الجهاد في الأمم السابقة

  قال الله تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾1. شرح المفردات: ﴿رِبِّيُّونَ﴾: فيها أقوال: الربيون جمع ربي، وهو كالرباني من أختص بربه، فلم يشتغل بغيره، ومنها أنّهم جموع كثيرة. ﴿وَهَنُو﴾: من الوهن أي الضعف، والضعف نقصان القوّة. ﴿اسْتَكَانُو﴾: خضعوا للعدو. الإشارات والمضامين: 1- القتال والجهاد في الشرائع السابقة: يُستفاد من الآية أنّ الجهاد،- فضلاً عن وجوده في الإسلام-، وُجد أيضاً في الشرائع السابقة, لأنّ كلمة ﴿كَأَيِّن﴾، تدلّ على أنّ الكثير من الأنبياء السابقين وأتباعهم كانوا يجاهدون الأعداء في سبيل الله. 2- دور أنبياء الله في الجهاد: بالنظر إلى كلمة ﴿مَعَهُ﴾، يُستفاد أنّ مجاهدي الأمم السابقة كانوا يشاركون في الحروب إمّا مع أنبياء الله، وإمّا تحت إشرافهم2. 3-خصائص المقاتل النموذجي في ساحة الحرب: المقاتل البصير لا يضعف على مستوى الروحية الداخلية ﴿وَمَا ضَعُفُو﴾، ولا يتقاعس عن القتال ﴿فَمَا وَهَنُو﴾، ولا خضعوا، ولا يستسلم، تحت الضغوط ﴿وَمَا ضَعُفُو﴾3. 4- وجوب الاقتداء بمجاهدي الأمم السابقة: عدَّدَ الله تعالى مواصفات أتباع الأنبياء السابقين حتى يعتبر المسلمون بها، ولا يُبتلوا مرةً أخرى بما أُصيبوا به في معركة أُحُد4. 5- التشجيع على الثبات في الحرب: من يصبر على تحمّل الشدائد في الحروب، ويثبت ولا يُظهر العجز، والضعف، والهوان، ولا يخضع للعدو أو يستسلم، فإن الله يحبه. ومن البديهي أن الله تعالى يحب مثل هؤلاء الأشخاص الذين يثبتون ويصبرون في القتال ﴿وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُو﴾5. قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾6. مضمون هذه الآية تكملة لمضمون الآية السابقة التي تحدّثت عن جهاد الربّيِّين, أي الربانيين (رجال الله). الإشارات والمضامين: 1- لزوم الاقتداء بمجاهدي الأمم السابقة: يريد الله تعالى من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند مواجهة الأعداء، أن يقولوا مقالة الربيين (رجال الله)7، بدل قولهم قولاً يدلّ على الضعف فيطمع الأعداء فيهم، وهي عبارة عن الدعاء والتضرّع في محضر الله، وطلب العفو، وتثبيت الأقدام، والانتصار على الكفّار. 2- تقدّم التوبة والاستغفار على طلب النصر من الله: في الآية طلب الربيون من الله تعالى غفران ذنوبهم أولاً، ومن ثم تثبيت أقدامهم، والنصر على القوم الكافرين، وهذا يعني أنّ التوبة والاستغفار مُقَدَّمَان على طلب النصر. 3- الدور البنّاء للدعاء في ساحة القتال: لا شك أنّ الدعاء والتوجّه إلى الله من العوامل التي تزيد في ثبات المجاهدين، وثبات إرادتهم، وزيادة قدرتهم على تحمّل مصاعب الحرب، ومن هنا قال علماء الأخلاق بأنّ المؤمنين أثبت من غير المؤمنين في الحرب8، ويبيّن الله تعالى في هذه الآية المباركة للمجاهدين كيفية الدعاء عند الشدائد سواء في القتال أو في المواقع الأخرى. 4- ساحة المعركة ميدان التزكية وبناء الذات: يُفهم من هذه الآية أنّ الذين تربّوا في مدرسة الأنبياء، عندما يواجهون الأعداء (الجهاد الأصغر)، لا ينسون جهاد النفس (الجهاد الأكبر). * كتاب آيات الجهاد، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. 1- سورة آل عمران، الآية 146. 2- الشيرازي، محمد الحسيني، تقريب القرآن إلى الأذهان، لبنان، بيروت، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، ج 1، ط 1، 2003م، ص 401. 3- م. ن، ج 1، ص 401. 4- الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، قم، مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، (د، ن)، ج 4، (د، ت)، ص 42. 5- الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، (د.م)، (د,ت)، ج 2، (د,ت)، ص 744. 6- سورة آل عمران، الآية: 147. 7- الطبرسي، تفسير مجمع البيان، لبنان، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ج 2، ط 1، 1995م، ص 412. 8- الشيرازي، تقريب القرآن إلى الأذهان، ج 1، ص 401. http://almaaref.org