذ إن الرجل والمرأة عندما يقرران الزواج يحب أن يعلما أن العلاقة الزوجية تؤدي إلى الخروج من عالم الوحدة التي تحمل في طياتها مسؤوليات ووظائف جديدة على الطرفين. كما إن إقامة حلقات تدريسية للزوجين قبل الزواج من قبل الجهات الرسمية وغيرها ستوفر الأرضية المناسبة والضرورية للتآلف مع الدور المتوقع للزوج والزوجة. وعلى أي حال فإن التنشئة الاجتماعية المناسبة للأفراد في مراحل الحياة الأولى، ومن خلال تحصيل الاستعدادات الضرورية لدخول مرحلة تأسيس العائلة تعد من أهم الأمور التي تساهم في الانسجام بين الزوجين وبالتالي إنسجام الأسرة. كما أن مواجهة الغزو الثقافي الذي تشنه الماكنات الإعلامية الغربية والعربية هي تساهم في عملية تهديد وحدة العائلة وتجعلها في مهب مخاطر عديدة، ومن بينها المسلسلات التركية والغربية التي أصبحت مشكلة خطيرة على مجتمعاتنا الإسلامية. فلم تراعي تلك الجهات الإعلامية حتى حرمة شهر رمضان في بث ما يخدش الحياء والكرامة الإنسانية. بل ما نراه ان هناك تسابق فيما بين القنوات الفضائية في بث ما ينافي حرمة وقدسية شهر رمضان المبارك، فإن المئات من القنوات تبث اليوم عشرات المسلسلات التي لا تهدف إلا إلى تهديم الأسرة وانحرافها وهنا يبرز دور الأبوين في عملية مراقبة ما تبث تلك القنوات المغرضة في الحد من هذا الهجمة التي تريد غزو عقول أطفالنا وشبابنا من الآن حتى تكون عملية بناء الأسرة وهدمهما في المستقبل سهلة وبأقل كلفة.