جهاد الإمام السجاد(عليه السلام)

جهاد الإمام السجاد(عليه السلام)

جهاد الإمام السجاد(عليه السلام)

رقم الطبع :

الثانية

مكان الطباعة :

بیروت- لبنان

عدد المجلدات :

1

(0 الأصوات)

QRCode

(0 الأصوات)

جهاد الإمام السجاد(عليه السلام)

الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين محمد الرسول الصادق الأمين ، وعلى الأئمة الأطهار المعصومين من آله الأكرمين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . لماذا هذا الكتاب ? كثيرة تلك الكُتُب والمؤلّفات التي كُتِبَت حَولَ الإمام السجاد ، عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، زين العابدين (عليه السلام) المولود عام (38) والمتوفّى عام (95) من الهجرة . وقد عُني مؤلّفوها بجوانب من حياتِهِ الكريمة لتزويد الأُمّة بثرواتها من مكارم الأخلاق والآداب ، والمعارف والعلوم والآثار ، وما في تاريخه من عظاتٍ وعِبَر وجهادٍ وجهودٍ ، ليستنير أمَامَهَا دربُ الحياة ، للوصول إلى السعادة الدنيوية والأخروية . ولقد تبارى في هذا الموضوع الرحب مؤلّفون قدماء ، كما شارك في حَلَبته مؤلّفون في عصرنا الحاضر . وفي المؤلّفين الجُدُد مَن استهدف تحليل تاريخ الإمام ، ودراسة حوادثه على أساس من المقارنة بين الأسباب والمسبّبات ، ليقتنص حقائق ثابتة ، مدعوماً بالأدلّة ، من بطون المصادر والحوادث التاريخية . ولقد فوجئتُ بأنّ عِدّةً من الدارسين من هذا القبيل ، اتفقوا أو كادوا على مقولة مُعيّنَةٍ في ما يرتبط بواقِعِ الحركة السياسية في حياة الإمام السجّاد (عليه السلام) . فهم يؤكّدون على إبعاد الإمام عن الجهاد السياسي ويُفرغونَ حياته من كل أشكال العمل السياسي ، بالرغم من اختلاف اتجاهاتهم الفكرية وانتماءاتهم الدينية : ففيهم السُنّي ، والعلماني ، والشيعي : الزيدي ، بل الإمامي الاثنا عشري . وهم يحسبون الإمام قائماً بدور المُعَلّم فحسب في تربية الطليعة المثقّفة والواعية ، بعيداً عن الصراع السياسيّ ، ومنصرفاً عن أيّ تحرّك معارض للأنظمة الحاكمة ، ويُحدّدون واجباته بالإعداد الثقافي للأُمّة ، والتحصين لها عقائدياً ، وفقط . وحاول بعضُهم إجراء هذا الحكم على الأئمّة بعد الإمام السجّاد (عليه السلام) ، وفَرَضَهم سائرين على منهج واحد ، أو يؤدّون دوراً ، بِعَيْنِهِ . ولنقرأ معاً بعض ما كتبوه في هذا الصدد : تقول كاتبة جامعية : افتقدت الشيعة بمصرع الحسين الزعيم الذي يكون محوراً لجماعتهم وتنظيمهم ، والذي يقودهم إلى تحقيق تعاليمهم ومبادئهم ، وانصرف الإمام عليّ زين العابدين عن السياسة إلى الدين ، وعبادة الله عزّ وجل ، وأصبح للشيعة زعيماً روحيّاً ، ولكنّه لم يكن الثائر السياسي الذي يتزعّم جماعة الشيعة ، حتّى أنّه آثر البقاء في المدينة طوال حياته . وحاول المختار بن أبي عبيده الثقفي أن ينتزع عليّاً من حياة التعبيد ، والاشتغال بالعلم إلى ميادين السياسة ، دون جدوى (1) . ويقول كاتب شيعي : كانت فاجعة مقتل أبيه التي شاهدها ببصره أقسى من أن تتركه يطلب بعد ذلك شيئاً من إمارة الدنيا ، أو يثق في الناس ، أو يشارك في شأن من شؤون السياسة ، اعتكف على العبادة ... (2) . ويقول كاتب سُنّي : لكنّ الإقبال على الله واعتزال شؤون العالم ... كان منهجه في حياته الخاصة ، وطابعه الذي طبع به التشيّع الاثني عشري ، فاتجه إلى الإمامة ـــــــــــــــــــ (1) جهاد الشيعة للدكتورة الليثي (ص29) (2) نظرية الإمامة ، لصبحي (ص 349) عن كاظم جواد الحسيني : حياة الإمام علي بن الحسين (ص 320) وانظر ثورة زيد لناجي حسن (ص 30 ـ 31) . الروحيّة مبتعداً عن طلب إمامة سياسية (1) . ويقول كاتب يَمَنيّ : وفي تاريخ الشيعة كذلك نشأتْ نظرات مُتَخاذلة ، تولّدت من شعور بعض العلويّين وأنصارهم بالهزيمة الداخليّة ، وقلّة النصير ، وفجعتهم التضحيات الكبيرة التي قدّموها ، ففضّلوا السلامة . وقد وطّدتْ معركة كربلاء من هذا الاتجاه ، إذ كان تأثيرها مباشراً على عليّ بن الحسين الذي ابتعد من هول الفجيعة عن السياسة ، ونأى بنفسه عن العذاب الذي عاناه مَن سَبَقَه ، وعلى قريب من هذا النَهْج سار ابنه محمَد ، وحفيده جعفر (2) . وفي أحدث محاولة لتقسيم أدوار الأئمة (عليهم السلام) ، جُعِلَتْ حصّة الإمام السجاد (عليه السلام) الدور الثاني ، وهو الذي امتدّ منذ زمانه حتّى زمان الإمام الباقر ، والصادق (عليهما السلام) ، هو : بناء الجماعة المنطوية تحت لوائهم . ويشرح واحد من أنصار هذه المحاولة هذا الدور بقوله : والمرحلة الثانية التي بدأها الإمام الرابع ، زين العابدين (عليه السلام) ، تتركّز مهمّة الأئمة (عليهم السلام) فيها : على حماية الشريعة ، ومقاومة الانحراف الذي حدث في جسم الأُمّة على يد العلماء المزيّفين المنحرفين ، ... ولذلك نرى حرص الأئمة في المرحلة الثانية على الابتعاد عن الصراع السياسي ، والانصراف إلى بَثّ العلوم ، وتعليم الناس ، وتربية المخلصين ، وتخريج العلماء والفقهاء على أيديهم ، والإشراف على بناء الكتلة الشيعية ... (3) . ويقول : إنّ الإمام أراد أن تكون زعامته للأُمّة ، زعامة دينية ، وأن تصطبغ نشاطاته بصبغة روحية علمية ، فكانت زعامته في الأُمّة تختلف عن زعامة الأئمة قبله ، حيث كانوا يصارعون الدولة ، ويقصدون الإصلاح ، ويقارعون الظالمين . فكانت الطريقة التي عاش بها الإمام زين العابدين والظواهر التي برزت في حياته لا تسمح بزعامته إلاّ أنْ تكون دينية وروحية وعلمية ، وأن يكون قدوة صالحة في ـــــــــــــــــــ (1) نظرية الإمامة (ص 349) وانظر (351) ، وانظر : الفكر الشيعي والنزعات الصوفية للشيبي (ص 17) والصلة بين التصوّف والتشيّع ، له (ص 104 و 147) . (2) معتزلة اليمن (ص 17 18) . (3) الإمام السجّاد ، لحسين باقر (ص 13 ـ 14) . المجال التربويّ والمعيشة الربانية ، لا في مجالات التضحية والجهاد فكانت حياته بطولات في ميادين الجهاد الأكبر جهاد النفس ، لا الجهاد الأصغر جهاد الأعداء (1) . وزاد في تعميق المفاجأة : عندما وجدتُ هؤلاء جميعاً قد أغفلوا أمراً واحداً وهو تحديد السياسة التي ادّعوا أنّ الإمام : ابتعد عنها أو انصرف عنها أو زهد فيها أو لم يشارك فيها أو انعزل عن ساحتها إلى غير ذلك من التعابير المختلفة . وإذا كانت هي زعامة العباد ، وتدبير أمور البلاد (2) فهي داخلة في معنى الإمامة التي لابد أن نفرضها للإمام أو على الأقل نفرضها له عندما نتحدّث عنه من حيث كونه إماماً . وإذا كانت الإمامة متضمّنة للسياسة ، فكيف يريد الإمام أن يبتعد عنها ? . أو يريد الكُتّاب أن يفرضوا فراغ إمامته عنها ? . أو حصرها بالزعامة الروحية والعلمية فقط ? . وفي خصوص الإمام زين العابدين (عليه السلام) : كانت المفاجأة أعمق أثراً ، عندما لاحظتُ أنّ المصادر القديمة والمتكفّلة لذكر حياة الإمام (عليه السلام) تعطي بوضوح نتيجة معاكسة لما شاع عند هؤلاء الكُتّاب ، وهي : أنّ الإمام (عليه السلام) قد قام بدور سياسي فعّال ، وكان له تنظيم وتخطيط سياسي دقيق ، يمكن اعتباره من أذكى الخطط السياسية المتاحة لمثل تلك الظروف العصيبة الحالكة ـــــــــــــــــــ (1) الإمام السجاد ، لحسين باقر (ص 63) وانظر خاصة (ص 91 93) . ويلاحظ : أنّ جهاد النفس ليس من شؤون الإمامة ، ولا الإمام فقط ، بل إنمّا هو واجب عام على كل من آمن بالله ، وأراد الجنّة . (2) يلاحظ أن التصدي للحكام غير الشرعيين يعتبر داخلاً في هذا المعنى للسياسة ، حتّى في العرف المعاصر . وسيأتي في ( التمهيد ) تحديدنا للسياسة التي ندّعي أنّ للإمام زين العابدين جهاداً وجهوداً في سبيل تحقيقها . ووقفتُ على شواهد عينية من التأريخ تدل على أنّ الجهاد السياسي الذي قام به الإمام السجاد (عليه السلام) من أجل تنفيذ خططه يعد من أدق أشكال العمل السياسي ، وأنجحها . فكان أنْ قصدتُ إلى تأليف هذا الكتاب ليجمع صُوَراً من تلك الشواهد والعيّنات . فمهّدتُ بحثين يعتبران منطلقاً أساسياً لما يلي من بحوث في الكتاب ، وهما : 1 ـ البحث عن الإمامة ، وتعريفها ، وما تستلزمه من شؤون . 2 ـ البحث عن إمامة الإمام زين العابدين (عليه السلام) وإثباتها . ثم دخلتُ في الفصول ، وهي : الفصل الأول : أدوار النضال في حياة الإمام (عليه السلام) : في كربلاء ، وفي الأسر ، وفي المدينة . الفصل الثاني : النضال الفكري والعلمي في مجالات : القرآن والحديث ، والعقيدة والفكر ، والشريعة والأحكام . الفصل الثالث : النضال الاجتماعي والعملي في مجالات : التربية والأخلاق ، والإصلاح وشؤون الدولة ، ومناهضة الفساد الاجتماعي في أشكال : العصبية ، والفقر ، والرقّ . الفصل الرابع : مظاهر فذّة في حياة الإمام : الزهد والعبادة ، والبكاء ، والدعاء . الفصل الخامس : مواقف حاسمة في حياة الإمام : من الظالمين ، ومن أعوان الظالمين ، ومن الحركات السياسية المعاصرة له . وختمته بذكر نتائج البحث . راجياً أن يؤدّي دوراً في تصحيح الرؤية التي انطلتْ على أولئك الكُتّاب . وفي بلورة ما أُريد عرضه على صفحات هذا الكتاب . وقد يسّر اللهُ جلّ جلاله لي بفضله ومنّه العملَ في الكتاب منذ فترة تأليفه سنة ( 1413 ) ، وحتّى صدور هذه الطبعة المزدانة بمزيد من التدقيق ، فراجعتُ المزيد من المصادر والمراجع ، وأخذتُ بنظر الاعتبار ما لوحظ على الكتاب فزاد من الثقة به ، بتلافي ما وقع في الطبعة السابقة ، ومن الله التوفيق . حُرّر في الخامس والعشرين من شهر محرّم الحرام سنة 1417 هـ والحمد لله أوّلاً وآخراً وكَتَب السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ