التربية والتعليم في الإسلام
التربية والتعليم في الإسلام
المؤلف :
رقم الطبع :
الأولى
مكان الطباعة :
ایران - مشهد
(0 الأصوات)
(0 الأصوات)
التربية والتعليم في الإسلام
التربية في الإسلام تعني: إعداد العناصر الصالحة في المجتمع، من أجل خيره وسعادته. ويتطلّب الإعداد: وجود مُربِّين لهم كفاءات، وملاكات خاصة. والتربية تؤتي أُكلها إذا كان المربّون بدرجة من الحرص على تيسير المهمّة التربوية؛ ذلك لأنّها مهمّة شاقّة، لا يضطلع بها إلاّ الهادف الواعي. وعندما نقول: إعداد العناصر الصالحة، فإنّ هذا هو الهدف الأساس الذي يتوخّاه الإسلام، من وراء تأكيده على التربية السليمة السويّة، التي تتكفّل رفد المجتمع بطاقات رائدة. فالتربية الإسلامية التي تنهل من نمير القرآن، هي تربية سويّة. وهدى النبوّة، وسيرة أئمّة أهل البيت، والصحابة الأبرار، والعلماء الفضلاء، وكِبار المُربِّين الإسلاميين، هي مصادر أُخرى تستمد منها التربية وجودها. فالقرآن الكريم، والسنة الشريفة، وما دوّنه ِكبار المُربين الإسلاميين في الحقل التربوي، هي المصادر التي تعتمدها التربية الإسلامية. وفي مقابل التربية السويّة التي ينادي بها الإسلام، نلحظ هناك تربية منحرفة شاذة ذات مواصفات جاهلية، تتبنّاها نُظُم علمانية تخطط لها بشكل هادف. وقد لمسنا آثارها السيّئة في مجالات متنوّعة: قومية، وسياسية، وثقافية، واقتصادية، واجتماعية... ونحن هنا لا نرمي التعرّض لها على نحو التفصيل، بل نشير إليها إشارة عابرة؛ لنتوفّرعلى صورة مشرقة عندما نتلو قوله تعالى: (وَالْبَلَدُ الطيِّب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لا َيَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً...)، (الأعراف: 58). ونُنبّه هنا على أنّ التربية قد تكون سويّة، بَيْد أنّها لا تُؤثر في صياغة بعض النماذج الاجتماعية؛ وهذا ما يدعونا إلى التعرّف على العناصر التي تتكوّن منها التربية. فهذه العناصر هي: المُربِّي، ومادّة التربية، والمتربي، والظروف الاجتماعية، فإذا كان المُربِّي كفوءاً، ومادّة التربية مفيدة مناسبة، والمُتربِّي متفاعلاً، والظروف الاجتماعية مؤاتية، حقّقت التربية ما تصبو إليه من أهداف؛ بلحاظ فاعليّة العناصر الأربعة إيجابيّاً. أمّا إذا كان هناك خلل في أحد هذه العناصر ولاسيّما المُتربِّي، فإنّ التربية تتعثّر في مهمّتها وقد يضمر دورها. تمتاز التربية في الإسلام بأنّها تربية ذات حس ديني معنوي. وعندما أقول هذا فإني أقصد: أنّها تتفوّق على غيرها من ضروب التربية الأرضية البعيدة عن إشعاع السماء، من حيث علاقتها بالعالم الغيبيّ، وواقعيّتها ؛ لتجاوبها مع الفطرة البشرية، وطبيعتها العملية من حيث إنهـا ـ من وجهة نظر الإسلام ـ سلوك عملي ملموس قبل أن تكون نظرية مسطورة في الكتب. وكذلك تمتاز بدعوتها إلى الأخلاق الكريمة الرفيعة، فهي تشعّ على بني الإنسان بالفضائل التي يرنو إليها كلّ فرد، وتمتاز ـ أيضاً ـ بنقاوة مفرداتها من شوائب الأفكار الوافدة الدخيلة. هذا والإسلام يؤمن بأنّ التربية تُلازم كل مجال من المجالات الحياتية المتنوّعة، ولا تنفك عنه بأيّ حالٍ من الأحوال. وهذه سمة تُفضي إلى تفوّق النظام التربوي في الإسلام على غيره من النُظُم، إذ إنّه يكثِّف من العملية التربوية؛ ليعيش المجتمع سعادة لا تُوفرها نُظُم تربوية أُخرى. إذا مارس الإنسان العملية التربوية، فإنّه يعيش في جوٍّ تربويٍّ حافلٍ بالعطاء، شريطة أن تكون هذه العملية محصّنة بمناعة وقائيّة، ضدّ أعراض قد تنتابها، نحو: عدم استحضار العلاقة مع الله تعالى، والغفلة عن الحسّ الديني، والفتور، والتأثّر بالأفكار الترقيعية الهجينة، وتثبيط العزائم هادفاً كان أو عفوياً. فهذه حالات غير صحيّة ربما تمر بها العملية التربوية عبر مسيرتها الشائكة. والإفادة من الأساليب الوقائية تحول دون هذه الحالات المرَضية، فتظل العملية التربوية نابضة بالحياة، محافظة على فاعليّتها وهدفيّتها،واستقامتها. لقد بلغ اهتمام الإسلام بالتربية درجة أنّه قدّمها على التعليم، مع عدم تغافله عن أهميّته. فقد قال عزّ من قائل: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ...)،( الجمعة: 2 )، وقال جلّ شأنه: (لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ويُزَكِّيهم ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ...)، ( آل عمران: 164 ). فالإسلام يؤكِّد على التربيـة أوّلاً، ثمّ التعليم؛ لأنّ البُعد التربوي في المجتمع، أهم من البُعد التعليمي. ولا أُبالغ إذا قلتُ: بأنّ الإسلام أغنى نظامٍ بمفرداته التربوية والتعليمية. لقد أنجزتُ تعريب هذا الكتاب لمؤلِّفه الدكتور علي شريعتمداري، وهو جهد علمي مشكور في الحقل التربوي، بَيْدَ أنّه لا يخلو من بعض الثغرات. وهذا أمر لا مندوحة منه، إذ ليس لأحد أن يدّعي الكمال؛ فالكمال لله وحده.. ويظلّ الكلام قاصراً؛ لصدوره من قاصر. ولا عيب في القصور، بل العيب في التقصير.فإذا واصلنا سيرنا فنحن غير مقصِّرين. وإذا قعدنا وتخلّفنا، فقد جمعنا بين القصور والتقصير؛ وهذا هو الداء العضال. لقد دوّنتُ بعض الملاحظات العامة حول الكتاب، وقدّمتُها مع هذا التعريب لمن يهمّهم الأمر، وذلك في ورقة مستقلّة. ولي ملاحظات خاصة، ذكرتها في هوامش الكتاب عند الضرورة، لعلّها تماثل التعليقات على بعض المواضيع، حيثما استوجب ذلك. وقد يلحظ القارئ الكريم نوعاً من الجفاف في بعض مواضيع الكتاب، فلا غرو لأنّ أُسلوب الكتاب علمي، ومواضيعه اختصاصية. وقد ينعكس ذلك على التعريب أيضاً؛ لأنّي راعيتُ الأمانة بدقّة، ولم أتصرّف إلاّ قليلاً بشكل لم يخل بأصل الموضوع وفكرته، مع ترحيبي بكلّ ملاحظة بنّاءة مفيدة حول التعريب وذلك من أجل تطوير العمل، والسيرقُدُماً نحو الأفضل. وأخيراً أبتهلُ إلى الله تعالى أن يجعلني والناقدين من المعتصمين به، (.. وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، (آل عمران: 101)، وأن يُعيننا على أنفسنا أن نزكّيها: (.. وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِن أَحَدٍ أَبَداً)، (النور: 21).