آيـات الغديـر

آيـات الغديـر

آيـات الغديـر

رقم الطبع :

الأول

سنة النشر :

1419

عدد المجلدات :

1

(0 الأصوات)

QRCode

(0 الأصوات)

آيـات الغديـر

مقـدمـة بســــم اللّه الرحمن الرحيم . الحمد للّه رب العالمين , وافضل الصلاة واتم السلام على . سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين . تـوجـد ثـلاث مـسـائل في عمل الانبيا والرسل (ع ) لم يعطها الباحثون حقها في تدوين سيرتهم , ودراسة اعمالهم :. الـمـسالة الاولى : ان اصل مهمتهم (ع ) هو تبليغ الناس رسالة ربهم فقط فالمحورالذي تدور عليه اعمالهم هو التبليغ والادا , من اجل اقامة الحجة لربهم عز وجل على عباده . فالرسول مبلغ رسالة ومؤديها وهو يتقي ربه سبحانه ويخاف من غضبه وعذابه ان هو قصر في الادا , او خالف حرفا مما كلف بان يؤديه ولذا تراه يشهد الناس على انه ادى اليهم , ليشهدوا له عند ربه . والرسول مبلغ , وليس له اجبار الناس على قبول الهدى , ولا على الالتزام به ولايمكنه ذلك . فـلا اكـراه فـي الـدين الالهي وحرية الناس يجب ان تبقى محفوظة , ليؤمنوا ان شاؤوا او يكفروا ويـلـتزموا بالدين او ينحرفوا عنه لان ذلك معنى فتح مدرسة الحياة في هذه الدار , وامتحان الناس بالهدى والضلال , واعطائهم القدرة على فعل الخير او الشر ثم محاسبتهم في مرحلة لاحقة في دار اخرى . واجبارهم يتنافى مع اصول الامتحان , وما يلزمه من حرية اختيار. والـمـسـالـة الثانية : ان هدف الانبيا والرسل (ع ) يتركز على القضايا ( الكبرى ) في حياة الناس ومسار المجتمعات فالرسول (ع ) مهندس رباني , ولكنه مهندس مدن ومجتمع , ومسيرة تاريخ . واعماله يجب ان ينظر اليها بهذا المنظار , وان تقاس بهذا المقياس , وان يسال الباحث نفسه : ماذا كان سـيحدث في ثقافة الناس ومسار التاريخ , لو لم يبعث هذاالرسول , وماذا حدث بسبب بعثته وادائه لرسالته ؟. او يسال نفسه : كيف كانت حالة العالم الوثنية اليوم , لو لم يبعث ابراهيم (ع )ويرسي اساس التوحيد , ويزرع كلياته في مسيرة المجتمع الانساني ؟ او كيف كانت حالة الجزيرة العربية , والبلاد العربية , والعالم في عصرنا , لو لم يبعث نبينا (ص ) , ولم يحدث هذا المد الاخير من التوحيد والحضارة ؟ لقد كان عمله (ص ) تكوين امة , ودفعها لتاخذ موقعها في مصاف امم العالم ,بل في ريادتها باحسن ما يمكن من مقومات الامة , مضمونا وشكلا. كان عمله انشا سفينة , واطلاقها في بحر شعوب العالم وفي مجرى التاريخ وكان حريصا ان يكون ربـانـهـا بـعـده اهل بيته , الذين اصطفاهم اللّه وطهرهم , واورثهم الكتاب ولكن ان لم تقبل الامة بقيادتهم , فليكن الربان من يكون , حتى يبلغ اللّه امره في هذه الامة , ثم يبعث فيها المهدي الموعود (ع ). والـمـسالة الثالثة : ان الجانب الذاتي في الرسول (ع ) موجود ومؤثر دون شك ,فهو مفكر , نابغ , مخطط , فاعل مختار ولكن الذاتية في عمله ضئيلة جدا وما يقابل الذاتية هنا ليس الالية , فان اطاعة الرسول (ع ) لما يوحى اليه انما هوعن قناعة , وايمان , وتعبد. الـرسـول يجتهد في امور , شخصية او عامة ولكن مساحة الامور التي يسمح لنفسه ان يجتهد فيها ويعمل فيها برايه , جز قليل من مساحة عمله الواسع الكبير فمثله كمثل مهندس ارسله رئيسه لتنفيذ مشروع كبير , وهو مقتنع ان عليه ان يتصل دائما برئيسه , لـيـاخـذ منه التعليمات الحكيمة الصحيحة , حتى لا يقع في اخطا ضارة فهو يعمل ويفكر وينفذ , ولكنه على اتصال دائم بمركزه , ياخذ منه مراحل الخارطة , ويستشيره في رفع اشكالات التنفيذ وهذا المثل لمهمة هذا المهندس , مصغر آلاف المرات عن مهمة الرسول (ع ). اما مركز هداية الرسول (ع ) , فلا يقاس احد باللّه سبحانه , ولا فعل احد بافعاله . وعـلـى هذا , يجب علينا في دراسة سيرة نبينا (ص ) ان ندخل في حسابنا هذه الامور الثلاثة : انه مـبلغ ما امر به وان عمله انشا امة واطلاقها في مسيرة التاريخ وان عمله دائما بتوجيه ربه , وليس من عند نفسه . والـمتامل في سيرته (ص ) يلمس هذه الحقيقة لمسا , وان اللّه تعالى كان يديرامره من اول يوم الى آخر يوم , وكان هو يطيع وينفذ مسلما امره الى ربه ,متوكلا عليه , راضيا بقضائه وقدره . ولـذا جات النتائج فوق مايتصور العقل البشري , وفوق ما يمكن لكل مهندسي المجتمعات , ومنشئي الامم , ومؤسسي الحضارات . لـقـد اسـتـطـاع الـرسول (ص ) ان يحدث مدا عقائديا حضاريا عالميا في اقل مدة ,واقل كلفة من الخسائر البشرية والمادية فرغم شراسة الاعدا والحروب لم تبلغ ‌قتلى الطرفين الف قتيل وما ذلك الا بسبب ان ادارة الرسول (ص ) كانت من ربه عز وجل . لقد كان القرآن يتنزل عليه باستمرار من اول بعثته الى قرب وفاته , وكان جبرئيل (ع ) ياتيه دائما , بيات قرآن او وحي غير القرآن , واوامر وتوجيهات واجوبة الخ . ومـا اكـثر الامثلة في سيرته (ص ) على ذلك , فهي مليئة بالتدخل الالهي والرعاية في كبير اموره وصـغيرها وهي تدل على انه (ص ) ما كان يتصرف من عند نفسه الا في تطبيق الخطوط العامة التي اوحـيـت الـيه , او تنفيذ الاوامر التفصيلية التي بلغه اياهاجبرئيل (ع ) وكثيرا ما كان يتوقف عن العمل , ينتظر الوحي وقـد ورد انه (ص ) قال : اوتيت الكتاب ومثله معه , اي ما كان جبريل ياتيه به من السنن ـ الايضاح / 215 , وان جبريل كان ينزل عليه بالسنة كما ينزل بالقرآن ـ الدارمي : 1/ 145. وكـانـت هـذه التوجيهات كانت تشمل اموره الشخصية ايضا (ص ) , من زواجه وطلاقه , ولباسه وطـعامه , ونومه ويقظته , ووضوئه وسواكه , فضلا عن عطائه ومنعه , وحبه وبغضه كما كانت شاملة لحالات حله وترحاله , ورضاه وغضبه . ـ روى فـي الـكـافـي : 4 / 39 , عن الامام الصادق (ع ) قصة شخص كافر جا يحاج النبي (ص ) ويـكـذبه ويؤذيه ويتهدده , قال : ( فغضب النبي (ص ) حتى التوى عرق الغضب بين عينيه , وتربد وجـهـه , واطرق الى الارض , فاتاه جبرئيل (ع ) فقال : ربك يقرؤك السلام ويقول لك : هذا رجل سخي يطعم الطعام فسكن عن النبي (ص )الغضب ورفع راسه , وقال له :. لـو لا ان جـبرئيل اخبرني عن اللّه عز وجل انك سخي تطعم الطعام , لشردت بك ,وجعلتك حديثا لمن خلفك فقال له الرجل : وان ربك ليحب السخا؟. فقال : نعم . فقال : اني اشهد ان لا اله الا اللّه وانك رسول اللّه , والذي بعثك بالحق لا رددت من مالي احدا انتهى . ـ وروى في الكافي : 1 / 289 , ان شخصا سال الامام الباقر (ع ) فقال :. حدثني عن ولاية علي , امن اللّه او من رسوله ؟. فـغـضب افترضها اللّه , كما افترض الصلاة والزكاة والصوم والحج انتهى ولا نطيل الكلام بامثلة ذلك , فهي موضوع مهم لرسالة دكتوراه , بل لعدة رسائل . والخلافة بعد النبي (ص ) موضوع بسيط وليس معقدا. فـقـد قـال اهل البيت وشيعتهم ان النبي (ص ) نصب عليا (ع ) وليا للمسلمين من بعده , وان ذلك كان بامر ربه عز وجل , فلا مجال فيه لاختيار قريش او غيرقريش . وقـالـت قـريـش انـه لم ينصب احدا , ولم يوص الى احد , وان ( سلطانه ) ترثه كل قبائل قريش الثلاث وعشرين , لانه ابن قريش . لذلك اختارت قريش بعده قرشيا من قبيلة تيم هو ابو بكر , ثم اختار ابو بكرقرشيا من قبيلة عدي هو عمر , ثم اختار عمر بواسطة الشورى قرشيا ثالثا من بني امية هو عثمان . ولـم يـخـتاروا خليفة من الانصار , لانه ليسوا قرشيين فلا حق لهم في سلطان محمد (ص ) , ولم يختاروا من بني هاشم , لان حقهم في سلطانه ليس اكثر من غيرهم من قبائل قريش , ولم تخترهم اكثرية قبائل قريش انـه مـوضـوع بـسيط , يدور حول وجود النص وعدم وجوده ولكنه موضوع شائك لا تحب فتحه قريش , لانه يضع نظام خلافتها تحت الاستفهام واذا فتحته حذرك القرشيون وقالوا لك : انه صعب معقد , وافتوا لك بان الكلام فيه حرام وآيـات الـغـديـر , جـز مـن مـجموع الايات التي نزلت في علي واهل البيت (ع ) ,وقد الف قدما الـمفسرين والمحدثين حتى السنيين منهم , كتبا خاصة في الايات التي انزلها اللّه تعالى في اهل بيت نـبـيه (ص ) , وفي الاحاديث التي قالها فيهم النبي (ص ) الذي لاينطق عن الهوى الـحـافظ ابي نعيم الاصفهاني باسم ( ما نزل في علي من القرآن ) , وكتاب النسائي صاحب الصحيح باسم ( خصائص امير المؤمنين علي ) , وهما كتابان معروفان مطبوعان . واثـنـا بحثنا لايات الغدير الثلاث : ( بلغ ما انزل اليك من ربك ) و ( اليوم اكملت لكم دينكم ) و ( سال سائل بعذاب واقع ) وجدناها مرتبطة بخطب النبي (ص ) في حجة الوداع ارتباطا وثيقا , فكان لا بد ان يشمل موضوعنا بحوثا في هذه الخطب الست الثقلين من بعده : القرآن والعترة , وبشارته الامة في خطبة عرفات بان اللّه تعالى حل مشكلة الحكم فيها , واختار لهامن بعده اثني عشر اماما ربانيا. كـذلـك كـان من اللازم ان نبحث العلاقة التي كانت قائمة بين النبي (ص ) وزعماقريش في قضية حكم اهل بيته من بعده (ص ). وقـد اخترنا للكتاب اسم ( آيات الغدير ) رغم اشتماله على هذه الموضوعات ,لانه الاسم الانسب لها , وان زادت عن تفسير آيات الغدير بالمعنى الاصطلاحي . نـرجو ان تكون بحوثا مفيدة , وان ينفعنا اللّه تعالى بها في آخرتنا , ويشملنا بسببهافي شفاعة النبي وآله الطاهرين (ص ). مركز المصطفى للدراسات الاسلامية . علي الكوراني العاملي . في الثالث عشر من رجب المكرم 1419