الإمداد الغيبي في الجهاد
الإمداد الغيبي في الجهاد
0 Vote
95 View
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾1. توضيح المعاني: ﴿أَذِلَّةٌ﴾: ضعفاء عن المقاومة، قليلو العدد والعدّة. الإشارات والمضامين: 1- النصرة الإلهية لمجاهدي معركة بدر: يبيّن الله تعالى في هذه الآية نصره لمجاهدي بدر بتقوية قلوبهم، وبما أمدّهم به من الملائكة، وبإلقاء الرُّعب في قلوب أعدائهم2. 2- انتصار المسلمين في معركة بدر برغم قلّة الإمكانات: جملة ﴿وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ تشير إلى امتلاك عِدّة وعُدّة أقلّ من العدوّ، وعدم امتلاك القدرة على المقاومة في وجه العدو3، حيث كان المسلمون يعدّون في معركة بدر ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً (مع القليل من العِدّة)، وكان المشركون نحواً من ألف رجل (مع الكثير من العِدَّة)4، ورغم ذلك فقد نصرهم الله على أعدائهم. 3- التوكّل على الله سبب إنزال النصرة الإلهية في معركة بدر: جملة ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ﴾، تدلّ على أنّ عامل الانتصار ببدر هو التوكّل على الله5. 4- سبق التقوى موجب لنيل المجاهدين النصر الإلهي: تفريع جملة ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ على بيان النصرة الإلهية في معركة بدر، أي جملة ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ﴾، بيان لسبب استحقاق المؤمنين لها، كما أنَّها تبيّن أنّ تقوى المسلمين في معركة بدر كانت السبب في جلب النصرة الإلهية لهم وانتصارهم فيها6. قال الله تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾7. في هذه الآية يُذَكِّر الله عزَّ وجلّ مجاهدي معركة بدر ببعض نعمه وإمداداته الغيبية. توضيح المعاني: ﴿يُغَشِّيكُمُ﴾: يغطيكم، بمعنى يجعلكم تنامون. ﴿أَمَنَةً﴾: أماناً من الأعداء. ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾: يشدّ على قلوبكم، بمعنى يشجّع قلوبكم ويزيدكم قوّة وثقة. الإشارات والمضامين: 1- غلبة النعاس على المجاهدين قبل المعركة مددٌ غيبي: الضمير في "منه" عائد على الله، ومعنى الآية: أنّ النصر، والإمداد بالبُشرى، واطمئنان القلوب،- (المشار إليه في الآية السابقة) -، كان في وقت أخذكم النعاس، -بسبب الأمن الذي أفاضه الله على قلوبكم-، فأصابكم النعاس وهو أول النوم وهو خفيفه8، ولو كنتم خائفين مرتاعين لم يأخذكم نعاسٌ. 2- تأثير السِنه والاستراحة على أداء المقاتلين: من نتائج نعاس المجاهدين في معركة بدر، أن قوّاهم الله، - بواسطة هذه الاستراحة -، على قتال العدو9، فإفاضة الله النعاس على قلوبكم هو من الأمن، والإطمئنان الذي أنزله الله عليكم، (وهذا بالطبع يرتب آثاره التكوينية الخارجية على صعيد المعركة)، ولو كنتم خائفين مرتاعبين لم يأخذكم نعاس ولا نوم10. 3- نزول المطر قبل معركة بدر إمداد غيبي: المراد من "الماء" المطر، فمن النعم والإمدادت الإلهية على مجاهدي بدر، نزول الأمطار، لأنّ المشركين سبقوا إلى موضع الماء، (واستولوا على الآبار، وهذا له آثار متعدّدة في أرض المعركة، فنزول المطر أفشل عملية ترتب هذه الآثار على المسلمين)، وقوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾11 يعني أن علة سقوط المطر هي لأجل دعم المسلمين بأمور متعدّدة أهمها: أ - تطهير مجاهدي بدر: إنّ عدم ذكر "متعلّق" الفعل "يُطَهِّرَكُم"، إشارة إلى عمومية هذا المتعلّق للنجاسات الظاهرة والباطنة12، فمن النجاسات الظاهرية: الطهارة من الحدث، والجنابة التي أصابت بعضهم. ومن النجاسات الباطنية دفع وسوسة الشيطان، والرجز هو الرجس والقذارة، والمراد برجز الشيطان: القذارة التي طرأت على قلوب المقاتلين من ووسوسته، وتسويله13، فبعد استيلاء المشركين على آبار بدر، استغلّ الشيطان قلّة الماء للوسوسة وتخويف المجاهدين14، فعدّ الله دفع هذه الوساوس من أهداف إنزال المطر، وإفشال مخطط المشركين ومخطط إبليس. ب - تشجيع وتقوية روحية مجاهدي بدر: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾ وهو كناية عن التشجيع15. وعليه يكون معنى الآية: ليشدَّ على قلوبكم، أي يشجِّعكم، ويزيدكم قوّة قلب، وسكون نفس، وثقة بالنصر16. ج - تلبيد الرمل الناعم: إن هاء "به" في جملة ﴿...وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾، تعود إلى المطر، على أحد الوجوه، وعلى هذا التقدير يكون معنى الآية: أنّ الله أنزل ذلك المطر ليُلَبِّدَ به رمل كثيب تحت أقدامهم، فتلبدت به أرضهم، وأوحلت أرض عدوهم17، (أي إنّ المشركين سيقوا إلى المكان الذي يمكن أن يؤمن النصر لهم من خلال الموقع القتالي، وظهر أن المسلمين في مأزق لاختيارهم موقعاً قتاليّاً حرجاً، ولكن الله تدخّل فأنزل المطر، فانقلبت الصورة والدائرة على المشركين، وهذا فيه معجزة واضحة تؤمن أحد عناصر الانتصار للمؤمنين). 4- دور العناصر الجوية والطبيعية في القتال: لا يجب اعتبار العوامل الطبيعية مثل المطر، النعاس و... أموراً من قبيل الصدفة18، فالآثار المتعدّدة لنزول المطر،- التي ذُكِرَت في الآية -، حاكية عن تأثير العوامل الجوية في مصير المعركة، مما يعني أن الله قد يسخّر قانوناً عاماً موجوداً في الطبيعة، يستفيد منه البر والفاجر، ضد أعدائهم الذين كانوا يستفيدون منه قبل ذلك، أي أن عناصر الطبيعة كالمطر، وأرض المعركة، والحالات الجسدية كالنعاس، والنفسية كالإطمنان وغيرها من الممكن أن تكون من عوامل النصر إلى جانب المؤمنين عندما يكون قتالهم في سبيل الله، ولإعلاء كلمة التوحيد. 5- لزوم استحضار الإمدادات الغيبية: من الممكن أن يكون العامل في جملة ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ﴾، فعل محذوف وهو (اذكروا)19. ففي هذه الحالة يوصي الله تعالى المؤمنين بذكر العوامل التي أدت إلى الإمدادات الغيبية، فساهمت في انتصار المؤمنين في معركة بدر، وأهم هذه العوامل هي الإخلاص والقتال في سبيل الله لإعلاء كلمة التوحيد. * كتاب آيات الجهاد، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. 1- سورة آل عمران، الآية 123. 2- تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 828. 3- م. ن، ج 2، ص828. 4- م. ن، ج 2، ص828. 5- تفسير راهنما، ج3، ص 46. 6- تفسير راهنما، ج3، ص 47-48. 7- سورة الأنفال، الآية 11. 8- تفسير الميزان، ج9، ص 18. 9- تفسير مجمع البيان، ج3، ص 808. 10- تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 808. 11- سورة الأنفال، الآية: 11. 12- تفسير راهنما، ج6، ص 433. 13- تفسير الميزان، ج 9، ص 21. 14- تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 808. 15- م. س، ج 9، ص 22. 16- م. س، ج 3، ص 809. 17- تفسير الميزان، ج 9، ص 22. 18- تفسير نور، ج 4، ص 297. 19- تفسير مجمع البيان ج 3- 4، ص 806. http://almaaref.org